ما مصالح إيران؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)
ما مصالح إيران؟
  • موفق محادين

 

المحدد الأساسي للمواقف الإيرانية ليس المصالح الاقتصادية، وليس الاعتبارات الأيديولوجية الشيعية، بل الحقل السياسي بدلالة قانون التناقضات.

بالتزامن مع تطوير طهران علاقاتها مع روسيا والصين، ومع إدارة حازمة لملف الاتفاق النووي ودعم سوريا والمقاومة في فلسطين ولبنان، انطلقت في إيران اضطرابات اجتماعية هي خليط من الثورات الملونة والجماعات الانفصالية المعروفة بعلاقاتها مع الأطلسيين ومحميات النفط والغاز المسال والفضائيات الموجهة بالفارسية وغيرها، ومثلها حملة إعلامية شملت أكثر من بلد عربي.

وإضافةً إلى المنابر المعروفة في لبنان، ثمة ما يقال عن مقالات في الصحافة الأردنية تشي بالمرجعيات نفسها، وتتحدث جميعها عن التدخل الإيراني هنا وهناك، من دون أدنى إشارة إلى التدخلات السياسة والقواعد العسكرية الأميركية في أكثر من بلد عربي، وكذلك الإملاءات المعروفة للأدوات الاقتصادية التابعة للمتروبولات الرأسمالية، مثل البنك وصندوق النقد الدوليين. وفي الوقت نفسه، تتجاهل المقالات المذكورة التدخل التركي السافر في سوريا والعراق وليبيا. 

ما مصالح إيران في المنطقة بدلالة علم السياسة وكل التعريفات المتداولة والقاموسية لمفهوم المصالح، وبما يذكر أيضاً بحديث الأطلسي ومنابره عن الإمبريالية الروسية، متجاهلاً أن السمة الأساسية للإمبريالية، في أوضح تعريف لها، هي تصدير الرساميل وسيطرة البنوك الكبرى على الاقتصاد العالمي، وهو ما لا ينطبق على روسيا. 

فيما يخصّ إيران ومفهوم المصالح، إذا كان الصراع على الأسواق والموارد ومراكز المنظومة المالية والنقدية العالمية هو المحدد الرئيسي لهذا المفهوم، فأين تكمن مصالحها في كل ذلك، إذ لا علاقة لاقتصادها وميزانها التجاري بتركيبة المتروبولات ولعبتها وأسواقها، وبالبحث عن المواد الخام أو نصف المصنعة ونهبها؟

من المؤكّد أن الاقتصاد الإيراني هو اقتصاد متنوع، ولا يقتصر على النفط والغاز، ويحتفظ بعلاقات تجارية واسعة مع بلدان كثيرة في العالم، كما تتمتع إيران بسمعة معروفة في الصناعات التقليدية والتراثية، مثل صناعة السجاد وزراعة الزعفران والفستق وغير ذلك، ولكن البضائع الإيرانية بقيت خارج لعبة الأسواق الرأسمالية وتشابكها مع المافيات المالية في بورصة لندن و"وول ستريت"، بل إن الإمبرياليين أنفسهم، من باب محاولة الاستخفاف بإيران، لا يتحدثون عن اقتصادات إيرانية منافسة. 

وبإنكارهم ذلك، فإنهم يحررون طهران من تهمة السعي لأخذ حصة من ناهبي الأسواق والموارد العالمية. هكذا إذاً، لم تكن إيران طرفاً في الصراعات المذكورة على إخضاع العالم ونهبه، فأي معنى لمفهوم المصالح هنا؟ الإمبرياليون لا تنقصهم القدرة على تلفيق الألاعيب والأكاذيب وتوظيفها، ومنها تصدير بضاعة أخرى لا أسعار لها في الأسواق التي يتكالبون عليها، وهي البضاعة الأيديولوجية، التي سبق أن جربوها مع الاتحاد السوفياتي كأكبر مصدر للأيديولوجيا الاشتراكية في حينه. 

إذاً، لا مصالح اقتصادية لإيران في السيطرة على الأسواق ونهب الموارد، باعتراف الإمبرياليين أنفسهم. أما بضاعتها التي تسعى إلى تسويقها، وفق خطاب الإمبرياليين، في أوروبا والولايات المتحدة، فهي الأيديولوجيا، فما هذه الأيديولوجيا؟

إذا كان التشيع هو المقصود، وفق الأوساط الإمبريالية المذكورة، فماذا عن التساؤلات التالية: 

1-   بحسب القول الشائع "الأقربون أولى بالمعروف"، لماذا لم تقم إيران ابتداء بتصدير بضاعة التشيع داخل إيران نفسها في الأوساط السنية (الإيرانية)؟ ولماذا لا يقوم أنصار إيران في لبنان والعراق بالعمل نفسه، وبدلاً من أن يقوم حزب الله بتدريب وتسليح أنصار المقاومة في جنوب لبنان من أهل السنة والمسيحيين، لماذا لا يقوم بتشييعهم إذا كان التشيع بضاعة قابلة للتصدير؟

2-   فيما يخصّ جماعة العروبة النفطية المفاجئة، هل توقفوا مرة واحدة عند مرجعيتهم المذهبية وعند المرجعية الشيعية لإيران؛ فالمرجعية الأولى منقسمة بين إجازة الإمامة من خارج العرب (أبو حنيفة) وحصرها في قريش، فيما تشترط المرجعية الشيعية الإيرانية أن تكون الإمامة من نسل إمام عربي لا فارسي، هو علي بن أبي طالب؟

أكثر من ذلك، وفيما يخصّ الإحالات المرجعية لفكرة السلطة والإمامة، فإنها في حالة العروبة النفطية المفاجئة لجماعة الأميركيين، تستند إلى مرجعيات "أعجمية"، على رأسها الماوردي، صاحب المرجع الأكبر على هذا الصعيد "كتاب الأحكام السلطانية"، ثم المدرسة النظامية التي أسسها الوزير السلجوقي في بلاط ألب أرسلان، نظام الملك، الَّذي قتله الإسماعيليون النزاريون في الفترة نفسها التي قتلوا فيها العديد من أمراء الحملات الصليبية، مثل الملك كونراد والأمير ريموند والأمير بوهيموند.

أما المرجعيات الخاصة بالإمامة والسلطة عند الشيعة، فهي في معظمها مرجعيات عربية، ومنها الشيخ علي الكركي من جبل عامل في لبنان.

إلى ذلك، وفيما يخص بضاعة التشيع الإيرانية: 

أولاً: ماذا عن الموقف الإيراني من أذربيجان الشيعية وأرمينيا المسيحية؟ ولماذا تنحاز إيران غالباً إلى أرمينيا، فيما تنحاز تركيا (السنية) إلى أذربيجان الشيعية؟

إذا لم تكن ثمة مصالح اقتصادية إيرانية، لا في السوق الأرميني المتواضع، ولا في المياه، حيث لا أنهار حدودية مع أرمينيا، وإذا لم تكن بضاعة التشيع موجودة أيضاً، فما المصالح الإيرانية؟ وهل هناك أذرع إيرانية في أرمينيا؟ الجواب ليس في الحقل الاقتصادي، ولا في الحقل الأيديولوجي، كما يتبين معنا، بل في الحقل السياسي، كما سنرى. 

ثانياً: ماذا عن الموقف الإيراني من فنزويلا المسيحية أيضاً، التي استقبلت النفط الإيراني على شكل منح، وليس في إطار التنافس مع شركات النفط الكبرى؟ الجواب أيضاً في الحقل السياسي. 

ثالثاً: ماذا عن الموقف من الفصائل الفلسطينية الكبرى التي تعبر بمستويات مختلفة عن التمثيل الفلسطيني، بصرف النظر عن الموقف من هذا التمثيل، فجميعها ذات أغلبية إسلامية (سنية) معروفة، حيث لا مصالح اقتصادية لإيران، ولا اعتبارات أيديولوجية شيعية؟

قد لا يعرف البعض أنه بعد إسقاط الشاه، الدمية التي فرضتها المخابرات الأميركية بعد إسقاطها حكومة مصدّق الوطنية، لم تبدأ علاقة إيران مع حماس التي لم تكن قد ولدت بعد، ومثلها حركة الجهاد الإسلامي، بل مع حركة فتح، حتى إن ضباطاً من الجيش الأردني سبق أن انضموا إلى حركة فتح بعد أحداث أيلول/سبتمبر 1970 في الأردن، ووضعوا خبراتهم تحت تصرف حرس الثورة الإيراني عند تأسيسه، عندما قرر (الامام ) الخميني، المرشد الأعلى للثورة آنذاك، حلّ جيش الشاه السابق واستبداله بقوات جديدة، بل إن أحد أسباب انقلاب "تل أبيب" على ياسر عرفات هو اتهامه بقصة سفينة الأسلحة الإيرانية (سفينة كارين عام 2002) التي كانت متجهة إلى السودان في طريقها إلى غزة. 

في كلِّ ذلك، فإنَّ المحدد الأساسي للمواقف الإيرانية ليس المصالح الاقتصادية، وليس الاعتبارات الأيديولوجية الشيعية، بل الحقل السياسي، بدلالة قانون التناقضات: 

1-   التناقض الأساسي مع الإمبريالية العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وهي ليست شبحاً أو توصيفاً عاماً، بل الرأسمالية في ذروتها الإجرامية وأدواتها المعروفة: الأسواق الحرة، والليبرالية المتوحشة كعنوان للفاشية الجديدة، وحلف الناتو، والبنك وصندوق النقد الدوليان، وجيش الليل من رجال الاستخبارات وصناع القتلة والتكفيريين، وجماعات الثورات الملونة ورموزها، مثل سوروس وليفي وكارينجي وبوبوفيش (الأوتوباور) وغيرهم.

2-   التناقض الرئيسي بالنسبة إلى كل أمم المنطقة وشعوبها مع الكيان الصهيوني، وفق لاءات عبد الناصر الثلاث: لا صلح، ولا اعتراف، ولا مفاوضات. وفق هذا التشخيص، وفي مقابل تركيا التي يصمت عنها كثيرون، والتي تقيم علاقات وثيقة مع حلف الناتو والكيان الصهيوني والبنك الدولي، فإنَّ إيران في الجانب الآخر تماماً الذي جعلها تحت الحصار، وهي المستهدف الأول في الإستراتيجية الصهيونية، وفق تقارير هرتزليا، منذ صدورها عام 2000 وحتى اليوم. 

في الحصيلة، فإن فكرة السيادة الحقيقية التي تجسدها إيران تجعلها في عين العاصفة الإمبريالية والرجعية والصهيونية.

المصدر:الميادين

قراءة 302 مرة