غزة تلوح بالردع الإسرائيلي المتآكل على مقربة من صفقة القرن

قيم هذا المقال
(0 صوت)
غزة تلوح بالردع الإسرائيلي المتآكل على مقربة من صفقة القرن

 لا تستطيع إسرائيل احتلال قطاع غزّة، ولا تستطيع تلبية مطالبه. ولا تريد التفاوض حول مطالب سياسية للفلسطينيين، لا في غزّة ولا في أي مكان آخر، ذلك أن الاعتراف بحقهم في السيادة على جزء من أرضهم يعني أن لهم الحق في السيادة على كل فلسطين.

تتجدّد منذ العام 2014 الإشتباكات الإسرائيلية ـــــــ الفلسطينية في قطاع غزّة بين الحين والآخر. يستمرُّ مذاّك الحصار الخانِق على 2 مليون فلسطيني، لحملهم على الاستسلام، فتردّ المقاومة الغزّاوية بوسائل مختلفة لفكّ الحصار، تارةً بالبالونات الحارِقة، وتارةً أخرى بالصواريخ وأعمال القنص، وتارةً ثالثة بالتظاهرات المنتظمة على الشريط الحدودي للاحتلال تحت شعار حق العودة.

في سياق المُجابهات الدورية، تختبرُ إسرائيل قدرتها على الردع وتُحسِّن أداء القبّة الحديدية وخطط نقل السكان ورَسْم قواعد الإنتقال والحماية خلال المجابهات، ويختبرُ الفلسطينيون قدرتهم على تحسين آدائهم الصاروخي ورسم الخطط الكفيلة بالردّ على الإجراءات الإسرائيلية. وتنقل إحدى الصحف الصهيونية أن المقاومة الغزّاوية أطلقت صاروخ "بدر" الإيراني الصنع الذي ينفجر على علو 20 متراً قبل ارتطامه بالأرض ويتشظّى إلى أكثر من 1400 شظية قاتِلة لمحيط الإنفجار، وربما تكون فعّالة في إلحاق الأذى بوحدات ومواقع القبّة الحديدة. وتفيد شرائط الاشتباك الأخير على الشبكة العنكبوتية أن الفلسطينيين اعتمدوا تكتيكاً جديداً يقضي بإطلاق عشرات الصواريخ في دقيقةٍ واحدةٍ لإرباك القبّة الحديدية.

لا تستطيع إسرائيل احتلال قطاع غزّة، ولا تستطيع تلبية مطالبه. ولا تريد التفاوض حول مطالب سياسية للفلسطينيين، لا في غزّة ولا في أي مكان آخر، ذلك أن الاعتراف بحقهم في السيادة على جزء من أرضهم يعني أن لهم الحق في السيادة على كل فلسطين.

الاعتراف الإسرائيلي بحق الفلسطينيين على جزء من أرضهم، يطعن السردية الدينية الصهيونية التي تقول إن إسرائيل الكبرى هي حقٌ مقدّس للشعب اليهودي ولا يمكن لهذا الحق أن يكون مقدّساً في مكان ولا قيمة قدسية له في مكان آخر، إلاّ في حال واحدة قسرية: عندما تفرض المقاومة وقائع على الأرض لا يمكن قهرها وتحمل إسرائيل على الرحيل مُكرهة، كما حصل في جنوب لبنان عام 2000 أو في قطاع غزّة عام 2005 ولكن من دون الطعن بالسردية نفسها ، فالإنسحاب يتمّ من أرض مقدّسة قهراّ وليس من أرض لأصحابها الشرعيين.

الواضح أن إٍسرائيل تُصِرُّ على الحل الأمني في مواجهة قطاع غزّة ولا شيء غير الحل الأمني وهو يتراوح بين الضربات العقابية والحصار، ووضع الخطط لإعادة احتلال القطاع إذا ما تبيّن أن المقاومة الغزّاوية تُعيد النظر بقواعد اللعبة برمّتها بما فيها قواعد الاشتباك.

بالمقابل يُصِرُّ الطرف الفلسطيني على ضرب الحل الأمني ويقول: لا أمن للصهاينة ما لم يُعيدوا الحقوق الى أصحابها. ويبتكر وسائل النضال المُتاحة، من بينها الأنفاق والتسلّل البحري والبالونات الحارِقة والقنص والصواريخ المضادّة للدروع والكمائن على الشريط الفاصل، فضلاً عن تطوير الصواريخ ووسائل الدفاع الذاتي وابتكار قواعد للتكتيك والاستراتيجية القتالية التي تلائم بيئة وظروف القطاع المُحاصَر.

ما نلاحظه حتى الآن هو أرجحية فلسطينية في لعبة ال " بينع بونغ " المُتفجّرة والمستمرة بين الطرفين منذ العام 2014، وذلك رغم الضغوطات التي تمارسها إسرائيل عالمياً وإقليمياً لتطويق المقاومة ومحاصرتها وتصفيتها. ويمكن تفصيل الاستراتيجية الصهيونية عبر الخطوط التالية:

أولاً: الإفادة إلى أقصى الحدود من دونالد ترامب عبر خلق وقائع على الأرض داخل وخارج فلسطين ومن ثم الدفاع عنها عسكرياً وسياسياً ، وبالتالي نقل خطوط القتال والتفاوض إلى حدود أبعد من تلك التي كانت قائمة قبل إجراءات ترامب في القدس والجولان ومستوطنات الضفة.

إن المقاومة الغزّاوية التي تقاتل من أجل رَفْع الحصار كهدفٍ مباشر أعلنت عنه مراراً في السنوات الماضية، تواجهها إسرائيل بطيّ صفحة القدس والجولان ومستوطنات الضفة. وبالتالي القول للشعب الفلسطيني في غزّة وفي كل مكان إن سقف المقاومة الغزّاوية ليس تحرير فلسطين التي صارت في الجيب الصهيوني وإنما تحسين شروط معيشة القطاع ورَفْع الحصار عنه.

ثانياً: حِرمان المقاومة الغزّاوية من هامش المناورة الدولي عبر تصنيف حماس والجهاد الإسلامي في خانة المنظمات الإرهابية ، والضغط على القوى الإقليمية لحِرمان الفلسطينيين من المساعدات والتأييد ، ومن ذلك الضغط على مصر كي تُبقي معبر رفح مُقفلاً وكي لا تصل مساعدات خارجية للقطاع وإن وصلت فهي لسدّ الرَمَق وليس للإمداد القتالي.

ومن ذلك أيضاً استخدام الدعم القطري لحماس بوصفه جزرة للمقايضة في إجراء ما، كالإمتناع عن إطلاق الطائرات الورقية الحارِقة. وأخيراً حِرمان المقاومة من الشرعية الفلسطينية حيث تُعتبرُ حماس بنظر حكومة رام الله حركة إنقلابية مُتمرِّدة لا شرعية لها.

ثالثاً: فرض حصار اقتصادي خانِق على القطاع لحمل أهله على تحويل غضبهم جرّاء الصعوبات المعيشية إلى قنبلة متفجّرة بوجه حماس والجهاد ، وبالتالي دفع الأهالي إلى التظاهر بمطالب معيشية وتغيير أولوياتهم من مقاومة الإحتلال إلى  تحسين شروط الحياة اليومية. وفي حال نجاح هذه الخطة تتدخّل قوى خارجية وعربية وفلسطينية لإعادة غزّة إلى بيت الطاعة العباسي.

رابعاً: شيطنة المقاومة الغزّاوية عبر الإيحاء بأنها إيرانية الهوى وأن طهران تستخدمها لأهدافٍ فارسية لا صلة لها بفلسطين. ومن ثم استعراض المقاومة بوصفها "إخوانجية" وغير قومية أو وطنية. إن كل نزاع ديني أو طائفي أو مذهبي في هذا الصَدَد مُكًرسٌ في المقام الأول لشيطنة "حماس" و"الجهاد" و لا خير فيه لأهل فلسطين.

 خامساً: إلحاق الأذى بالحال المعنوية للغزّاويين عبر إختراق الصهاينة للعالم العربي بالتحالف مع بعض دوله والسلام مع البعض الآخر، والتفاهم مع الخليجيين وفرض حصار مُطبَق على أطراف محور المقاومة في لبنان وسوريا واليمن وإيران ، ووضع كل منها بمواجهة خطر الحرب مع إسرائيل من جهة او الجوع أو الحرب الأهلية من جهة أخرى. وما نراه في لبنان من حديث متواتِر عن الانهيار المالي لا يخرج عن هذا السياق ويُمهّدُ لتسويق صفقة القرن بعد شهر رمضان المبارك.

على هذه الصورة تبدو معادلة ال "بينغ بونغ" بين إسرائيل وقطاع غزّة منظوراً إليها من الطرف الصهيوني. والمعادلة نفسها منظوراً إليها من الطرف المقاوِم، تبدو مختلفة تماماً، ذلك أن إسرائيل بنظر المقاومين تستمد قوّتها من تسلّحها ومن قدرتها على هزيمة الخصم بأقل قدر من الخسائر البشرية والاقتصادية ، ومن استنادها إلى موازين قوى عالمية واقليمية وفلسطينية تعترف بها وتؤيّدها وتدعمها أحياناً بلا شروط، لكن "عقب أخيل" يظل كامناً في الردع الإسرائيلي الذي يتعرّض منذ بداية الألفية الثالثة في لبنان وفي غزّة لاختبارات فاشِلة ويتآكل بعد كل مُجابهة. هذا التآكُل سيفضي ذات حين إلى انهيار الاستراتيجية الصهيونية المُشار إليها أعلاه  كقصرٍ من الكرتون، تماماً كما انهار نظام "الأقدام السود" في الجزائر في ذروة تفوّقه الظاهِر على مختلف الأصعدة ما خلا الردع الذي فشل في إقناع الجزائريين بلا جدوى المقاومة.

فيصل جلول، باحث لبناني مقيم في فرنسا

قراءة 926 مرة