بعد معلومات عن تغييرات جذرية أدخلت على عمل الجيش السوري وأدائه أخيراً، وفيما تلوح في الأفق جولة دبلوماسية جديدة بقيادة الطرف المعادي لسوريا عربياً ودولياً، تدخل سوريا مرحلة جديدة يُخشى أن تزيد من دموية الصراع القائم فيها
تتّجه سوريا صوب مرحلة جديدة، ميدانياً وسياسياً. المناخات الدبلوماسية الخارجية لا تشير أبداً إلى تسوية قريبة، لكنّ هناك مَن يتحرك من مكانه ولو ببطء. الموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي حصل على تثبّت لكون أيّ حل سيقوم على أساس نظام جديد. لكنه لم يحصل على التنازلات التي يحتاج إليها من جانبي الحكم والمعارضة. كما يعيش مراوحة في الجدال الدبلوماسي من حوله. وهو يفسّر الأمر بأنه انعكاس للواقع الميداني.
على الأرض، برزت تطورات جديدة على أداء الجيش النظامي بعد فشل «غزوة دمشق»، والواقع، بحسب مصادر متعددة، أن تغييرات جذرية طرأت على آليات العمل والتخطيط وحتى التنفيذ، وإن الجهد الخاص بعمل الاستخبارات العسكرية قد تقدّم وأتاح للجيش تحقيق «نجاحات ميدانية» في مناطق عدّة من ريف دمشق ومنطقة حمص. ودفعت القراءة الجديدة إلى قرارات بالتخلّي عن «جهود لا طائل منها» أي إخلاء نقاط وعدم الدخول في مواجهات عسكرية في مناطق مختلفة، وخصوصاً في مناطق الشمال.
الأوساط الدبلوماسية تشير إلى أن خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الأخير في دار الأوبرا، وحصيلة محادثات الإبراهيمي في جنيف، كانت ذروة المرحلة الأخيرة، وكانت حصيلة الواقع الميداني المستجدّ. وبالتالي فإنّ النتيجة التي لا تحسم الجدال سوف تفتح الباب أمام أسئلة حول المرحلة التالية، وسط معلومات عن أن الطرف المعادي للنظام في سوريا، من تركيا إلى السعودية إلى قطر عربياً، وفرنسا ودول أوروبية والولايات المتحدة دولياً، يمهّد لجولة دبلوماسية جديدة متوقّعة خلال الأسابيع المقبلة.
وحسب المعلومات، فإن جهود القوى المعادية للحكم السوري تنصبّ مجدداً على الآتي:
أولاً: رفع معنويات الائتلاف السياسي المعارض، والدفع نحو خطوة عملانية جديدة تتمثّل في تشكيل حكومة مؤقتة، موعودة بأن تحظى بدعم من عواصم عربية وإقليمية ودولية وباعترافها.
ثانياً: محاولة توحيد المجموعات العسكرية المقاتلة تحت قيادة واحدة من جديد، واللجوء إلى حصر الإمدادات المالية والعسكرية بقيادة يُتّفق عليها، ما يؤدي بنظر هذه الجهات إلى منع الفوضى القائمة حالياً.
ثالثاً: تجميد البحث في ملف النصرة، والسعي إلى تفاهمات ميدانية تحول دون استمرار المواجهات المتفرقة بين مقاتلين من النصرة ومقاتلين من مجموعات أخرى، وخصوصاً في مناطق إدلب وريف حلب.
رابعاً: السعي إلى التعويض عن فشل «غزوة دمشق» بعملية نوعية، سواء من خلال عمل أمني يستهدف قيادات أساسية في النظام، أو من خلال عمل ميداني يوسّع رقعة سيطرة المسلحين في بعض المناطق، وسط رجحان كفّة اللجوء إلى عمليات القتل العشوائي من خلال تفجيرات في مناطق سيطرة قوات النظام.
على الجبهة المقابلة، يراهن الجانبان الروسي والإيراني على مزيد من «الواقعية» في نظرة دول عربية وإقليمية معنية بالأزمة. وكان لافتاً تخلي إيران عن الدبلوماسية المعهودة إزاء دول الخليج، وشن المستشار الأبرز لمرشد الثورة، الدكتور علي أكبر ولايتي، حملة مباشرة على دولة قطر، وإظهاره في الوقت نفسه مرونة تجاه تركيا والسعودية، بينما يجري الحديث عن دور مصري هدفه احتواء أيّ انقسام داخل الجبهة العربية، من خلال إعادة الملف إلى الجامعة العربية وربطه بمهمة الأخضر الإبراهيمي.
ميدانياً، تشير المعطيات الواردة من دمشق إلى أن قوات النظام تسعى إلى تحقيق خطوات هدفها الإمساك مجدداً بكل منطقة دمشق وريفها، وكذلك منطقة حمص وريفها. ما يعني توقّع عمليات عسكرية من الغوطة الشرقية إلى بعض المناطق المتصلة بالجنوب، إلى منطقة القصير وقرى في ريف حمص. وسوف يكون لنتائج هذه المواجهات انعكاسات أساسية على المرحلة المقبلة...
تبدو سوريا الغارقة في أزمة دموية غير مسبوقة، على موعد مع فصل دموي جديد، في ظل استمرار الانقسام الداخلي، واشتداد المواجهة الخارجية أيضاً.