نهج البلاغة فريد في أسلوبه .. في فصاحته .. وبلاغته في حكمه في مواعظه وإرشاداته .. في تأثيره على قارئه وحافظه وسامعه ، وليس من المبالغة إذا قيل فيه " إنه يعادل فوائده الدينية والأدبية كتب جميع العلماء والأدباء ، كيف لا وهو تالي كتاب الله تعالى .
وقال ابن أبي الحديد :
وأما الفصاحة فهو عليه السلام إمام الفصاحة ، وسيد البلغاء ، وفي كلامه قيل : دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوقين . ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة ، قال عبد الحميد بن يحيى : حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ، ففاضت ثم فاضت . وقال ابن نُباته : حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة ، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب ".
والرضي رحمه الله في سبب تأليفه لنهج البلاغة بعد أن جمع فصلاً من كلامه عليه السلام في كتابه خصائص الأئمة قال : " فاستحسن جماعة من الأصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره ، معجبين ببدائعه ، ومتعجبين من نواصعه ، وسألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين عليه السلام في جميع فنونه ، ومتشعبات غصونه ، من خطب وكتب ، ومواعظ وأدب ، علماً أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة ، وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب الكَلِم الدينية والدُّنيويَّة ، ما لا يوجد مجتمعاً في كلام ، ولا مجموع الأطراف في كتاب ، إذ كان أمير المؤمنين مَشْرَع الفصاحة ومَورِدهَا ، ومنشأ البلاغة ومَوْلِدها ، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها ، وعنه أخِذَت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ، ومع ذلك فقد سَبَق وقصّروا ، وتقدم وتأخروا ، لأن كلامه عليه السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي ، وفيه عَبْقَةٌ من الكلام النبوي ".
وهكذا يتابع الشريف الرضي رحمه الله – الكلام في الكشف عن فصاحة وبلاغة الإمام علي عليه السلام ومدى تعجب أهل الأدب والعلم من كلامه عليه السلام وأنه يوجد بينه وبين من تقدم من السلف فارق كبير فيقوله – رحمه الله - : " وأنه انفرد ببلوغ غايتهما عن جميع السلف الأولين ، الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر والشاذ الشارد ، فأمّا كلامه فهو البحر الذي لا يُساجَل ، والجم الذي لا يُحافَل.