هكذا ينجو مصدّرو إيران من العقوبات

قيم هذا المقال
(0 صوت)

رغم مضي أكثر من ست سنوات على انطلاق سياسة العقوبات الاقتصادية ضدّ إيران واعتماد «المجتمع الدولي» عليها لكبح «النشاط النووي» للجمهورية الإسلامية، لم يتطرّق أي بحث في السابق إلى تأثير العقوبات الاقتصادية على سلوك المصدّرين الإيرانيين. وفي دراسة علمية جديدة تعتمد على بيانات تفصيلية لفترة تزيد على خمس سنوات، يتّضح أنّه منذ بدء العقوبات عمد هؤلاء المصدّرون إلى تحويل السكّة الخارجية لمنتجاتهم، وإلى نقل نشاطهم من أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الأسواق الآسيوية والأميركية اللاتينية. هذا ما توضحه الدراسة التي ننشرها تحت عنوان: «العقوبات وتحويل الصادرات: أدلّة من إيران»

 

تُشكّل العقوبات الاقتصادية التي تعتمد التأثير على قنوات التبادل التجاري محوراً أساسياً من النقاش في السياسات التي يُمكن اعتمادها مع إيران. لكن لا يزال فهمنا محدوداً لفاعلية هذه العقوبات وانعكاساتها؛ إذ نظراً إلى ارتفاع مستوى عولمة الاقتصاد، تتوافر للمصدرين في الاقتصاد الخاضع للعقوبات خيارات بديلة من الأسواق والمستهلكين لتصريف منتجاتهم.

الخيارات المتاحة أمام المصدّرين في حالة العقوبات هي: إما التوقّف كلياً عن التصدير، والصمود في الأسواق المحلية، أو العمل بكمية أقل من الصادرات أو التحوّل إلى أسواق جديدة. في حالة إيران تحديداً، توضح الدراسة «العقوبات وتحويل الصادرات: أدلّة من إيران»، أنّه رغم أن العقوبات (التي فرضتها الأمم المتحدة من خلال عدة قرارات صدرت على مراحل متباعدة، اضافة الى العقوبات الأحادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وأوستراليا وكندا) انخفضت صادرات إيران غير النفطية إلى الوجهات التي فرضتها، إلا أنّها فعلياً حفّزت المصدّرين الإيرانيين على تحويل سكّة صادرات إلى وجهات أخرى لا تلتزم فرض العقوبات المذكورة.

هل حصل تحويل سكّة الصادرات الإيرانية بعد فرض العقوبات على المصدّرين الإيرانيين؟

لمقاربة هذا السؤال يعتمد البحث على قاعدة بيانات المؤسسات في الجمارك الإيرانية. تحتوي هذه القاعدة على جميع المعلومات الخاصة بالمصدّر، والوجهة، والسلع، والقيمة الخاصة بكل عملية تصدير للفترة الممتدة بين 1كانون الثاني 2006 و 30 حزيران 2011. هذه البيانات تمكّن من دراسة وتحليل أكثر من 1.8 مليون عملية تصدير عبر الجمارك الإيرانية، وقرابة 36 ألف مصدّر، إضافة إلى 3865 مُنتَجاً مصدّراً.

كذلك تُمكّن هذه البيانات – المرصودة على نحو يومي – قياس تأثير العقوبات على المبيعات الإجمالية للمصدّرين في الأسواق التي يستهدفونها. وتوضح أيضاً ما إذا هجر المصدّرون فكرة التصدير أو تحوّلوا إلى أسواق أخرى.

ويخلص تحليلها إلى أنّ التأثير الإجمالي للعقوبات على تدفق الصادرات يُخفي مجموعة غنيّة من التعديلات على المستوى الجزئي لطريقة عمل وديناميكية مؤسسات التجارة والتصدير في إيران.

بالنظر إلى نمط تطوّر الصادرات غير النفطية خلال الفترة المذكورة، يتّضح أن هناك زيادة غير متوقّعة بعد انطلاق العقوبات، ما يطرح تساؤلات عمّا إذا عمد المصدّرون إلى تحويل صادراتهم بعد بدء فرض العقوبات، وما إذا كانت العقوبات فعلاً هي ما فرض هذا التعديل.

والجواب يأتي من البيانات التي توضح أنّ الصادرات تراجعت على نحو ملحوظ إلى البلدان الملتزمة بالعقوبات، فيما تزايدت كثيراً إلى البلدان غير المتلزمة بها. إضافة إلى ذلك، يوضح التحليل أنّ 52 في المئة من المصدّرين تركوا كلياً الأسواق التي تفرض عليهم عقوبات، وأنّ 37 في المئة منهم توجّهوا إلى أسواق لا تفرض تلك العقوبات. وبالتالي من الواضح أن العقوبات حفّزت المصدّرين على تحويل مسار تجارتهم وتأسيس علاقات تجارية مع أسواق جديدة.

كيف حصل تحويل تجارة إيران الدولية بعد فرض العقوبات؟ هناك الكثير من الحركة التي يُمكن رصدها في سلوك المصدّرين، إذ يكشف البحث أنّ المصدّرين الكبار بالحجم - والعمر - تمكّنوا من تحويل صادراتهم على نحو أكبر مقارنة بالتجار الأصغر حجماً وخبرةً. كذلك إنّ قرار تحويل الصادرات ليس عشوائياً. فالمصدّرون عمدوا إلى تحديد لوائح محدّدة من السلع التي سيستمرون في تصديرها مع تغيير مسار تجارتهم الخارجية؛ فهم عمدوا إلى التركيز على السلع التي تتمتع بتنافسية عالية في إنتاجها وتسويقها، وأيضاً على المنتجات المتجانسة، لا على المنتجات المتمايزة.

ويوضح تحليل البيانات أنّ المصدّرين عمدوا إلى خفض أسعار سلعهم في إطار تحويل مساراتها. والوجهات الجديدة التي استهدفوها ليست عشوائية، بل هي تلك الأسواق الكبيرة والقريبة جغرافياً، التي تُسجّل فاتورة استيراد كبيرة ودخلاً أعلى، تتمتع مستوى أرفع من نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة وكذلك الوجهات التي تفرض عدداً أقل من القيود المفروضة على الواردات ومعدّلات تعرفات جمركية منخفضة.

كيف يرتبط هذا البحث بصياغة السياسات العامّة؟

توفّر الدراسة براهين على أنّ العقوبات الاقتصادية قد تكون أقل فاعلية في اقتصاد معولم حيث يُمكن التجار أن يُحوّلوا تجارتهم من شريك إلى آخر. والفكرة القائمة على أنه يُمكن بلداً ما فرض عقوبات اقتصادية على بلد آخر قد لا تكون بالضرورة فكرة ناجحة، وقد لا تأتي بنتائج فعالة إلا إذا كان البلد المستهدف يعتمد على نحو كبير على البلد الذي يُعاقبه، أو أنّ مصدّريه لا يتمتعون بأسواق توفّر بديلاً مقبولاً، أو لا يُمكنهم الوصول إليها.

ويُشكّل التحليل العلمي الذي تتوصّل إليه الدراسة إمكانيّة لتأكيد النظريات الحديثة التي تفترض أن فعالية فرض العقوبات قد لا تفوق فعالية مجرد التلويح بفرض تلك العقوبات.

وتستدعي البراهين المقدّمة على متن الدراسة أبحاثاً نظرية وتجريبية في الآليات التي تحكم نجاح العقوبات أو فشلها، في ظلّ وجود التوافق والتعاون الدوليين أو غيابهما.

 

* طالب دكتوراه في الاقتصاد الدولي في جامعة السوربون في باريس.

قراءة 1839 مرة