السيادة الشعبية الدينية وتواريخ الروزنامة الغربية

قيم هذا المقال
(0 صوت)

السيادة الشعبية الدينية وتواريخ الروزنامة الغربية

من المعروف انه ليست هناك ديمقراطية بل ديمقراطيات، لماذا؟، لان الديمقراطية آلية للحكم تستند الى تجربة بذاتها، والتجارب تتنوع بتنوع ثقافات الشعوب، فجاءت الديمقراطيات بدورها متنوعة بالضرورة، الا ان الديمقراطيات وان كانت تُمارس بطرائق شتى، الا انها تتفق فيما بينها على مبادئ تميزها عن باقي الانظمة الاخرى.

هذه الحقيقة يشرحها أستاذ مادة التاريخ والسياسة العامة في جامعة كومنولث فرجينيا، ملفين يوروفسكي، في مقال له تحت عنوان المبادئ الأساسية للديمقراطية، وذلك عندما يرفض وبشكل قاطع تعميم النموذج الاميركي في الديمقراطية على باقي شعوب العالم، بقوله انه لا يجب ان يكون النموذج الاميركي: "هو النموذج الذي يجب أن تتبعه كل الأنظمة الديمقراطية، وعلى كل بلد أن يقيم حكماً ينبع من ثقافته وتاريخه".

اما بشأن المبادئ التي يجب ان تتفق عليها الديمقراطيات يقول يوروفسكي ان مثل هذه المبادئ الجوهرية: ينبغي أن تكون متواجدة، بطريقة أو بأخرى، في كل حكم ديمقراطي. على سبيل المثال، إن الطريقة التي تُتّبع لسن القوانين قد تختلف كثيراً بين بلد وآخر، ولكن أيّاً كانت تلك الطريقة فينبغي أن تتقيد بالمبدأ الأساسي المتمثل في أن على المواطنين أن يكونوا معنيين بعملية صنع القوانين وأن يشعروا بأنهم هم أصحاب هذه القوانين.

اما المبادئ التي تميز الانظمة الديمقراطية عن غيرها فهي كثيرة نختار ابرزها فهي:

-السيادة الشعبية

-الدستور

-الانتخابات

-تداول السلطة

-الفصل بين السلطات

-حرية الاعلام

-حقوق الانسان

-حقوق الاقليات

هذه المبادئ وغيرها هي التي تفصل بين الانظمة الديمقراطية وبين الانظمة الدكتاتورية والشمولية والقبلية، مهما اختلفت آلية تطبيق هذه المباديء من بلد الى بلد.

**السيادة الشعبية الدينية في ايران ومباديء الديمقراطية

لسنا بصدد تطبيق التجربة الايرانية في السيادة الشعبية الدينية، على مبادئ الديمقراطية للحصول على شهادة حسن سلوك للنظام السياسي القائم في ايران!، فالتجربة الايرانية في السيادة الشعبية الدينية اثبتت نجاحها ونجاعتها وموائمتها للحالة الايرانية عبر استنفارها لكل عناصر القوة في المجتمع الايراني من خلال استحضار التاريخ الايراني بكل زخمه الديني والثقافي والسياسي، فكانت تجربة حية جعلت من الشعب ميزان كل شيء وبه يقاس كل شيء.

صحيح ان الشعب "لا يخلق مشروعية في نظام السيادة الشعبية الدينية لأنّها تذهب إلى الإذن الإلهيّ، ويكون دور الناس هو جعل هذه المشروعيّة فعليّةً، فلا تصل مشروعيّة أيّ صاحب حقّ إلى عالم الفعل إلا مع رضا الناس، ولا يصبح التكليف ملزمًا لمن على عاتقه أداء التكليف إلا مع رضا الناس"، على حد تعبير رئيس كلّيّة علوم الحديث الدكتور هادي صادقي.

ان الغرب وعلى رأسه اميركا، لم يكونوا اوفياء لمبادئ الديمقراطية التي يرفعون لواءها. الغرب هذا كثيرا ما داس ويدوس على هذه المبادئ اذا ما وقفت امام مصالحه غير المشروعة. فهذه اميركا زعيمة الديقراطية في العالم ورافعة لوائها !! تتنكر لكل مبادئها وتتحالف مع اعتى الانظمة الدكتاتورية والقبلية والرجعية في العالم، لانها ترى في هذه الانظمة ضمانا لديمومة مصالحها في العالم، وفي المقابل تتجاهل أميركا بالمرة ايضا مبادئها وهي تناصب العداء وتجند حلفائها في العالم اجمع لمحاصرة انظمة لم تشفع لها مشاطرتها الغرب في مبادئ الديمقراطية، لانها ترى في هذه الانظمة تهديدا لمصالحها غير المشروعة، وفي مقدمة هذه الانظمة نظام الجمهورية الاسلامية في ايران.

ان من نافلة القول التأكيد على ان السيادة الشعبية الدينية في ايران، هي تطبيق عملي لمبادئ الديمقراطية المتفق عليها، والتي تميز في حال ممارستها، الانظمة الديمقراطية عن غيرها من الانظمة، ولكن بنكهة ايرانية، فاحت من ثنايا الدين الاسلامي والثقافة والتاريخ الايرانيين، فكانت نسخة ايرانية في الديمقراطية المسؤولة.

كتطبيق لهذه المبادئ مارس الشعب الايراني حق الانتخاب اكثر من ثلاثين مرة من عمر الثورة الاسلامية، اي بمعدل انتخاب واحد كل عام. تراوحت الانتخابات بين انتخابات مجلس الخبراء الذي يختار الولي الفقيه، وانتخابات مجلس صيانة الدستور الذي يختار اعضاءه الولي الفقيه ومجلس الشورى الاسلامي، وانتخابات مجلس الشورى الاسلامي الذي يعتبر السلطة التشريعية، وانتخابات المجالس المحلية، وقبل كل هذا وذاك التصويت على نظام الجمهورية الاسلامية، والتصويت على الدستور، وبذلك تستمد كل المؤسسات في الجمهورية الاسلامية، ولا استثناء في ذلك، شرعيتها من الشعب، في ظل نظام السيادة الشعبية الدينية.

وبفضل هذه الانتخابات تناوب على حكم ايران رؤساء جمهورية من مختلف المشارب والتوجهات السياسية. واذا اردنا ان نتحدث بلغة غربية فنقول انه تناوب على رئاسة الجمهورية في ايران رؤساء يساريون ويمينيون، واما مجلس الشورى فضم في جميع ادواره نوابا من اليمين واليسار والوسط ومن كل التوجهات السياسية، ومارس المجلس صلاحياته بشكل كامل، فقد اتفق في بعض ادواره مع الحكومة واختلف معها في اخرى واصطدم بها احيانا.

اما مجلس صيانة الدستور، فكان الفيلتر الذي يعبر من خلاله من يريد الترشح لرئاسة الجمهورية او مجلس صيانة الدستور او مجلس الشورى، وهو فيلتر يعبر من خلاله الجميع الا من رفض الدستور الذي يعتبر الميثاق الوطني الذي اجمع عليه الشعب الايراني.

اما الاقليات الدينية والمذهبية والقومية فلم تكتف السيادة الشعبية الدينية في ايران بمنح اتباع هذه الاقليات حقوقهم الدينية والمذهبية والقومية كما نص على ذلك الدستور، حيث هناك تمثيل كبير لهذه الاقليات في مجلس الشورى الاسلامي، بالاضافة الى وجود دور عبادة ومدارس ومراكز خاصة بهم، بل ان قائد الثورة الاسلامية جعل له مستشارين من كبار شخصيات هذه الاقليات، تختار كل اقلية ممثلها، ليكونوا على اتصال دائم مع سماحته ليكون على اطلاع على وضع هذه الاقليات بشكل مباشر.

اما حرية التعبير فهي مكفولة في الحدود التي يسمح بها القانون، ويكفي القاء نظرة سريعة الى عناوين الصحف الصادرة صباح كل يوم، والتي تتناقض في احيان كثيرة، لنقف على مساحة الحرية التي الموجودة، وهي حرية مسؤولة وملتزمة لا منفلته ومتهتكة.

**"الروحانية" اخر رسائل السيادة الشعبية الدينية

في الرابع من حزيران يونيو عام 2013 أبهر الشعب الايراني العالم، عندما صنع ملحمة سياسية تمثلت في الانتخابات الرئاسية التي وصلت نسبة المشاركة فيها الى 72 بالمئة.

هذه المشاركة الملحمية جاءت في الوقت الذي كان الشعب الايراني يتعرض الى قصف اعلامي غربي اميركي اسرائيلي رجعي مكثف ومستمر هدفه زرع الاحباط بين ابناء هذا الشعب، الذي كانوا يعتقدون انه يعيش حالة استياء بسبب الحظر الاوروبي والاميركي المفروض عليه والذي طال حتى الدواء، على خلفية البرنامج النووي الايراني السلمي.

هذا الشعب وفي ظل السيادة الشعبية الدينية، التي فتحت امامه مجالا واسعا للانتخاب والاختيار، اختار شخصية سياسية لمنصب رئاسة الجمهورية تتباين في الرؤية الى الكثير من القضايا الداخلية والخارجية الهامة مع الرئيس الذي سبقه. هذا التباين في الرؤية بين الرئيس حسن روحاني وبين الرئيس محمود احمدي نجاد، يؤكد صدقية نظام السيادة الشعبية الدينية، فمثل التباين لا يمكن ان يجتمع الا في ظل نظام ديمقراطي حقيقي، يرى في هذا التباين مصدر اثراء وحيوية، تمنحه القدرة على التكيف مع كل الظروف، وتدفعه الى الامام دون توقف.

الرئيس المنتخب حسن روحاني، دعا الغرب الى ان يستمع الى صوت الشعب الايراني بشكل جيد، وان يركن جانبا لغة التهديد والوعيد وان يتحدث مع ايران باحترام، كما لم يفته التاكيد على ان الهدف من الحظر الغربي على ايران هو الضغط على أبناء الشعب الإيراني وليس النشاطات النووية، التي اعتبرها حق مشروع لإيران ولن يتراجع عنه مع مراعاة كل القوانين الدولية، معتبرا الملحمة التي سطرها الشعب في الانتخابات الرئاسية هي رد حازم على الحظر الأميركي.

ان نصيحة الرئيس روحاني للغرب بالاستماع الى صوت الشعب الايراني، كانت رسالة في غاية الاهمية، يجب الا يمر من امامها الغرب مرور الكرام، اذا ما اراد التوقف عن تكرار ذات الاخطاء التي مازالت تتكرر منذ اكثر من ثلاثين عاما في تعامله مع ايران.

اول سطر في هذه الرسالة، الرسالة "الروحانية"، تقول ان على الغرب الكف عن رسم تلك الصورة المشوهة عن النظام السياسي في ايران واظهاره بمظهر ذلك النظام المفروض على الشعب الايراني بقوة الحديد والنارذ، وان هناك هوة تفصل بين هذا النظام والشعب، وعلى الغرب ان يعترف ايضا وبشفافية تقتضيها مبادئ الديمقراطية بانه اخطأ في التعامل مع ايران والا تأخذه العزة بالاثم وان يلوي عنق الحقائق ويصر على تلك الثنائية المتنافرة التي يصطنعها في مخيلته، ثنائية الشعب والنظام في ايران، بعد ان اثبتت الانتخابات الرئاسية الاخيرة في ايران بطلانها بالمرة وبشكل لا لبس فيه.

ان النظام الايراني من قمة هرمه حتى قواعده الدنيا هو من صنع الشعب الايراني ويمثل ارادته، لذا على الغرب ان يتعامل بواقعية وبجدية ومسؤولية مع حكومة الرئيس روحاني، التي تمثل اكثر من ثمانين مليون ايراني، وان يتحرر من احلام اليقظة التي تدور حول روزنامة وهمية كتبت تواريخها بماء عن انهيار النظام او وصول حالة الاستياء الشعبي الى حد الانفجار في ايران، لسبب بسيط وهو ان الانظمة والحكومات المنبثقة عن ارادة الشعوب لا يمكن ان تزول، وهذه ارادة الهية شعبية.

كان هذا معنى السطر الاول من الرسالة "الروحانية" الايرانية الى الغرب، وعلى هذا الغرب ان يقف عند معاني الاسطر الاخرى لهذه الرسالة.

*ماجد حاتمي

قراءة 1605 مرة