مع انقضاء شهر على إعلان حركة "طالبان" تشكيل حكومتها المؤقتة لتسيير شؤون أفغانستان بعد سيطرة الحركة على مقاليد الحكم فيها في أغسطس، لا يزال مستقبل البلاد غامض الملامح.
لقد أدى وصول "طالبان" إلى السلطة إلى وقف القتال وانخفاض مستوى العنف بما يحمل ذلك من انعكاسات إيجابية، لا سيما في المناطق الريفية، وهو إنجاز لا يستخف به في بلد عانى حروبا دون انقطاع تقريبا خلال العقود الأخيرة.
لكن ذلك قد يكون الأمر الوحيد الذي يندرج في خانة إنجازات الحركة، أما سجل "خيبات الأمل" من النتائج الأولية لتجربة حكمها فكبير إلى درجة مثيرة للقلق داخليا وخارجيا.
لم ترق حكومة "طالبان" حتى الآن إلى مستوى التوقعات بأن تكون حكومة "جامعة" تمثل كافة المكونات العرقية والدينية والسياسية والاجتماعية للمجتمع الأفغاني المتنوع.
وبعد انتقادات واسعة النطاق بأن الحكومة الجديدة تتألف بالكامل من رجال الدين المنضوين تحت لواء "طالبان"، أضافت الحركة بعض "الغرباء" إلى حكومتها ومنحت مناصب للتكنوقراط ورجال الأعمال وأفراد الأقليات العرقية.
لكن أيا من التعيينات الجديدة لم تكن في مناصب رئيسية، حيث حصل ممثل وحيد لأقلية الهزارة الشيعية على منصب نائب لوزير الصحة، كما ظلت الحكومة خالية من النساء وممثلين عن كبار ساسة الحقبة السابقة.
وعدت الحكومة "الطالبانية" باحترام حقوق النساء، لكنها سرعان ما ألغت وزارة شؤون النساء وحولتها، في خطوة ذات دلالة رمزية واضحة، إلى "وزارة الدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
كما فرضت الحكومة عددا من التقييدات المتعلقة بتعليم وعمل النساء "بما يتناسب مع أحكام الشريعة الإسلامية"، ما أثار احتجاجات نسائية في العاصمة كابل.
القيود الاجتماعية التي بدأت "طالبان" بتطبيقها، لم تقتصر على النساء وإلزامهن بارتداء الحجاب وعدم مغادرة المنازل دون محرم وما إلى ذلك، بل شملت الرجال ومظهرهم وسلوكهم أيضا، كما مضت الحركة في محاربة سماع الموسيقى و"العادات الدخيلة" الأخرى.
هذه الإجراءات إضافة إلى حوادث تعامل عناصر الحركة بالعنف مع أي صوت معارض، بما في ذلك في ولاية بنجشير، والعودة إلى تنفيذ عمليات الإعدام على الملأ، أثارت مخاوف، لا سيما لدى سكان المدن، من احتمال تحول "طالبان" إلى نسخة ثانية من نفس النظام القمعي المستبد الذي فرضته على البلاد في الفترة ما قبل الغزو الأمريكي عام 2001.
واقتصاديا كانت أفغانستان خلال الأسابيع الأخيرة تقترب أكثر فأكثر من شفير الهاوية، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في بأكثر من 50٪ واستمرار تقلص فرص العمل، في ظل نظام مصرفي مشلول إلى حد كبير، حيث لا يستطيع المواطنون سحب الأموال، ونظام الصحي على وشك الانهيار.
صحيح أن تفاقم الأزمة الاقتصادية يعود إلى حد ما لتجميد 9 مليارات دولار من الأصول الأفغانية الموجودة في البنوك الأجنبية ووقف التمويل من جانب المؤسسات المالية الدولية والذي مثل ما يقرب من 75% من الإنفاق العام في البلا، لكن صحيح أيضا أن تصرفات الحكومة "الطالبانية" لا تشجع الأطراف الدولية على تليين موقفها واستئناف برامج دعم أفغانستان، التي تقر بأهميتها وحيويتها لاستقرار البلاد ومحيطها الإقليمي.
وعدت "طالبان" بأن أفغانستان لن تمثل تهديدا أمنيا لجيرانها، لكنها بادرت في إشعال أزمة في العلاقات مع طاجيكستان متهمة إياها بالتدخل في شؤونها، وحشدت قوات قرب حدود جارتها الشمالية في تحرك يثير شكوكا في مصدقية وعودها عامة.
مع ذلك، يقر المجتمع الدولي بضرورة العمل مع حكومة "طالبان" كسلطة أمر واقع حتى دون الاعتراف بها رسميا، ولا يزال لا يفقد الأمل في أن تكون الحركة قد تعلمت من أخطاء وتجارب ماضيها وستسعى لاحترام مصالح دول محيط أفغانستان القريب والبعيد.
وتبقى روسيا والصين دوليا وباكستان إقليميا من الأطراف الأكثر نشاطا في محاولات إقناع "طالبان" بضرورة الإصغاء إلى صوت المجتمع الدولي والتعاون معه من أجل ألا تعود أفغانستان مصدرا للتهديدات المتعلقة بالإرهاب والمخدرات والهجرة، وذلك مقابل المساعدة الدولية في إعادة إعمار البلاد.
وأكدت موسكو مرارا أهمية الإبقاء على حوار مع حكومة "طالبان" وضرورة تقييمها بناء على أفعالها وليس أقوالها. ورغم أن الحصيلة الأولية لتلك الأفعال تبدو غير مشجعة على الكثير من التفاؤل، لا يمكن انتظار أن تصلح أي حكومة أفغانية خلال شهر أو شهرين ما أفسده آخرون خلال عقود.
كما أنه لا بد من التحلي بالصبر في التعامل مع سلطة قد لا تعجب الكثيرين لكنها حقيقة واقعة على الأرض وتحظى بتأييد قطاع واسع من الشعب الأفغاني، خاصة وأن تلك السلطة تبدو منفتحة للحوار مع الخارج وتدرك أهمية الحصول على اعتراف ودعم خارجيين من إجل بقائها وبقاء البلاد أيضا.
المصدر: RT