على استحياء خرج الموقف الأردني من التطبيع الأخير بين الإمارات البحرين، ليؤكد أنّ التغيير المطلوب والخطوة الأساسية المطلوبة والقادرة على تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة هما تغيير وخطوة يجب أن يُبادر بهما الكيان الإسرائيلي بحيث يوقف الكيان إجراءاته التي تقوض حل الدولتين وتنهي الاحتلال اللاشرعي للأراضي الفلسطينية وتلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق.
الأردن الذي وقّع اتفاقية تطبيع مع الكيان الإسرائيلي "اتفاقية وادي عربة" بات يجد نفسه الآن مُحاصراً باتفاقيات تطبيع مجانية بين الكيان وعدّة دولٍ عربيّة، والأردن وعلى الرغم من توقيع تلك الاتفاقيّة لطالما كان يدافع عن حل الدولتين باعتباره الطريق الوحيد للسلام بين الدول العربية والكيان الإسرائيلي.
ومنذ وصول ترامب إلى سُدّة البيت الأبيض بات يعيش الأردن صراعًا شاقًا ويوماً بعد آخر بات هذا الصراع يزداد صعوبة، لكن اتفاقية التطبيع الأخيرة بين الإمارات وإسرائيل جعلت تحقيق هدف الأردن بحل الدولتين وتطبيق القرارات الدوليّة والانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران أكثر صعوبة من أي وقت مضى، إذ زعمت الإمارات أن الصفقة، التي أعلنها ترامب في 14 أغسطس، دفنت خطة الكيان الإسرائيلي لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، لكن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتنياهو سارع إلى الإعلان أن مشروع الضم لا يزال قائماً وليتبيّن أنّ التصريحات الإماراتية ليست إلى ذرٍّ للرماد في العيون.
الأردن.. صراع وجود
المملكة الأردنيّة التي تقترب من الذكرى المئوية لتأسيسها باتت تواجه صراعاً وجودياً يُهدد الكيان الأردني برُمّته، وبات سِلمه الأهلي على المحك، وبات الأمن الداخلي هو الآخر يواجه تهديدات لم يشهدها من قبل، فأغلبية الأردنيين من أصل فلسطيني، وهم ينظرون إلى قدسية القضية الفلسطينية على أنها شيء يجب الالتزام به، ويجب أن يحترمه الجميع.
أكثر من ذلك فإنّ مشاريع التطبيع القائمة هذه الأيام تأتي مُنسجمةً مع صفقة القرن، والتي تتضمن فيما تتضمن سحب الوصاية الأردنية عن المسجد الأقصى أول قبلة للمسلمين وثالث الحرمين الشريفين، وإعطاء هذه الوصاية إلى السعوديّة المُنسجمة مع صفقة القرن والمُباركة لها، حيث تمنح الصفقة المذكورة مملكة آل سعود فرصة للاستثمار في القدس الشرقية، لا سيما دينيّاً بدلاً من الأردن الذي يُشرف على الأماكن المُقدسة في القدس، وسياسياً واقتصادياً بدلاً من تركيا التي كانت نشطة للغاية فيما يتعلق بالعقارات في القدس الشرقية.
وبعد افتضاح أمر المُخطط السعودي؛ سارعت السعودية والإمارات إلى تبني فكرة جديدة للسيطرة على الحرم القدسي ونزع الوصاية من يد الأردنيين، وذلك من خلال فكرة أخرى تتمثل بإنشاء "مجلس إسلامي" يُشرف على الحرم القدسي ولا يتبع للأردنيين، ومن المُنتظر في حال تشكيل هذا المجلس أن يكون للسعودية دور قيادي في هذا المجلس، أما فائدة الكيان الإسرائيلي ومن خلفه الولايات المُتحدة أنّهما يودّان إيجاد نوع من التوازن بين السعودية والأردن، وذلك بعد أن أبدت عمّان عدداً من المواقف الرافضة للتطبيع والضّم وصفقة القرن برُمّتها.
المُقاومة أو الانتحار
النهج السياسي الأردني الطويل الأمد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمكن أن يصبح موقف أقلية في ظل تهافت الدول العربية على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وهنا وجد الأردن المُهدد داخلياً برأي عام شعبي يرفض حتى الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وخارجياً بمواقف الدول العربيّة التي طبّعت مع الكيان، وفي ظل المُتغيِّرات الجديدة فإنّ لعب الدور الوسيط بين كل الأطراف بات يُهدد وجوده بِرُمّتِهِ.
وفي ظل الأوضاع السياسة المُضطربة في المنطقة، بات من الواضح أنّ الحل الوحيد للحفاظ على وحدة الأردن هو الابتعاد عن موقع الوسيط بين الفرقاء والانحياز إلى موقفٍ مُحدد، ولا ريب أنّ الموقف الأسلم للحفاظ على الأردن أرضاً وشعباً، وإبعاد شبح توطين الفلسطينيين في الأردن هو انحياز عمّان إلى محور المُقاومة الذي لم يُخفِ يوماً نواياه، ومن الواضح أنّ أهداف الأردن واستراتيجيّاته الحاليّة بعد اتفاقيات التطبيع باتت تتماشى مع الخط المُقاوم لمشروع الكيان الإسرائيلي في المنطقة.
أكثر من ذلك؛ يعلم ساسة الأردن جيّداً أنّ الانجرار وراء صفقة القرن من شأنه أن يُجعل من الأردن ساحة حربٍ بين مُكوّنات الشعب الأردني الرافض للتطبيع والكيان يُناصرهم حيث إن الفلسطينيين المُقيمين هناك والذين لن يقبلوا بتوطينهم في الأراضي الأردنيّة، وبين أنصار الكيان الإسرائيلي وأنصار المشروع التطبيعي من بعض العرب، وهو الأمر الذي لن تستطيع الأردن تحمّله في ظل الحالة الاقتصاديّة السّيئة التي يعيشها الأردن، وهنا يبدو الانحياز أمراً لا بُدّ منه، فإمّا إلى أنصار صفقة القرن وما يترتب عليها من حربٍ لن تُبقي ولن تذر، وإمّا مع الخيار المُقاوم الذي يُلاقي تأييداً من أغلبيّة الأردنيين وضيوفهم من الفلسطينيين.
المصدر:الوقت