دعوات لحل البرلمان التونسي.. فهل تنجح الثورة المُضادة؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
دعوات لحل البرلمان التونسي.. فهل تنجح الثورة المُضادة؟

تحوّلت الثورة التونسية لأيقونة بين دول الربيع العربي ومثالًا يُحتذى للثائرين في بقيّة البلدان، غير أنّ هذا النّموذج من النجاح وجد له الكثير من المُغرضين الذين وجدوا فيه تهديدًا لعروشهم، ليبدؤوا بحياكة المكائد والمؤامرات للنيل من تلك التجربة، بعد أن تمكنوا من وئد الثورات في البحرين ومصر وليبيا وتحويلها إلى إما لحروب أهلية كليبيا أو إعادتها إلى الدكتاتوريات الحاكمة كما في البحرين ومصر.

دعوات مشبوهة

لم يمض أكثر من سبعة أشهر على انتخاب البرلمان التونسي الحالي، حتى بدأت الدعوات لحل هذا البرلمان، وظهرت هذه الدعوات بعد الاتصال الذي جرى بين راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية (إخوان مسلمين)، وبين رئيس حكومة الوفاق الليبية، وهنّاه بالانتصار على قوّات حفتر.

هذه المكالمة جلبت للبرلمان التونسي وحركة النهضة التي يتزعمها الغنوشي المتاعب، خصوصًا إذا علمنا أنّ الغنوشي والسراج وتركيا يُشكلون حلفًا واحدًا في مواجهة حفتر والإمارات والسعودية ومصر، لتبدأ الدول الثلاث سابقة الذكر باستعمال أدواتها في البرلمان التونسي وتحريضه للمطالبة بانتخابات برلمانية مُبكرة، وتقود هذه الحملة مجموعة من الأحزاب ذات التمويل السعودي الإماراتي.

ويدعي أصحاب هذه الدعوات أنّ الغنوشي تجاوز صلاحيّاته واتصل بالسرّاج وهنّأه بالانتصار، معتبرين ذلك اصطفافًا مع طرف ضد طرفٍ آخر في الحرب الليبيّة، مُتناسين أن الطرف الذي هنأه الغنوشي هو الحكومة الشرعية المُعترف بها دوليًّا، وليس الميليشيات التي تدعمها الإمارات والسعودية ومصر.

رد حركة النهضة لم يتأخر؛ حيث خرج رئيس الكتلة النيابية للحركة نور الدين البحيري، ليؤكد أنّ أصحاب دعوات حل البرلمان هم من الحاقدين على الديمقراطية التونسية، وإنّ تلك الدعوات ماهي إلا تعبير عن مرض نفسي، وحقد على الثورة والديمقراطية التونسية، ومحاولة لإرباك البلاد خاصة بعد هزيمة خليفة حفتر في ليبيا.

دور إماراتي- سعودي

الثورة التونسية التي مثّلت علامةً فارقة في الربيع العربي؛ لم تكن فقط عبارة عن ثورة على نظام طاغٍ، بل إنّها مثّلت ثورة على كافة الأنظمة الرجعية البالية وأنظمة العروش المُتوارثة وخصوصًا في الدول الخليجية، لذلك كان من الضروري كسر الركيزة الأخيرة للتجربة الديمقراطية في المنطقة العربية، وهنا بدأت حملة شعواء لإسقاط ليس فقط البرلمان أو الحكومة التونسية، إنّما الهدف الأساسي لهذه الحملة هو إسقاط تجربة الثورة التونسية وما نتج عنها من ديموقراطية لن تعجب بطبيعة الحال الأنظمة الملكية والأميرية.

تعتبر تونس نموذجًا لنظام ديمقراطي مفتوح لا توجد فيه قوة محددة مهيمنة، الشيء الذي لا يتناسب مع الرؤية الإماراتية للحكم، خاصة بعد فوز حركة النهضة في الانتخابات الأولى بعد اندلاع الثورة في نهاية عام 2010، وبهدف إسقاط تلك التجربة؛ بدأ كل من الإمارات والسعودية حملة ضدّ الأحزاب التونسيّة، حتى غير الإسلامية منها، مُستهدفةً أيّ حزبٍ يصطف بجانب بقاء تونس حرة ديموقراطية، حيث أنّ تونس هي الركيزة الأخيرة للتجارب الناجحة "للربيع العربي"، وهي التي ما تزال تعطي "بصيص أمل" لجيرانها كمصر وليبيا والدول المجاورة الأخرى، وهو الأمر الذي لن يُعجب السعودية والإمارات والانقلابي عبد الفتاح السيسي.

وللإخوان نصيب

مع وصول زين العابدين بن علي إلى مدينة جدّة، بدأت الحملات الإعلامية المُضادة للثورة بنشر سمومها، فهي علمت أنّ أيّ تجربةٍ ديموقراطية لم تنتج إلّا وصول الإسلاميين للحكم، وهنا أطلقت وسائل الإعلام في مملكة آل سعود والإمارات ومصر حملة منهجية ضد حزب النهضة والزعيم الفكري للحركة راشد الغنوشي بهدف تشويه صورته وإثارة عاصفة في بلاده.

إذا صح تسميتها بالـ "الثورة المضادة" التي تقودها قِوى الرجعية، فقد بدأت اليوم بحملة إعلامية شعواء تقودها سكاي نيوز، قناة العربية وصحيفة اليوم السابع المصرية تهدف لنشر أخبار خادعة وفي ذات الوقت، حيث زعمت التقارير أن الغنوشي كسب ثروة مالية ضخمة منذ عودته إلى تونس بعد انتصار الثورة عام 2011، وبلغت قيمتها 8 مليارات دولار الأمر الذي يعرف التونسيين قبل غيرهم أنّهم محض افتراء، والهدف من هذه الحملة دقُّ إسفين بين البرلمان والرئاسة، وإثارة معارك جانبية في البرلمان بين الكتل التونسية لتفكيك مؤسسات الدولة عن طريق ضرب فيما بينها، والوصول في النهاية إلى نظامٍ أشدُّ وطأة من نظام بن علي.

وفي النهاية؛ فإنّ هزيمة الثورة المضادة في ليبيا كان لها تأثير مباشر على استهداف الاستقرار السياسي في تونس وكذلك الغنوشي، الذي كانت آخر مكالمة هاتفية له مع فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية وتهنئته بالانتصارات التي تتوالى يوميًا في ليبيا، وهنا يظهر أنّ كافة الحملات ضد الديموقراطية التونسية ليست أكثر من محاولات بائسة وفاشلة، فالشعب التونسي خبر وعن كثب الفروق بين الديموقراطية وبين حكم الفرد أو العائلة، ولن ينتج عن تلك الحملات إلّا مزيدًا من التماسك داخل المجتمع التونسي.

قراءة 959 مرة