الأمة الإسلامية في مواجهة التعصب و التحديات المعاصرة

قيم هذا المقال
(5 صوت)

الأمة الإسلامية في مواجهة التعصب و التحديات المعاصرة

.......الأمة الاسلامية تتعرض هذه الايام لهجمة شرسة يقودها الحاقدون من صليبى الغرب فى أوربا وأمريكا، تارة بالتشكيك فى ثوابت الاسلام وأصوله، وتارة بالاستهزاء بالرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وعلى القرآن الكريم، وثالثة بالغزو الفكرى. ورابعة بالدسائس والمؤامرات لبث الفرقة بين أبناء الامة ودولها.

ويستخدمون فى ذلك سبل شتى، ووسائل مختلفة، منها نشر الكتب التى لا تحصى ولا تعد، وقد سهلت شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) تداولها فقد أصبحت تعج بأكثر من ألفى كتاب وكلها توهين فى عقيدة المسلمين، وتشكيك فى ثوابت دينهم، وبث الشبهات والأباطيل حول الاسلام وأصوله ( [1]) وقد نشر أخيرا أن أندونسيا صادرت سبع ملايين كتاب مدرسي بها شبهات وانحرافات وأباطيل ضد الاسلام.

وهناك أيضا المواقع المعادية على شبكة الانترنت، وهى من الكثرة بحيث يصعب على الفرد تتبعها، وهى تحتاج الى لجان وجهود ضخمة لدحض مفترياتها ورد أباطيلها وشبهاتها ولهم جنود من شياطين الإنس داخل المجتمعات الإسلامية تنخر فيه كما ينخر السوس، أو كالسرطان يسرى داخل الجسد فى خفاء، وهم عملاء من فئات مختلفة، ليسوا سواء وإنما يجمعهم هدف واحد هو العمل ضد الإسلام .

منهم العلمانين، والشيوعيين، ومنكرى السنة، والمتعصبين الجهلة، والمفكرين الذين يكفرون فرق ومذاهب المسلمين بلا سند ولا دليل .

كل هذه الجيوش الجرارة فى الخارج وفى الداخل تتلاقى أهدافهم على الكيد للاسلام والمسلمين.

بالاضافة الى حملات العداء والتشكيك، هناك عمل دائب من دوائر الاستكبار والاستعمار العالمى و الصهيونية لبث الفرقة والتشتت بين المسلمين، والدعوة الى إشعال الفتن الطائفية،والتعصب المذهبى، وأثارة النعرات العرقية حتى تبقى الأمة الإسلامية ضعيفة مفككة، ممزقة ينقض الأعداء عليها دولة دولة، يستغلون ثرواتها والمواد الخام فيها لصالح صناعاتهم، والتمكين للعدو الصهيونى ليبقى شوكة فى قلب العالمين العربى والإسلامى.

فتهدف سياسةالاستكبار والاستعمار الامريكى الى تحقيق غرضين:

1- بقاء الأمة الإسلامية ضعيفة مفككة، والاستيلاء على البترول والمواد الخام لصالح الولايات المتحدة، ودول الغرب .

2- ضمان بقاء إسرائيل.

وهذا ما أفصح عنه الرئيس الأمريكى الأسبق نيكسون صراحة فى كتابه (الفرصة السانحة) وهو ما ينفذه أى رئيس أمريكى لاحق .

وهذا ما يدعو الى جمع الكلمة ولم الشمل، والعمل على تحقيق وحدة الأمة وحدة قوية تعيد للاسلام مجده، وتنشر حضارته، وتبنى مستقبلا ناهضا لأبنائها، وتساهم فى بناء مجتمع عالمى يقوم على العدل والسلام، واحترام حقوق الإنسان، متوكلين على الله سبحانه وتعالى .

أن التوكل على الله سبحانه وتعالى يعنى الأخذ بالأسباب، فلا نتقاعس ولا نتخاذل ولا نترك الدنيا لغيرنا يتقدم وينهض، ونحن المسلمين نتأخر ونتكاسل وننسحب من الدنيا لنعيش على هامش الحياة عالة على غيرنا. انتظارا للفرج بل يجب أن نجد ونجتهد امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم (اعقلها وتوكل)

ان التوكل يعنى العمل والجد والاجتهاد والمواجهة لكى نبنى مجتمعا قويا وناهضا امتثالا لقول ربنا سبحانه وتعالى:

(وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) (سورة القصص- آية 77)

وقول رسولنا الأكرم صلوات الله وسلامه عليه) أعمل لدنياك كانك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).

حملات عدائية:

مما هو واضح أن الدعوة الإسلامية واجهت منذ ظهورها حربا شرسة، ومقاومة شديدة، وصدا عنيفا، وقد تمثلت هذه المواجهة فى التشكيك فى الدين ونشر الشبهات والأباطيل حوله ومنع الناس بالقوة وبالترهيب والترغيب معهم من دخول الإسلام، بل واستخدام شتى وسائل التعذيب لصدهم عن دين الله، ولقد وصلت المواجهة إلى قيام الأعداء بشن الحروب المتتابعة، وتجميع القوى المعادية كلها لقتال المسلمين ومحاولة القضاء على الدين وفض الناس من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد كانت الشبهات التى يثيرها المشركون حول الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم ينزل القرآن بالرد الحاسم عليها بما يدحض أباطيلهم ويبطل شبهاتهم ويزيل شكوكهم .

ولم يبدا الرسول صلى الله عليه وسلم بمقاتلة الكفار والمشركين، بل هم الذين بدأو بالحرب، وحاولوا كلما أستطاعو تجميع أعداء الإسلام ليكونوا جبهة قوية تتمكن من القضاء على محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه.

ورغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو بالحسنى ويجادلهم بالحكمة ويعظهم بلين القول وطيب الكلام، ويجابههم بالحجج القوية الا أنهم صموا آذانهم واستكبروا وصدوا عن سبيل الله .

واستمر الصراع بين الحق والباطل قائما، إما بالحرب الفكرية، أو الحرب العسكرية، ولم يتوقف دعاة الباطل على مر الأيام عن ترويج باطلهم والتشكيك فى عقيدة المسلمين، على الرغم من أن القرآن قد أبطل هذه الحجج، وأزال ما يثيرونه من شكوك حينما رد على أسلافهم المكذبين.

ولم يختلف موقف أهل الكتاب من الإسلام عن موقف الكفار والمشركين فوقفوا ضده وحاربوه بشتى الطرق والوسائل، بل وحسنوا للمشركين شركهم وشهدوا بأنهم أهدى من المؤمنين .

قال تعالى (ألم تر الى الذين أوتو نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ءامنوا سبيلا) (سورة النساء –آية15)

وقد بين الإسلام بطلان عقائدهم وما أدخلوا عليها من تزوير وتعديل وتزييف لكى يوقظ عقولهم فيتفكرون فيما هم عليه من باطل إلا أنهم تمسكوا بباطلهم واشتدوا فى عنادهم وكفرهم وظنوا أن بإمكانهم هزيمة الإسلام والقضاء عليه .

ولا زالت حرب أعداء الإسلام مستعرة، وحملاتهم مستمرة حتى الآن وبشتى الوسائل مستخدمين أحدث تكنولوجيا العصر من انترنت وقنوات فضائية ومواقع الكترونية وغيرها لمهاجمة الإسلام وبث الشكوك والشبهات والاباطيل حوله، فشبكة المعلومات تعج بالاف الكتب المعادية ناهيك عن الكتب المطبوعة التى لا تحصى ولا تعد، وكذا الصحف والمجلات بجميع اللغات.

بل والحروب العسكرية، وما الحروب الصليبية والاستعمارية، والحروب الحديثة الموجهة ضد الاسلام عنا ببعيد.

إن الذين يسيئون إلى الإسلام فى الغرب فى العصر الحاضر ليسوا أبناء طائفة واحدة ولكن عداء أولئك يصدر من جميع طوائفهم الدينية ودولهم.

وهؤلاء رغم خلافهم الدينى والمذهبى مع بعضهم البعض، وتكفير بعضهم البعض إلا أن عداءهم للاسلام يجمع بينهم جميعا، فالهجمة الشرسة على الإسلام عامة.

وما درى هؤلاء الجاهلون أن الله حافظ دينه وناصر دعوته إلى يوم الدين، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يقول سبحانه وتعالى (انا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (سورة الحجر – آية 9)

فمهما حاولوا ومهما شككوا فلن يصلوا إلا إلى سراب، فقد نزلت كلمة الفصل من ربنا سبحانه وتعالى فى قوله عزوجل (انا لننصر رسلنا والذين ءامنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) (سورة غافر- آية51) وقال جل وعلا (هوالذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) (سورة الفتح - آية28)

حملات التشكيك

يقول هانس كونج( [2]) كان الرأى السائد فى الغرب عن الإسلام أنه عقيدة خاطئة وأنه تحريف متعمد للحقيقة وخليط من العنف والشهوة، وقيل عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مخادع وأنه المسيح الدجال.

وفى مقابل ذلك كان إظهار المسيحية على أنها هى الدين المثالى الوحيد الذى يحتوى على الحقيقة المطلقة والسلام والحب والتعفف....إلخ.

وقد كان هدفهم من ذلك التشويه المتعمد لصورة الإسلام وغيره من الديانات الأخرى حتى يحموا أبناء دينهم من التأثر بغيره من الديانات .

ورغم أنه فى العصور الوسطى المسيحية كان هناك إعجاب كبير بالحضارة العربية الراقية والفلسفة والعلوم الطبية بالإضافةإلى القوة الاقتصادية والعسكرية للإسلام حتى أن وجود عالم مسيحى مثل توماس الاكوينى ما كان ممكنا دون العرب.

إلا أن ذلك الإعجاب اختفى مع بداية عصر النهضة،ونشطت معاداة كل شئ عربى، وازداد ذلك عند ظهور الأتراك على أوربا فتم إحراق القرآن بعد نشره مباشرة فى عام 1530- م الذى نشر فى فنسيا (البندقية).

ولقد أراد لوثر مؤسس الكنيسة البروتستانتية (ت1546م) أن يترجم القرآن ولكن ليس إلا للتهجم عليه. وعندما جاء عصر التنوير فى القرن الثامن عشر بدأ الاتجاه إلى مهادنة الإسلام

إن صورة الإسلام عند يوحنا الد مشقى (ت 570م / 131) كان يعتبر زندقة محرفة عن المسيحية لابد أن تتغيير .

إن الإسلام (كما يقول المفكر فليفرد كانتو بل): يذكر المسحيين بأصلهم. ويقول باول شفاترنا فى كتاب (دروس قرآنية للمسحيين) إن الإسلام بحق يعيد التصورات اليهودية فى الدين المسيحى .

وهناك كثير من العلماء المسحيين الذين يرون أن الإسلام هو تطور للدين اليهودى والمسيحى .

وهناك كثير من المسيحيين جاءوا بما يؤكد براءة محمد صلى الله عليه وسلم من كل مااتهم به وأنه قد حفظ كثيرا من أصول الدين المسيحى .

ولكن من الغريب أن هذه الأبحاث والنتائج العلمية ظلت غير معروفة بين المسيحيين حتى الان .

ويعلن المؤلف رفضه التام للعودة إلى الجدل المسيحى ضد الإسلام عن طريق الافتراءات والتحريف والتشويه .

ويقول: يجب علينا نحن المسحيين أن نصحح تصورنا عن محمد صلى الله عليه وسلم وترك الأحكام الخاطئة التى نشأت من الكراهية ضد الإسلام .

إن الكتاب المقدس كان يعترف بنبوات بعد عيسى عليه السلام ولكن اختفى هذا الاعتراف بدءا من القرنين الثانى والثالث الميلادى، وهذا لا يبرر لنا إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

إن أمنيات المؤلف فى تصحيح تصور النصارى عن محمد صلى الله عليه وسلم ورفضه للعودة إلى الجدل المسيحى ضد الإسلام عن طريق الافتراءات والتحريف والتشويه لم تلق قبولا لدى فئات عديدة من النصارى .

فآلاف الكتب ما زالت تصدر سنويا حول العالم تشكك فى الإسلام وتنشر الشبهات والضلالة حوله. ناهيك عن أكثر من ألفى كتاب تعج بها شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) بالإضافة إلى مئات المواقع التى تخصصت فى مهاجمة الإسلام. بل إن المؤلف نفسه فصلته الكنيسة من أجل هذه الآراء .

وقد ذكر بعض الباحثين: أن المبشرين وغيرهم من أعداء الإسلام كتبوا فى المدة من عام 1850 م حتى الآن أكثر من مائة آلف مجلد كلها طعن فى الإسلام ليزهدوا فيه المسلمين .

أى أن هذا النشاط المشبوه موجه إلى أتباع الإسلام، ناهيك عما يصدر لغير المسلمين من تشويه وتضليل حتى لا ينتشر بينهم.

هذا علاوة على القنوات الفضائية المخصصة لمهاجمة الإسلام وبث الاباطيل حوله، وجمعيات وجماعات التنصير المشبوهة التى تجوب العالم شرقا وغربا وتركز على بلاد المسلمين، مدعومة ماديا ومعنويا من الدول صاحبة المصلحة فى السيطرة على مقدرات العالم .

كما أن الصحف الغربية تركز على تشويه صورة الإسلام والاساءة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما نشرته صحيفة (بولاند س بوست) الدانماركية الناطقة بلسان الحزب الحاكم من إساءات بالغة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خلال شهر سبتمبر 2005 م، ورغم ردود الافعال الغاضبة فى البلاد الإسلامية الاأن الصحيفة استمرت فى حملتها ضد الإسلام بنشرها صورا كاريكاتورية تتهكم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وانتقلت الحملة من الدانمارك إلى دول أوربية أخرى كان أولها النرويج ثم ألمانيا وفرنسا ونيوزيلاندا.

وفى ألمانيا قامت السلطات فى ولاية فورتمبربج بتطبيق نظام جديد من أول يناير2006 م – يجبر من يسعون للحصول على الجنسية الألمانية من المسلمين بالاجابة على قائمة من 20 سؤالا أطلق عليها امتحان الضمير وهو ما تم التركيز علي أنه سيطبق على المسلمين فقط وبالذات مواطنى بلاد المؤتمر الإسلامى، وان من يجيب بطريقة خاطئة فلن يحصل على الجنسية الألمانية .

والعجيب أن الكثير من الأسئلة تتعارض مع صحيح الدين الإسلامى والهدف هو اخراج المسلم من دينه مثل: موافقته على زواج إبنته المسلمة من غير المسلم، والسماح بالشذوذ الجنسى لأبنائه وأعتباره حرية شخصية للفرد، وحرية انتقاد الاديان (المقصود الدين الإسلامى طبعا) ومشاركة البنات فى النشاطات المدرسية وخاصة السباحة والسماح للنساء بإرتداء الملابس التى ترتديها الألمانيات، وحرية تغيير الدين من الإسلام إلى غيره.

وكما هو واضح فإن هذه الاسئلة تتعارض مع الدستور الألمانى نفسه ومع أبسط حقوق الإنسان .

وان اخضاع المسلمين دون غيرهم لهذا الامتحان يخالف المادة الأولى من الدستور الألمانى التى تنص فقرتها الأولى على أن (كل البشر سواسية أمام القانون)، وكذا يخالف الفقرة الثالثة التى تنص على أنه (لا يجوز التمييز أو الحاق الغبن بأحد بسبب جنسه أو منبته أو عرقه أو لغته أو وطنه أوأصله أوعقيدته أو رؤيته الدينية أو السياسية).

وكل هذه الاسئلة تتعارض مع معتقدات الإنسان وكرامته وحريته وحقوقه الأساسية وهى فى تعرضها لعقيدة المسلم والبحث فى ضميره وشخصه وعاداته وتقاليده وعلاقته بزوجته وأبنائه وتتعارض ليس مع الدستور الالمانى الذى كفل حق الإنسان وحريته وكرامته ومساواته بغيره ورفض كل صور التميييز

بل تتعارض مع كل القواعد الدينية فى العالم وكل دساتير وقوانين الدول والمنظمات الدولية وخاصة المعنية بحقوق الإنسان .

إن مايفعله الحزب المسيحى الديمقراطى ليس فى ولاية فورتمبرج وحدها بل فى الولايات الألمانية التى يحكمها مما يشير إلى أن ما يحدث ليس مصادفة بل يسير على أستراتيجية واضحة لا تقبل بالمسلمين إلا إذا تخلوا عن الأسس الجوهرية لدينهم.

هذا بالاضافة إلى أن بعض المسؤلين والكتاب فى الدول غير الإسلامية يقفون مواقف معادية للإسلام والمسلمين.

وموقف بابا الفاتيكان ليس عنا ببعيد، فقد افتري علي الاسلام ورسوله، وحينما طلب اليه الاعتذار عن ذلك لم يبد بالا للنداءات الاسلامية الموجهة اليه، رغم أنه يتودد الي اسرائيل بالقول والفعل دون أن يطلب أحد منه ذلك.

ويرجع هذا الموقف وغيره من أعداء الاسلام الي ضعف الأمة وتخاذلها، وقد كتبتا مقالا حول موقف البابا في جريدة أخبار العالم التي أشرف برئاسة مجلس ادارتها انتقدنا فيه الموقف المتخاذل للمسلمين، وطالبنا بضرورة الوقوف صفا واحدا في مواجهة كل مايسيء الي الاسلام 0 وانهينا المقال ببيت شعر يقول:

اذا أتت باض الحمام علي الوتد                         واذا ولت بال الحمار علي الأسد

الوحدة سبيل نهضة الأمة وطريق النصر على أعدائها:

ولمواجهة الاخطار التى تحيق بالأمة الإسلامية من الداخل والخارج يجب أن تجتمع كلمة الأمة وتتوحد صفوفها لكى تستطيع درء جحافل الأعداء فنحن نعيش فى عالم لا مكان فيه إلا للأقوياء.

دور العلماء فى الدعوة إلى الوحدة

لا ينكر منصف أن بعضا من الأمة الإسلامية يمر الآن بحالة ضعف وتفكك وتخلف وتمزق .

فالإسلام محاصر من جبهتين: داخلية وخارجية

فالجبهة الداخلية: متمثلة فى الخارجين عليها بتأويلات فاسدة تتعارض مع صحيح الدين،ومع ما هو معلوم منه بالضرورة.

أما الجبهة الخارجية: فتتكون من أعداء الدين، وأعداء الأمه من دول وجماعات وأفراد وهم كثر. وهؤلاء يثيرون الشبهات ويروجون الأباطيل ضد الاسلام، ويرمون الدين بالتخلف والتعصب والارهاب. وغير ذلك مما تعرفونه جميعا وهو لا يخفى على أحد منكم. وقد بينا جانبا منه فيما سبق .

إن أمة الإسلام فى محنة وشدة وأزمة،لا مخرج منها الابالرجوع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم.

نحن فى حاجة إلى وحدة ويقظة إسلامية راشدة، تستفيد من الإيجابيات وتنبذ السلبيات، تعيد المجد والعزة والكرامة إلى أمة الإسلام وتدفع عنها ما ألحقه بها أعداء الداخل وأعداء الخارج.

اليقظة الإسلامية المطلوبة تسبق الوحدة وتمهد لها وتنبذ العنف والتعصب والطائفية، وتعيد الأمة إلى رشدها وإلى دينها دون تطرف لتصبح بحق خير أمة أخرجت للناس كما وصفها ربنا سبحانه وتعالى حيث يقول (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)

ومن النهى عن المنكر مكافحة الفئات المنحرفة التى تتبنى أفكارا ومعتقدات هدامة وإرهابية تكفر المجتمع وتقتل المخالفين، وتستحل أموال المسلمين وغير المسلمين .

ولا يكون ذلك إلا بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسول الله دون تشددولاتعصب ولا شطط بل التمسك بالوسطية التى دعا إليها الإسلام.

 

ما هى اليقظة؟

اليقظة على ضربين هما يقظة الفرد ويقظة الأمة

يقظة الفرد:

تعنى يقظة العقل والقلب والفؤاد أى صحوته من غفلته إلى الطريق السوى الذى يأمر به الدين، والابتعاد عن كل ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم. وأن يكون سنده ودليله ومرشده فى ذلك كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما يقظة الأمة:

فتعنى عودة الوعى والانتباه إليها. فالأمة يصيبها ما يصيب الأفراد من غياب الوعى نتيجة ضغوط وعوامل داخلية أو تغييب وتنويم مسلط عليها من خارجها سواء من أعدائها أو من المتربصين بها ليتمكنوا من السيطرة عليها وتوجيهها إلى ما يخدم مصالحهم وأغراضهم وهى بالقطع مصالح تتعارض مع صالح الامة وأهدافها.

واليقظة الإسلامية ترتكز على أساسين:

أولا: كتاب الله:

ثانيا: سنة رسول الله صلى الله عليه وآله سلم .

واليقظة الاسلامية المطلوبة الآن يقظة شاملة فى شتى المجالات فى الفكر، وفى العزم، وفى العمل، وفى العلم والتعليم، وفى الاقتصاد، وفى الصناعة والزراعة وفى القوة العسكرية وغير ذلك حتى تعود للأمة مجدها وفاعليتها وتصبح لها قوة فاعلة فى السياسة الدولية وفى العلاقات الإنسانية، وفى التعامل مع بلاد العالم كبيرها وصغيرها.

إن الاسلام لا يقبل أن تكون بلاده كما كانت من قبل مستوطنا ومقرا للمستعمرين والأعداء من تتار ومغول وصليبيبن وصهاينة وغيرهم، فقد ابتلى المسلمون ابتلاء عظيما وزلزلوا زلزالا شديدا.

ولما عادت لهم اليقظة والصحوة وقامت الأمة من غفوتها استطاعت أن تهزم كل أعدائها.

ولم يكن لهذه الأمة أن تقوم من كبوتها وتتغلب على هزيمتها إلا بالقوة والتماسك ووحدة الصف والهدف، ولا يكون ذلك إلا بالايمان والعودة إلى دين الله والاعتماد عليه سبحانه وتعالى .

إن اليقظة والصحوة التى أدت الى انتصار الأمة فى كثير من معاركها قادها رجال أفذاذ عظماء أنجبتهم الأمة. وهم كثر. ولن تعجز الأمة أن تلد أمثالهم فى كل عصر وحين .

إننا فى حاجة الى بث الحماس فى مواجهة القضايا المصيرية للأمة. ومواجهة التيارات الالحادية سواء من الداخل أو الخارج والثقافات الوافدة التى تغزوها من كل صوب وتهددها فى عقر دارها.

دور العلماء والمؤسسات والمجامع العلمية فى مجال تصحيح المفاهيم والدعوة إلى الوحدة الاسلامية

وعلماء الدين هم قادة الأمة المعتدلون والمتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هم أصحاب دعوة الحب والتسامح، ليس لديهم حقد على غيرهم من طوائف المسلمين، إنهم يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، امتثالا لقول الله سبحانه وتعالى (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) النحل 125

لذا لا نجد من بينهم متطرفا ولا منحرفا ولا إرهابيا فهم القلب النابض لهذه الأمة، أصحاب فكر الوسط والتسامح والرحمة.

فعلماء الاسلام هم المؤهلون لقيادة سفينة النجاة فى هذا الوقت العصيب الذى تداعت فيه الأمم على بلاد الاسلام الذين يريدون نهبها، والقضاء على عقيدتها ودينها لأنهم يعلمون أن هذا الدين هو الذى يوحد هذه الأمة ويأخذ بيدها إلى سبيل النجاة.

يقول المستشرق الأمريكى المعاصر برنارد لويس: إن الدول الإسلامية قد تسقط أو تزول كدولة بالغزو العسكرى ولكن المجتمع يظل فى حياته محكوما بقوانينه الإسلامية فى معاملاته وعلاقاته ربما عشرات السنين حتى تقوم الدولة من جديد وهى تجربة مرت بها الدولة الاسلامية التى خضعت للاستعمار عشرات السنين .

فالعلماء والمراكز والمجامع هم الذين يدفعون شبهات الارهابيين والمتعصبين وشبهات أعداء الله ويدرأون باطلهم جميعا إنهم الفئة المعتدلة المهتدية التى يجب أن تتقدم وتقود العمل الدعوى المستنير.

إنهم أهل الله،وأهل رسول الله، المتمسكين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

إنهم حملة الحق المتمسكين بما كان عليه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، الداعين إلى الله على بصيرة إنفاذا لأمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فالاسلام يدعو أتباعه إلى الرحمة فما بالنا نجد المتعصبين والمتشددين يعتنقون أفكارا شاذة متطرفة بعيدة كل البعد عن صحيح الإسلام. فالارهاب لا يقيم دينا ولا يصلح مجتمعا ويشيع الاضطراب والخوف بين الناس

إنهم يهدمون قواعد الدين وأسسه التى أقيمت على قيم دينية وإنسانية عظيمة من المحبة والعدل والسلام والتسامح.

إن بين أيدينا نورا ويريد هؤلاء لنا أن نعيش فى الظلام. إنهم لا يدركون

أن روح أمتنا هو الاسلام فهى لا تعيش إلابه ولا تنطلق إلامنه ولا تجتمع كلمتها إلاعليه ولا تحقق نصرا الاتحت لوائه

على العلماء والمؤسسات الدينية تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الآخرين سواء فى الداخل أو الخارج،وتعديل اتجاهاتهم الفكرية

ولا يكون ذلك إلا بيقظة أسلامية عامة يقودها علماء الأمة،أمتثالا لقول الله سبحانه وتعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقوا فى الدين ولينذروقومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)التوبة 122.

قلنا أن الأمة الاسلامية تتعرض لحملات شرسة، ومؤامرات خسيسة، ودسائس مدبرة من أعدائها المتربصين بها سواء فى داخل البلاد، من الخارجين عن إجماع أمتهم والداعين الى توهين العقيدة فى أنفس الناس وبث الشبهات والأباطيل والافتراءات ضد الإسلام عقيدة وشريعة، أو من أعدائها فى الخارج المتمثلين فى دول الاستعمار والاستكبار العالمى التى تروج للطائفية والعصبية وتنشرالفتن والدسائس وتحاول الوقيعة بين الدول الإسلامية وبين الفرق والمذاهب الإسلامية باشعال نار التعصب المذهبى بين السنة والشيعة بل وبين أهل السنة أنفسهم حتى يتعصب كل أصحاب مذهب لمذهبهم فتدب الخلافات وتنتشر الأحقاد.

وتنفصل عرى المجتمع وتضعف قواه، وينشغل داخليا بصغائر الأمور ليسهل للعدو الانقضاض على دول الاسلام دولة وراء أخرى فتنهب خيراتها ويستغل ثرواتها ويبقى جاثما على صدرها حتى لا تستطيع الفكاك من سيطرته وتصبح سوقا رائجة لتجارته ومنتجاتها وتظل هى فى مؤخرة الدول منشغلة بتكفير وتفسيق وتبديع بعضها بعضا .

وإذا أرادت أمة الإسلام توحيد صفوفها وتوحيد كلمتها والوقوف يدا واحدة لبناء دولة قوية عزيزة الجانب يكون لها وضعا مميزا ومؤثرا فى العالم،وضع العدو المتربص بها العراقيل أمامها وشغلها بمشكلات الطائفية والقومية والتعصب المذهبى لتبقى دولا صغيرة ضعيفة مفككة...

الوحدة الاسلامية سبيل نهضة الامة:

كنا قد كتبنا بحثا عن تطبيق الوحدة الاسلامية على الواقع المعاصر فى مختلف مجالات الحياة تمهيدا لقيام الوحدة الإسلامية الشاملة التى أمربها ربنا سبحانه وتعالى فى قوله (ان هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون) وركزنا فيه على المجال الثقافى، لان الثقافة الاسلامية يجب أن تكون هى المنطلق الأساسى لاعلان دولة الوحدة،فهى تساهم مساهمة فعالة فى وحدة الأمة، فقد تهزم الأمة عسكريا، وقد تضعف سياسياواقتصاديا ولكنها أدبياوثقافيا تبقى صامدة منتجة مبدعة فى علوم القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف أو فى الشعر وفنون الأدب والفنون التشكیلية والعلوم الطبيعية والمبتكرات الحديثة وغيرها....

والجانب الثقافى سيظل صامدا فى وجه التحديات رمزا لوحدة هذه الامة لعدة أسباب:

أولها: أن الرافد الأساسى للثقافة الاسلامية هو كتاب الله (القرآن الكريم) فالأمة الإسلامية طالما تمسكت بكتاب الله، وسارت على دربه واقتدت به، وعملت على أن يكون دستور حياتها أوطبقته نهجا ومنهاجا فهى فى عزة ورفعة وتقدم وشموخ

ثانيها: الرافد الثانى هو سنة النبى الأعظم صلوات ربى وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين

ثالثها: الرافد الثالث هو التراث الإسلامى وما تركه لنا الأجداد من فقه وعلم، وقد اعتمدت عليه أوربا فى العصور الوسطى وترجمت كثيرا منه فكان سبب تقدمها ونهضتها .

 

التعصب المذهبى وثقافة التقريب:

من عوامل الفرقة الخلاف والتعصب المذهبي الذى أدى إلى إضعاف الأمة الإسلامية لفترات طويلة. لذلك يجب تفعيل ثقافة التقريب بين المذاهب الاسلامية، وزيادة التواصل الثقافى والفكرى بين القيادات الفكرية والفقهية .

وأن مؤتمرات الوحدة الإسلامية التى تقام كل عام انما تهدف إلى تفعيل دور الوحدة وثقافة التقريب وتذليل العقبات ووضع الخطط والبرامج التى تواجه المعوقات التى تعترض سبيل الوحدة.

ولقد اتجهت جهود المخلصين ومفكرى هذه الأمة الى الدعوة الى التقريب فأنشئت دار التقريب بالقاهرة منذ أكثرمن سبعين عاما وقد أعيد أنشاؤها منذ فترة قريبة وبدأت تمارس عملها من مقرها الجديد فى حى الزمالك بالقاهرة .

كما أقيم المجمع العالمى للتقريب بين المذاهب الإسلامية فى إيران ويضم نخبه مختارة من كبار علماء وفقهاء المسلمين

وبادرت المنظمه الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامى بتاسيس هيئة للتقريب أيضا عام 2007م .

وفى المركز العربى للدراسات والبحوث بمصر الذى أشرف برئاسته، شعبة للتقريب بين المذاهب الاسلامية ويصدر مجلة محكمة باسم بحوث ودراسات يرأس تحريرها صديقنا العلامة الاستاذ الدكتور أحمد السايح الأستاذ بجامعات الأزهر وقطر وأم القري وقد أصدرنا أربعة اعداد خاصة بالتقريب بين المذاهب الإسلامية

وكل هذه المجامع والمراكزتعمل على:

1- نشر ثقافة التسامح والتقريب ونبذ التعصب والعنف والتفريق

2- التمسك بالخطوط العريضة للثقافة والحضارة الاسلامية، وأن تتحول ثقافة التقريب الى موقف أسلامى يمنع المسلم من أن يعتدى على المسلم الآخر .بل يمنعه من الاعتداء على أى أنسان مهما كان دينه لأن الإسلام يرفض مبدأ العدوان.

 

أثر التعصب المذهبى على الأمة:

1- التعصب سبب فى تفريق الأمة وتمزيق وحدتها فكل مذهب ينظر إلى أنه على الحق وغيره على الباطل وتجرأ كثير من أتباع المذاهب على تضليل وتفسيق وتبديع بل وتكفير المذاهب والفرق الإسلامية الأخرى لمجرد مخالفتهم لمذهبهم حتى ولو كان الخلاف فى الفروع لا فى الأصول.

2- التعصب يؤدى الى الجهل لأن من يتعصب لمذهب معين ينغلق عليه ولا يسطتيع بحث ودراسة وجهة النظر الأخرى وكما قال الإمام الشافعى رضى الله عنه لا يتعصب إلا جاهل

3- إن من يتعصب لرأى معين يأخذ رأيه قضية مسلمة وإن خالفت الكتاب والسنة

فالأئمة بشر والبشر معرض للصواب والخطأ .والأئمة رحمهم الله أمروا اتباعهم باتباع الدليل وإن كان مخالفا لرأيهم لأن كل انسان يؤخذ من رأيه ويرد إلا النبى صلى الله عليه وسلم .

فالمتعصب مخالف لإمامه ومخالف لكتاب الله وسنة رسول الله صلى عليه وسلم

4- إن المتعصبين يسيئون الأدب مع من يخالف مذهبهم من أئمة المذاهب الاخرى .

وهؤلا الأئمة هم السلف الصالح يجب إحترامهم وتبجيلهم ولكن المتعصبين يوجهون أقبح الألفاظ وأحط الشتائم لهؤلا العظماء وعلى ذلك فهم على خطر،

ولقد ذم الله سبحانه وتعالى هؤلاء المتعصبين فقال عز وجل (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون)

رأى أئمة المذاهب:

1- قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (لا تقلدنى ولا تقلد فلانا ولا فلانا ولكن وخذ من حيث أخذوا) وقال:(من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة)

2- وقال الإمام مالك رحمه الله (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا فى رأيى فكل ما وافق الكتاب والسنه فخذوا به،وكل مالم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه)

وقال (كل يؤخذ من قوله ويترك إلا النبى صلى الله عليه وسلم)

3- قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله:-(إذا صح الحديث فهو مذهبى) وقال (حرام على من لايعرف دليلى أن يفتى بكلامى فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا) أى حسب ما يترجح عنده رحمه الله من دليل .

وقال (إذا خالف قولى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولى)

4- قال الإمام الشافعى رحمه الله (أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد من الناس)

وقال ( إذا وجدتم فى كتابى خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا قولى)

ونبين فيما يلى جانبا من أقوال وآراء بعض كبار المراجع لدى السنة والشيعة:

أولا /الصحابي الجليل أنس بن مالك:

روى أبو يعلى عن يزيد الرقاشى أنه قال لأنس بن مالك يا أبا حمزة إن ناسا يشهدون علينا بالكفر والشرك، قال أولئك شر الخلق والخليقة ( [3]) .

ثانيا / قال الإمام أحمد بن حنبل:

"أن الإيجاب والتحريم والعقاب والثواب والتكفير والتفسيق هو إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد فى هذا حكم، وإنما على الناس ايجاب ما أوجبه الله ورسوله، وتصديق ما أخبر به ورسوله "( [4])

ثالثا / الإمام الطحاوى:

" قال هم أهل القبلة ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق مالم يظهر منهم شئ من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى، وذلك لأنا قد أمرنا بالحكم بالظاهر،ونهينا عن الظن وأتباع ماليس لنا به علم"( [5])

رابعا/ الإمام الغزالى:

قال أبو حامد الغزالى:" والذى ينبغى أن يميل المحصل إليه، الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلا فإن استباحة الدماء و الأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا اله الا الله خطأ، والخطأفى ترك ألف كافر أهون من الخطأ فى سفك محجمة من دم مسلم "( [7])

خامسا / بيان هيئة كبار العلماء فى السعودية:

أعلن مجلس هيئة كبار العلماء فى المملكة العربية السعودية فى بيان طويل أن الاسلام برئ من معتقد التكفير الخاطئ. وأن ما يجرى فى بعض البلدان من سفك للدماء البريئة وتفجيرللمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة وتخريب المنشآت هو عمل اجرامى والإسلام برئ منه وكذلك كل مسلم يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر.

وأوضح البيان أن من يقوم بمثل هذه الأعمال بحجة التكفير إنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة، فهو يحمل إثمه وجرمه فلا يحتسب عمله على الاسلام ولا على المسلمين .

وقال البيان:

إن التكفير حكم شرعى مرده إلى الله ورسوله، فكما أن التحليل والتحريم والايجاب إلى الله ورسوله فكذلك التكفير وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل يكون كفرا أكبر مخرجا من المله.( [11])

سادسا / أية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخارسانى.

أكد أية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراسانى أحد كبار مراجع قم الايرانية (للعربية نت)أصداره فتوى تدعوا للتعايش مع السنة والوقوف إلى جانبهم فى المرض والموت ومساعدة المحتاج منهم. نافيا ما أورده موقع أخبارى من أنه يكفر المذاهب السنية الأربعة .

وقد جاء فى فتوى الشيخ:

" كل من يشهد بوحدانية الله تبارك وتعالى ويشهد برسالة خاتم الأنبياء صلى الله عليه واله وسلم فهو مسلم ونفسه وعرضة وماله كنفس وعرض أتباع المذهب الجعفرى مصون ومحترم ومحقون"

وأضاف: " وواجبكم الشرعى أن تعاشروا كل من يتشهد بالشهادتين – ولو أعتبروكم كفارا – بالمعروف وتتعاملوا معهم بالتى هى أحسن. وإذا فرض أن يتعاملوا معكم بالباطل فلابد أن تلتزموا أخلاق أئمتنا ولا تزيغوا عن طريق الحق والعدل الذى ألزمونا أتباعه .

ولو مرض منهم أحد لابد من عيادته وزيارته، ولو مات منهم ميت حضرتم جنازته وشيعتموه، ولو قصدكم بحاجة لبيتم وقضيتم حاجته، ولابد أن تسلموا الحكم لله تعالى الذى يقول (ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) سورة المائدة – آية 8

وأن تعملوا بقوله تعالى (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) سورة النساء- آية94 -( [12])

هذا قليل من أقوال العلماء تخيرناه من أقوال كبار العلماء والأئمة رحمهم الله بمنع تكفير المسلمين وقد تبين لنا أنه لا يجوز التكفير بارتكاب المعاصى مع الايمان والإقرار بالشهادتين.

دعوة التقريب تؤتي ثمارها

إن الدعوة الي التقريب بين المذاهب دعوة رشيدة تعمل علي جمع شتات الأمه ولم شملها في وحدة قوية تحمي الإسلام والمسلمين وتدفع عنهم غائلة الأعداء والدخلاء وكذا السفهاء ومنحرفي التفكير من الذين يدعون بدعوي الجاهليه من تعصب وتطرف وإرهاب سواء كان هذا الإرهاب فكريا أو مسلحا،وسواء اتهم الآخرين بالكفر أو اعتدي علي ممتلكاتهم أو انتهك أعراضهم فالتكفير يتبعه التفجير

فمن يكفر الناس ويتبع ذلك بعمليات القتل وهو يحسب انه يفعل ذلك حسبه لله فهو مخطئ في الحالتين. مخطئ لتكفير المسلم , ومخطئ لقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق .

والآن قد خفت ظاهرة التعصب المذهبي وتكفير متعصبي المذاهب بعضهم بعضا،وذلك تلبية لدعوي العقلاء من فقهاء الأمه وعلمائها وأصحاب الرأي فيها. وقد راينا كيف أن علماء السلف والخلف يستنكرون التعصب والتكفير والإرهاب بكل صوره وأشكاله .

وقد بدأت بعض الدول السنية تأخذ في قوانينها بالفقه الشيعى وان يصلي الشيعي خلف السني والسني خلف الشيعي . ويبدو ذلك جليا في مؤتمرات الوحدة الإسلامية هنا حيث يصلي الجميع سنة وشيعة خلف إمام واحد وساضرب بعض الأمثله الرمزية لهذا التطور في فقه وفكر الطرفين وإجتهاداتهم:-

اولا: في إفتتاح المؤتمر الحادي والعشرين للوحده الإسلاميه دعا آية الله هاشمي رفسنجاني في كلمته الإفتتاحية الي وقف ومنع سب الصحابه والسلف وافتي بتحريم ذلك .وكان ذلك شائعا من قبل بين العامة وكثير من العلماء .

ثانيا: مسألة طهارة أهل الكتاب فقد أصدر صديقنا ححبة الإسلام والمسلمين الدكتور محمد حسن زماني كتابا في هذا الموضوع وطرح رأيه في مؤتمر عام قدم فيه ورقة هامة وناضجة انتهي فيها الي طهارتهم .وقد تناقشنا كثيرا حول رأيه وأشرت عليه بضرورة ترجمة كتابه الي اللغة العربية لأهميته فوعد خيرا .

ثالثا: مسألة الضرب والتطبير التي كانت تحدث في الاحتفالات بمولد سيدنا الإمام الحسين رضي الله عنه وهي مسأله تسئ إلي الإسلام وقد دعا كثير من العلماء العام الماضي والذي قبله بتحريم ذلك، وان يكون الاحتفال بما يتناسب ومقام صاحب الذكري سلام الله عليه

رابعا: من أحدث الإجتهادات ما صدر مؤخرا عن الشيخ حسن الصفار وهو من أكابرعلماء الشيعة بالمملكة العربية السعودية من دعوته الإخوة من الشيعة بالائتمام في الصلاة بأئمة من أهل السنة وخاصة في أيام الحج والعمرة،ولا يقيمون جماعة منفردة حتي تظهر وحدة المسلمين ولا يكون هناك ما يفرق بين جماعتهم. وكان غلاة الشيعه يرفضون الصلاة خلف أئمة أهل السنة ومتعصبي اهل السنة يرفضون الائتمام بامام شيعي .

خامسا: تم جمع الأحاديث النبويه المتفق عليها بين الشيعة وأهل السنة وتولي ذلك المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية .

وهناك إجتهادات كثيرة من الطرفين يضيق المقام عن ذكرها وقد نفرد لها بحثا آخر في المستقبل إن شاء الله تعالي .

سادسا: كانت مصر تأخذ في قوانين الأحوال الشخصية بالمذهب الحنفي لسنوات طويلة وفي تطورات تشريعة لاحقة بدأت تأخذ من جميع المذاهب الإسلامية وخاصة مذهب الشيعه الاماميه .

سابعا: هناك جامعات وكليات في ايران تدريس مختلف المذاهب الإسلاميه وكذا يقوم الازهر بتدريس المذهب الشيعي الاثني عشري وسبق ان أفتي شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت رحمه الله بجواز التعبد علي المذهب الجعفرى.

ونرى أنه في مستقبل الأيام سيزداد التعاون بين علماء الفقه السنة والشيعة كما سيزداد أخذ المذاهب من بعضها البعض لما يخدم مصلحة الاسلام والمسلمين .

 

أ.د توفيق على وهبة

رئيس المركز العربى للدراسات والبحوث

وعضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ـ مصر

 

الهوامش:

[1] ـ نشرنا كتابا بالاشتراك مع صديقنا الأستاذ الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح ردا على العداء الغربى للاسلام والاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعنوان ( محمد رسول الله انا كفيناك المستهزئين).

[2] ـ دكتور هانس كونج رجل دين كاثوليكى ورئيس مركز دراسات الأديان بالجامعة الألمانية وله آراء معتدلة غير متعصبة .

[3] ـ مجمع الزوئد جزاء(ص 107)

[4] ـ مجموع فتاوى ابن تيمة ج5 ، ص554

[5] ـ العقيدة الطحاوية ص427

[7] ـ الاقتصاد فى الاعتقاد . ص157

[11] ـ نشر هذا البيان بالصحف فى 30ذو القعدة 1419 ه ويمكن مراجعة البيان كاملا فى المرجع السابق ص 24/30

[12] ـ موقع العربية نت على الشبكة الدولية .

 

 

مراجع البحث:

1- القرآن الكريم

2- كتب الصحاح

3- الوحدة الاسلامية سبيل نهضة الأمة- الاستاذ الدكتور محمد حسن تبرائيان والأستاذ الدكتور أحمد السايح والمستشار توفيق علي وهبه – المركز العربي للدراسات والبحوث – القاهرة

4- زيارة الي ايران من أجل الوحدة والتقريب بين المذاهب الاسلامية – المستشار توفيق علي وهبة

5- الوحدة الاسلامية – أستاذنا الامام الشيخ محمد أبو زهرة

6- المقدمة – ابن خلدون

7- مجموع فتاوي ابن تيمية

8- رسائل الشيبخ محمد بن عبد الوهاب

9- النبوات لابن تيمية

10- الجها في الاسلام والقانون الدولي العام – دراسة مقارنة –المستشار توفيق علي وهبة

11- البداية والنهاية

12- الاسلام في مواجهة أعدائه – المستشار توفيق علي وهبة

13- الاسلام أمام افتراءات المفترين –المستشار توفيق علي وهبة

14- الفرصة السانحة – الرئيس الأمريكي الاسبق ريتشارد نيكسون

15- ابن تيمية بين نقيضين مشيخته للاسلام واتهامه بالكفر والزندقة –السعيد بدير ألماظ

16- جوانب من عظمة الاسلام المفتري عليه –محمد عبدالفتاح عفيفي

17- التحذير من المجازفة بالتكفير –السيد محمد علوي المالكي

18- اسلام بلا فرق – الشيخ الدكتور أحمد محمود كريمة

19- هذا هو الاسلام – حوار هادئ مع بابا الفاتيكان – فضيلة شيخ الأزهر الاستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي

20- محمد رسول الله – انا كفيناك المستهزئين –الاستذ الدكتور أحمد عبالرحيم السايح والمستشار توفيق علي وهبة

21- الوحدة الاسلامية في السنة النبوية أ.د.أبولبابة حسين

22- المستقبل السياسي للأمة الاسلامية – أستاذنا الدكتور صوفي أبوطالب

23- وحدة الثقافة ووحدة الأمة – الدكتور حسن حنفي

24- التكامل السياسي بين دول العالم الاسلامي-دكتور محمد عبدالرزاق السيد ابراهيم الطبطبائي-ضمن كتاب مستقبل العالم الاسلامي

25- التكامل الاقتصادي بين دول العالم الاسلامي –د محمد عبالحليم عمر

26- وحدة الأمة الاسلامية واجب شرعي يجب تحقيقه في ظل العولمة – د اسماعيل شلبي

27- نصر بلا حرب – ريتشارد نيكسون

28- شبهات وانحرافات في التفكير الاسلامي المعاصر – المستشار توفيق علي وهبه

29- الاسلام شريعة الحياة – المستشار توفيق علي وهبة

30- الاقتصاد في الاعتقاد – الامام أبوحامد الغزالي

31- التكفير بين الدين والسياسة – محمد يونس – تقديم دكتور عبدالمعطي بيومي

32- فيصل التفرقة بين الاسلام والزندقة – الامام أبوحامد الغزالي- تحقيق الدكتور أحمدعبدالرحيم السايح والمستشار توفيق علي وهبة

33- براءة علماء الدين من تكفير الحكام والمحكومين – اعداد عبدالله حجاج

34- العقيدة الطحاوية – الامام الطحاوي

35- الاسلام والمسيحية من الجوار الي الحوار

36- الاسلام والعنف الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي

قراءة 6608 مرة