في خضم الأزمة المتوترة بين طهران وواشنطن مرّر ترامب رقم هاتفه الخاص إلى الجانب الإيراني عبر سويسرا، لكن التواصل بين الرؤساء والزعماء لا يجري بهذه الطريقة عادة، بل وفق أصول وقواعد. مع ذلك لم تُحترم هذه القواعد دائماً وشهدت الاتصالات مواقف طريفة وأخرى غريبة.
لا يبادر رئيس أي دولة إلى رفع سماعة هاتفه ويتصل مباشرة بنظيره في الطرف الآخر. إذا كان هذا الأمر يحدث بين الأصدقاء وفي مجالات العمل والتواصل الاجتماعي، إلا أنه يحتاج إلى تدابير وإجراءات خاصة يقوم بها طرفي الاتصال على مستوى الدول وأجهزتها السيادية.
أكثر من سبب يقف وراء ذلك، منها أسباب بروتوكولية تتعلق بقواعد السلوك والتصرف بين الزعماء وأصحاب المراكز السياسية، سواء داخل الدولة نفسها أو بينها وبين دولة أخرى. ومن ذلك أسباب أمنية لها علاقة بإمكانية اختراق المحادثة من قبل أطراف ثالثة، لذا تجري الاتصالات بواسطة خطوط آمنة.
إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعروف بخروجه عن قواعد النظام وتجاوز الأعراف، لم تكن المرة الأولى التي يشذّ فيها عن البروتوكول، حينما مرّر رقم هاتفه الخاص للإيرانيين بواسطة الجانب السويسري كما سرب الإعلام الأميركي.
وكان ترامب أعلن في 11 مايو/أيار الجاري أنه مستعد لاستقبال مكالمات هاتفية من المسؤولين الإيرانيين في أي وقت. وردّ الإيرانيون بأن الرئيس الأميركي لديه أرقام هواتفهم ويمكنه الاتصال بهم أيضا إذا أراد ذلك.
وقبيل تسلمه منصبه عام 2016 ساد الارتباك في البيت الأبيض وفي محيط فريق ترامب بسبب صعوبة الوصول إلى الرئيس المنتخب.
"كيف يُمكن الاتصال بالرئيس الأميركي المنتخب؟". بقي السؤال من دون إجابة في ظل ضبابية نتجت من صعوبة تحديد مواعيد لقاءات عالية المُستوى معه، وبسبب الفوضى وغياب التنسيق في اتصالاته الخارجية ولقاءاته الدولية.
"ألو رئيس"... ليس هكذا تجري الاتصالات
المرة الأولى التي مرّر فيها ترامب رقم هاتفه الخاص إلى زعيم سياسي خلال ولايته الرئاسية لم تكن مع إيران. فعلها سابقاً مع رئيسي كندا والمكسيك عام 2017 كما تبادل أرقام الهاتف مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقب أول لقاء بينهما بحسب ما تذكر وكالة " أسوشيتد برس".
الوكالة التي عدت هذا التصرف سابقة فريدة من نوعها، نقلت عن مسؤولين أميركيين أن خطوة رئيسهم أثارت مخاوف بشأن أمن وسرية الاتصالات التي يجريها الرئيس وهو القائد الأعلى لجيش البلاد.
ويجري ترتيب اتصالات زعماء الدول في العادة عبر القنوات الدبلوماسية، وتجري إحاطتها بكثير من التحصين الأمني. ويقول خبراء أمنيون في الولايات المتحدة بحسب الوكالة إن "هاتف ترامب الجوال معرض للاختراق من الخارج، حتى وإن كان صادراً عن الحكومة، ولذلك فإن رؤساء أميركا يستخدمون خطوط هاتف مؤمنة في البيت الأبيض".
ويعيد هذا الأمر إلى الذاكرة الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين أميركا وحلفائها من بينهم فرنسا وألمانيا على خلفية الوثائق السرية التي سربها إداورد سنودن وتلك التي نشرتها "ويكيلكس" عام 2015 والتي تثبت تجسس وكالة الأمن القومي الأميركية على هواتف زعماء هاتين الدولتين من بين دول أخرى.
واستناداً إلى الوثائق، فإن الولايات المتحدة تنصتت على الرئيس فرانسوا هولاند وسلفه نيكولا ساركوزي وجاك شيراك، كما تنصتت على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عبر هاتفها الشخصي إضافة إلى عدد من الوزراء الألمان بينهم وزيري الاقتصاد والمالية.
تحضيرات تسبق المكالمة
رصد تقرير نشرته شبكة "بي بي سي"، الإجراءات التي يتم من خلالها التحضير للمكالمة الهاتفية بين قادة الدول. ونقل التقرير عن ستيف إيتس الذي كان يتولى منصب نائب مستشار لشؤون الأمن لدى نائب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، أنه في حال كانت البلدان تربطهما علاقات دبلوماسية عادية، فإن السكرتير المنوط به إجراء الاتصالات يهاتف نظيره في البلد الآخر ويبلغه بأن رئيس دولته يود إجراء محادثة مع نظيره في ذلك البلد.
أما فلاديمير شيفتشينكو، الذي عمل مديراً في خدمة بروتوكولات الكرملين في ظل رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف ورئيس روسيا بوريس يلتسين لمدة عشر سنوات فيقول لوكالة "سبوتينك": "كقاعدة عامة، فإن الاقتراح بالتحدث عبر الهاتف ينقله الطرف المعني عبر القنوات الدبلوماسية من خلال وزارة الخارجية أو ممثلها في الخارج، أي السفارة. عند تقديم هذا الاقتراح، يتم تحديد وقت الاتصال وموضوع المحادثة. قد يتم تقديم قائمة تقريبية للقضايا المطروحة للمناقشة، على الرغم من أن الأخلاقيات الدبلوماسية لا تتطلب بالضرورة ذلك".
من ناحيته يقول ألكسندر بانوف، رئيس قسم الدبلوماسية في جامعة موسكو الحكومية وسفير روسيا في كوريا الجنوبية واليابان والنرويج ونائب وزير الخارجية سابقاً: "إن التفاوض على إجراء محادثة هاتفية قد لا يستغرق بضع ساعات فحسب، بل قد يصل لبضعة أيام. كل هذا يتوقف على الظروف المحددة".
وفي العادة لا يكون الاتصال محصوراً فقط بين الرئيسين، إذ يستمع عدد من الأشخاص إلى المكالمة من بينهم مساعدون ومستشارون ومترجمون.
وقبيل المكالمة الهاتفية، يتلقى الزعيمان المعلومات الكافية من مساعديهما. أما إذا كان الاتصال تشريفي، فالملف يكون صغيراً نسبياً، يُذكر فيه من طلب أولا الاتصال الهاتفي، ويرفق أيضا بمقترحين أو ثلاثة للمسائل التي يمكن أن تثار أثناء المكالمة. وعلاوة على ذلك، يتضمن الملف معلومات شخصية عن أحوال المتحدث على الطرف الآخر.
أما إذا كان موضوع المحادثة الهاتفي أكثر حساسية، فالرئيس الأميركي يحصل بحسب تقرير "بي بي سي" على معلومات إضافية بهذا الخصوص، ويستمع أعضاء مجلس الأمن القومي إلى حديث الزعيمين.
المقالب التي يتم إيقاع بعض الناس فيها من خلال المكالمات الهاتفية لم تقتصر فقط على العامة، بل شملت عدداً من الشخصيات السياسية وزعماء دول. أول هؤلاء كان ترامب نفسه.
فقد نجح المقدم الفكاهي جون ميليندز في انتحال شخصية السيناتور الديمقراطي من نيوجيرسي، روبرت منديز، لإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي الـ45.
وكشف المقدم الفكاهي أنه اتصل بالبيت الأبيض مدعياً أنه أحد معاوني السيناتور بعد أن ترك رقم هاتفه وفي نهاية المطاف رُبط الاتصال بترامب.
ولم يرد البيت الأبيض على طلبات وكالة فرانس برس الاستفسار عن ملابسات هذه الحادثة الغريبة التي تطرح تساؤلات عدة حول البروتوكول المتبع للتواصل مع الرئيس.
بدوره تحدّث سلف ترامب جورج بوش عام 1990 مع رجل يدعي بأنه الرئيس الإيراني. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض مارلين فيزووتر وقتها: "شككنا من البداية بأن هناك خطأ ما، إلا أن الرئيس أجرى المحادثة كجزء من خطة التثبت من صحة المكالمة".
وفي أسبانيا اتصل مقدم برنامج إذاعي برئيس الوزراء الأسباني السابق ماريانو راجوي، زاعماً أنه الزعيم الكاتلوني الانفصالي الجديد، ويبدو أن راجوي انطلت عليه الحيلة.
وفي عام 2008 ، سخر كوميديون كنديون من مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس الأميركي، سارة بالين، حيث قدم المتصل نفسه على أنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وناقش البرنامج الانتخابي للجمهوريين، وكذلك تحدث عن زوجته كارلا بروني ساركوزي.
كذلك فعل المخادعان الروسيان فلاديمير كوزنيتسوف وأليكسي ستولياروف بالمغني البريطاني إلتون جون، عندما اتصلا به، نيابة عن بوتين، لمناقشة مشاكل المثلية في روسيا. كان على بوتين نفسه أن يعتذر عن هذا المقلب، فقد أجرى اتصالاً هاتفياً حقيقياً مع إلتون جون بحسب ما نقلت وكالة "سبوتنيك".
وتمكن فوفان ولكسوس أيضاً من عمل مقالب هاتفية مخادعة مع رؤساء دول مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
تداعيات وخيمة
يضطر الزعماء أحياناً إلى مناقشة مواضيع حساسة عبر الهاتف. وفي حال تسربت المعلومات أو نجح قراصنة في اختراق المحادثة فإن تداعيات ذلك يمكن أن تكون وخيمة.
وفي هذا السياق توضح صحيفة Le figaro الفرنسية التهديدات المحدقة بهواتف زعماء العالم وكيفية حمايتها من خلال تقرير يسلط الضوء على هذه المسألة.
وتنقل الصحيفة عن كاتب الدولة السابق المكلف بالرقميات في فرنسا، منير محجوبي، أن "أغلب الهواتف التي نستعملها اليوم هي إما صنع أميركي أو صيني. وعلى الرغم من أن المشغلين فرنسيين، إلا أنه لا يمكننا أن نعرف بالضبط ما يفعله مصنعو الهواتف في منتجاتهم".
وأفاد محجوبي بأن "جميع الوزراء الفرنسيين مزودون بهواتف محمولة آمنة، تحتوي على تطبيقات مشفرة. وتم التصريح لهذه التقنية التي طورتها شركة Ercom من طرف الوكالة الوطنية لحماية الأنظمة المعلوماتية ".
ولا يمكن للرئيس الفرنسي مشاركة صور هاتفه أو تجربة لعبة، وقد خُصص هاتفه فقط للتواصل بشكل آمن، حيث يتم تشفير تبادل الرسائل الصوتية أو القصيرة من حين إلى آخر عن طريق مفتاح تشفير وحيد. أما في حال ضياع الهاتف أو سرقته، فيمكن لشريحة خاصة موجودة تحت غطاء الجهاز تدمير البيانات عن بُعد.
علي فواز