إسطنبول / إحسان الفقيه / الأناضول
من المتوقع في نهاية المطاف أن تلتزم السعودية بمواقفها ما قبل هجمات أرامكو من حيث تجنب الحرب مع إيران، حيث تعتقد أن أية حرب ستكون استجابة لرغبات إيرانية في جر المنطقة إلى حرب مفتوحة للخروج من دائرة عقوبات "الضغط القصوى" التي فرضتها الولايات المتحدة، إلى جانب الأخذ بالحسبان جدية إيران في تنفيذ تهديداتها مباشرة، أو عبر قوات حليفة لها، ضد مصالح الولايات المتحدة والسعودية ودول حليفة لهما وشريكة في المنطقة.
في مقابل ذلك، فإن التردد السعودي في الرد على هجمات أرامكو قد يضع إيران في حالة من الاطمئنان تدفعها لتنفيذ هجمات مماثلة، أو هجمات أشد قوة طالما واصلت الولايات المتحدة تشديد العقوبات عليها.
حملت الولايات المتحدة إيران المسؤولية عن هجمات منشآت أرامكو نافية صحة تبني جماعة الحوثي الحليفة لإيران مسؤوليتها عن الهجمات التي نفت طهران أية علاقة لها بها.
وأعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، 25 سبتمبر/ أيلول، عن أن بلاده تجري "الآن" تحقيقات في "الاعتداءات على أرامكو، وعندما تنتهي ستعرض نتائجها على العالم".
لكن السعودية حتى الآن لم تعلن عن نتائج التحقيقات التي تجريها لتحديد مواقع انطلاق الصواريخ والطائرات دون طيار، والتي قال الوزير الجبير أنها "ربما تعلن قريبا".
وكانت قيادة قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن قد أعلنت ببيان رسمي بعد يوم من الهجمات على أرامكو "أن الأسلحة التي نفذت الهجمات هي أسلحة إيرانية".
وحتى الآن لم تحدد السعودية خياراتها في الرد على الهجمات بمفردها، أو عبر الشراكة مع الولايات المتحدة، أو ضمن تحالف دولي يتشكل بقرار من مجلس الأمن الدولي.
لكن الأرجح أن السعودية لا تفضل الخيار العسكري - رغم التلويح به - كونه سيؤدي حتما إلى حرب مفتوحة، حيث لا تتردد قيادات إيرانية، مثل قائد الحرس الثوري، في الإعلان عن أن أية دولة تهاجم إيران سترى أن أراضيها ستصبح "ساحة المعركة الرئيسية"، وأن بلاده لن تتردد في الإعلان عن مسؤوليتها عن أي شيء تفعله، وهو على ما يبدو ردا على تصريحات سعودية وأمريكية اتهمت إيران بالمسؤولية عن الهجمات الأخيرة.
وحذرت إيران في 22 سبتمبر/ أيلول على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف من أن أية دولة تبدأ حربها على إيران سوف "لن تكون هي التي تنهيها" في معرض إشارته إلى إرسال الولايات المتحدة قوات إضافية ومعدات دفاعية إلى السعودية والإمارات مؤخرا.
وتؤكد إيران على أن أية ضربة عسكرية على إيران ستؤدي إلى "حرب شاملة"، وهو ما يدعو الولايات المتحدة والسعودية للتردد في اتخاذ قرار الرد العسكري على الهجمات.
هناك أسباب أخرى تدفع السعودية لتجنب الحرب المحدودة أو المفتوحة، أو حتى الرد العسكري المحدود على الهجمات.
لا تزال منظومات الدفاع الجوي السعودية لا تكفي لتأمين الحماية لكافة البنى التحتية للطاقة والمرافق الحيوية مثل محطات الطاقة الكهربائية وتحلية المياه والمنشآت العسكرية وغيرها، والتي يمكن أن تكون أهدافا متاحة للضربات الإيرانية المباشرة، أو عبر القوات الحليفة لها في العراق واليمن.
كما أن منظومات الدفاع الجوي أمريكية الصنع في معظمها، لا يمكن لها التعامل مع دفعات من الصواريخ البالستية وأعداد كبيرة من الطائرات دون طيار في نفس الوقت، بالإضافة إلى الجوانب الفنية لمنظومات الدفاع الأمريكية "الباتريوت" التي تشير بعض التقارير إلى عدم فاعليتها في التصدي لصواريخ كروز إيرانية الصنع أو الأهداف التي تطير على ارتفاعات منخفضة نسبيا، مثل الطائرات دون طيار التي نفذت هجمات أرامكو.
ووفقا لما أورده الوزير عادل الجبير في أحد المراكز البحثية الأمريكية (مجلس العلاقات الخارجية) في 24 سبتمبر/ أيلول، فإنه يعتقد "أن إيران هي المسؤولة عن الهجمات لأن الأسلحة المستخدمة في الهجمات إيرانية الصنع"، وأن التحقيقات الأولية أثبتت يقينا أن الهجمات "انطلقت من شمال الموقع المستهدف"، أي من العراق أو إيران.
وتسعى السعودية وفقا للوزير عادل الجبير إلى "التحرك بطريقة مدروسة وفعالة بالتحدث إلى الحلفاء في الولايات المتحدة وأوروبا للبحث في خيارات عدة سياسية واقتصادية وعسكرية بعد انتهاء التحقيقات ومعرفة المنطقة التي انطلقت منها الهجمات.
وتدرس وزارة الدفاع الأمريكية مجموعة من الخيارات العسكرية منتظر أن تضعها أمام الرئيس الأمريكي تتعلق بكيفية الرد على ما يصفه مسؤولون أمريكيون بأنه "عمل حربي"، وأنه "هجوم غير مسبوق على مصادر الطاقة في السعودية".
وأظهرت الولايات المتحدة ترددا واضحا في توجيه ضربة عسكرية لإيران على خلفية تعرض مصادر الطاقة العالمية للخطر جراء الهجمات على منشآت أرامكو النفطية في 14 سبتمبر/ أيلول، لكنها شددت العقوبات الاقتصادية على إيران، مع احتمالات شن هجمات الكترونية على مواقع إيرانية حساسة وخطوات أخرى.
لكن، هناك ثمة أصوات في الكونغرس الأمريكي ترى أن الرد أو الانتقام العسكري ضرورة ملحة لردع إيران عن تكرار مثل تلك الهجمات على مصادر الطاقة في أهم دولة حليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
تفضل الولايات المتحدة أن تقود الدول الحليفة لها أية حروب في المنطقة وتحمل ما يترتب عليها من أعباء، بينما تكتفي بالدعم والإسناد بعيدا عن المشاركة الفعلية.
تدرك الولايات المتحدة أن أية حرب تخوضها ضد إيران سيعرض قواعدها ومواطنيها ومصالحها لخطر الاستهداف الإيراني المباشر، أو عبر القوات الحليفة لها.
وتحتفظ الولايات المتحدة بتواجد لأكثر من 65 ألف جندي يتوزعون على 54 قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، حسب تقارير غربية.
من غير المستبعد أن التنسيق الاستخباراتي السعودي الأمريكي والمعلومات التي توصل إليها المحققون توصلت إلى أدلة تؤكد صلة إيران المباشرة بالهجمات، لكن أي تصعيد سعودي أو أمريكي سيؤدي إلى استفزاز إيران، وبالتالي تكثيف هجماتها على البنية الأساسية للطاقة السعودية التي أثبتت الهجمات الأخيرة "هشاشة" إجراءات حمايتها وفشل منظومة الدفاع الجوي السعودي في منع تلك الهجمات، أو هجمات شبيهة مستقبلا.
خلاصة القول إن أي إعلان سعودي عن تورط إيران بالهجمات سيتطلب ردا عسكريا محدودا أو واسعا على إيران، وهو مستبعد على الأقل في المدى المنظور، ما يرجح احتمالات إيجاد مخرج دبلوماسي عبر بوابة الحل السياسي في اليمن لاستبعاد أية احتمالات لنزاع مسلح بين البلدين أو في المنطقة.
في جانب أخر، قد تلجأ السعودية دون إعلان إلى مهاجمة القوات الحليفة لإيران سواء في العراق أو في سوريا بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبدعم منها.
الرد السعودي على إيران عالق بين قوة الدواعي وخوف التبعات (تحليل)
نشرت في
مقالات و دراسات سياسية