"الدبلوماسيّة العسكريّة" عبارة باتت تتردّد أصدائها في السياسية الإسرائيلية مؤخراً. فبعد سنوات على فشل الدبلوماسيّة السياسيّة للكيان الإسرائيلي في كسر حالة العزلة الكبيرة التي يعيشها في الشرق الأوسط وأفريقيا، سعى الكيان خلال العقد الماضي لاستخدام صفقات السلاح من جهة، والتدريب العسكري من جهة أخرى لتعزيز علاقاته الدبلوماسيّة مع دول العالم.
مؤخراً، وفي الخلاف القائم بين باكستان والهند، ظهر إسم الكيان الإسرائيلي بقوّة بعد أن كتب الصحافي البريطاني المعروف روبرت فيسك مقالة في صحيفة "ذا اندبندنت" البريطانية تناول فيها الصراع المحتدم بين الهند وباكستان والدور الإسرائيلي في هذا الصراع حيث تعدّ الهند أحد أبرز المستوردين للسلاح الإسرائيلي.
لا تقتصر الصادرات العسكرية الإسرائيلية على الهند، فقد أشار تقرير صادر عن معهد "ستوكهولم" الدولي لأبحاث السلام " سيبري"، أن الكيان الإسرائيلي قد عزز مكانته كأكبر دولة مصدرة للأسلحة لجميع أنحاء العالم. الكيان الذي احتل السابعة عالميا في تصدير الأسلحة، ارتفعت صادرات شركاته لصناعات الأسلحة حوالي 55% على مدار الخمس سنوات الماضية.
في أفريقياً أيضاً، يتربّع التدريب العسكري على رأس الإستراتيجية الإسرائيلية لتعزيز العلاقات الدبلوماسية، فقد نشرت الصحافة الإسرائيلية قب أشهر تقريرا حول قوات كوماندوز تابعة للجيش الإسرائيلي تقوم بتدريب قوات محلية في أكثر من 12 بلد أفريقي، كجزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع لتعزيز العلاقات الدبلوماسية في القارة. هذا التدريب العسكري كان أحد أبرز الأسباب لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين تشاد و"إسرائيل" بعد 46 عاما من القطيعة. يقول أحد الخبراء العسكريين الإسرائيليين إن "الدفء الذي يحيط بالعلاقات الإسرائيلية الأفريقية من جديد أعاد الجيش الإسرائيلي مجددا إلى تدريب عدد من الجيوش الأفريقية.
الشرق الأوسط لم يكن عن هذه الدبلوماسيّة ببعيد، ورغم محاولات التستّر على مثل هذا الأمر حتّى الأمس القريب، إلا أن مفاعيل التعاون العسكري الإسرائيلي مع بعض الدول العربية قد ظهرت نتائجه مؤخراً بمحاولة نقل التطبيع من المرحلة السرية إلى مرحلته العلنية.سعودياً يكثر الحديث عن الأسلحة الإسرائيلية المستخدمة في العدوان على اليمن، فعلى سبيل المثال لا الحصر كشفت مصادر مقرّبة من لجنة الاستخبارات بالكونغرس الأمريكي عن استخدام القوات السعودية أسلحة إسرائيلية الصنع في الهجوم على مدينة الحديدة. في السياق ذاته، تستخدم الرياض برامج مراقبة إسرائيلية للتجسس على مواطنيها. الإمارات أيضاً، أحد أبرز المتعاونين مع الكيان الإسرائيلي في الشقّ التكنولوجي، فقد وقّعت العديد من الشركات الامنية الإسرائيلية عقوداً مع الإمارات حول الأمن الإلكتروني فاقت الـ6 مليار دولار بين أعوام 2007 و2015 وفق صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية. كذلك هناك بلدان أخرى كالأردن ومصر تربطها دبلوماسيّة عسكرية مع الكيان الإسرائيل، سواء عبر شراء السلاح، أو عبر قصف الجماعات التكفيرية في سيناء، وقد وصل التطبيع العسكري مع الدول العربية إلى المشاركة في مناورات عسكريّة مشتركة.
الأسباب
هناك جملة من الأسباب تفسرّ قدرة الكيان الإسرائيلي على تعزيز دبلوماسيّته العسكرية. بعض هذه الأسباب ترتبط بالكيان الإسرائيلي، في حين أن الأسباب الأخرى ترتبط بالجهات المطبّعة، سنذكرها بالتوالي:
يستخدم الكيان الإسرائيل جملة من الواجهات للتسويق لنفسه. أول هذه الواجهات ترتبط بالخبرات الأمنية المتطوّرة في "مكافحة الإرهاب"، حيث تعمل على تزويد تلك الدول بوسائل تكنولوجية متطورة للمراقبة والتنصت. التدريب العسكري أيضاً أحد هذه الواجهات حيث يعمد الكيان الإسرائيلي على إنشاء علاقات مع العديد من الدول الإفريقية في هذا المجال، سواء فيما يتعلّق بالإرهاب، أو حتى حتى تدريب وحدات الحرس الرئاسة ووحدات النخبة القتاليّة. يلعب الموساد دوراً واضحاً في هذا الإطار حيث يسعى لاستغلال المعلومات التي يجمعها لتزويد الجهات الإسرائيلية بنقاط الضعف هذه في الدول المستهدفة بغية العبور السلس دون أي عوائق.
فيما يتعلّق بالطرف المقابل، يستغل الكيان الإسرائيلي نقاط ضعف تلك الدول، او بشكل عام التهديدات التي تواجهها للدخول إليها. ففي مسألة الهند يستغل الكيان الصراع القديم مع باكستان. في الشرق الأوسط، يستغل محاولات الأنظمة العربية الملكية لمراقبة شعوبها والتنصت عليها خشية أي تحرّكات قد تهدّد الحكم. يستغل هذه الأمور لتطوير العلاقات معها سراً، ومؤخراً على العلن. وأما في أفريقا المستهدف الأبرز في الدبلوماسيّة العسكريّة فقد استغلّ الكيان الإسرائيلي التهديدات الأمنية كجماعة بوكو حرام أو غيرها للدخول إلى القارّة التي كانت محرّمة عليها دعماً للقضية الفلسطينية.
باختصار يسعى الكيان الإسرائيلي من خلال الدبلوماسيّة العسكرية، أو بالأحرى دبلوماسيّة السلاح وأنظمة التجسس، تسعى لكسر العزلة التي يعيشها، مستفيداً من نقاط القوّة التي يمكلها تكنولوجياً وأمنياً من جهة، والتهديدات التي تعيشها دول الصراع سواءً في الشرق الأوسط أو أفريقيا من جهة أخرى، فما هو الأسلوب الأنجع لمواجهة هذه الدبلوماسيّة؟