سيدشّن الحجاج السوريون هذا العام عودة رحلات الحج المباشرة من سوريا إلى السعودية، إثر الاتفاق على عودة ملف الحج بالكامل إلى عهدة الحكومة السورية، بعد توقف دام 12 عاماً حُرِم خلالها السوريون في الداخل من الحج إلى بيت الله الحرام.
- الكاتب: ديب سرحان - سوری
- بعد 12 عاماً من الانقطاع.. حجاج سوريون يتوافدون بلهفة إلى بيت الله الحرام
للمرة الأولى في حياتها، تحزم السيدة فاتن الحافظ (أم محمد) حقائبها استعداداً للسفر إلى السعودية لأداء مناسك الحج، بعد أن أُعلِن عن اسمها ضمن قوائم المقبولين لأداء الفريضة هذا العام.
لا تتمالك الحافظ (66 عاماً) نفسها وتسرقها العبرة في أثناء حديثها للميادين نت: "إنها المرة الأولى في حياتي التي سأتوجه فيها لزيارة بيت الله الحرام؛ كان هذا الأمر بالنسبة لي أشبه بالحلم، أما اليوم فقد أصبح حقيقة؛ لا يمكن أن أصف شعوري لحظة وصول الموافقة من وزارة الأوقاف على قبولي لأداء مناسك الحج؛ لا أذكر شيئاً في ذلك اليوم إلا صوت الزغاريد التي عمّت أرجاء المنزل، والآن لا يسعني الانتظار حتى يحين موعد الرحلة من مطار دمشق الدولي إلى السعودية".
حلم (أم محمد) خلال السنوات الماضية بزيارة بيت الله كان مقترناً بالحسرة والحزن، خاصّة أن السوريين حُرِموا أداء هذه الفريضة لدواعٍ سياسية، ولم يكن باستطاعتهم فعل شيء لتغيير الواقع؛ تقول أم محمد: "كل عام، كنا نتابع مناسك الحج والشعائر عبر التلفاز، ونشاهد قدوم الحجاج من مختلف بقاع الأرض لأداء هذه الفريضة، بينما السوريون محرومون من التوجه إلى بيت الله الحرام، لكن اليوم تغيّر كل شيء وعادت الأمور إلى طبيعتها".
أم محمد واحدة من 17500 مواطن سوري أعلنت وزارة الأوقاف اختيارهم لتأدية فريضة الحج بعد مفاضلة إلكترونية أجريت على أكثر من 50 ألف مواطن قدموا طلباتهم لهذا الغرض، وأكدت الوزارة أن الاختيار تم بناء على مفاضلة الأعمار، إذ قُبل المتقدمون من مواليد 5 - 6 - 1957 مع مرافقيهم المسجلين بغض النظر عن تاريخ ميلادهم.
طلبات التقديم لأداء مناسك الحج لم تقتصر على العاصمة دمشق فقط، بل شملت مختلف المحافظات السورية، حيث أكد مدير أوقاف دير الزور الشيخ عبد الهادي العبوش للميادين نت أن عدد الذين قُبِلت طلباتهم لأداء الفريضة في المحافظة بلغ 157 شخصاً، سينطلقون ضمن قافلة واحدة من دير الزور باتجاه دمشق.
وفي الحسكة كشف مدير الأوقاف منصور عبد الباقي حسن للميادين نت، أن عدد الحجاج المقبولين لأداء الفريضة يصل إلى 1000 شخص، سيتم نقلهم إلى دمشق على دفعات؛ وعن التكلفة أشار حسن إلى أنها تقارب 5 آلاف دولار أميركي تشمل النقل من الحسكة إلى دمشق، وحجوزات الطيران، والخدمات، والطعام، وأماكن الإقامة في السعودية.
وسيدشّن الحجاج السوريون هذا العام عودة رحلات الحج المباشرة من سوريا إلى السعودية، إثر الاتفاق بين وزارة الأوقاف السورية وهيئة الحج السعودية على عودة ملف الحج بالكامل إلى عهدة الحكومة السورية، بعد توقف دام 12 عاماً حُرِم خلالها السوريون في الداخل من الحج إلى بيت الله الحرام.
وانطلقت يوم الثلاثاء 28 أيار/مايو أول رحلة حج جوية، من مطار دمشق الدولي إلى جدة في المملكة العربية السعودية، وعلى متنها 270 راكباً، لتكون هذه أول رحلة جوية مباشرة بين البلدين منذ 12 عاماً، على أن يتبعها نحو 70 رحلة إضافية لنقل كامل الحجاج السوريين إلى السعودية، بمعدل 4 رحلات يومياً.
مدير عام الطيران المدني في سوريا المهندس باسم منصور أكد للميادين نت أنه تم تخصيص صالة الركاب الثانية في مطار دمشق الدولي للحجاج، مع تجهيزها بالموازين، وأماكن الوضوء والصلاة، ومركز صحي متطور، وأجهزة تفتيش حقائب، مع تأمين بوابات مغادرة واسعة ومجهزة بأعداد كبيرة من مقاعد المسافرين، كما تم تجهيز صالة ثانية مهمتها استقبال الحجاج لدى عودتهم من الحج.
وأضاف منصور أن الرحلات الجوية المباشرة تتم حالياً بطائرات من طراز A340 التي تتسع لـ 280 مسافراً، وطائرات من طراز A320 التي تتسع لـ 150 مسافراً، وتتجه من دمشق إلى جدة مباشرة ومنها إلى مكة المكرمة، ورحلة العودة ستكون من المدينة المنورة أو جدة إلى مطار دمشق الدولي.
مع عودة رحلات الحج المباشرة من سوريا إلى السعودية، ستعود معها الطقوس الاجتماعية التي ترافق استقبال الحجاج لدى عودتهم، حيث اعتاد السوريون على الاحتفال ثلاثة أيام ابتهاجاً بعودة الحجاج من زيارة بيت الله الحرام، ومن المُتعارف عليه أيضاً أن يُقدّم الزوّار ما يطلق عليه "النُّقوط" للحجاج، وهو عبارة عن مبلغ مالي هدية لهم، بينما يعمد الحجاج إلى توزيع التمر والقهوة المرّة وماء زمزم على المهنئين، وغالباً ما يتم استقبال الحجاج بالعراضة الشامية عند منازلهم، بعد تزيين الشوارع بالصور والأضواء واللافتات التي تعبّر عن هذه المناسبة، بينما يكون دخول الحاج إلى منزله مقترناً بالذبائح التي تقدّم لحومها للفقراء.
ولطالما كان موسم الحج طقساً فريداً في العاصمة السورية دمشق، التي تشهد أحياؤها احتفالات متلاحقة للترحيب بالحجاج، الذين تتحوّل منازلهم إلى قاعات استقبال للمهنئين والزوّار، حيث يستمع الضيوف إلى تفاصيل ما عاشه الحاج خلال رحلته إلى الأراضي المقدسة؛ وغالباً ما يكون انتقال الناس من منزل حاج إلى آخر على شكل جماعات تعبيراً عن التعاضد الاجتماعي بين أبناء الحي أو المنطقة الواحدة.
سباق مع الزمن لإنجاز كامل الإجراءات
في العام 2012 كانت السعودية واحدة من الدول العربية التي قطعت علاقاتها بشكل كامل مع سوريا، وبناء على ذلك، تم إيقاف الرحلات المباشرة بين البلدين وسحب ملف الحج من الحكومة السورية، ما أدى إلى حرمان السوريين لمدة 12 عاماً من زيارة بيت الله الحرام، قبل أن يشهد العام 2023 عودة المياه تدريجياً إلى مجاريها بين دمشق والرياض.
العلاقات السورية - السعودية شهدت منذ العام الماضي تطورات نوعية عبر تبادل الزيارات الرسمية لمسؤولي البلدين، ولاحقاً مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في قمة جدة، قبل أن تشهد الأشهر الماضية خطوات متسارعة ومتلاحقة تمثلت بتسلّم دمشق ملف الحج بشكل كامل، وتبادل السفراء، والإعلان عن عودة الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين خلال موسم الحج.
مصدر في الأوقاف السورية أكد للميادين نت أنه ومنذ الإعلان عن تسلم الوزارة ملف الحج تم التنسيق مع مختلف الجهات المعنية في وزارات النقل والسياحة والداخلية، لتسهيل كامل الإجراءات الفنية واللوجستية أمام الأشخاص الراغبين في أداء فريضة الحج، كما تم الاتفاق مع الجانب السعودي على أن يكون الطيران من مطار دمشق الدولي حصراً إلى مدينة جدة.
بعد ذلك، عملت وزارة الأوقاف على إنشاء منصة إلكترونية لتسجيل الحجاج، عبر ملء معلوماتهم الشخصية إلكترونياً، ليتم فيما بعد التفاضل بينهم عن طريق السنّ، من خلال اختيار الأشخاص الأكبر سناً؛ ولاحقاً حددت الوزارة المكاتب السياحية المرخصة لتشرف على تنظيم الحملات الداخلية، على أن يتم نقل الحجاج من باقي المحافظات إلى دمشق عند تحديد موعد السفر، ليكون الانطلاق من مطار دمشق الدولي.
فرحة منقوصة
وبالرغم من أن عودة رحلات الحج المنتظمة من سوريا إلى السعودية تركت حالة إيجابية واسعة لدى الشعب السوري، فإن التكلفة المالية المرتفعة أرخت بظلالها على رغبة الكثير من السوريين في أداء الفريضة، حيث أكد عدد من أصحاب مكاتب الحج والعمرة في دمشق أن تكلفة الرحلة تبدأ من 75 مليون ليرة (5 آلاف دولار أميركي)، وتصل إلى ضعف هذا المبلغ، حسب الخدمات المقدمة والفنادق وحجوزات الطيران.
شاهر عبد الحميد، مدرس لغة عربية (56 عاماً)، يقول للميادين نت: "الفرحة بعودة رحلات الحج من سوريا إلى السعودية بشكلٍ مباشر منقوصة، فالتكلفة المالية المرتفعة التي تم الإعلان عنها من قبل الشركات المتخصصة لا تناسب جميع شرائح المجتمع السوري، فكيف يمكنني براتب لا يتجاوز 400 ألف ليرة (30 دولاراً أميركياً) شهرياً أن أجمع هذا المبلغ الفلكي الذي يقارب المئة مليون ليرة؟".
ويضيف عبد الحميد أن التكاليف لن تقتصر على ذلك فقط، فهناك مبالغ إضافية يجب تأمينها خلال رحلة الحج وعند العودة، مثل الهدايا وحفل الاستقبال، وهذا الأمر لا يتوافق أبداً مع الواقع المعيشي لأغلب السوريين، إذ يعتمد جزء كبير منهم على الحوالات المالية من الخارج.
المصدر :المیادین