ماذا لو أدار «حزب الله» ظهره للأوروبيين؟

قيم هذا المقال
(0 صوت)

ماذا لو أدار «حزب الله» ظهره للأوروبيين؟

حوار بين وزيرة خارجية ايطاليا ايما بونينو ونظيرها البلجيكي ديدييه ريندرز على هامش اجتماع وزراء الخارجية الاوروبيين في بروكسل

حدد الأميركيون والإسرائيليون الوجهة، فكان قرار الاتحاد الأوروبي بإدراج ما يسمى «الجناح العسكري» في «حزب الله» على «لائحة المنظمات الإرهابية».

جاء القرار مركبا، بمعنى أنه يحمل الشيء ونقيضه. من جهة، أسبغ الأوروبيون صفة الإرهاب على «حزب الله» العسكري (...)، ومن جهة ثانية، ابقوا قنوات الحوار مفتوحة مع «حزب الله» السياسي (...)، في إطار توليفة تدعو إلى «مواصلة الحوار» مع كل الأحزاب السياسية اللبنانية وبينها «حزب الله» ربطا بـ«دوره الأساسي» لبنانيا!

واللافت للانتباه، ليس طرح السؤال عما يريده الأوروبيون من «قرارهم»، بل عما يريده الإسرائيلي الذي اعتبر القرار، برغم ترحيبه الأولي به، غير كاف، إذ إنه كان يطمح إلى إدراج الحزب كله على القائمة الأوروبية السوداء.

كذلك ينبغي السؤال عما يريده الأميركيون من وراء الدفع سياسيا وديبلوماسيا في الأيام الأخيرة، باتجاه اتخاذ قرار من هذا النوع، بدليل مسارعة الإدارة الأميركية إلى الترحيب به من جهة، وتحذير مصادر ديبلوماسية عربية في نيويورك من جهة ثانية، من تداعيات لاحقة للقرار الأوروبي.

وإذا كان القرار قد استند إلى واقعة بورغاس قبل نحو سنة، حيث استهدفت حافلة سياح إسرائيليين على أرض مطار بلغاري، يعتبر من بين أهم المعابر الجوية الأوروبية، للأميركيين والإسرائيليين، عسكريا وأمنيا، فان مرجعا رسميا لبنانيا واسع الاطلاع كشف أن التحقيق القضائي البلغاري «لم يتوصل إلى أي معطى أو دليل دامغ جديد يمكن أن يؤدي إلى قلب المشهد الأوروبي رأسا على عقب، وكل ما حصل أننا أمام قرار سياسي معنوي لا مفاعيل مادية أو عملية له راهنا أو مستقبلا».

ويضيف المرجع أن تداعيات معركة القصير حاضرة في صلب القرار الأميركي ــ الإسرائيلي ــ الأوروبي (وبدفع سعودي)، خاصة أن لكل طرف من هذه الأطراف اعتباراته، فضلا عن وجود بيئة عربية ولبنانية حاضنة لا بل محرضة على كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تشويه سمعة «حزب الله» وصورته عربيا ودوليا.

واللافت للانتباه أيضا، بحسب المرجع نفسه، أن القرار الأوروبي لم يصدر رسميا حتى الآن، لأن وزير خارجية السويد اشترط موافقة حكومته مسبقا قبل نشر القرار، وأضاف أن القرار سيصدر وهو خاضع للمراجعة كل ستة أشهر، وهذا يستوجب استنفارا رسميا وديبلوماسيا لبنانيا منذ الآن، خاصة أن هناك آليات موجودة ضمن الاتحاد الأوروبي للطعن بالقرارات، وقد حصلت مراجعات سابقة من دول أخرى وتم تجميد مفعول قرارات مماثلة.

وأوضح المرجع أن الحكومة اللبنانية تبلغت أن القرار لن تكون له أي مفاعيل على كل التحويلات المالية القانونية إلى لبنان عبر المصارف الأوروبية. وأشار إلى أن سفيرة الاتحاد الأوروبي أنجلينا ايخهورست قطعت إجازتها الصيفية وعادت إلى بيروت، أمس، والتقت رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ومن المقرر أن تلتقي اليوم وزير الخارجية عدنان منصور لإبلاغه أن القرار رسالة سياسية ولا مفاعيل عملية له، مشددة على طابعه المعنوي البحت وعدم تأثيره على المساعدات والتقديمات الأوروبية للحكومة اللبنانية!

غير أن التطمينات الأوروبية، لا تحجب أسئلة من نوع آخر:

أولا، ثمة قناعة راسخة بأن التوجه الأوروبي موجود منذ فترة طويلة، وقد حال دون تحوله إلى قرار، في المرحلة السابقة، موقف عدد من الدول الأوروبية، غير أنه اتخذ منحى مختلفا من لحظة انخراط «حزب الله» في معركة القصير، فماذا لو أعلن الحزب انسحابه من المعركة وماذا لو لم ينسحب، وهل يمكن أن تقود مشاركة الحزب أو عدمها إلى معطيات جديدة؟

ثانيا، لعل السؤال الحقيقي كيف سيتصرف «حزب الله» إزاء ما أسماه «القرار الأميركي ــ الصهيوني العدواني الظالم»؟ هل سيعيد الحزب النظر في آلية تعامله مع دول الاتحاد الأوروبي؟ ماذا لو طلب أي مسؤول أوروبي موعدا من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا (القناة الأمنية الحزبية الرسمية)، على غرار ما فعل بالأمس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي؟ وهل يمكن للحزب أن يدير ظهره للمواعيد الأمنية التي درج الأوروبيون على طلبها، بعيدا عن الإعلام؟

ثالثا، ماذا لو أبلغ «حزب الله» الأوروبيين رسميا بالمعادلة الآتية: «نحن حزب جهادي (عسكري) من رأسه وحتى أخمص قدميه، من لحظة الولادة وحتى يومنا هذا، ونمارس العمل السياسي في خدمة العمل الجهادي، وليس عندنا جناح عسكري وجناح سياسي، وما تقرره قيادة الحزب (من الأمين العام وشورى القرار والمجالس التنفيذية والجهادية والسياسية) يسري على كل حزبي، ولا يستثنى أي عضو في الحزب من معادلة العمل الجهادي، وبالتالي ما يسري على الجناح العسكري يسري على الحزب كله»؟ فهل يقرر الأوروبيون وقف التعامل والحوار مع الحزب كله أم يضعون قرارهم في سلة المهملات؟

رابعا، ماذا لو اتصل ضابط أوروبي ضمن «اليونيفيل» بمسؤول عسكري أو أمني في «حزب الله» سعيا لحل إشكال أو لتنسيق أمر محلي ما، كما يجري يوميا، في عشرات القرى في جنوب الليطاني، هل يتجاوب الحزب وهل يمكن أن يعاقب الضابط الأوروبي في بلده، أم أن الضرورات تبيح المحظورات للطرفين؟

خامسا، ماذا لو قرر «حزب الله» سياسيا أن يدير ظهره للأوروبيين وألا يعطيهم الضمانات التي كانوا قد طلبوها، حتى من قبل انطلاقهم من دولهم إلى الجنوب اللبناني، للمشاركة في تنفيذ القرار 1701 في العام 2006، وماذا لو تمكن «طرف ثالث» من التسلل إلى هذه المعادلة من أجل النيل من أمن «اليونيفيل» وعلاقتها بالجنوبيين والمقاومة، فهل يكون لزاما على «حزب الله» أن يقطع الطريق على هكذا محاولات بالوقوف دائما على «خاطر» الوحدات الأوروبية في «اليونيفيل»؟

في كل الأحوال، هذه الأسئلة وغيرها، طرحها الايطاليون أمام جهاز العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي، قبل أن يحال الملف لوزراء الاتحاد، حيث طغى في اجتماع بروكسل بالأمس، البعد السياسي على ما عداه، فسقطت اعتبارات بعض الدول، تحت طائلة معاقبتها من قبل بعض الدول الكبرى نتيجة الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بها حاليا، ناهيك عن محاولة تقديم جائزة ترضية للإسرائيليين على خلفية القرار الأوروبي بعدم شرعية الوجود الإسرائيلي خارج حدود العام 1967 (رفض الاستيطان عمليا).

لقد سبق للأميركيين والكنديين والاستراليين أن اتخذوا قرارات بوضع «حزب الله» كله من دون فصل بين جناح عسكري وسياسي، على لائحة الإرهاب، وثمة جاليات لبنانية، خاصة في كندا واستراليا، تجاهر بعناوين لبنانية مختلفة بانتمائها إلى خيار المقاومة، خاصة في المناسبات الوطنية وأبرزها التحرير، وحتى الآن لم تتجرأ أي من هذه الدول على المس بأوضاع الجاليات اللبنانية، فهل يمكن للأوروبيين أن يذهبوا بقرارهم الخجول أبعد من غيرهم، خاصة أن لـ«حزب الله» مريدين ومناصرين ووجودا في كل أنحاء أوروبا؟

كل المعطيات تشير إلى أن لبنان الرسمي ومن لحظة استقالة الحكومة الميقاتية، ومن بعد مجاهرة «حزب الله» بانخراطه في المعركة السورية، كان على علم باستعداد الأوروبيين، لإصدار القرار، وبرغم ذلك، لم يقم بالجهد المطلوب منه، تاركا الأمر للأيام والساعات الأخيرة، حيث كانت كل تقارير البعثة اللبنانية في بروكسل تشي بأن القرار قد اتخذ ولا عودة عنه، والسؤال المطروح كيف سيتصرف لبنان الرسمي مع هذا القرار، هل سيستسلم له ويكتفي بالتمنيات أو بالتغني باحترام قرارات الشرعية الدولية، وهل صارت أوروبا والقرارات التي تحرضها إسرائيل عليها، بلا رغبتها وبالتناقض مع احتياجاتها، هي الشرعية الدولية، أم انه سيواجه القرار ويطعن به، وماذا لو قررت بعض الدول الأوروبية ابتزاز لبنان من خلال ملفات أخرى سياسية أو أمنية أو اقتصادية؟

قراءة 1710 مرة