* الأعداء في مواجهة الإسلام
كما تعلمون، فإنّ الدول الكبرى عملت على محاربة الثورة الإيرانيّة الإسلاميّة منذ البداية وحتّى الآن، وشنّت ضدّها الهجوم العسكريّ ودفعت أعداء الإسلام لمهاجمة هذا البلد العزيز، لا لذنب إلّا لأنّه يدعو إلى الإسلام. أمّا بالنسبة إلى بلدنا، فينبغي القول بأنّه ليس له معين غير الله تبارك وتعالى. فالشعوب التي تربطها علاقات طيّبة مع شعبنا، والمستضعفون في العالم ممّن هم على اطّلاع بالإسلام ويتطلّعون إلى العدل والكرامة الإنسانيّة، يتعرّضون لأنواع الضغوط من قِبل حكوماتهم التي تعمل على إقصاء الإسلام ومحاربته، وتمارس الضغوط ضدّ شعوبها خشية أن تطالبها بالعدالة وبالكرامة الإنسانيّة.
* ضرورة توعية المستضعفين بهمومهم
إنّ المسؤوليّة التي تقع على عاتقكم جميعاً، تتمثّل في تناول قضايا هذه الثورة في مجالات الأدب والفن والإعلام وغيرها كي تُحفظ للأجيال القادمة. لا بدّ من توعية الناس وشعوب العالم والمستضعفين بالمصائب التي حلّت على رؤوسهم والهموم التي يعانون منها، والأوضاع التي يعيشون فيها، ولفت أنظارهم إلى أوضاع حُكّامهم والترف الذي يعيشون فيه. ولا بدّ لأبناء الدول الإسلاميّة أن يعلموا كيف تُنفق ثرواتهم وأين تذهب خيرات بلدانهم، في ذات الوقت الذي تعاني فيه شعوبهم من الجوع والفقر والحرمان، وإنّ الكثير منهم يموت جوعاً فيما يسرق هؤلاء ثروات بلدانهم وخيرات شعوبهم. إنّ هؤلاء الغاصبين لو أنفقوا على شعوبهم عشر أعشار هذه الثروات؛ لاستطاعوا أن يحقّقوا النموّ والازدهار لشعوبهم، غير أنّهم يقدّمون كلّ ثروات بلدانهم لأعداء الإسلام.
حاولوا توعية الجماهير بما حدث في إيران وما تجرّعه الشعب الإيرانيّ من مصائب ومعاناة في عهد النظام البائد. حدّثوهم عن أساليب النضال التي انتهجها الشعب الإيرانيّ، فحقّق ما حقّق بمشيئة الله تبارك وتعالى، وإنّ هذه الانتصارات في تنامٍ مستمرّ ولله الحمد.
* البداية كانت من الصفر
لقد كان كلّ شيء مهدّداً، وقد وصل الكبت إلى درجة لم تستطع المرأة أن تقول لزوجها ولا الزوج لزوجته كلمة تعارض النظام. لقد بدأنا من الصفر، فاستفاق الناس من غفلتهم، وشيئاً فشيئاً تنامى الاعتراض وكبر وتحوّل إلى قبضات محكمة دون أن تكون ثمّة تشكيلات منظّمة ولا قطعة سلاح واحدة. لقد كرّس الواعون جهودهم للعمل على مدى عشرين عاماً تقريباً، وفجأةً، حدثت الثورة وحدث الانفجار. وبفضل هذه الثورة، هُزم النظام البائد الذي كان مدجّجاً بالسلاح. لقد استطعنا أن نحقّق متطلّبات البلد المستقلّ، رغم كلّ الضغوط والحصار الاقتصاديّ والعسكريّ، فلا تيأسوا من رحمة الله، فهو حاضر ناظر، وآمنوا بأنّ قدرته تعالى فاعلة في كلّ مكان. ولا تخشوا قلّة العدّة والعدد، فالله تبارك وتعالى يساعدكم، وإذا ما نصرتموه فإنّه سبحانه قد وعدكم بالنصر(1).
* ما هي مسؤوليّتنا؟
أمريكا لا تعبأ بالأديان، حتّى أنّها لا تفكّر بمصالح الأميركيّين، وإنّما بمصالحها كإدارة فقط، وقد أضرمت النيران في العالم بأسره وتعمل على تأجيجها باستمرار. إنّ الحكومات الخانعة توفّر لأمريكا قواعد لجيوشها في البلدان الإسلاميّة، وكلّ ذلك من أجل إرعاب لبنان وإيران. فكيف ينبغي للمسلمين أن يتعاملوا مع أمثال هذه الحكومات وهؤلاء الحكّام؟ هل يجب أن يتفرّجوا بصمت؟ فلو كان فكّر الإيرانيّون على طريقة: “ما شأني أنا بكلّ ما يحصل ولأنشغل برزقي”، فالله العالم ما كان سيحلّ بالإسلام في هذا البلد على يد نظام الطاغية الفاسد.
* نحن شيعة المضحّين الأوائل
لقد منّ الله تبارك وتعالى بقدراته الغيبيّة على هذا الشعب ليصبح هؤلاء الشباب رجالاً ينهجون نهج العارفين بالله، ويضحّون من أجله تبارك وتعالى، ويسترخصون كلّ شيء في سبيله، فيحثّ الآباء والأمّهات أبناءهم على التضحية والفداء. وبفضل هذه التضحيات، وفقداننا الكثير من أعزّتنا وشبابنا الأعزّاء وتحمّلنا خسائر فادحة، استطعنا أن نصون الإسلام العزيز ونعيده إلى واقع الحياة. ولا شكّ في أنّ ديننا يستحقّ أن يضحّى بكلّ شيء من أجله، مثلما فعل أولياء الله، حيث ضحّى النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بكلّ ما لديه في سبيله، وضحّى الإمام الحسين عليه السلام بنفسه وأهل بيته وأصحابه من أجله. ونحن أيضاً علينا أن نقتدي بهم. فنحن أمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وشيعة هؤلاء الذين ضحّوا في صدر الإسلام.
على الشعوب أن تنهض، وإذا كانت تفكّر بأن يأتي الآخرون ويخلّصوها من محنتها، فهي مخطئة. ولكن إذا ما لجأت إلى الله تبارك وتعالى وعملت بواجباتها بالاتّكال عليه وسخّرت طاقاتها من أجل الإسلام، فإنّ الله تبارك وتعالى سيدلّها على سبيل الخلاص، كما حصل في هذه الثورة المباركة.
*من خطاب للإمام الخميني قدس سره ألقاه بتاريخ 26 ربيع الثاني 1403هـ.ق.
(1) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7)