خياراتُ واشنطن في المُجابهة مع إيران.. أحلاها مُرّ

قيم هذا المقال
(0 صوت)
خياراتُ واشنطن في المُجابهة مع إيران.. أحلاها مُرّ

كلام الحرب يُحلِّقُ عالياً هذه الأيام في أجواء الشرق الأوسط، بعد إصرار واشنطن على الذهاب بعقوباتها الإقتصادية إلى نهاية المطاف، على الدول التي تستورد النفط الإيراني، ونعني بها الصين وتركيا وتايوان والهند وكوريا الجنوبية وإيطاليا واليونان. ينبغي على هذه الدول أن تَكُفَّ عن استيراد النفط الإيراني إبتداء من 2 أيار/مايو المقبل وإن لم تفعل فستتعرَّض لعقوباتٍ اقتصاديةٍ أميركيةٍ بحسب البيت الأبيض.

الحرب الإقتصادية في عُرْف واشنطن ترمي إلى تطويع الجمهورية الإسلامية وحملها على تغيير سياستها في الشرق الأوسط. بَيْدَ أن إعلان الاستنفار في حالته القصوى في الأسطول الخامس الأميركي المُقيم في البحرين وتعيين الحرس الثوري في خانة الإرهاب، فضلاً عن حجم العقوبات وتوفير الدعم للمعارضة الإيرانية، يوحي برغبةٍ أميركيةٍ بتغيير النظام أو على الأقل حِرمانه في مرحلةٍ أولى من الوسائل الإقتصادية الضرورية لسياسته الخارجية.

بالمقابل تردُّ إيران بالقول إنها ستواصل بيعَ نفطها ولن تفلح واشنطن بتطويعها. وتُعَيّنُ بدورها القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط في خانة الإرهاب ، وتضعُ على رأس الحرس الثوري الإيراني القائد المُتشدّد حسين سلامي وترفع الإستنفار في قوّاتها إلى الحد الأقصى.

يجري ذلك في ظلّ خطاب حَرْبَجي من الطرفين، وصل إلى ذروته في الأيام الأخيرة، كما لاحظنا في تصريحاتٍ أميركيةٍ عاليةِ النبرة، إذ هدَّد جون بولتون الإيرانيين بالقول "أنتم تصفوننا بالشيطان الأكبر ويجب أن تعلموا أنه في حال تَعرُّضِكم لقواتنا أو لحلفائنا وأصدقائنا في المنطقة، فإننا سنريكم الجحيم". من جهته حذَّر وزير الخارجية مايك بومبيو "إن أقفلتم مضيق هرمز فسنفتحه بالقوّة"، وكان ترامب قد هدَّد في وقتٍ سابقٍ "ستتعرّض إيران لعقوباتٍ لم يسبق لأحدٍ أن تعرَّض لها في التاريخ".

الردّ الإيراني جاء موازياً على لسان القادة العسكريين حيث أكَّد قاسم سليماني قائد فيلق القدس مُخاطباً الأميركيين. "خضتم حرباً وأرسلتم 110 آلاف جندي إلى أفغانستان من دون جدوى. أنتم اليوم تتوسّلون طالبان للخروج من هذا البلد وتجرؤون على تهديدنا؟!" وأضاف مُحِذّراً ترامب "تهدّدنا بحربٍ لا مثيل لها في التاريخ. هذا كلام ملاهي الليل ولا يمكن أن يتلفَّظ به إلا نادِل بار، وبالتالي لا يفعل سوى أن يحطّ من قَدْر الأُمّة التي تمثلها. ولن يتشرَّف رئيسنا بالردّ عليك. أنا الجندي سليماني أردّ أقول لكم لقد فعلتم ما تستطيعون ضدّنا ولم تحصلوا على أية نتيجة خلال العشرين سنة الماضية.. أنا قاسم سليماني سأواجهكم بفيلق القدس. كن واثقاً أنه لا تمرّ دقيقة من دون أن نفكِّر بتدميركم. إعلموا إننا على مقربة منكم وسنأتي إليكم من حيث لا تتوقّعون".

قائد الحرس الثوري الإيراني الجديد، حسين سلامي معروف هو الآخر بتصريحاته الهجومية، فقد سبق له أن هدّد نتنياهو بالقول "عليك أن تتعلَّم السباحة فقد لا يسعفك الوقت للهروب من بلدك إلا بواسطة العوم". وكان سلامي قد أكّد في 19 شباط/فبراير الماضي أن إيران تتهيّأ لتحطيم أميركا وإسرائيل وشركائهم  بقوله "حربنا المقبلة لن تكون محلية أبداً".

على الرغم من القاعدة العربية الشهيرة التي تقول بأن "الحرب أولها كلام" فإن التصعيد الذي رأينا بعض أبرز ملامحه قد لا يكون مدخلاً إلى حرب طاحنة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ذلك أن لغة المُخاطبة بين الطرفين كانت دائماً عدوانية ولكن الكلام نفسه يمكن أن يُمهّد لحربٍ غير مسبوقة. الأمر الذي يستدعي ألقاء الضوء على فرضيات المُجابهة المسلحة وفرضيات التسوية في الآن معاً.

نبدأ من فرضيات الحرب التي تُبنى على واقع أن إيران مُحاطة من كل حدودها بقواعد عسكرية أميركية بانتظار ساعة الصفر، لاقتلاع الجمهورية الإسلامية باعتبارها الحاجز الأخير في الشرق الأوسط أمام النفوذ الأميركي المُطلَق. ويحلم اليمين الأميركي المُتشدِّد بتوفير بيئةٍ آمِنةٍ لإسرائيل تليها صفقة القرن وعودة مضمونة للولايات المتحدة الأميركية إلى الشرق. والمُلاحَظ أن تل أبيب والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تدفع بهذا الاتجاه، فضلاً عن الخبراء العسكريين الذين يرون أن وسائل الدفاع الإيرانية ضعيفة وأنه من السهل تحطيم الأسطول البحري الإيراني خلال يومين، في حين لن يجد الطيران الحربي الأميركي مقاومة إيرانية مهمة.

تبدو هذه الفرضية وردّية الملامح لأنها تُهمِلُ القياس إلى نتائج حربيّ أفغانستان والعراق التي انتهت بكارثتين تعاني واشنطن من سوء إدارتها حتى اليوم، ناهيك عن كون إيران بلداً عملاقاً يحتل موقعاً استراتيجياً في الشرق الأوسط لا نظير له، ويملك وسائل جدّية في الدفاع عن نفسه وعلى رأسها 750 ألف جندي يمكنهم إلحاق أكبر الأذى بعدوهم، ناهيك عن احتمال توسّع الحرب لتشمل المنطقة بكاملها.

أما فرضيات التفاوض فتنطلق من المثال الكوري الشمالي حيث انتهى التصعيد اللفظي بين الطرفين الأميركي والكوري إلى الجلوس حول  طاولة المفاوضات. ويُعزّز هذه الفرضية أن إيران ليست أفغانستان طالبان التي كانت معزولة عالمياً ، وهي ليست عراق النظام السابق الذي أنهكته الحروب. ناهيك عن أن حرباً أميركية على إيران من الممكن أن تتدحرج نحو حربٍ عربيةٍ إسرائيليةٍ مع محور المقاومة مع ما يعنيه ذلك من جحيم اقليمي تصعب السيطرة عليه. هذا إذا أهملنا عزلة ترامب الدولية وانشقاق الأميركيين حوله، وكلفة الحرب الإقتصادية والبشرية فضلاً عن احتمال ارتفاع أسعار النفط نحو أرقام قياسية جديدة. لهذه الأسباب يمكن القول إن إشعال الحرب قد يتمّ بقرارٍ ارتجالي وعقولٍ أميركيةٍ مُلتهبة.

بين المخرج من النزاع الإيراني الأميركي بواسطة الحرب أو التفاوض هناك مساحة مهمة للخروج ب  "هدنة" ناجمة عن تجميد مُتبادَل للنزاع على الأرض من دون تراجع أيّ من الطرفين عن مواقفه. والهدنة مفيدة لترامب في الحفاظ على صورته كرئيسٍ قوي لا يلين، ومفيدة أيضاً لإيران بوصفها قوّة لا يُستهان بها ولا تجرؤ القوّة الأكبر في العالم على محاربتها. وفي هذه الحال يمكن للطرفين الإتفاق على تخفيف التوتّر بينهما عبر حل إحدى القضايا العالِقة في المنطقة كالحرب اليمنية القابلة للحل بما يحفظ ماء الوجه لكل الأطراف.

ثمة مخرج آخر ليس بعيداً عن الهدنة ويكمُن في مقاومة الصين وتركيا والهند للإملاءات الأميركية، وبالتالي كَسْر إرادة ترامب في فرض خياراته عليها والانتقاص من سيادتها، وفي هذه الحال يمكن لطهران أن تلتفَّ على العقوبات الأميركية بوسائل عديدة.

تبقى الفرضية الأخيرة التي تُبنى على أن يستغل طرف ثالث حال التوتّر وبالتالي يرتكب عملاً عدائياً يؤدّي بدوره إلى اشتعال الحرب خصوصاً ألا علاقات سرّية بين البلدين تتيح خطاً هاتفياً أحمر لتفادي الوقوع في أفخاخٍ من هذا النوع.

كائناً ما كان مصير الأزمة الراهنة بين إيران والولايات المتحدة فإن الخروج منها سيُغيِّر وجه الشرق الأوسط.

 

فيصل جلول، باحث لبناني مقيم في فرنسا

قراءة 991 مرة