كلفـة الحـرب علـى إيـران 42 مليـار دولار

قيم هذا المقال
(0 صوت)

فيما تحاول الحكومة الإسرائيلية تجنيد دبلوماسييها ورجال الدين فيها لتأييد الهجوم العسكري على إيران، طلب زعيم المعارضة شاؤول موفاز من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إطلاعه على خطواته بهذا الشأن. واتهم موفاز نتنياهو بأنه يشكل خطراً على إسرائيل، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي أن أميركا ليست ملزمة بتأييد أي هجوم إسرائيلي على إيران.

ووجّهت دوائر اقتصادية إسرائيلية يوم أمس صفعة شديدة للتهديدات بالحرب على إيران، عندما أعلنت أن تقديراتها للخسائر الإسرائيلية المباشرة لا تقل عن عشرة مليارات دولار، وأكثر من أربعين مليار دولار للخسائر غير المباشرة.

وجمعت وزارة الخارجية الإسرائيلية قبل يومين حوالي 15 سفيراً لها في دول مركزية في العالم هي أميركا والأمم المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، ألمانيا، ايطاليا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الهند، اليابان، اوستراليا، الصين، البرازيل، مصر والأردن لمناقشة الوضع الأمني لإسرائيل، وفي مركزه قضية إيران. وأشارت صحف إسرائيلية إلى أن الرسائل التي تلقاها المؤتمرون كانت متناقضة، بين تلك الواردة من قادة الأذرع الأمنية، وتلك التي يقدّمها وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ومستشار الأمن القومي الجنرال يعقوب عاميدرور.

وفي إشارة واضحة لنيات نتنياهو تجاه الحرب مع إيران أرسل مستشاره للأمن القومي عاميدرور للاجتماع مع الزعيم الروحي لحركة «شاس» الحاخام عوفاديا يوسف لإطلاعه على مخاطر المشروع النووي الإيراني. وطوال أكثر من ساعة عرض عاميدرور على الحاخام تفاصيل التطورات في المشروع الإيراني وأخطاره المتزايدة على إسرائيل. وثمة أهمية لهذا الاجتماع لأن لحركة «شاس» وزيرين في المجلس الأمني المصغر، وهما يعارضان الحرب على إيران. ويعتقد المعلقون أن نتنياهو لا يملك غالبية حتى الآن، لا في المجلس الوزاري المصغر ولا في الحكومة، وهو يحاول بخطوة علنية الإيحاء بأنه يسعى لتوفير هذه الغالبية.

ولكن محاولة نتنياهو تهيئة الظروف الداخلية تصطدم بجبهة عريضة داخل الحلبة السياسية، وأيضاً في الحكومة. وشهدت الأيام الأخيرة صراعاً إعلامياً علنياً بين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي أعرب عن معارضته الشديدة لهجوم إسرائيلي منفرد على إيران. ووجه موفاز أمس رسالة لنتنياهو طالبه فيها بعقد اجتماع طارئ حول الخطر النووي الإيراني، في إطار الإطلاع الشهري المنصوص عليه في القانون بين رئيس الحكومة وزعيم المعارضة. وقال في رسالته: «أطلب عقد هذا الاجتماع من دون تأجيل، وموضوعه هو نياتك لقيادة إسرائيل نحو الحرب». وأرفق موفاز برسالته ملحقاً سرياً بعث بنسخة عنه لكل من وزير الدفاع والمستشار القضائي للحكومة ولرئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست. وحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي فإن هذا الملحق يحوي أسئلة حول جاهزية إسرائيل للحرب مع إيران وعواقب ذلك على العلاقات مع الولايات المتحدة. وطلب موفاز من نتنياهو الحصول على معلومات حول احتياطيات إسرائيل من المواد الطبية والعملات الأجنبية والمواد الخام والوقود وحماية الموانئ وإخلاء المنشآت الإستراتيجية. كما طلب توضيحات حول الموقف الرسمي الأميركي بشأن الهجوم العسكري، ومدى التفاهم بين الحكومتين الإسرائيلية والأميركية في الميادين الاستخباراتية، العملياتية، السياسية والاقتصادية.

واعتبر موفاز في رسالته أنه «في الأيام الأخيرة يتم تجاوز خطوط حمراء جوهرية في تعاطيك السياسي والأمني، وفي تعاطي قيادة حكومتك. وهذا تخل تام عن النقاش العام في المواضيع الأشد حميمية من الناحية الأمنية، وهو ما غدا عادة روتينية لك ولحكومتك». وشدد على أن «الدوافع خلف علنية تخليك هذا لم تتضح بعد بكاملها، ولكن من الجلي أنها غريبة عن مصلحة الدولة».

وأشار موفاز إلى أن الهجوم الإسرائيلي على إيران لن يحقق سوى نتائج محدودة «مقابل انعدام تماثل وخسارة أرواح بشر، عبر المساس الشديد بالجبهة والتآكل العميق لمكانة دولة إسرائيل السياسية. إن عملاً كهذا هو غير أخلاقي وعديم المنطق العملياتي في الظروف القائمة». وتساءل «ما هو الهدف الحقيقي خلف توسيع الشرخ مع الولايات المتحدة؟». وقال إن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى أوضحوا «لك، لوزير الدفاع وأيضاً لأعضاء الحكومة المعاني المثيرة لعملية إسرائيلية تقود إلى تدخل فظ وغير مشروع في سيرورات سياسية داخل الولايات المتحدة، قبيل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني». وتتسم رسالة موفاز بأهمية كبيرة لأنه سبق وخدم كرئيس لأركان الجيش الإسرائيلي وكوزير للدفاع، ما يجعله في موضع المطلع على قدرات إسرائيل وأسرارها الأمنية.

ومن جهة ثانية، واصل رئيس الأركان الأميركي ديمبسي توجيه الصفعات لحكومة نتنياهو في الشأن الإيراني. وفي مستهل زيارته لأفغانستان أعلن ديمبسي خلافه مع حكومة نتنياهو. وقال «إننا غير ملزمين بتأييد هجوم إسرائيلي على إيران». واعتبر أن «الولايات المتحدة وإسرائيل تقدمان تفسيراً مختلفاً للتقارير الاستخباراتية ذاتها حول المشروع النووي الإيراني». وأشار إلى العلاقات التي تجمعه مع رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بني غانتس وأنه يتحاور معه على أساس ثابت «مرة كل أسبوعين». وقال إنه في هذه الحوارات «نقارن التقديرات الاستخباراتية، ونتباحث في الأبعاد الإقليمية ونقرّ، أحدنا للآخر، بأن ساعاتنا تتقدم ليـس بالوتيرة نفسها».

وكرر ديمبسي تقديره، الذي تضررت منه إسرائيل ورأت أنه يمس بقدرتها الردعية، وهو التقدير الذي أطلقه في مؤتمر صحافي قبل أيام بحضور وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا. وقال ديمبسي إن الهجمات الإسرائيلية على إيران ليس بوسعها القضاء على المشروع النووي الإيراني وإنما عرقلته فقط. واعترف مع ذلك بأن إسرائيل تنظر إلى الخطر الإيراني بوصفه مشكلة أشد إلحاحاً مما تراها الولايات المتحدة، «فهم يعيشون في خوف وجودي، نحن لا نعيشه». وأشار إلى التقارير حول اقتراب موعد الهجوم الإسرائيلي، وأن حكومة نتنياهو تضغط على أميركا في هذا الشأن، فقال «إننا لا نشعر بهذا الضغط».

ورأت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه ليس واضحاً بعد ما إذا كانت إسرائيل ستهاجم إيران أم لا، ولكن من الواضح أن هجوماً كهذا سيكون باهظ التكلفة على الدولة العبرية. وأشار تقرير لشركة الأبحاث التجارية (BDI) إلى الخسائر المتوقعة للاقتصاد الإسرائيلي إذا شنت الحرب على إيران ووقعت حرب إقليمية جراء ذلك. واعتبر التقرير أن كلفة الحرب الإقليمية هذه على إسرائيل لن تقل عن 167 مليار شيكل (حوالي 42 مليار دولار).

ويتضمن هذا التقدير مكوّنات عدة أولها تجديد احتياطي الذخائر بما لا يقل عن ملياري دولار. وسيخسر الاقتصاد أيام عمل بحوالي عشرة مليارات دولار، هذا فضلا عن انهيار 10 في المئة من المصانع لخمس سنوات وفق أشد التقديرات تفاؤلاً، ما يجعل حرباً تستمر 30 يوماً فقط تكلف 42 مليار دولار. وهذا تقدير أولي من دون الإشارة للتباطؤ الذي قد يحدث للاقتصاد عموماً ولا أثر ارتفاع أسعار النفط الذي سيعقب الحرب ولا التقليصات الحادة التي ستحدث في ميزانية الدولة. واعتبر التقرير أن مخاطر الحرب على الاقتصاد لم تؤخذ البتة في الميزانية العامة المعدة للعام المقبل.

وقارن التقرير بين أثر حرب لبنان الثانية على الاقتصاد الإسرائيلي وأثر الحرب المتوقعة على إيران. وأشار إلى أن حرب لبنان الثانية أضرت بالاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 1,8 في المئة من الناتج القومي العام حينما كان هذا الناتج في العام 2006 حوالي 170 مليار دولار. وقال إنه إذا جرت الحرب مع إيران بالمدة ذاتها وبالأضرار ذاتها فإن المنطقة المتضررة لن تتوقف عند حدود المنطقة التي تضررت في حرب لبنان الثانية، والتي تنتج حوالي 20 في المئة من الاقتصاد الإسرائيلي بل ستتعداها إلى المنطقة الوسطى التي تنتج 70 في المئة من الناتج القومي. وهذا يجعل تكلفة الحرب المتوقعة ثلاث مرات أو أكثر من حرب لبنان الثانية.

قراءة 1789 مرة