تعتبر مملكة الأردن الصغيرة في منطقة غرب آسيا إحدى الدول الموجودة في القائمة الرئيسية لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية من خارج الناتو. وتلك الدول الـ 15 هي أستراليا والأرجنتين ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية واليابان والفلبين وتايلاند وأفغانستان وباكستان والبحرين ومصر والأردن والكويت والمغرب والكيان الصهيوني.
خطط الناتو والأردن لعقد اجتماعات مختلفة في السنوات الأخيرة لتعزيز التعاون العسكري، والسبب الرئيسي لذلك هو قرب الأردن من مراكز الأزمات في المنطقة التي تم تحديدها في قائمة تهديدات الناتو والتحديات التي تواجهها.
قضايا مثل الحرب في سوريا ، وعدم الاستقرار في العراق ، وظهور وسقوط الجماعات السلفية والجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش ، واستمرار العنف والاضطرابات بشأن القضية التي لم تحل بين إسرائيل والفلسطينيين والقرب من مصر وسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني والأراضي الفلسطينية والتي هي بأي حال من الأحوال جزء من الأزمة الجيوسياسية في الشرق الأوسط. لذلك ، فإن المملكة الهاشمية تقع في قلب الصراعات الكبرى الحالية في المنطقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "رأي اليوم" عن بعض المصادر المجهولة الأسبوع الماضي قولها أن هناك محادثات جادة بين الناتو وبعض الدول الأوروبية مع الحكومة الأردنية هي لبناء البنية التحتية ونشر قوات على أراضيها. حيث ذكرت المصادر وجود جهود تبذلها فرنسا وألمانيا لإنشاء قاعدة عسكرية في الأردن لتتوفر الامكانية لنشر القوات التي يقودها الناتو في الأردن في المستقبل.
التعاون بين الناتو والأردن
تزايد التعاون بين الناتو والأردن بشكل مطرد مع مرور الوقت ، خاصة منذ التسعينيات. وهذا يعكس ميل السياسة الخارجية للأردن إلى تقوية العلاقات مع القوى الغربية والمؤسسات الدولية للنظام الليبرالي الجديد. الأردن أيضًا جزء من ملف المتوسط للناتو التي يرسل من خلاله الناتو القوات من البوسنة والهرسك إلى أفغانستان. ومنذ عام 2010 ، استضافت المملكة الهاشمية (الى جانب وزارة الدفاع الأمريكية) المناورات العسكرية السنوية Eager Lion: هذا الحدث العسكري الذي يستمر لأسبوعين ، وهو الأكبر في الشرق الأوسط ، مع التركيز على العمليات المشتركة والمجتمعة مع قوات من حوالي 18 دولة.
في عام 2018 ، عمّق الناتو والأردن شراكتهما من خلال توقيع مشروع لتعزيز القدرات الدفاعية بين الناتو والأردن (DCB). تم تصميم هذا المشروع خصيصاً لتعزيز قدرات إدارة الأزمات في الأردن ، والمساعدة في تعزيز الحدود وتطوير قدرات الدفاع السيبراني. يهدف البرنامج إلى إصلاح وتحديث القوات المسلحة الأردنية نظراً للتحديات الإقليمية المتزايدة ، خاصة منذ عام 2011. تشمل التحديات الحرب أو على الأقل زيادة التوترات على الحدود الأردنية مع سوريا والعراق، وكذلك مع إسرائيل والأراضي الفلسطينية. كما تأتي لتعزيز فريق الاستجابة لطوارئ الكمبيوتر (CERT) وتحسين الأمن السيبراني لمواجهة الهجمات الإلكترونية للجماعات الإرهابية من تنظيم داعش إلى تنظيم القاعدة.
وتمشياً مع هذه الأهداف ، عقدت منذ عام 2015 سلسلة من الاجتماعات مع حلف شمال الأطلسي تحت عنوان "اجتماعات العقبة" من قبل الملك عبد الله الثاني. ففي ديسمبر 2017 أعلن الأمين العام لحلف الناتو أن الناتو سينشئ مركزاً لإدارة الأزمات في الأردن كجزء من المساعدة لتعزيز قدرات الأردن الدفاعية. وفي ديسمبر 2018 ، عقد اجتماع مماثل في بروكسل حضره ملك الأردن أيضاً.
من جهة أخرى، حظى الأردن مع مرور الوقت باهتمام الإدارة الأمريكية كقائد لحلف الناتو. حيث أعلنت الولايات المتحدة الأردن في عام 1996 "حليفًا مهمًا من غير حلف شمال الأطلسي" ، ومهدت أرضية تعزيز اعتماد الأردن العسكري والاقتصادي على الغرب.
تضاعفت المساعدات الأمريكية السنوية للأردن على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية أربعة أضعاف تاريخياً. حيث قدمت الولايات المتحدة مساعدة اقتصادية وعسكرية للأردن في عامي 1951 و 1957. ووفقاً لإحصاءات وزارة الخزانة الأمريكية ، بلغ إجمالي المساعدات الثنائية للولايات المتحدة (تحت رعاية وزارة الخارجية والدفاع) خلال العام المالي 2017 إلى الأردن 20.4 مليار دولار. كما يستضيف الأردن قرابة 3000 جندي أمريكي.
في ميزانية 2018 ، بلغت المساعدات الى الاردن العسكرية منها والاقتصادية، قرابة 1.525 مليار دولار. ومن هذا المبلغ ، تم تحديد المساعدة المالية بمبلغ 745.1 مليون دولار والمساعدة العسكرية حوالي 425 مليون دولار.
وتعهدت الولايات المتحدة بتزويد الأردن بمبلغ 6.3 مليار دولار كمساعدات بحلول عام 2022 بموجب اتفاق تم عام 2018.
أسباب أهمية الأردن لحلف الناتو وأمريكا
من المؤكد أن السبب الأكثر أهمية لتركيز الغرب على الأردن هو تحديات الناتو المحتملة مع تركيا في المستقبل والدور المهم الذي يمكن ان يلعبه الأردن في الحد من تحدي الغرب في منطقة غرب آسيا الاستراتيجية.
تعمقت الخلافات بين أنقرة وحلف الناتو بعد الأزمة في سوريا والانقلاب الفاشل في يوليو 2016 في تركيا. هددت تركيا بإغلاق قاعدة إنجرليك الشهر الماضي بعد فرض عقوبات جديدة على انقرة من قبل الكونجرس الأمريكي. إنجرليك هي قاعدة جوية عملاقة في ضواحي أضنة والتي كانت منذ عقود مكاناً استراتيجياً لقوة الناتو العسكرية بوجه أعدائها. لقد كانت انجرليك لسنوات عديدة أهم قاعدة للقوات الجوية التابعة لحلف الناتو في الشرق الأوسط.
و بعد ارتفاع مستوى الخلاف المتبادل يتساءل الخبراء في الوقت الراهن حول ما إذا كان الغرب سيفقد تركيا حقاً؟ لا أحد يعلم. لكن الغرب يتساءل عن ماذا سيحدث إذا اقترب أردوغان من روسيا أو حتى من الصين؟ ماذا سيحدث لو تحسنت علاقات تركيا مع إيران؟ ماذا سيحدث لو كانت أنقرة قد سئمت في النهاية من الإذلال لعقود خلف أسوار الاتحاد الأوروبي؟ وإذا لم تعد ترغب في اتباع سياسات واشنطن في غرب آسيا؟ من المحتمل جداً أن تكون هذه الأسئلة كابوساً لبروكسل وواشنطن.
وفي هذه الحالة، يبدو أن المملكة الأردنية هي أفضل مرشح للحد من اعتمادها على تركيا. حيث يستخدم حلف الناتو منذ سنوات عديدة قاعدة الأزرق الجوية، وكان استخدامها إلى حد كبير في القصف غير المشروع لأهداف عديدة في الأراضي السورية.
هذه القاعدة تتمتع بموقع مناسب لقوات الناتو. لأنها أولاً، تقع بالقرب من قلب الأزمات في المنطقة وإلى جانب الحدود السعودية ( تبعد 30 كم عن الحدود السعودية و 200 كم عن الحدود السورية والعراقية). كما أنها تقع في منطقة جافة غير مأهولة كما لا يوجد فيها حتى الطيور كي تعيق تحليق الطائرات.
من جهة أخرى، مع إقرار البرلمان العراقي قانون اخراج القوات الأجنبية من العراق، تزايدت أهمية قضية إيجاد بدائل للعديد من القواعد الأمريكية والشركاء الدوليين في العراق. وخلال اليوم الماضي، أعلنت ألمانيا وكرواتيا أنهما تنقلان جزءاً من قواتهما إلى قاعدة الأزرق. ووفقاً لبعض وسائل الإعلام، زادت أمريكا بعد الهجمات الصاروخية على قواعدها في العراق، وخاصة قاعدة التاجي في شمال بغداد، زادت من استخدامها لقاعدة موفق السلطي (الأزرق) إلى خمسة أضعاف.
إضافة إلى ذلك، فإن الكونجرس الأمريكي وافق في ديسمبر عام 2017 بعد أزمة قطر التي بدأت بالإعلان عن مقاطعة كاملة لهذا البلد من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر ، على اضافة 143 مليون دولار إلى ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير وزيادة كفاءة قاعدة موفق السلطي الجوية في المنطقة الحدودية الأردنية مع سوريا والعراق. هذا الموضوع الذي يهدف إلى تقليص اعتماد الولايات المتحدة على قاعدة "العديد" في قطر ، يتابع الآن بجدية أكثر بقرار من ترامب حول إبقاء بعض القوات الأمريكية في سوريا للسيطرة على موارد هذا البلد النفطية.
الاستثمار في الأردن ليس دون اسباب تكمن خلف هذا الأمر. الأردن بلد فقير وتاريخياً الأسرة الهاشمية الأردنية تدين للغربيين بمكانتها ووجودها. ومن جهة أخرى، تلعب المساعدات الخارجية ، وخاصة الغربية منها، دوراً مهماً في اقتصاد هذا البلد. كما تفاقمت الاحتياجات الاقتصادية الأردنية بسبب أزمة اللاجئين. فالأردن الذي يبلغ عدد سكانه أقل من 7 ملايين نسمة ، استقبل ما لا يقل عن 650،000 لاجئاً سورياً.
رغم ذلك، يدرك صانعو السياسة الأردنية جيداً الأهمية الجيوسياسية ومركزية موقع بلادهم الجغرافي، مما أدى إلى تنافس جهود الدول الغربية لمنع تقارب الأردن من المنافسين.
وبعد فتور العلاقات بين عمان و دول مجلس التعاون الخليجي، أرسلت هذه المملكة إشارات حول وجود رغبة لتعزيز العلاقات مع تركيا وحتى إيران. لعبت الضغوط الأمريكية لمواكبة الأردن لما يسمى "صفقة القرن" وتصاعد الاحتجاجات الواسعة في الأردن (في يونيو 2018) وعدم التزام دول مجلس التعاون الخليجي لتقديم المساعدة الاقتصادية للأردن لعبت دوراً مهماً في سلوك عمان. حيث أثارت تلك الخطوة على الفور مخاوف دول مجلس التعاون، فتعهدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت بتقديم مزيد من المساعدات للمملكة. ولكن كانت تلك الاجراءات إجراءات مؤقتة فقط ، لذلك رأى الناتو أنه من الضروري الدخول على الساحة للحفاظ على الأردن.
المصدر:الوقت