بعد نحو 4 عقود من الغزوات والحروب الخارجية والاقتتال الداخلي تقف أفغانستان في مفترق الطرق نحو المستقبل؛ أخفقت الولايات المتحدة خلال عقدين من التدخل العسكري في إزاحة طالبان من المشهد السياسي وعادت الحركة لتحكم البلاد مجددا محاولة التخفف من أعباء الأيديولوجيا التي أقصتها عن الحكم، وفي ظل توازنات دولية مختلفة.
ما يبدو مغايرا في رسم مستقبل أفغانستان ورؤية العالم لها هي الثروات المعدنية الضخمة والواعدة التي اكتشفت فيها، وقد تؤدي المصالح الدولية القائمة على الأولويات الاقتصادية دورها في تحديد طبيعة الصراع على أرض الأفغان في اتجاه قبول الحالة السياسية الراهنة بوجود حركة طالبان، بما قد يحوّل أفغانستان من بلد الحرب والأفيون إلى بلد الليثيوم والثروة.
بلاد حبيسة وعصية
بجبالها الشاهقة وجغرافيتها الصعبة التي تمتد على مساحة 652 ألف كيلومتر مربع، تعدّ أفغانستان أرضا حبيسة بطبيعة قاسية، رسمت تضاريسها شكل العلاقات بين كياناتها الاجتماعية القبلية، وشكلت السمة العامة لسكانها ومفاصل تاريخ البلاد قديما وحديثا.
كان موقع أفغانستان في مفترق طرق الحضارات الكبرى للعالم القديم سببا للصراع عليها وتطاحن الإمبراطوريات الذي امتد إلى العصر الحديث؛ فشلت الحملات البريطانية في القرن الـ19 (1838-1842) والسوفياتية في القرن الـ20 (1979-1989) والأميركية (2001-2021) في السيطرة النهائية على البلد الذي مر بفترات قصيرة من الاستقرار النسبي، قد تكون أهمها حقبة الملك محمد ظاهر شاه (1933-1973)، قبل انقلاب ابن عمه رئيس الوزراء محمد داود خان عليه وإدخال البلاد في الفلك السوفياتي منذ أواخر السبعينيات.
واجه الغزو السوفياتي (1979-1989) مقاومة شرسة من الأفغان -في أوج الصراع خلال الحرب الباردة- أدّت إلى انسحابه بعد تكبد خسائر كبيرة، ولم يستطع النظام الموالي للسوفيات بقيادة محمد نجيب الله (1987-1992) الصمود أكثر من 3 أعوام، إذ سيطرت حركة طالبان على معظم أنحاء أفغانستان في ظل حرب أهلية شاركت فيها فصائل عدة بتلوينات عرقية وسياسية مختلفة، واستطاعت الحركة السيطرة على كابل عام 1996.
عقب هجمات سبتمبر/أيلول 2001، اتهمت الولايات المتحدة الحركة بإيواء تنظيم القاعدة وغزت أفغانستان بمشاركة دول غربية، حيث أسقطت نظام طالبان التي قادت مقاومة ضد الجيش الأميركي والحكومات الأفغانية طوال 20 عاما من الوجود الأميركي (2001-2021). وبعد مفاوضات مع الحركة، وقعت واشنطن والحركة في فبراير/شباط 2021 اتفاقا يقضي بخروج القوات الأميركية من البلاد بحلول سبتمبر/أيلول 2021، ولكن قبل اكتمال خروج هذه القوات انهار الجيش الأفغاني والحكومة الموالية لواشنطن واستطاعت طالبان السيطرة مجددا على البلاد في ظل مشهد مرتبك لإجلاء الولايات المتحدة لدبلوماسييها وجنودها ورعاياها والمتعاونين معها.
حكم الجغرافي
رغم أن أفغانستان تعدّ دولة حبيسة ذات تضاريس صعبة فإنها تحتل موقعًا حساسا له أهمية جيو-إستراتيجية كبرى في آسيا الوسطى، فهي تقع في وسط المناطق الآسيوية الرئيسة مثل آسيا الوسطى وجنوب القارة وغربها والشرق الأقصى، وقد كانت إحدى نقاط طريق الحرير القديم، كما أنها على تماس حدودي مع قوى دولية كبرى كالصين (76 كيلومترا فقط) والفضاء السوفياتي السابق (طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان) وإيران وباكستان.
ولعل هذا الموقع، مع هشاشة البنية السياسية والاجتماعية -رغم عدم وجود ثروات معلومة حتى وقت قريب- جعل منها مطمعا لللاعبين الكبار على الساحة الدولية وفضاء لتصفية الحسابات بين الدول العظمى، مما وصمها بعدم الاستقرار طوال عقود.
ما يعطي أفغانستان أهمية أكبر هو اعتبارها ممرا مهما ومحتملا لصادرات النفط والغاز الطبيعي من وسط آسيا في إطار الصراع الدولي على منابع الطاقة وطرق مرورها، كما أن التقارير التي تؤكد حيازة أفغانستان ثروات طائلة من المعادن تعزز أهمية هذا البلد في المستقبل، ولكن حتى ذلك الحين تبقى أفغانستان مصنفة في أسفل ترتيب مؤشرات التنمية عالميا كما تظهر المؤشرات.
بلدمنهمك بالحروب:
جندي أميركي على أطراف مطار حامد كرزاي في كابل (رويترز-أرشيف)
طوال عقود، لم تلتقط أفغانستان أنفاسها لنسج منوال تنموي محدد أو ترتيب أوضاعها الاقتصادية وإدارة ثرواتها، فالحروب والصراعات الداخلية أنهكت البلد وجعلته من بين الدول الأشد فقرا والأقل تنمية على الصعيد العالمي، ولم تنجح نحو تريليون دولار صرفتها الولايات المتحدة -معظمها نفقات عسكرية- في زحزحة البلاد من مربعات الفقر والفساد، كما لم تغير البنى الاجتماعية والسياسية أو الاقتصادية فيها.
معلومات أفغانستان
الثروة الموعودة.. هل تنهي الحروب أم تؤججها؟
لم يكن الغزاة أو أطراف الحرب الأهلية في أفغانستان يدركون أن الأرض التي يتصارعون عليها للسيطرة على طرق التجارة أو تأمين تخوم إمبراطورياتهم أو إغراق عدوهم الأيديولوجي في مستنقع الحرب ليست مجرد سلسلة من الجبال الوعرة، بل هي مكمن ثروات ضخمة من المعادن قد تغير وجه أفغانستان إذا ما توفرت الظروف الملائمة لاستغلالها.
اكتشف الخبراء الجيولوجيون السوفيات خلال غزو بلادهم لأفغانستان بعض مكامن الثروات، وقام الأميركيون من بعدهم بعمليات مسح بلغت كلفتها نحو 17 مليون دولار مكنتهم من الحصول على معطيات مؤكدة عن وجود ثروة معدنية وهيدروكربونية كبيرة تتجاوز قيمتها 3 تريليونات دولار وفق تقديرات أميركية، تشمل خصوصا عناصر معدنية نادرة شديدة الأهمية للصناعات الدقيقة.
ووفقا لبيانات أبحاث الجيولوجيين الأميركيين التي وردت في تقارير وزارة الخارجية الأميركية والبنتاغون، تحوي الصحراء والجبال الأفغانية كميات ضخمة من معادن الأرض النادرة مثل الليثيوم والنيوداميوم والسيريوم واللانثانوم الكوبالت والنحاس، فضلا عن كميات هامة من اليورانيوم والزئبق والزنك والفضة والذهب والألمنيوم، وكذلك النفط والغاز الطبيعي وغيرها. ويعدّ الليثيوم من أكثر هذه المعادن أهمية، وقد ارتفع الطلب العالمي عليه في السنوات الأخيرة بنحو 40 ضعفًا نظرا لقيمته في ما يسمى "الاقتصاد الأخضر" أو الصناعات الصديقة للبيئة.
وتشير الوكالة الأميركية للمسح الجيولوجي إلى وجود تنوع مذهل من المعادن الدفينة وعناصر التربة النادرة في أفغانستان، وأن تركيز هذه المعادن وسهولة الوصول إليها يمكن أن يجعلا البلاد واحدة من أهم مراكز التعدين في العالم.
الأفيون والليثيوم
ساهمت الحرب الطويلة والفقر وغياب الاستقرار في جعل أفغانستان أرضا خصبة لزراعة الخشخشاش وتوزيعه عالميا، وقدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) إنتاج الأفيون في أفغانستان عام 2017 بنحو 9.9 آلاف طن بقيمة نحو 1.4 مليار دولار من مبيعات المزارعين أو ما يناهز 7% من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان.
توفر أفغانستان – وفق تقريرسنة 2020 الصادر عن المكتب- نحو 80% من صادرات العالم من الأفيون، في حين بلغت المساحة المزروعة بالخشخاش 224 ألف هكتار (نحو 2250 كم2) عام 2020، مقابل 163 ألف هكتار (نحو 1800 كم2) عام 2019، في حين كانت المساحة المزروعة تقدر بـ8 آلاف هكتار فقط (80 كلم2) عام 2001.
ورغم إخفاق حركة طالبان في وقف زراعة وتجارة الأفيون في فترة حكمها الأولى بعد أن حظرته، فإن رغبتها في الاندماج في المجتمع الدولى قد تدفعها إلى بذل جهد أكبر في هذا السياق، في اتجاه أن تصبح أفغانستان أكبر مصدر لمعدن الليثيوم والمعادن الأخرى النادرة بدل الأفيون.
وتقف أمام ذلك عراقيل جمة أهمها صعوبة القطع مع زراعة الأفيون، التي أضحت جزءا من النسيج الاقتصادي للبلاد والزراعة الرئيسية فيها. وقد فشلت الولايات المتحدة بدورها في تدمير هذه الصناعة رغم إنفاقها مبالغ طائلة لتحقيق ذلك، كما أن الاقتصاد الأفغاني الهش، وفي ظل غياب التمويل وبنى وأنماط إنتاج مختلفة ومصادر دخل بديلة يصعب عليه التخلص من تأثيرات الأفيون سريعا.
أما التحول إلى صناعات التعدين واستخراج الثروة المعدنية الواعدة، فيستوجب بنى تحتية ليست متوفرة في البلاد وخبرات وكفاءات واستثمارات ضخمة قد تتسابق عليها الدول والشركات العالمية، لكن ذلك يرتبط بالوضع الأمني وبطبيعة النظام السياسي الذي سيتركز في البلاد، ومدى القبول الدولي لقرارات وتوجهات حركة طالبان، والاستقرار الداخلي والدعم الخارجي.
من يغنم الكنز؟
وزير الخارجية الصيني ونغ يي مع زعيم حركة طالبان عبد الغني برادر (غيتي)
وفقا للبيانات الرسمية، أنفقت الولايات المتحدة خلال حربها في أفغانستان التي استمرت 20 عاما 978 مليار دولار، شاملة الدعم اللوجستي من باكستان ومخصصات 2020، كما قتل 2300 من جنودها، وأصيب 20 ألفا و660 جنديا، وهي تكلفة بشرية باهظة زادها مرارة خروجها المرتبك من البلاد وفقدان أي وجود عسكري أو دبلوماسي بالبلاد وعودة طالبان للحكم.
هذه الخسارة العسكرية، قد تقود واشنطن أيضا إلى التفريط في استثمار الثروات الهائلة التي اكتشفتها لمصلحة قوى دولية منافسة كالصين وروسيا أو أخرى إقليمية كإيران وباكستان والهند. وتلك الدول تحكمها جميعا مخاوف أمنية من حكم طالبان، لكن الأبعاد الاقتصادية قد تكون فاعلة في مسألة الاعتراف بالحركة واحتوائها ودمجها في المجتمع الدولي، خصوصا إذا أبدت الحركة مرونة وتفهما للهواجس الأمنية لهذه الدول، وهو ما تحاول القيام به.
وتحتاج الولايات المتحدة وشركاتها التكنولوجية الكبرى إلى المعادن الأفغانية النادرة بشكل أكبر، فالاحتياطات الأميركية منها لا تزيد على 1.4 مليون طن متري، في حين تعدّ الصين الدولة المنافسة في جميع المجالات صاحبة أكبر احتياطي عالمي بنحو 44 مليون طن متري.
ما يقلق الأميركيين أكثر من غيره الآن هو التقارب الصيني مع طالبان، الذي قد يعطي بكين اليد الطولى في التحكم بتلك الثروات المعدنية الثمينة واستغلالها مستقبلا. فالصين -كما يرى الغرب- لا تهتم في علاقاتها مع دول العالم بقيم حقوق الإنسان والديمقراطية، في حين تنسج الصين تلك العلاقات على "أساس المنفعة المتبادلة واحترام اختيارات جميع الشعوب"، ولذلك مدّت منذ فترة جسور تعاون مع حركة طالبان.
سبق صيني ومخاوف أميركية
وفي حين أغلقت الولايات المتحدة وحلفائها سفاراتها وسحبت كل قواتها العسكرية، أبقت الصين -كما روسيا وتركيا وبعض الدول الأخرى- على تمثيلها الدبلوماسي، واستقبل وزير الخارجية الصيني وانغ يي وفدا من قادة حركة طالبان في بكين أواخر يوليو/تموز 2021، وفي أعقاب سيطرة طالبان على كابل. واستقبل سفيرها وزير الخارجية المكلف في "حكومة طالبان" أمير خان متقي، كما تعهدت بكين بتقديم مساعدة إنسانية تقدر بـ15 مليون دولار للحكومة الجديدة.
تقارب الصين علاقاتها مع حركة طالبان من بوابة "السياسة والأمن والاقتصاد"، فالعلاقات السياسية تهدف بالأساس إلى تأمين حدودها، وعدم اتخاذ الأجنحة المسلحة للحركات الإسلامية للشعب الإيغوري المسلم من الأراضي الأفغانية المتاخمة لإقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية) في ولاية بدخشان وجبال بامير منطلقا لهجمات داخل الصين، لتأتي بعد ذلك المصالح الاقتصادية والاستثمارات التي تغري طالبان أيضا.
وقد سجلت بكين نقاطا أكبر في مسار ترتيب العلاقة مع حكام أفغانستان الجدد، بقطع النظر عن التنافر الأيديولوجي بينها وبين حركة طالبان، سعيا إلى توطيد نفوذها في جنوب آسيا ووسطها. كما أن الحركة نفسها تسعى للاستفادة من الصين كقوة اقتصادية وتكنولوجية وسياسية كبرى لنيل الدعم والحماية وتطوير الاقتصاد؛ وتبدو فرص الصين حينئذ للوصول إلى الثروات الأفغانية أكبر بكثير من فرص واشنطن وحلفائها.
من جهتها، تهتم روسيا أكثر بالمسألة الأمنية في أفغانستان وكذلك بثرواتها، وقد استقبلت وفدا من طالبان في موسكو، وربما تكون على استعداد للتعامل مع الحركة سياسيا واقتصاديا إذا تم تبديد المخاوف الأمنية تجاه الجمهوريات الدائرة في فلكها والمحاذية لأفغانستان بخصوص ضبط الحدود وما تصفه بـ"تصدير الإرهاب"، وهي أيضا بديل محتمل للتعاون العسكري إذا ما فقدت حركة طالبان الأمل في واشنطن.
فالولايات المتحدة والدول الغربية تشترط تنازلات كثيرة على طالبان تتراوح بين السياسي والأمني والاجتماعي والحقوقي مقابل تطبيع العلاقات معها وإدماجها في المنظومة الدولية، في حين تحكم الحركة هواجس كثيرة تجاه المحتل السابق، لكنها تبدي في المقابل استعدادا للتعاون مع جميع الدول، وخصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، رغبة في رفع الحظر والعقوبات عنها.
وقد تدفع المخاوف الأميركية والغربية من الدور الصيني والروسي بدرجة أقل، وإمكانية اعترافهما بحكومة طالبان ودعمها دوليا إلى مراجعة موقفها من الحركة، كما أن ضغوط الشركات الكبرى في صناعة السيارات والتكنولوجيات الحديثة قد تقنع واشنطن والعواصم الغربية بسرعة مراجعة هذه المواقف خوفا من ضياع نصيبها من الثروة المعدنية الأفغانية.
الشرعية والأمن والثروة
مقاتل من طالبان في دورية تجوب شوارع جلال آباد (الأوروبية)
رغم سيطرتها على كامل أفغانستان تقريبا وإعلانها حكومة تسيير أعمال فإن حركة طالبان لم تنل (حتى أكتوبر/تشرين الأول) اعترافا دوليا تكتسب به الشرعية، وما زالت تصنف "حركة إرهابية" حتى من الدول التي أبدت بوادر تعامل إيجابية تجاهها (روسيا). ويبقى كسب الشرعية الدولية الطريق الرئيس للاستقرار ومن ثم المرور إلى البناء الاقتصادي.
وتظل الهواجس الأمنية وعدم الاستقرار سياسيا وعسكريا العائق الرئيس أمام تحقيق التنمية الاقتصادية في البلد المتعدد الأعراق (البشتون والطاجيك والهزارة والأوزبك والأيماق والتركمان والبلوش والقرغيز والنورستان والعرب) والذي تحكمه صراعات وتوازنات داخلية هشة أسهمت، فضلا عن التدخل الخارجي، في استمرار الحرب منذ 1979.
فرغم أن حركة طالبان قدمت نفسها في ثوب جديد أكثر انفتاحا على الداخل والخارج، فإنها لا تحظى بإجماع داخلي، كما توجد خلافات وانقسامات بين قادتها (الجناح العسكري والسياسي) على أسلوب إدارة الدولة والمجتمع في علاقتها بالمسألة الدينية وطريقة الحكم والنظرة إلى العلاقات الخارجية.
كما يصعب المرور إلى دولة مستقرة في وقت وجيز في بلد شهد 4 عقود من الاقتتال، وتحكمه تناقضات مختلفة بينها القبلي والديني والسياسي، تؤرق دول الجوار أمنيا (إيران وباكستان وطاجيكستان والصين وتركمنستان) وتثير قلقها بحكم التداخل في التركيبة السكانية والدينية.
ويعدّ دعم وإيواء "الحركات الجهادية" المسألة الأبرز في تقييم القوى الكبرى والإقليمية لطالبان، فرغم أن الحركة قدمت تعهدات بالقطع مع التنظيمات "المتطرفة" ومحاربتها، والحفاظ على علاقة حسن الجوار، فإن حالة عدم الاستقرار وخبرة بعض هذه التنظيمات في الأرض الأفغانية وتضاريسها، بحكم وجودها الطويل هناك (تنظيم القاعدة)، وبحث تنظيمات أخرى عن بناء قواعد جديدة (تنظيم الدولة ولاية خراسان)، وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وانتشار السلاح قد تعرقل جميعها محاربة هذه التنظيمات على المدى القصير وربما المتوسط.
وتبنى التنظيم في سبتمبر/ أيلول عدة تفجيرات في جلال آباد (شرقي أفغانستان) وكابول، وأخرى في قندوز(شمالي البلاد) وقندهار(جنوب غرب على الحدود مع باكستان) في أكتوبر/تشرين الأول، وذلك بعد حالة من الاستقرار النسبي الذي أعقب تفجير مطار كابول يوم 29 أغسطس/آب وأدى لمقتل وجرح العشرات، بينهم 13 جنديا أميركيا.
هذه التفجيرات المتواترة، تؤكد خطورة التحديات الأمنية التي ستواجه الحركة في محاولتها بسط الاستقرار في البلاد وإقناع المجتمع الدولي وخصوصا دول الجوار كونها الطرف القادر على بناء أفغانستان جديدة مستقرة، وتبديد الهواجس الدولية بشأن عودة أفغانستان إلى مربع العنف الدامي مجددا.
المبعوث البريطاني الخاص إلى أفغانستان سايمن غاس التقى نائب رئيس الوزراء في حكومة طالبان عبد الغني برادر
في محّصلة 40 عاما من الأزمة الأفغانية، تدرك حركة طالبان والأطراف الداخلية والخارجية المعنية صعوبة رؤية تدخل عسكري آخر مباشر من القوى العظمى أو الإقليمية لفرض خيارات معيّنة بالقوة، بفعل دروس التورط السوفياتي والأميركي البليغة.
كما يدرك المجتمع الدولي أن حركة طالبان رقم صعب في المعادلة الأفغانية، لذلك فإن استيعاب الوضع الراهن ومحاولة تقليل الخسائر من جميع الأطراف يبدو السيناريو المرجح في التعامل مع هذا الملف، كي لا تبقى أفغانستان بؤرة توتر مزمنة في منطقة حيوية من العالم، وتتحول إلى مصدر لموجات لجوء يخشاها الغرب ودول الجوار.
وتتواتر المبادرات في هذا الاتجاه، حيث احتضنت الدوحة اجتماعا بين طالبان ومسؤولين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لأول مرة بعد انسحاب القوات الأميركية من كابل، كما أرسلت بريطانيا مبعوثا خاصا إلى كابل، ودعت روسيا ممثلي طالبان إلى محادثات دولية في موسكو، فيما تتواتر اللقاءات الصينية مع الحركة، واستقبلت إيران وتركيا وفودا من الحركة أيضا، بينما تحتفظ باكستان بعلاقات جيدة مع طالبان. وتتحرك حركة طالبان دبلوماسيا على أكثر من صعيد، كما تبذل مساع من عدة أطراف لتهدئة الأوضاع الداخلية في أفغانستان وإطلاق حوار، خصوصا بين طالبان وقوى المعارضة في بنجشير (جبهة المقاومة الوطنية)، والتوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة شاملة كمدخل للاستقرار السياسي والأمني، يسبقه أو يليه اعتراف دولي يمكن أن ينقل أفغانستان من "حقبة الأفيون" والحروب بمراراتها إلى "عصر الليثيوم" الذي يلوح وميضه في مستقبل أفغانستان الغائم.
سيناريوهات المستقبل
حدد الأستاذ المشارك في معهد الدوحة للدراسات العليا الدكتور ابراهيم فريحات شروط تقارب أفغانستان في حقبتها الطالبانية مع كل من واشنطن وبكين. واستعرض الباحث في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور شفيق شقير من جهته معالم التغييرات المتوقعة إذا أريد لأفغانستان أن تستقر وأن ينمو اقتصادها.
المصدر : الجزيرة