مَن يراقب ما يجري في سيناء المصرية منذ العام 2012 وحتى اليوم 2019 وهذا الإرهاب المسلح ، يستغرب من إستمراره رغم سلسلة التضحيات والعمليات الناجحة للجيش المصري ،إلا أن المتأمّل بعمق سيجد أن ثمة بيئة حاضنة هي السبب الرئيس في قوّة تلك التنظيمات الإرهابية، وهي سر بقائها حيّة ومؤثّرة طيلة السنوات الماضية ، وتلك البيئة ليست فحسب بعض قبائل سيناء المؤيّدة لها كما ذهب البعض أو تلك الجغرافيا الصعبة التي لا يعلم مسالكها وأسرارها إلا هؤلاء البدو المقاتلين ،الأمر أبعد من ذلك في تقديرنا وهو الذي يجعلنا ننبّه وبقوّة إلى أن ثمة بيئة حاضنة أخرى لتلك التنظيمات الإرهابية، ولذلك الفكر الداعشي التكفيري ونقصد به بيئة الفكر السلفي التكفيري بمؤسّساته ومساجده ودُعاته وقنواته التلفزيونية والتي تلقى جميعاً _ وياللغرابة _دعماً وموافقة ورضاء من الحكومة المصرية، ربما جهلاً بالخطرأو استخفافاً به.
إن ما نودّ أن نلفت الأنظار إليه أن هذا الفكر الداعشي التكفيري له حوامل ومنصّات وبيئة حاضنة، إذا لم نقاومها هي ونتصدّى لها أولاً ؛فإن الإرهاب سيظل حاضراً ومنتشراً في سيناء وخارجها .وفي المواجهة الجادة لهؤلاء التكفيريين ، دائماً نبدأ بتجفيف المنابع وحصار الأبواب التي نفذوا منها، وفي هذا السياق نشير إلى بعضها على سبيل المثال لا الحصر أولاً:جاء هذا الفكر التكفيري بدعم من مؤسّسات وهّابية خليجية منذا السبعينات حيث تدفّقت الأموال لبناء آلاف المساجد من خلال تمويل أنصارها الذين جنّدتهم وربّتهم في كنف جامعاتها المعروفة وخاصة ما تسمّى بجماعة أنصار السنّة المُحمّدية والجمعية الشرعية والكثير من الإخوان والجماعة الإسلامية ، وغيرها من التنظيمات والأفراد، وصنعت بعض الرموز من المصريين ممَن يعتنقون الفكر السلفي وسلّمتهم مساجد بُنيت بأفخم وأحدث الإمكانات في كل المحافظات وخاصة الإسكندرية والقاهرة وزوّدت تلك المساجد بالمطابع وأجهزة الاستنساخ وصناعة المواد الإعلاميةالتكفيرية شديدة التأثير وزهيدة الثمن في نفس الوقت.
ثانياً: قامت المؤسّسات الخليجية الراعية لهذا الاختراق بإعادة المئات من أساتذة الجامعات والمدرسين والموظفين الذين سبق لهم العمل في السعودية ودول الخليج وهّابية الفكر إلى مصر خلال حقبتي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كي يقوموا بالدور المسنود إليهم وأغدقت الأموال على العديد من أئمة بعض المساجد ، وأدخلت الكثير من عناصرها إلى بعض المراكز الحساسة كالجامعات والأوقاف والأزهر ومجمع البحوث الإسلامية.
ثم قامت تلك المؤسّسات الخليجية الوهّابية بإنشاء المكتبات ودور النشر والتوزيع وشراء معظم الأكشاك التي تنتشر في مدن مصر وقراها وزوّدتها بالملايين من الكتب والنشرات وأشرطة الكاسيت ومواقع الأنترنت والتي تولّى التكفيريون نقلها إلى أرجاء مصر ومنها سيناء والحدود مع ليبيا. ثالثاً :أنشئت تلك الدول وموّلت قرابة الـ35 فضائية تبثّ الفكر التكفيري وتسهم بشكل فعّال في خلق ثقافة مُعادية لمفهوم الدولة الوطنية وداعمة للفكر الداعشي، وكان أكثر الناس تأثراً هم مَن في القرى والمناطق الفقيرة خاصة في سيناء، حين اجتمع الفقر مع ثقافة التكفير ورفض الآخر مع غياب الدولة والأزهر بإسلامه الوسطي المعتدل، فكانت النتيجة حضور داعش والقاعدة والإخوان ومعهم حضر الإرهاب المسلح الذي يقاتله الجيش منذ سبع سنوات
رابعاً:بالإضافة إلى إنشاء جمعيات السنّة المحمّدية بالمال الخليجي قامت بعض الدول الخليجية ذات الفكر الوهّابي التكفيري بالدخول إلى مصر عبر إنشاء معاهد لتخريج الدعاة في غفلة من الزمن، سرقت دور الأزهر القانوني لتخريج الدعاة وأنشئت ما يسمّى ب( معاهد إعداد الدعاة )التي تقوم بتدريس الفكر السلفي التكفيري الخالص ، كل ذلك للأسف تحت الإشراف الأسمي للأزهر والأوقاف، وبعد دراسة سنتين أو أربع يكون فيها الشاب قد تشرّب هذا الفكر يتم منحه ترخيصاً للخطابة على المنابر ويقوم بدوره لنشر تلك الثقافة والفكر التكفيري في مصر بترخيص من الأزهر والأوقاف(!!). هذه الوسائل وغيرها ساهمت ولاتزال في خلق بيئة تكفيرية حاضنة لاؤلئك الإرهابيين في سيناء وباقي أركان مصر، وهي بيئة نتصوّرها أخطر في فعلها من الرصاصة التي يطلقها الإرهابي، وإذا لم تتنبه الدولة في مصر وفي باقي بلادنا العربية التي ابتُليت بهكذا فكر ،لذلك الخطر الذي تحمله البيئة الحاضِنة للإرهابيين ؛ فإن كل المحاولات والبطولات التي تتم بها المقاومة له، ستفشل ،لأن الأصل في النبع لا في السقاة أو الشاربين، والنبع للأسف الشديد لايزال ينتج ماءه السام، فإنتبهوا يا أولي الألباب .