أعلنت هيئة الأركان الإيرانية المسلحة في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية أن الطائرة الأوكرانية التي سقطت قبل أيام كانت بفعل خطأ بشري في المحاسبات وبعد اقترابها من مركز حساس للحرس للثوري.
وفي حين أشار البيان إلى أن الطائرة دخلت بطريقة خاطئة في دائرة "هدف معاد" بعد أن اقتربت من "مركز عسكري حساس" تابع للحرس الثوري، نوّه إلى أن الجيش كان في تلك اللحظات في "أعلى مستويات التأهب" وسط التوترات المتصاعدة الأخيرة مع أمريكا.
إننا نتوجّه إلى أهالي الشهداء بأحر التعازي على هذا الحادث الأليم الذي يعيدنا إلى الإسقاط العمدي لطائرة إيرباص تابعة للخطوط الجوية الإيرانية لصاروخ بحر-جو أطلقته المدمرة الأمريكية "فينسنس" في 3 يوليو 1988، وقد أدّت إلى استشهاد 290 شخصاً. وبانتظار نتائج التحقيق النهائي تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: هناك الكثير من سيحاول الاصطياد في الماء العكر بعد هذا الحادث، ولكن كما أن طهران تتحمل مسؤولية هذا الخطأ غير المقصود، فإن ترامب المتهوّر هو أيضاً يتحمّل شقاً من هذا الامر. صحيفة "دير شبيغل" الألمانية التي وصفت الحادث بمأساة ذات عواقب جيوسياسية، أشارت إلى أن في المواقع الاجتماعية تُوجه الاتهامات بالتساوي لكل من إيران وأمريكا.
ثانياً: قد يتساءل البعض لماذا حصل هذا النفي الإيراني ابتداءً، وهو سؤال في مكانه ولا بدّ من الإجابة عليه. إن هذا النفي حصل من قبل العديد من المسؤولين الإيرانيين الرسميين، الذين لم يكونوا على اطلاع حول ما حصل، والسبب في ذلك يعود لنوع الطائرة التي سقطت من جهة وكثرة الشائعات التي تستهدف إيران نذكر منها خلال الفترة الأخيرة من جهة أخرى. ظهرت الكثير من الشائعات حول وقوع مبنى "بلاسكو" في طهران قبل سنوات بسبب مواد منفجرة رغم أن الحريق الذي حصل في المبنى هو السبب. بعد، وفي حين أن ضحايا الزلزال في كرمانشاه كانوا لا يزالون تحت الأنقاض، اتهمت الكثير من وسائل الإعلام المعادية إيران بإجراء تجربة عسكرية تسببت في الزلزال، رغم أن وكالات المسح الجيولوجي الإيرانية والعالمية نفت هذا الامر. بعدها،وعندما حصلت السيول في مدن ايرانية عدّة، سارعت وسائل الإعلام نفسها إلى إتهام إيران بتلقيح الغيوم، الأمر الذي تسبب في هذا السيول. مؤخراً، وبعد استشهاد الفريق قاسم سليماني انتشرت العديد من الأخبار عن عائلة الشهيد التي أصدرت بيان نفي حولها، من ضمنها اتهام كريمة الشهيد زينب سليماني بالحصول على الجنسية الأمريكية عبر اختلاق صحفة لها تُظهر جنسيتها الأمريكية. وأما فيما يتعلّق بالطائرة، فإن "بوينغ 737 ماكس" تعرف بالطائرة سيّئة السمعة، وقد منعت لأشهر من الحركة بعد كارثتين جويتين أودتا بحياة مئات المسافرين، كما تسعى جهات تنظيمية في أمريكا إلى فرض غرامة بقيمة 5.4 مليارات دولار على شركة بوينغ "لعلمها" بتركيب أجزاء معيبة في طرازها من طائرات الركوب 737 ماكس. فضائح هذه الطائرة لا تزال تتوالى آخرها المذكرات الداخلية التي أرسلها موظفون حول تطوير كمبيوتر إدارة الملاحة في الطائرة. فقد كشفت شركة "بوينغ" الأمريكية، قبل يومين، عن مئات الرسائل الداخلية التي تثير تساؤلات جادة حول تطوير أجهزة المحاكاة، وطائرة 737 ماكس التي أوقفت عن التحليق في مارس. وفي رسائل متبادلة تعود لأبريل 2017، عبّر موظفان عن شكاويهما بشأن الطائرة "737 ماكس" فيما يخص المشكلات المتعلقة بحاسوب إدارة الملاحة في الطائرة. وكتب موظف لم يذكر اسمه في إحدى هذه الرسائل يقول "هذه الطائرة مصممة من قبل مهرجين يشرف عليهم قرود". وفي إحدى الرسائل الأخرى، كتب أحد موظفي بوينغ قائلا إن المشرعين كانوا على الأرجح يريدون تدريبا على جهاز محاكاة يقدم نوعا معينا من التنبيهات لقمرة القيادة. وكتب الموظف يقول "سنقوم بالضغط بشدة بشأن هذا الأمر، وسنحتاج على الأرجح إلى الدعم من أعلى المستويات عندما يحين وقت التفاوض النهائي". اذاً، إن كل هذا، سارع المسؤولون الإيرانيون الذين لم يكونوا على اطلاع على الحادث إلى النفي، ولكن اليوم شاهدنا وزير الخارجية الدكتور محمد جواد ظريق كيف سارع للاعتذار بعد الحادث، وهذا ما سيفعله بقيّة المسؤولين.
ثالثاً: يُسجّل للجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة أنها سارعت للاعتراف بهذا الخطأ الكبير، فالاعتراف بالخطأ فضيلة، كما يُقال. هناك العديد من حوادث الطائرات لا تزال مجهولة حتّى الساعة، فمنها ما قد يكون خطأ فنّي، ومنها ما هو انتحار من الطيار، ومنها ما قد تعرّض لاستهداف خارجي، لكنّ هذه الحوادث لا تزال غامضة حتّى الساعة. كان بإمكان المسؤولين في إيران، تعطيل الصندوق الأسود، وطمس القضيّة عبر طرح القضيّة الفنيّة وتعطيل الصندوق الأسود، لكن مبادئ الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية تتنافى مع هذا المنطق. فقد تحدّثت الكثير من الصحف قبل يوم واحد، عن "خطأ قاتل لن تعترف به إيران"، لكن طهران، وكما عودّتنا، كانت عند سوء ظن أعدائها واعترفت بخطئها. رغم أن الصندوق الأسود هو الشاهد الأكبر في حوادث الطيران، ولكن هناك العديد من الحوادث لا تزال مبهمة، على سبيل تحطمت طائرة من طراز "توبوليف-154" في 4 أكتوبر 2001 فوق البحر الأسود وهي في طريقها من تل أبيب إلى نوفوسيبيرسك في روسيا بعد إطلاق صاروخ خلال مناورة عسكرية أوكرانية. كذلك، في 17 يوليو 2014، تعرضت طائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية من طراز "بوينغ-777" كانت متجهة من أمستردام إلى كوالالمبور، لصاروخ أرض-جو غدرت إلى مقتل 289 شخصاً، وقد تبادلت روسيا وأوكرانيا الاتهامات بإسقاط الطائرة في المنطقة.
رابعاً: يُقال إن الخسارة التي نتعلّم منها تولّد البصيرة، وتزيد من الوعي الموجود وتحول دون تكرار الخطأ. في المقابل، إن النجاح "السلبي" هو الذي يحصل دون أن نعرف ما حصل. إن حادثة الرد على اغتيال الشهيد القائد قاسم سليماني بدت نجاحاً إيجابياً كونها أظهرت للصديق والعدو قوّة الجمهورية الإسلاميّة، وبالتالي ننتظر أن تكون الدروس المستفادة الخسارة الأخيرة التي لا تعوّض تمنع تكرار هذا الخطأ في أيّ حالات مشابهة.
خامساً: لا شكّ أن منظومة الدفاع الجوي في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية هي الأقوى من المنطقة، ومن الأقوى في العالم، ولعل إسقاط طائرة مسيّرة إسرائيلية قبل شهرين، وقبلها طائرة آر كيو-4 غلوبال هوك الأمريكية بصاروخ أرض جو في 20 يونيو 2019 وذلك بعد اختراق المياه الإقليمية الإيرانية لأمتار خير دليل على ذلك، وقد شكّل إسقاط هذه الطائرة حالة من الصدمة والذهول في الأوساط الأمريكية. لا يحقّ لنا استباق التحقيق النهائي، ولكن ما ورد في بيان القوات المسلّحة الإيرانية، أشار إلى نقطتين رئيستين. الأولى إنحراف الطيار عن مساره لناحية الارتفاع عن سطح الأرض واقترابه من منطقة عسكرية حساسة، والثانيّة هي خطأ بشري ارتُكب بسبب طريقة انحناء الطائرة لتغيير مسارها الأمر الذي دفع هذا العنصر إلى استهدافها سريعاً قبل التأكد من حقيقة الطائرة. لا شكّ أن الظروف التي كانت محيطة سواء فيما يتعلّق بتهديد ترامب، أم بالشائعات التي ظهرت على وسائل الإعلام حول اختراق طائرات عسكرية للمجال الجوي الإيراني رفعت احتمال هذا الخطأ.
المصدر:الوقت