استقالت الحكومة اللبنانية أخيرا، بعد أسبوع مضطرب وضع تطورات البلاد في مقدمة وسائل الإعلام العالمية، ليواصل البلد المنكوب المضي قدما في الحياة في فراغ سياسي جديد. وحول هذا السياق، أعلن رئيس الوزراء اللبناني "حسان دياب"، الذي تولى السلطة قرابة ثمانية أشهر، في خطاب متلفز الليلة الماضية، الاستقالة الجماعية للحكومة، وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من المصادر الاخبارية، أن "دياب" قال لوسائل الاعلام، "لأن منظومة الفساد أكبر من الدولة، أعلن استقالة الحكومة"، أثناء خطابه الإثنين الذي أعلن خلاله استقالة حكومته المكونة من عشرين وزيرا بعد خمسة أيام من فاجعة انفجار مرفأ بيروت الذي أسفر عن مقتل 160 شخصا وإصابة أكثر من ستة آلاف آخرين. وقبل الرئيس اللبناني "ميشال عون" استقالة الحكومة وطلب منها الاستمرار بتصريف الأعمال ريثما تتشكل الحكومة الجديدة. وعقب إعلان الاستقالة، دعا وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" لبنان إلى الإسراع في تشكيل حكومة تثبت فاعليتها أمام الشعب. ولقد جاءت هذه الاستقالة على وجه التحديد بسبب احتجاجات الأيام الماضية وسيطرة المتظاهرين اللبنانيين على بعض الوزارات واعلان بعض الوزراء عن استقالتهم عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. والسؤال المهم الآن كيف ستتم عملية تشكيل حكومة جديدة في لبنان؟ وفي المنافسة بين اللاعبين المحليين والأجانب، من هو الجانب القادر على إدارة المشهد بشكل أفضل لصالحه؟ وفي المقابل، ما هو تأثير استقالة دياب على آفاق الأزمة السياسية والاقتصادية اللبنانية؟
تعزيز سيناريو المؤامرة
في العام الماضي، خرج المئات من أبناء الشعب اللبناني في احتجاجات شعبية للتعبير عن غضبهم من الوضع الاقتصادي غير المواتي والفساد المنتشر في الكثير من الدوائر والمستويات الحكومية. يذكر أن لبنان من أكثر الدول مديونية في العالم، حيث تبلغ ديونها الخارجية نحو 90 مليار دولار، ولقد فقدت ازدهارها الاقتصادي خلال العقد الماضي بسبب الحرب السورية، والأزمات السياسية المستمرة، وخفض المساعدات الخارجية، والعقوبات الأمريكية، والهجمات الصهيونية العرضية. وبسبب هذه الخلفية العامة، اندلعت احتجاجات شعبية العام الماضي بعد سلسلة من الإجراءات الاقتصادية لزيادة أسعار الخدمات، لكن في الوقت نفسه، قام رئيس الوزراء "سعد الحريري" في ذلك الوقت، باعطاء الانتخابات النيابية تحالف "8 آذار"، القريب من المقاومة اللبنانية، وقام أيضا بتقديم استقالته من منصبه كرئيس للوزراء للاستفادة من تلك الاوضاع لإجبار "حزب الله" على قبول حكومة تكنوقراط، وخسارة بعض الحصص الوزارية.
وفي هذا الوضع، وفي وسط عدم تصديق الأحزاب الداخلية والخارجية، استطاع "حزب الله" الحصول على الأغلبية اللازمة لعقد مجلس النواب بالاتفاق مع الفصائل الأخرى الموجودة في المجلس، وأصبح "حسان دياب" رئيسًا للوزراء. في الواقع، بسبب وجود قانون المحاصصة في الدستور اللبناني، يجب أن يكون رئيس الوزراء من السنة، ولهذا فلقد اعتقد "الحريري" الممثل لجميع التيارات السنية، أن "حزب الله" سوف يفشل في تشكيل الحكومة.
بالإضافة إلى الخلافات السياسية، وضع "دياب" خطة لمكافحة الفساد على جدول أعماله وبإعلانه عن برنامج إصلاح اقتصادي دق ناقوس الخطر للمسؤولين اللبنانيين السابقين. وفي ظل هذه الظروف، اتهمت حكومة "دياب" المعارضة المحلية والأجنبية بتخريب جهود الإصلاح الحكومية، مثل خلق أزمة في العملة الأجنبية واتباع سياسات غير لائقة مع البنك المركزي، وتصعيد العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد البنوك اللبنانية، وبذل الكثير من الجهود لخلق انقسامات داخل البيت اللبناني ونشر الفوضى والاحتجاجات في العديد من المدن اللبنانية.
لكن وفي خضم فشل كل هذه المحاولات للإطاحة بالحكومة، تحّول الانفجار المروع في ميناء بيروت فجأة إلى أزمة أغرقت حكومة "دياب" في الهاوية لصالح خصوم "حزب الله" في الداخل والخارج وهذه القضية، على الرغم من أن أبعادها لم يتم تحديدها بالكامل بعد ولم يتم إجراء بحث وتحقيق شامل، يمكنها من الناحية الوظيفية أن تكون لها علاقة وثيقة بينها وبين الاعمال التخريبية للمعارضة.
سيناريوهات تواجه الحكومة اللبنانية
مع استقالة "دياب"، فإن تشكيل حكومة في هذا البلد بفسيفساء الهوية سيدخل مرة أخرى في فراغ سياسية وفي هالة من الغموض والاحتمالات. وتجدر الإشارة إلى أن موضوع تشكيل الحكومة في لبنان كان على الدوام تحديًا للمجموعات والتيارات السياسية في السنوات الأخيرة وآخر مرة شهد فيها لبنان فترة عامين من الفراغ السياسي قبل الانتخابات النيابية في شباط 2016. وفي السيناريو الأول، يمكن للرئيس "ميشال عون"، بعد قبول استقالة "دياب"، حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة. وتعد مسألة تغيير النظام الطائفي اللبناني وصياغة قانون انتخاب جديد بعيدًا عن نظام المحاصصة من المطالب الجادة للشعب اللبناني، لكن هذا النظام الحالي جاء نتيجة اتفاق أنهى الصراع الدموي الذي دام 15 عامًا في البلاد ولهذا فإنه يمكن القول أن هذا النظام سوف يواجه العديد من المعارضة من قبل الجماعات والأقليات التي تستفيد منه.
وفي المقابل، أفادت وسائل إعلام لبنانية، بأن من أسباب سقوط "دياب" غضب رؤساء الفصائل النيابية من اقتراحه بإجراء انتخابات مبكرة، ولهذا فلقد وافقوا جميعًا على إزالة المظلة النيابية من حكومة "حسان دياب" وكما ورد أن رئيس مجلس النواب "نبيه بري" أرسل رسالة عبر "غازي وزني"، وزير الاقتصاد اللبناني، مفادها أنه لا يعارض على استقالته. ويبدو أن اقتراح "حسان دياب" ورّد فعل البرلمانيين كان قاسياً لدرجة لم يستطع أحد أن يفعل شيء حياله. لذلك، فإن إجراء انتخابات مبكرة لم يكن السيناريو الأساسي بالتأكيد.
وبالإضافة إلى خطة إجراء انتخابات مبكرة، والتي تبدو صعبة، هناك سيناريو آخر يتمثل في اتفاق الكتل البرلمانية على وجه آخر للترشح لرئاسة الوزراء. فلقد أظهر تحالف "8 أذار" ذات مرة أنه يمكن أن يشكل الحكومة اللبنانية بدون مساعدة تحالف "14 آذار" المعارض. وفي المقابل، ومع استقالة "دياب"، أثير اسم "الحريري" من جديد كمرشح لمنصب رئيس الوزراء. ولقد عارض تحالف "8 أذار" استقالة "الحريري" العام الماضي بشدة ودعته إلى الاستمرار في منصبه ولهذا فإنه من الممكن الآن إعادة انتخاب "الحريري" على أساس اتفاق بين التيارات النيابية الكبرى.
لكن القضية المهمة هنا، والتي يمكن اعتبارها سيناريو آخر، هي احتمال استمرار "دياب" في نشاطه كرئيس مؤقت لمجلس الوزراء حتى عقد انتخابات جديدة أو انتخاب رئيس وزراء جديد، والتي يمكن أن تستغرق شهورًا وذلك عند النظر إلى سياق الخلافات وتداوم خطورتها. وبالنظر إلى هذه السيناريوهات، فإنه يمكن القول أنه بالتأكيد لن تتمكن الاحزاب المناهضة لحركة المقاومة في لبنان توجيه ضربة شديدة لهذه الحركة بعد استقالة "دياب" وذلك لأنه أولاً، يستطيع "دياب" متابعة أجندته الإصلاحية بضغط أقل من المحتجين، ومن ناحية أخرى، يمكن لحزب الله اللبناني أن يعفي نفسه من بعض المسؤولية عن الوضع الاقتصادي المضطرب الذي كان نتاج عقود من فشل الحكومات والتيارات المتنافسة.
المصدر:الوقت