الوزير الإيراني الذي وصل سوريا على رأس وفد كبير، التقى الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، بالإضافة الى وزراء الاقتصاد والنقل والإسكان، وعقدت خلال الزيارة جلسة مباحثات فنية عقدتها اللجنة الاقتصادية السورية- الإيرانية المشتركة، في قطاعات الاقتصاد والتجارة والإسكان والنفط والصناعة والكهرباء والنقل والتأمينات، تم الاتفاق فيها عل ضرورة تخفيف الروتين الإداري خلال التعاون في الملفات والاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تحكم العلاقة بين البلدين لتسريع إمكانية التعاون بشكل أفضل، وتم تشكيل ثماني لجان تخصصية، منها ما هو مختص بالمصارف والشؤون المالية والتأمين، وبالشؤون الاستثمارية تم فيها مناقشة مواضيع الكهرباء والتركيز على الأولويات في الخط الإئتماني الإيراني، بالإضافة الى مواضيع تخص النفط والنقل بكل أنواعه، ومناقشة توسيع النشاطات المصرفية باعتبار أنها تعد من أهم أدوات تنشيط الاقتصاد.
وتم تسمية مصرف إيراني وآخر سوري لتحويل الأموال من خلال هذين المصرفين بالعملة المحلية للبلدين، كما طالبت إيران الجانب السوري إعادة تشغيل المصانع الإيرانية في سوريا ما سيساعد على زيادة الإنتاج في سوريا.
يأتي التركيز على الجانب الاقتصادي في العلاقات السورية الإيرانية، في ظل الازمات والتحديات التي يعيشها العالم بأسره، ومنها ازمة الغذاء التي باتت تهدد دولا كثيرة على مستوى الإقليم والعالم، وصولا الى ازمة الطاقة وما تفرضه من ضغوط ومتغيرات على الدول، لتأتي التفاهمات الإيرانية السورية من خلال زيارة الوزير الإيراني، كفرصة كبيرة للقفز فوق الازمات والتحديات العالمية، وتفعيل التبادل التجاري والاستثماري بين الدولتين، والذي تبدو افاقه الفعلية واسعة جدا، بعد إزالة جميع العوائق السياسية والإدارية، للانطلاق نحو مشاريع اقتصادية تنموية طموحة، قياسا على مؤشرات التبادل التجاري والاستثماري الأخيرة، ما يؤكد ان الملف الاقتصادي هو احد اهم أعمدة الصمود، عبر التكامل مع العمل السياسي.
خريطة التعاون الإيراني السوري الجديدة، والتي لن يكون من السهل التعامل معها، في ظل وجود أطراف تتعارض مصالحها مع أي تقدم في الملف الاقتصادي، فالولايات المتحدة الأميركية لا يسرها مثل هذا التعاون تحت أي مسمى ومستوى، وستعمل على عرقلته بالاستفادة من الأدوات المستخدمة حالياً، كالعقوبات على سوريا وإيران أو إثارة مشكلات جديدة بذرائع مختلفة، وهذا هو حال الكيان الاسرائيلي أيضاً الذي يستشيط غضباً من أي اتفاق سوري إيراني.
فالضغوط مازالت مستمرة ومن المتوقع ان تتزايد، ولم تتوقف محاولات الكيان الإسرائيلي لتعطيل هذا التقدم في العلاقات الاقتصادية بين سوريا وايران، فمنذ تطور هذا التعاون خلال الحرب التي فرضت على سوريا، كان الكيان حريصا على عرقلتها، عبر استهداف شحنات تجارية، وتعطيل معبر البوكمال اكثر من مرة، وقصف مرفأ اللاذقية، لتعطيل الحركة البحرية لنقل البضائع، إضافة إلى الضغوطات الأميركية ومحاولات التضييق على الطرق البرّية، ما دفع ايران وسوريا والعراق الى العمل على تنفيذ مشروع ربط فيما بينها.
هذا الخط السككي كان احد ابرز أوجه المباحثات الكثيرة في زيارة الوزير الإيراني، بهدف إيصال البضائع الإيرانية إلى البحر المتوسّط عبر السواحل السورية، فضلاً عن سهولة نقلها إلى المناطق الصناعية السورية، بما يكفل تحقيق ربط طرقي اقل كلفة من النقل البحري، وضمان تشكيل حلقة إمداد بين كلّ من إيران والعراق وسوريا، والخروج من مطرقة التضيق الأمريكي على تدفق البضائع من والى البلدين، والتي عطلت الكثير من الاتفاقيات او بالحد الأدنى زادت الكلف عليها وجعلتها في ميزان الخسارة.
إن ما تعمل عليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا، في هذه التفاهمات والاتفاقيات الاقتصادية والتبادل والتعاون التجاري، يندرج في خانة تحصين الانتصار العسكري والسياسي والدبلوماسي، بقوة اقتصادية تشكل احد اهم مقومات الصمود، وتوفير معطياته المرحلية، وتشكيل أرضية صلبة لتجاوز كل العقبات.
ففي الحالة السورية لا احد ينكر ان عوامل الصمود تداخلت فيما بينها، وتعددت مصادرها، لكن في هذه المرحلة يشكل الاقتصاد احد اهم هذه العوامل على المستوى المتوسط والبعيد، بحكم ما تحمله المرحلة من حرب اقتصادية وإرهاب عقوبات، واستنفار كبير للدبلوماسية الغربية وادواتها، لتكثيف الضغط الاقتصادي.
ان ارتقاء مستوى العلاقات الاقتصادية بين سوريا وايران، الى مستوى العلاقات السياسية، سيفرغ مضمون المرحلة الأخطر في الحرب على سوريا، وهي حرب العقوبات، وما نقوله هنا لا يأتي في اطار التمنّي والامل، بل هو ضمن قواعد الاشتباك بين محور المقاومة والاستكبار العالمي، عبر معطيات رسمت واقعا قائما، واستطاعت التجربة ان تثبت ذلك، بدليل ان العوامل التي حملت سوريا على الصمود طيلة أيام الحرب، لم تأت من فراع، بل هي احد نوافذ اليقين أن ما بنته في عقودها الماضية، من علاقات وتحالفات، بالذات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هو تحضير الأرضية للمواجهة بأقدام ثابتة، ما جعل من عوامل الصمود ووسائل القدرة على المجابهة، أدوات إضافية في سياق فرض المعادلات الاستثنائية في المنطقة والعالم.
حسام زیدان