اختتمت القمة العربية الأوروبية المقامة في مدينة شرم الشيخ المصرية أعمالها يوم الاثنين الماضي، هذه القمة التي عقدت في سبيل تعزيز التعاون في عدة مجالات كالتجارة والاستثمارات وتنظيم الهجرة والأمن ومشكلة تغيّر المناخ إلى جانب مشكلات المنطقة مثل القضية الفلسطينية وعودة الاستقرار إلى كل من ليبيا وسوريا واليمن، تعدّ الأولى من نوعها، حيث حضرها 28 شخصية من كبار المسؤولين في أوروبا، بما في ذلك 20 رئيساً للوزراء ومستشارين إضافة إلى رئيس جمهورية واحد، بينما حضر من الجانب العربي 12 مسؤولاً تنوعوا بين رئيس جمهورية ورئيس وزراء وملوك.
اللافت للنظر أن هذه القمة عقدت بعد 10 أيام على قمة وارسو، ما دفع بالمحللين إلى التساؤل حول علاقة القمتين ببعضهما البعض، وهل قمة شرم الشيخ مكملة لقمة وارسو؟ أم إنها تتعارض معها؟
وللإجابة على هذه الأسئلة، سنجري تحليلاً بسيطاً للقمتين على أن نعرض فيما يلي التفاوت بينهما، وهو على الشكل التالي:
أولاً- عقدت قمة وارسو بمبادرة من اليمينيين المتطرفين في إدارة ترامب والكيان الإسرائيلي، وبالرغم من أن بولندا هي التي كانت المستضيفة للقمة، إلا أن أمريكا و"إسرائيل" هما اللتان كانتا تديران القمة، أما في قمة شرم الشيخ فأمريكا و"إسرائيل" كانتا غائبتين.
ثانياً- كانت قمة وارسو تهدف إلى إيجاد اختلاف بين ما يسمى بأوروبا الشابة (اليمينية المتطرفة) وأوروبا العجوز(المعتدلة)، وهو ما يتماشى مع استراتيجية اليمين الأمريكي الذي يهدف إلى تدمير مختلف الاتحادات في سبيل تحقيق أهدافه، لكن اجتماع شرم الشيخ أظهر أن الأطراف المجتمعة فيه تهدف إلى الحفاظ على هذه الاتحادات وخاصة الاتحاد الأوروبي الذي بدأ يعتمد استراتيجية مهمة وهي السماح لمختلف الأعضاء فيه بالمشاركة في الاجتماعات الدولية وعدم اكتفاء التمثيل بفرنسا أو أوروبا كي لا تتكرر مأساة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ثالثاً- عقدت قمة وارسو بهدف تعزيز ما يسمى بـ "صفقة القرن" التي تهدف إلى إزالة دولة فلسطين من خريطة العالم وتعزيز تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي دون حل الأزمة الفلسطينية، أما في قمة شرم الشيخ فإن الجهود المشتركة من كلا الجانبين أي الدول العربية والأوروبية أكدت أهمية حل الأزمة الفلسطينية عبر التأكيد على مقررات الأمم المتحدة بإنشاء دولتين على أساس حدود 1964، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن كلا الطرفين (الأوروبي والعربي) قد أدرك أهمية وخطر إنهاء القضية الفلسطينية من أجندة القضايا الإقليمية والعالمية، وبالتالي يمكن اعتبار القمة نوعاً من المقاومة لما يسمى بـ "صفقة القرن".
رابعاً- عقدت قمة وارسو بهدف إطلاق المرحلة الثانية من مشروع "الربيع العربي"، وهذا ما كشفه معهد بيغن-السادات الإسرائيلي، حيث قال إن المرحلة الثانية من "الربيع العربي" قد بدأت وهو ما يمكن رؤيته في بعض الدول، بما في ذلك السودان والجزائر، أما قمة شرم الشيخ فعلى ما يبدو أنها كانت تهدف إلى ترميم جراح الماضي وإيجاد حل للنزاعات، خاصة أن المتضرر منها كان الطرفان الأوروبي والعربي، بحيث إن أوروبا تعاني اليوم من أزمة اللاجئين الفارين من أتون الحرب ومن أزمة عودة المتطرفين الذين يحملون جنسيتها من مناطق المعارك إليها وبالتالي المزيد من المشكلات، كما أن الدول العربية كانت أكثر ضرراً بحيث إن هذه الحروب قد جرت على أراضيها.
في الخاتمة.. إن أخذنا بعين الاعتبار هذه الفروقات والاختلافات بين القمتين نصل إلى نتيجة مفادها أن قمة شرم الشيخ هي ليست مكملة لأهداف قمة وارسو بل إنها تتناقض معها تماماً، كما يجب الالتفات أيضاً إلى نقطة مهمة وهي أن السعودية كانت متواجدة في كلتا القمتين وعلى مستوى تمثيل عال أيضاً، لذا عليها الاختيار ضمن أي تحالف يجب أن تبقى وتختار، فهل عليها البقاء في تحالف ابن سلمان المدمّر مع اليمنيين المتطرفين في أمريكا والكيان الإسرائيلي، أو تريد الانضمام إلى أوروبا المنفتحة متعددة القطبية التي تسعى إلى الوقوف في وجه الأحادية الأمريكية؟
ومن خلال نتائج هاتين القمتين نرى أن الشرق الأوسط يقف اليوم أمام مرحلة تحوّل جديدة عنوانها "تشكل تحالفات جديدة"، أوله تحالف أمريكي إسرائيلي مهزوم ومرعوب، وتحالف عربي أوروبي متردد ومحور مقاومة بدأ نجمه بالصعود سياسياً وعسكرياً.