من صفات شيعة اهل البيت(ع)

قيم هذا المقال
(9 صوت)
من صفات شيعة اهل البيت(ع)

قال تعالی:] وَ إِنَّ مِنْ شيعَتِهِ لَإِبْراهيمَ [([1])

عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍالباقر(ع): يَا جَابِرُ أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَوَ اللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَ أَطَاعَهُ، وَ مَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ وَ التَّخَشُّعِ وَ الْأَمَانَةِ وَ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَ الصَّوْمِ وَ الصَّلَاةِ وَ الْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ وَ التَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَ أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَ الْغَارِمِينَ وَ الْأَيْتَامِ وَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَ كَفِّ الْأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ،....([2])

 

إنَّ أئمة أهل البيت(ع) قدتحدَّثوا كثيراً عن صفات شيعتهم، وكان العلماء السابقون(قدس سرهم)يهتمون بتأليف الكتب حول موضوع صفات الشيعة، وذلك من أجل أن يشخّصوا معالم شخصية الشيعي، ليكون المثال الذي يقتدى به، حيث وردت نصوص عديدة عن أهل البيت(ع) تتحدث عن صفات هؤلاء الشيعة و يبدو من النصوص التي وردت عن النبي(ص) وأهل البيت(ع) التاكيد علی توفر خصوصية التقوى والورع في هؤلاء الشيعة، و من تلك النصوص المهة هو حديث جابر عن الامام الباقر (ع)حيث يعطي المعالم الاساسية لاتباع اهل البيت(ع)سنتعرف علی بعض مفرداته بعد ما نعرف معني التشيع لغةً و اصطلاحاً.

التَّشيع في اللغة، هو المشايعة أي: المتابعة والمناصرة والموالاة فالشيعة بالمعنى اللغوي هم الأتباع والأنصار([3]) وبهذا المعنى اللغوي استعمل القرآن الكريم لفظة الشيعة كما في قوله تعالى : ]وَ إِنَّ مِنْ شيعَتِهِ لَإِبْراهيمَ[ ([4]) اي: كان النبي ابراهيم الخليل(ع)علی سنة النبي نوح(ع) قولاً و عملاً و كان بينهما( 2640 سنة) و كان بينهما هود و صالح، و كقوله تعالى : ]وَ دَخَلَ الْمَدينَةَ عَلى‏ حينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذي مِنْ شيعَتِهِ عَلَى الَّذي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى‏ فَقَضى‏ عَلَيْهِ ...‏[.([5])

وكلمة (شيعة) في حد ذاتها و بمعناها اللغوي ليس لها قداسة خاصة، و كماتطلق علی اهل الحق، تطلق علي اتباع الباطل ايضاً ،كما في قول الامام الحسين (ع) لجيش يزيد بن معاوية :«يا شيعةَ آل ابي سفيان إن لم يكن لكم دين وکنتم لا تخافون المعاد فكونوا احراراً في دنياكم».

التشيع في الإصطلاح: هو إسم لمذهب أتباع الامام علي(ع) الذين يعتقدون بولايته و امامته بلافصل من بعد النبي(ص)، قال الشهيد الثاني في كتابه شرح اللمعة: «و الشيعة من شايع علياً - أي اتبعه وقدمه على غيره في الإمامة و إن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة، فيدخل فيهم الإمامية و الجارودية من الزيدية و الإسماعيلية غير الملاحدة منهم و الواقفية والفطحية».([6])

إذن جوهر التشيع هو الالتزام بإمامة علي و ولده، وتقديمه على غيره لوجود نصوص في ذلك، و ينتج من ذلك أن الإمامة امتداد للنبوة يترتب عليها ما يترتب على النبوة من لوازم عدى الوحي فإنَّ نزوله مختص بالأنبياء، و أنَّ الإمامة لاتتم بالانتخاب و الاختيار و إنَّما بالتعيين من الله تعالى فهو الذي ينص على الإمام عن طريق النبي، و إنما يختاره لتوفر مؤهلات عنده لاتوجد عند غيره.

وبعد ماعرفنا معنی الشيعة والتشيُّع لغة و إصطلاحاً، السؤال الذي يطرح دائماً، من هم الشيعة الحقيقيون الناجون يوم القيامة؟

الإمام الصادق(ع) والخراساني
حدّث إبراهيم عن أبي حمزة عن مأمون الرقي قال: كنت عند سيدي الصادق(عليه السلام) إذ دخل سهل بن حسن الخراساني فسلّم عليه ثم جلس فقال له: يا ابن رسول الله لكم الرأفة و الرحمة و أنتم أهل بيت الإمام، ما الذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه و أنت تجد مِن شيعتك مئة الف يضربون بين يديك بالسيف؟ فقال(ع) له:«اجلس يا خراساني رعى الله حقك»، ثم قال(ع): «يا حنيفة اسجري التنّور»، فسجرته حتى صار كالجمرة وابيضّ علوه، ثم قال(عليه السلام): «يا خراساني قم فاجلس في التنّور»، فقال الخراساني: يا ابن رسول الله لاتعذبني بالنّار، أقلني أقالك الله، قال(ع):« قد أقلتك». فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكي ونعله في سبابته، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال له الصادق(ع) :« القِ النّعل من يدك واجلس في التنور»، قال: فألقى النعل من سبابته، وأقبل الإمام يحدّث الخراساني حديث خراسان حتّى كأنّه شاهد لها، ثمّ قال(ع):« قم يا خراساني وانظر ما في التنّور»، قال: فقمت إليه فرأيته متربّعاً فخرج إلينا وسلّم علينا، فقال له الإمام(ع):« كم تجد بخراسان مثل هذا»؟ فقلت: والله ولا واحد. فقال(ع):« لا والله ولا واحد، أما إنّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت»([7]).

 

هل يكفي حب أهل البيت(ع)؟
يا تري أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ هذه شبهة في سياق سؤال، كانت و لاتزال موجودة عند بعض منتحلي مذهب التشيع، و هي أنَّهم قد يكتفون بمجرد الإدعاء لحبِّ أهل البيت(ع)، و أنَّ ذلك الحب أو إدعاءُه يكفيهم في تحصيل النجاة، مع أنَّهم –في سيرتهم غالباً– مخالفون لأهل البيت(ع)، و منشأ هذه الشبهة عندهم هو ما تواتر عن النبي الصادق الأمين(ص) وأهل بيته(ع)، في ما رواه الخاصة و العامة من البشائر العديدة لشيعة أهل البيت (ع) و محبيهم و انَّهم هم الناجون لا غير، و الواقع أنَّ تلك البشائر هي حقيقة ثابتة لاينكرها إلا جاهل أو معاند، و لكن السئوال الذي يُطرح دائماً من هم شيعتهم الحقيقيون؟([8])

ويجيب الإمام الباقر(ع) عن هذا الاستفهام فيقول مقسماً بالله العظيم لتأكيد واقعية جوابه: فَوَ اللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَ أَطَاعَهُ وَ... و هذه الصفات كلها –في الحقيقة و الواقع– قلَّ من اجتمعت فيه من شيعة أهل البيت(ع) و من هنا قال جابر الجعفي الراوي عن الإمام الباقر(ع)حديثه هذا قال: قلت له: يابن رسول الله ما نعرف أحداً بهذه الصفة؟ (الصفات) فأجاب الإمام(ع): يَا جَابِرُ لَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَ أَتَوَلَّاهُ ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَالًا فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَسُولُ اللَّهِ(ص) خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ(ع) ثُمَّ لَا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَ لَا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَ اعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَةٌ، أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ، يَا جَابِرُ وَ اللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَ مَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَ لَا عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَ مَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، وَ مَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَ الْوَرَعِ([9]).

ومن المسلَّم انَّه لا تنال ولاية أهل البيت(ع) إلاَّ بالعمل الصالح و الورع عن المحرَّمات، و يؤيد ذلك ما ورد عن الإمام الرضا(ع) أنه قال: «لاتدعوا العمل الصالح والاجتهاد في العبادة اتِّكالاً على حبِّ آل محمد(ص) و لاتدعوا حبّ آل محمد و التسليم لأمرهم اتكالاً على العبادة فإنَّه لا يقبل أحدهما دون الآخر... الخ»([10]).

وإذا جمع العبد المؤمن بين حبِّ آل محمد(ص) و بين العمل الصالح فهو الناجي، بل هو الذي تكون له الدرجات العالية و المقامات السامية عندالله و رسوله و أهل بيته، و يكون محبوباً عند أئمته فحينئذٍ يغتمّون لغمّه و يفرحون لفرحه كما في قول إمامنا أبی الحسن الرضا(ع) في حديث له: «من عادی شيعتنا فقد عادانا، و من والاهم فقد والانا، لأنَّهم منَّا، خلقوا من طينتنا، و مَن أحبَّهم فهو منَّا، و مَن أبغضهم فليس منَّا، شيعتنا ينظرون بنورالله، ...، ما من أحد من شيعتنا يمرض إلا مرضنا لمرضه، و لا اغتمَّ إلا اغتممنا لغمه، و لايفرح إلا فرحنا، ...»([11]).

اذن لابدَّ من توفر خصوصية التقوى و الورع فيمن يدَّعي التشيُّع حتی يصدق عليه هذا الإسم والعنوان، فينبغي ان نركز البحث علي هذه المفردة من الحديث ثمَّ الكلام حول المفردات الأخری.

 

شِيعَتُنَا أهل التقوی
التقوى لغةً، مأخوذة من الوقاية، و الوقاية تعني الحذر و الاحتراز و البعد و الاجتناب، و لها مراتب بحيث كلما كان الحذر و الاجتناب أكثر كانت التقوى أكمل، و لكن مجرد الحذر و الاجتناب عن شيء ليس معناه التقوى المطلوبة في الإسلام، و إنّما التقوى التي دعا إليها الإسلام و أكد عليها القرآن الكريم عبارة عن قوة روحية نفسية تتولد في الإنسان بسبب التمرين على العمل الذي يحصل منه الحذر و الاجتناب من الذنوب([12]).

وأما التقوى في الإصطلاح الإسلامي فهو اجتناب ما حرّم الله وإتيان ما أوجبه على العبد، كما جاء هذا المعنى في كثير من الروايات، و إذا ترك الإنسان المحرمات و المكروهات و حتى المشتبهات و عمل بالمستحبات فهذا هو الورع.

و إنَّ للتقوى آثاراً عظيمةً جدَّاً تعود فوائدها إلى الفرد المتقي، و المجتمع ، نذكر بعضها:

 

آثار التقوى في الدُّنيا والآخرة
أولاًـ بالتَّقوى خروج من الضيق: الإنسان في هذه الدنيا غالباً ما يتطوق بالمصائب و الابتلاءات، و هذه الابتلاءات على نوعين، فمنها ما يتمكن الإنسان من حلِّها، و رفع مشاكلها، و منها ما لايتمكن من حلِّها، و يقف عاجزاً أمام هذا النمط منها، و ليس لـه أدنى حول، إلاَّ أن يغيثه الله تبارك  وتعالى، و يخرجه من هذا الضيق، و بالتقوى يخرج المتقون من هذا الضيق، و تحلّ مشاكلهم، يقول تعالى: ]وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لـه مَخْرَجاً[([13])، أي من الضيق،  ويقول تعالى: …]وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لـه مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً[،([14]) و عن أمير المؤمنين(ع) لأبي ذر: «... ولو أنَّ السَّماوات والأرض كانتا على عبد رتقاً ثم اتقى الله لجعل الله لـه منهما مخرجاً... »([15]).
ثانياًـ بالتقوى تُدَّر الأرزاق: إنَّ من أكثر ما يشغل بال الفرد في المجتمع الرزق، و كم يسعى لتحصيله، و كم ينفق من عمره في سبيل تحصيل قوته و قوت عياله، و يمكننا القول بأنَّ حركة المجتمعات البشرية في معظم الأوقات تفرغ في سبيل تحصيل الرزق و القوت، و لاريب أنَّ من أهمِّ العوامل التي تحقق للإنسان رزقه و ما يكفيه، هو التقوى، قال تعالى: ]وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لـه مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لايَحْتَسِبُ[([16]).

ثالثاًـ بالتقوى تقبل الأعمال: لا شكَّ أنَّ أهم ما يهتم به المؤمن أن يقبل الله أعماله التي يقوم بها من الطَّاعات کالصلاة و الصيام و الزكاة و الحج، و کثير من الأعمال الحسنة و الخيرات.
ودائماً يخاف الإنسان من أن لا تكون هذه الجهود من عباداته موضع قبول الله تعالى، و الطريق الذي رسمه الله تعالى لقبول الأعمال هو التقوى، قال تعالى: ]إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[([17])، فالتقوى سبب من أسباب القبول، بل هي السبب الوحيد بدلالة إفادة (إنَّما) على الحصر، و قد وردت هذه الآية في قصة هابيل و قابيل ابني آدم حيث اختلفا في أمر فحكّما فيه أباهما آدم، فأشار عليهما أن يقدِّما قرباناً إلى الله فمن يتقبل الله قربانه يكون هو الصائب، فقدم قابيل عنزاً، و قدم هابيل كبشاً عظيماً و سنابل قمح، و كانت علامة القبول، أن يضعا القربانين على جبل فإذا نزلت النار و أكلت قربان أحدهما دل ذلك على قبول الله له، و فعلاً نزلت النار على قربان هابيل وترکت سنابل القمح، فتعجب قابيل، و استغرب من قبول الله السنابل و الكبش، فقال لـه أخوه هابيل: ]إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[ ([18])، فعظمة العمل و كثرته لا تعدوا شيئاً عند الله إلاّ بالتقوى، و من هنا قال علي(ع): «لا يقِّل عمل مع التقوى، وكيف يقل ما يتقبل»([19])، و مما أوصى به رسول الله(ص) أباذر، قال: يا أباذر كن للعمل بالتقوى أشدّ اهتماماً منك بالعمل»([20]).

رابعاًـ بالتقوى تنال كرامة الله تعالى: لقد خلق الله تعالى الإنسان كريماً، قال تعالى: ]وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ[ و إنّما يذِّل و يهان بالمعاصي  والذنوب، و هذه الكرامة أعطاها و وهبها لجميع البشر على نمط واحد، و بحد متساوٍ، غير أنَّه بامكان كل فرد من البشر أن يصبح أكرم من سائر الأفراد و ذلك بالتقوى، قال تعالى: ]يا أيّها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ[([21]).

خامساًـ بالتقوى ينال الإنسان الجنة: قال تعالى: ]إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ[([22])، وقال تعالی: ]جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ[([23]).

ولعل أعظم الآثار للتقوى، تعكسها خطبة المتقين لأمير المؤمنين(ع)في نهج البلاغة، و لايسع المجال لذكرها وشرحها،([24]) و هناك آثار أخرى عزفنا عن ذكرها مراعاة للاختصار.

 

صدق الحديث وأداء الأمانة
 و من أهمِّ صفات شيعة أهل البيت(ع) صدق الحديث و أداء الأمانة و قد وردت احاديث أهل البيت(ع) لتؤكِّد هذتين الصفتين كثيراً فقد روى عن الصادق(ع) أنَّه قال: « إنَّ اللّه عزوجل لم يبعث نبياً إلاّ بصدق الحديث وأداء الامانة إلى البرِّ والفاجِر» ([25])، و عنه(ع): «لاتغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم; فإن الرجل ربما لهج بالصلاة و الصوم حتى لو تركه استوحش، و لكن اختبروهم عند صدق الحديث و أداء الامانة»([26]). عن أبي عبد اللّه(ع) قال : « كونوا دعاة للناس بالخير بغير السنتكم; ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع »([27]).

و الصدق هو زينة الحديث كما جاء عن النبي(ص) قوله: «زينة الحديث الصدق» ([28]) و قد عرف عن رسول اللّه(ص) أنه كان يوصف قبل البعثة بالصادق الامين و كان لهذه الصفة دور مهم في التأثير على مسيرة الدعوة الاسلامية.

و الأمانة: شيء يودع عند شخص ليحتفظ به ثم يردّه إلى مَن أودعه عنده، أو ليقضي به مآربه ثم يرجعه إليه، فهناك أناس يؤدون الأمانة إلى أهلها، و هناك أناس يخونونها، فمن صفات شيعة أهل البيت(ع) الإلتزام بأداء الأمانة طاعة لله و تبعاً لأئمتهم(ع).

وقد أكَّد القرآن الكريم هذه الصفة فأمر بها و وصف عباده المؤمنين بها في آيات عديدة، كما وصف بها بعض أنبيائه في مقام التأكيد لأهميتها ، و منه قوله تعالى: ]والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون[ ([29]) و نهى عن الخيانة في الامانة في قوله تعالى: ]يا أَيُّها الذين آمَنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون[([30])

ونشير بهذه المناسبة إلى ما ورد من أن أحد العلماء كتب إلى السيد المرتضى يسأله –فيما معناه- أن أحداً إذا اعتدى على أحدٍ و قطع يده فعليه الدية، و قدرها خمسمائة دينار ذهباً، في حين لو سرق أحد أحداً ربع دينار يحكم عليه الشرع بقطع يده و يجب أن تقطع يده.

و وجه السؤال أن اليد هل قيمتها خمسمائة دينار، و نظم له هذا المعنى شعراً فقال:

يد بخمس مئين عسجداً وُديت    ما بالها قُطعت في ربع دينار

فأجابه السيد المرتضى: اليد إذا كانت أمينة كانت ثمينة، و إذا خانت هانت، و نظم هذا المعنى شعراً فقال:

 

عِزُّ الأمانة أغلاها، وأرخصَها    ذل الخيانة، فافهم حكمة الباري


 

 الشيعةوكثرة ذكر الله تعالى
ومن صفات الشيعة في حديث جابر هو كثرة ذكر الله وقد جاء في حديث الامام الصادق(ع):«شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا اللّه كثيراً»([31]).

 والذكر مجموع الكلمات التي يذكر بها اللّه تعالى بالثناء و التمجيد أو الاستعانة، من قبيل سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه اكبر و الخ...، و أيضاً الاستغفار و الدعاء بالصلاة على النبي محمد و آله([32]).

 والذكر بهذا المعنى الواسع عبادة من العبادات الاسلامية التي حث عليها القرآن الكريم في كثير من آياته، قال تعالى: ]واذكر اسم ربك بكرة واصيلاً [ ([33])و قال تعالى: ]يا أَيُّهَا الذينَ آمَنوا اذكُروا اللهَ ذِكراً كَثيراً وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَ أَصيلاً[([34])

ومن أهمِّ مواضع الذكر عند تظافر النعم على الانسان، و في الحاح الفقر، قال رسول اللّه(ص):« من تظاهرت عليه النعم فليقل الحمد للّه رب العالمين، و من ألحَّ عليه الفقر فليكثر من قول لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم; فإنه كنز من كنوز الجنة و فيه الشفاء من اثنين و سبعين داء أدناها الهم»([35])

و ذكر الله على قسمين، ذكر في اللسان كالأدعية و الاستغفار و ما شابه ذلك من التسبيح و التحميد و التهليل و التكبير، و القسم الثاني هو ذكرالله تعالى في ما أحلَّ و حرَّم، أي يذكر الإنسان ربَّه فيما أباحه له و أمره به فيأتي به، و ما حرَّمه عليه و نهاه عنه فيتركه، و القسم الأول هو المقصود من قول الإمام الباقر(ع) في وصف الشيعة بكثرة ذكر الله، و هذا الذكر هو الدواء الناجع النافع للإنسان الذي يريد صلاح نفسه و رضا ربّه، و قد يكون إلى هذا القسم من الذكر يشير الشاعر بقوله:

وإذا سقمت من الذنوب فدواها    بالذكر إنَّ الذكر خير دواء

الشيعة و موالاة أهل البيت(ع)
ومن أظهر صفات شيعة أهل البيت(ع) و أهمها التي توجب لهم النجاة، و يمتازون و يعرفون بها، هي موالاة أهل البيت(ع) و البراءة من أعدائهم، و الفرح لفرحهم، و الحزن لحزنهم، قال إمامنا أميرالمؤمنين(ع) في حديث له:« إنَّ الله تبارك و تعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منا وإلينا»([36]).

وقال(ع) في حديث آخر:« رحم الله شيعتنا والله هم المؤمنون، فقد والله شاركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة »([37]).

 

شيعتنا يحزنون لحزننا
قدتعرض أهل بيت النبي(ص) لأنواع الأذى و الظلم و الاضطهاد في سبيل حفظ الإسلام من الانحراف، بوقوفهم ضد الظالمين، من الحكّام الأمويين و العباسيين، و قد حدّثنا التاريخ و روايات أهل البيت (ع) عن بعض ما وقع عليهم من الظلم و الاضطهاد، بحيث يقول الإمام الحسن(ع) في حديثه بعد قتل أبيه أميرالمؤمنين(ع): حدثني جدي رسول اللّه (ص) «أنَّ الأمر يملكه إثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم»([38]).

 إنَّ شيعة أهل البيت(ع) قد شاركوا أهل البيت(ع) في مصائبهم بطول الحزن و الأسی خصوصاً على مصاب الإمام الحسين(ع) و من هنا تراهم في أيام عشرة المحرم بالخصوص في غاية الحزن و البكاء حيث أن أئمتهم كانوا كذلك، إذا هل هلال المحرم تراكمت عليهم الهموم و الغموم و اجتمعت عليهم الأحزان و الكروب و كانوا يعقدون مجالس العزاء، و يأمرون من يدخل عليهم من الشعراء بالرثاء و الإنشاد، فكان الإمام الصادق(ع) إذا هل هلال عاشوراء اشتد حزنه و عظم بكاؤه على مصاب جده الحسين(ع) و كان الناس يأتون إليه من كل جانب و مكان يعزونه بالحسين(ع) و يبكون معه على مصابه.

و في خبر عن الإمام الرضا(ع): «كان أبي إذا هلَّ المحرم لا يرى ضاحكاً وك انت الكآبة تغلب عليه حتي تمضي منه عشرة أيام، فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول(ع): هواليوم الذي قتل فيه جدي الحسين»([39]).

 

الإمام الرضا(ع)و أيام محرَّم
دخل دعبل الخزاعي على الإمام الرضا(ع)، و لعلَّه کان في أيام المحرم فرآه و قد عقد مجلس العزاء، و هو جالس جلسة الحزين الكئيب و أصحابه من حوله كذلك، قال دعبل: فلما رآني مقبلاً قال لي:« مرحباً بك يا دعبل، مرحباً بناصرنا بيده و لسانه»، ثم إنه وسَّع لي في مجلسه و أجلسني إلى جنبه، ثم قال لي: «يا دعبل أحب أن تنشدني في الحسين شعراً، فإنَّ هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت، و أيام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني أمية، يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا، و بكی لما أصابنا من أعدائنا، حشره الله تعالي معنا في زمرتنا، يا دعبل من بكی علی مصاب جدي الحسين(ع)غفرالله ذنوبه»، ثم إنه نهض وضرب ستراً بيننا و بين حرمه، و أجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا علی مصاب جدهم الحسين(ع)، ثم التفت إلیَّ و قال: «يا دعبل ارثِ الحسين(ع)، فأنت ناصرنا و مادحنا فلا تقصر عن نصرنا ما استطعت ما دمت حيا»، قال دعبل فاستعبرت و سالت عبرتي و أنشأت أقول:

 

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً    وقد مات عطشاناً بشط فرات   

إذاً للطمت الخد فاطم عنده    وأجريت دمع العين في الوجنات   

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي     نجوم سماوات بأرضِ فلاة    

قبور بجنب النهر في أرض كربلاء     معرسهم فيها بشط فرات[40]   

توفوا عطاشی بالعراء فليتني     توفيت فيهم قبل حين وفاتي



الهوامش:
[1]- الصافات: 83
[2]- الكافى: 2 : 74 ، صفات الشيعه : 11.
[3]- القاموس المحيط وكتاب المنجدفي اللغة: مادة شاع.
[4]- الصافات: 83. 
[5]- القصص:15.
[6]- شرح اللمعة 2 : 228
[7]- مناقب آل ابي طالب4: 237، بحار الأنوار 47: 127،ب5.
[8]- راجع ما روى من البشائر لشيعة أهل البيت(ع) كتاب فضائل الشيعة، للصدوق وبحار الانوار ج 68 باب فضائل الشيعة.
[9]- الكافى: 2 : 74 ، صفات الشيعه : 11.
[10]- راجع بحار الأنوار 78 : 347.
[11]- صفات الشيعة للصدوق: 4، ونقله عنه المجلسي في بحار الأنوار68 : 167.
[12]- هذا التعريف للتقوى هو المشهور بين علمائنا لا سيما عند الإستاذ الشهيد مطهري.
[13]- الطلاق: 2.
[14]- الطلاق: 4.
[15]- بحار الأنوار 22: 411، ح30.
[16]- الطلاق: 2،3.
[17]- المائدة: 27.
[18]- المائدة: 27.
[19]- بحار الأنوار 6: 38 ح62.
[20]- كنز العمال: 851.
[21]- الحجرات: 13.
[22]- الحجر: 45.
[23]- النحل: 31.
[24]- لقد ذکرنا بعض فقراتها في الجزء الأول من الموسوعة فراجع.
[25]- الكافي 2 : 104 ، ح 1 .
[26]- الكافي 2 : 104 ، ح 2 .
[27]- الكافي 2 : 105 ، ح 10 .
[28]- الأمالي للصدوق : 292، بحار الانوار71:9.
[29]- المؤمنون : 8 .
[30]- الأنفال: 28.
[31]- جامع احاديث الشيعة 15: 367 ،الباب 5 ، ح 2
[32]- الظاهر أن الاستغفار و الصلاة على النبي محمد(ص) و آله من الدعاء و ليس من الذكر، و لكنَّها تذكر لمشابهتها الذِّكر في البناء اللفظي في جمل قصيرة، و أيضاً لانه ورد في استحبابها تكرارها في بعض المواضع مرات عديدة، شأنها في ذلك شأن الذكر، و لذا يتم الحديث عنها في هذا الباب، كما أنه ورد في بعض الروايات أن الصلاة على النبي(ص) تعوض عن ذكر اللّه و تسبيحه (الشهيد السعيد سيدباقر الحكيم).
[33]- الانسان : 25 .
[34]- الأحزاب: 42-43.
[35]- جامع احاديث الشيعة 15: 385 ، ح 1 .
[36]- الخصال للصدوق: 635، بحار الأنوار 44: 278.
[37]- اللهوف :137، بحار الأنوار43: 221ب8.
[38]- كفاية الأثر: 160.
[39]- الأمالي للصدوق 128، المجلس 27، بحار الأنوار44: 383ب34.
[40]- المعرس : بفتح الراء و تشديدها هو المكان.

قراءة 10036 مرة