حقق الجيش السوري تقدما ميدانيا مهما، أمس الأول، بسيطرته الكاملة على الطريق المؤدي إلى حلب الذي يتيح لقوى الجيش وقواعده في المدينة الحصول على تعزيزات مباشرة وسريعة، في معركة حلب المستمرة منذ ثمانية أشهر.
وأعلنت قيادة الجيش، للمرة الأولى منذ أشهر، تمكنها من السيطرة على كامل الطريق الممتد لمطار حلب الدولي، وذلك بعد معارك استمرت عدة أسابيع، وتركزت في القرى الأقرب للمطار وعلى الطريق الدولي كالسفيرة.
ووفقا لبيان قيادة الأركان فإن «رجال جيشنا العربي السوري، بالتعاون مع الأهالي الشرفاء قاموا بعمليات نوعية أعادوا من خلالها الأمن والاستقرار إلى القرى الموجودة على الطرق الدولية، وهي سلمية وأثريا وخناصر والمزرعة ورسم النقل وأم عامود صغير وأم عامود وجنيد وقبتين وخريرش وجلاغيم والسفيرة ومؤسسة معامل الدفاع ومراكز البحوث العلمية وباشكوى وتل عابور وتركان وتل شغيب والنيرب ومخيم النيرب ومطار حلب الدولي». وتقع هذه القرى والبلدات على ما يعرف بـ«طريق البادية» الذي يصل السلمية في حماه بمطار حلب الدولي.
ودعا البيان، الذي نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا) أمس الأول، «كل من غُرِّر بهم من أبناء سوريا للعودة إلى جادة الصواب، فالفرصة لا تزال سانحة لإلقاء السلاح والعودة إلى حضن الوطن الذي يتسع لجميع أبنائه».
ورغم أن عملية استعادة الطريق الدولي استغرقت وقتا طويلا، إلا أنها تعتبر تغيرا مهما في المجرى الميداني، باعتبار أن تشتت السيطرة على الطريق كانت تعيق وصول إمدادات لوجستية لقوى الجيش التي تقاتل في حلب، الأمر الذي كان يتطلب الاستعانة بسلاح الطيران بشكل دائم.
ورغم أن الطريق لم ينقطع تماما أمام حركة الشاحنات والمواطنين، إلا أنه كان مقسما إلى مناطق نفوذ للجيش السوري ومسلحي المعارضة، ما كان يتطلب وقوفا مستمرا على حواجز للطرفين في المسافة التي تزيد عن 200 كيلومتر. ولا يعني التطور الميداني الأخير أن تلك المناطق لن تشهد معارك بعد الآن، إلا انه يؤكد تعزيز سيطرة الحكومة السورية على تلك المناطق، وذلك في الوقت الذي يجتمع فيه «ممثلون عن المجتمع المحلي» في مدينة غازي عنتاب التركية لتأسيس «مجلس محافظة حلب» لإدارة المدينة «بعد تحريرها». واللافت أن الاجتماع يجري في تركيا، ويشارك فيه قادة عسكريون ومدنيون، اتفقوا مبدئيا على تقسيم المحافظة التي ما زالت تشهد معارك ضارية إلى «خمس دوائر انتخابية، وهي: مدينة - ريف شمالي - ريف جنوبي - ريف شرقي - ريف غربي» وذلك بغرض إقامة انتخابات بلدية... مستقبلا.
التقدم الميداني الأخير دفع كتائب المعارضة المختلفة لتحويل معركتها إلى حلب بهجوم مركز على مدرسة الشرطة في منطقة خان العسل، وذلك بعد حصار استمر عدة أسابيع. وحتى الآن لم تؤكد مصادر رسمية سقوط المدرسة، وإن أشارت إلى أن معارك شرسة تجري في المنطقة، وذلك فيما أشاعت مصادر المعارضة استيلاء قواتها على بعض مباني المدرسة منذ أمس. ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان فإن حصيلة المعارك كانت 200 قتيل من الطرفين، وذلك من دون الإشارة لتطور لاحق جرى أمس تمثل بسقوط صاروخ «سكود» على الجزء الذي تستولي عليه المعارضة في تلك المنطقة، وفقا لمصادر إعلامية متفرقة.
وفي هذا السياق، قال مصدر مسؤول إن وحدات الجيش «نفذت سلسلة من العمليات في بلدات منغ ومنبج ودير جمال وحريتان ورتيان والبرقوم والمنصورة وكفر انطون وحيان وتل عذار والنيرب وجسر عسان والعزيزة واورم الكبرى وقراصي»، مشيرا إلى أن العملية أسفرت عن تدمير «أوكار» المستهدفين «وأردت العديد من القتلى والمصابين بين صفوفهم».
وفي دمشق، قال مصدر مسؤول إن وحدات من الجيش أوقعت عدداً من المسلحين بين قتلى ومصابين، بينهم من يتزعم مجموعات مسلحة ينتمون إلى «لواء الإسلام» في مزارع العب والحجر الأسود والسبينة في ريف العاصمة، ودمرت أوكاراً وتجمعات لهم. وأوضح أن وحدة من الجيش قضت على أربعة من متزعمي المجموعات المسلحة في مزارع العب بالقرب من دوما، وذلك فيما سقطت قذائف هاون في وسط دمشق، قرب مبنى هيئة الأركان العامة في ساحة الأمويين وقرب المنطقة الحرة في البرامكة. وكان سبق لقذائف هاون أن سقطت في منطقة برزة أيضا، وأدت إلى مقتل رجل وجرح طفل.
وقالت مصادر محلية إن عملية إزالة بعض المباني في منطقة داريا التي لا تزال تشهد معارك بدأت باعتبارها «ضمن حرم مطار المزة العسكري». وهي عملية تجري تحت ذات العنوان في محيط مطار دمشق الدولي أيضا، وهو المحاذي لمناطق اشتباك متشتتة في بساتين الغوطة الشرقية. وتشهد المعركة في داريا تقدما بطيئا لمصلحة قوى الجيش التي تحكم حصارها على بعض أحياء البلدة التي يتمركز مسلحون فيها.
كما قامت قوى الجيش في ريف اللاذقية الشمالي بعملية عسكرية من عدة محاور باتجاه مناطق تمركز وتحصن المسلحين، ولا سيما في «المناطق الممتدة على طول المحور (الفاصل) بين قوات الجيش السوري وأماكن تواجد الميليشيات من الحدود التركية وصولاً إلى آخر نقطة لأماكن تواجدهم، وهي منطقة غمام»، حيث أشار المصدر إلى أن «الاشتباكات لا تزال مستمرة وبقوة».
وذكرت «سانا» أمس إن «وحدات من القوات المسلحة تصدت السبت لمجموعات إرهابية مسلحة تقوم بأعمال اعتداء وتخريب في بعض المواقع في محيط مدينة الرقة الشمالي الشرقي وأوقعت بها خسائر كبيرة». ونقلت عن مصدر مسؤول قوله إن هذه المجموعات «حاولت الاعتداء على حواجز للجيش قرب سجن الرقة المركزي ومدينة الفروسية».
وعلى الحدود السورية ـ العراقية، تمكن الجيش السوري من إعادة سيطرته على معبر اليعربية الحدودي مع العراق بعد أقل من 24 ساعة من سيطرة مقاتلين إسلاميين متشددين من «جبهة النصرة» و«الفاروق» و«أحرار الشام» وكتائب أخرى عليه. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الجيش تمكن أيضا «من السيطرة على أكثر من نصف مدينة اليعربية المجاورة للمعبر».
وقالت مصادر في الجيش العراقي إن «السلطات العراقية أصدرت أمرا بغلق منفذ ربيعة الحدودي حتى إشعار آخر وذلك بسبب فقدان سيطرة الحكومة السورية على الجانب الآخر من المعبر». وأطلق الجيش العراقي طلقات تحذيرية في الهواء يوم الجمعة في الوقت الذي كان يخوض فيه مقاتلو المعارضة السورية معركة مع القوات الحكومية في بلدة اليعربية السورية وسيطروا على النقطة الحدودية في نهاية الأمر. وقال مسؤول عسكري إنه تم تسليم أكثر من 20 جنديا سوريا للاستخبارات العسكرية بعد أن فروا من القتال إلى العراق وإنهم أرسلوا إلى بغداد.
وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية الفريق محمد العسكري أعلن، أمس الأول، ان أربعة جنود من الجيش السوري نقلوا إلى مستشفى في شمال العراق بعد إصابتهم في اشتباكات مع مسلحين، طالت نيرانها الأراضي العراقية.