زواج النبي بالسيدة خديجة بنت خويلد (7)

قيم هذا المقال
(1 Vote)

زواج النبي بالسيدة خديجة بنت خويلد (7)

يذكر المؤرخون أن النبي (ص) تزوج بالسيدة خديجة بنت خويلد، زوجته الأولى، عندما بلغ الخامسة والعشرين من عمره الشريف وذلك بعد عودته من رحلته الثانية إلى الشام، في تجارة مشتركة مع السيدة خديجة.

ولقد اتفقت النصوص على أن السيدة خديجة كانت من أفضل نساء قريش في مكة، في خلقها وخلقها وجميع مواهبها. وهي بالاضافة إلى ذلك كانت من أثرياء مكة ومن كبار تجارها، الذين كانوا يستوردون البضاعة من الشام، ويصدورون إليها كل ما يدخل إلى الحجاز. ولآن السيدة خديجة جمعت إلى ثروتها المادية الشرف والعفة والكرم، فقد أصبحت تعد السيدة الأولى في مكة أنذاك.

ولهذا كان الناس يدعونها في الجاهلية بـ"الطاهرة"، وعرفت بـ"سيدة قريش". جعلت مكانتها الاجتماعية هذه كل رجال قومها يطمحون إلى الاقتران بها. ولقد تقدم لخطبتها كبار الشخصيات من قريش، ومنهم كبار التجار، وبذلوا لها الأموال الطائلة.

وكان ممن تقدم لخطبتها عقبة بن أبي معيد، وأبو جهل، وأبو سفيان، وغيرهم ولكنها رفضتهم جمعياً، واختارت محمداً بن عبدلله ليكون زوجا لها مع قلة ماله، بعدما عرفت فيه الصدق والأمانة والإخلاص والعفة وكرم الاخلاق، وكمال العقل وشرف النفس، والخصال الكريمة التي رفعته على السادة من أشراف مكة. السيدة خديجة تبادر بإعلان رغبتها الزواج من الرسول (ص) ونكاد نقطع بسبب كثرة النصوص أن السيدة خديجة هي التي بادرت أولاً وأبدت رغبتها في الزواج من رسول الله (ص) قبل مبادرته هو. وتفيد رواية اليعقوبي عن عمار بن ياسر أن السيدة خديجة أرسلت أختها هالة إلى عمار وكان صديقا للنبي (ص) وأبدت أمامه رغبة السيدة خديجة في الزواج من الرسول (ص) وبعد أن عرض عمار على النبي (ص) هذا الأمر وافق النبي (ص) دون تردد، وتم الاتفاق على وقت تعقد فيه الخطبة.

ولما جاء ذلك اليوم علم عمها عمر بن أسد أو ورقة بن نوفل بالأمر ، لأن أباها قد قتل قبل ذلك في الحروب التي نشبت بين القبائل. وجاء الرسول (ص) ومعه بعض الشخصيات من قريش، وبعض أعمامه، يتقدمهم عمه أبو طالب، لطلب يدها من عمها.

وبعد أن دخلوا عليه تولى أبو طالب الحديث وقال في خطبته، كما يروي ثقة الإسلام الكليني، :"الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية اسماعيل وأنزلنا حرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه. ثم إن ابن أخي محمدا ابن عبدالله ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلا في المال، فإن المال رفد جار، (أي رزق الله الذي أعطاه لعباده بقدر حاجاتهم) وظل زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها.

والمهر عليّ في مالي الذي سألتموه عاجله وآحله. وله ورب هذا البيت حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل". نقف عند خطبة أبي طالب هذه على الحقائق الآتية : أولا، إن كلمات أبي طالب بحق ابن أخيه مثل قوله "ولا عدل له في الخلق"، أو "وله حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل"، وغير ذلك، تدلنا هذه الكلمات على مدى ما كان يتمتع به النبي محمد (ص) في تلك المرحلة من مكانة ومنزلة في قلوب الناس.

ثانيا، إن حديث أبي طالب عن قلة مال النبي (ص) وإعطائه الضابطة للتفضيل بين الرجال يدل على واقعية أبي طالب، وأنه ينظر إلى الإنسان من منظار أسمى وأنبل من المال والجاه.

فالرجل الفاضل في نظر أبي طالب، ليس هو صاحب المال الكثير والجاه العريض، وإنما هو الرجل الذي يمتلك في شخصيته كل الصفات والخصال الكريمة التي تحدث عنها أبو طالب في خطبته والتي تحلى بها ابن أخيه محمد (ص).

ثالثا: إن كلمة أبي طالب "وجعلنا الحكام على الناس"، تدل دلالة واضحة على ما كان يتمتع به بنو هاشم من شرف وموقع ومكانة في مجتمع مكة، بحيث إنهم كانوا حكاما على الناس آنذاك.

رابعا: إن صريح الخطبة أيضا أن أبا طالب هو الذي تكفّل بمهر السيدة خديجة. ولكن خديجة (رضوان الله عليها)، كما تقول رواية الكليني في الكافي، عادت وتكفلت هي بالمهر. الأمر الذي أثار تعجب بعض الحاضرين فقالوا :"يا عجبا المهر على النساء للرجال؟!". فغضب أبو طالب وقال :"إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر . وإن كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي".

وهكذا تمّت مراسيم زواج النبي الأكرم(ص) المبارك من السيدة خديجة (ع). ويرجّح أكثر المؤرخين أن يكون عمر السيدة خديجة حين تزوج بها النبي (ص) ثمانية وعشرين عاما وليس أكثر من ذلك. وعلى هذا فهي كانت أكبر من النبي بثلاث سنين فقط، لأننا قلنا إن النبي (ص) كان عمره الشريف حين الزاوج من السيدة خديجة خمسا وعشرين سنة. كما أن السيدة خديجة (عليها السلام) لم تتزوج بأحد قبل النبي (ص)، وكانت عذراء.

وهذا ما أكده جمع من المؤرخين مثل البلاذاري وأبي القاسم الكوفي والسيد المرتضى في كتاب "تلخيص الشافي"، وغيرهم. السيدة خديجة أنفقت مالها دعماً للإسلام ولا بد من الإشارة أخيرا إلى أن القول بأن النبي (ص) إنما تزوج خديجة الثرية طمعاً في مالها هو قول باطل تكذّبه كل الشواهد التاريخية. فإن حياة الرسول الأعظم (ص) من بدايتها إلى نهايتها على أنه ما كان يقيم للمال وزناً ولا كان المال يشكل هدفا بالنسبة إليه. ولقد أنفقت السيدة خديجة(ع) بعد بعثة الرسول (ص) كل أموالها طائعة راغبة وباختيارها وبملء إرادتها، ليس على النبي وملذاته وإنما على الدعوة إلى الإسلام وفي خدمة الرسالة.

أضف إلى ذلك أن السيدة خديجة هي التي عرضت نفسها على النبي (ص) ولم يتقدم هو لطلب يدها حتى يقال إنه فعل ذلك طمعا بمالها. كما أن حبه وللسيدة خديجة وتقديره الشديد لها، حتى بعد وفاتها، دليل واضح على بطلان هذا الإفتراء بحق النبي الأكرم (ص)، وعلى أن تقديره لها كان لأجل عفّتها وطهرها وإيمانها وإخلاصها للرسالة الإسلامية وتضحيتها بكل ما تملك في سبيل هذا الدين وخدمة الرسالة.

قراءة 7953 مرة