شهدت شوارع العاصمة الجزائرية احتجاجات عارمة ضد حكومة الرئيس "بوتفليقة" منذ ما يقرب من شهرين وعلى الرغم من استقالة الرئيس "بوتفليقة" من منصب رئاسة الجمهورية وتقديم رئيس مؤقت للبلاد، إلا أن الاحتجاجات لا تزال مستمرة ضد الحكومة الحالية وفي أجزاء أخرى من شمال إفريقيا وقبيل خروج الجزائريين في مظاهرات بأسابيع كان السودانيون على موعد مع المظاهرات ضد الرئيس السوداني "عمر البشير"، حيث أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن الآلاف من السودانيين خرجوا إلى شوارع العديد من المحافظات السودانية قبل عدة أشهر للمطالبة بتغيير النظام السياسي الحاكم في البلاد.
يذكر أن السودان والجزائر نجتا من موجة ما يسمى ثورات "الربيع العربي" التي حدثت في الشرق الأوسط عام 2011، ويعتقد البعض من الخبراء السياسيين بأن بدء الاحتجاجات في هذين البلدين خلال هذه الفترة الزمنية يرجع إلى عدم حدوث احتجاجات ومظاهرات ضد الأنظمة الحاكمة فيها خلال فترة "الربيع العربي" الماضية ولكن هذه الحجة ليست دقيقة وذلك لأن الاحتجاجات العارمة التي خرجت في بلدان مثل مصر وتونس لم تتمكن من تحقيق جميع الأهداف التي خرجت من أجل تحقيقها وفي بلدان أخرى مثل ليبيا نرى بأن الأوضاع أصبحت سيئة للغاية ونرى أيضاً بأن هذا البلد لا يزال يعيش أزمات متتالية وأصبح ممزقاً.
والحقيقة المُرة التي أصبحت واضحة للعيان هي أن احتجاجات "الربيع العربي" التي خرجت عام 2011 في منطقة الشرق الأوسط لم تنجح أبداً في تحقيق ما تصبو إليه ولم تنجح في بناء البلدان المثالية، ففي بلد مثل تونس نرى بأن ثورة "الياسمين" تسببت في حدوث تغيير سياسي ضئيل في النظام الحاكم، ولكن فيما يتعلق بالهيكل الاقتصادي فإنه لم يتغير كثيراً عمّا كان عليه في الماضي، ولا تزال النخب الاقتصادية التقليدية هي "المافيا" التي تقوم باحتكار الواردات والصادرات وهي التي تقوم أيضاً بالتحكم في أسعار السلع في الأسواق التونسية.
وفي مصر، لم تحصل تغييرات سياسية ملموسة، ولم تتغير سوى أسماء القادة العسكريين، لكن الجيش ما زال يسيطر على السلطة العليا، وهنا يرى العديد من الخبراء السياسيين بأن الحرية السياسية خلال فترة حكم "السيسي" في مصر شهدت تراجعاً كبيراً عما كانت عليه خلال فترة حكم "مبارك" وذلك لأننا نتذكر أنه خلال عهد "مبارك"، كان يُسمح للجماعات الإسلامية بترشيح مرشح يمثلها، ولكن اليوم أصبح وجود مثل هذه الجماعات غير قانوني ومحظور، وفي البلدان الأخرى التي عاشت في خضم ثورات "الربيع العربي" عام 2011 في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك البحرين، فإننا نرى بأن الاوضاع السياسية في هذا البلد لم تتغير بل أصبحت أسوأ من السابق ومازال الشعب البحريني يعيش تحت حكم حفنة من الحكام المستبدين.
وقد دفعت احتجاجات الجزائر والسودان بعض المحللين إلى الاعتقاد بحدوث موجة ثانية من "الربيع العربي" في منطقة الشرق الأوسط، لكن الجزء الأكبر من المحللين لم يعتقدوا بذلك لعدد من الأسباب التالية:
خلال فترة "الربيع العربي" التي حدثت عام 2011 في تونس ومصر وليبيا، كان الإسلاميون هم المحرك الرئيس لهذه الثورات، ولكن في التطورات والاحتجاجات الحالية، هناك علامات ومؤشرات أقل على دور هذه الجماعات الإسلامية ومن هذا المنطلق، تختلف طبيعة المتظاهرين الذي شاركوا في هذه الاحتجاجات عما كانت عليه عام 2011.
وفي احتجاجات عام 2011، قوبلت مواجهات الحكومة مع المحتجين في مصر أو في ليبيا برد فعل أجنبي قوي، ولكن في الوقت الحالي، ومع استمرار الاحتجاجات لحوالي شهرين، كان رد فعل القادة السياسيين في الغرب حذر وكانوا يلتزمون الصمت التام في بعض الأحيان، وهذا الأمر سيجعل نجاح المحتجين أكثر صعوبة وبعبارة أخرى، فإن العديد من البلدان التي كانت تؤيد المظاهرات عام 2011، تعيش الآن أزمات داخلية.
وهنا نرى بأن دولة مثل فرنسا التي لعبت دوراً رئيساً كداعم للمتظاهرين ضد الرئيس "القذافي" في ليبيا عام 2011، تعيش حالياً وسط موجة من الاحتجاجات الداخلية.
إن الاحتجاجات الحالية لم تقتصر على بلدان الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خروج احتجاجات عارمة، نرى بأنه خلال الأسابيع الماضية خرجت أيضاً العديد من الاحتجاجات والمظاهرات في العاصمة الفرنسية باريس التي تعدّ قلب أوروبا النابض.
في الواقع، إذا تم تفسير الاحتجاجات الحالية التي خرجت في السودان والجزائر بأنها جاءت كنتيجة لعدم الثقة وخيبة الأمل إزاء الأنظمة الحاكمة والأوضاع الاقتصادية السيئة السائدة في هذه البلدان، فإن هذا الوضع لا يقتصر فقط على منطقة الشرق الأوسط، ولكن يتعداه إلى فرنسا، حيث خرج الآلاف من المتظاهرين الموسومين بأصحاب السترات الصفر كل يوم سبت خلال الفترة السابقة إلى شوارع العاصمة باريس للمطالبة بنفس تلك المطالب، ولم تنتهِ هذه الاحتجاجات عند هذا الحد في القارة الأوروبية بل إنها امتدت إلى دول الجوار، بما في ذلك بلجيكا.
لذلك، فإن انعدام الثقة والرغبة في تغيير النظام الحاكم ليس حكراً للشرق الأوسط، بل إن هذه المطالب هي التي خرج من أجل تحقيقها الآلاف من المتظاهرين في عدد من البلدان الأوروبية، وعلى الرغم من ارتفاع حالات عدم الرضا من الأنظمة الحاكمة في عدد من بلدان العالم، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة حدوث ثورات مماثلة وأزمات وخيمة كما حدث في الشرق الأوسط عام 2011، لكن المحتجين يأملون في أن تساعدهم هذه الاحتجاجات في إحداث تتغير للأنظمة الحاكمة المستبد