التجارة المنجية

قيم هذا المقال
(0 صوت)
التجارة المنجية

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ1.

 من سبل الإحسان إلى آيات الله - عزّ وجلّ -، ومن علامات الإيمان الصادق، أن يكون المرء من الخيّرين لأهله، والمقصود هنا الدائرة القريبة منه، وهي الزوجة والأولاد، وأن المقصود منه ليس كفّ الأذى عنهم، فهذا يقدر عليه الكثير، بل النظر إليهم كما في تعبير الكتاب الكريم (من أنفسكم) و (قوا أنفسكم) و (قرة عين)، فهل يمكن للإنسان أن يؤذي نفسه؟! وكيف يكون مصداقًا للميثاق الغليظ؟

كيف تكون التجارة مربحة؟
تبدأ الآية الكريمة في خطاب خاص موجَّه للمؤمنين, لأن أهل الإيمان يبحثون دائمًا عن الوسائل أو الطرق المقرِّبة إلى الله - عزّ وجلّ -، وهو أمر يشغل بال الكثير من الناس، وقيل بأن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، وما أدقّ التعبير الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "رَحِمَ الله اِمْرَءاً اَعَدَّ لِنَفْسِه وَاسْتَعَدَّ لِرَمْسِه وَعَلِمَ مِنْ أَيْنَ وَفي أَيْنَ وَإِلي أَيْنَ"2. فالإنسان الذي يرى نفسه كمسافر إلى الله - عزّ وجلّ - وأن هنالك مبدأ ومقصدًا وما بينهما طريق وسبيل، وأن هنالك زادًا ورحلة؛ يفني عمره في البحث عنها والوصول إليها.

ومن ثم عقّب الله - عزّ وجلّ - في الآية بكلمات تحاكي حاجة كل مخلوق، فبادره عزّ وعلا بسؤال للإنسان (هل أدلكم؟)، وهو نوع من الاستفهام3 التشويقي4، وكأنه - عزّ وجلّ - يقول: أتريد أن تكون في بحبوحة، في غنى، في سعة؟ ومن ثم أردفت العبارة بكلمة تجارة، وهي لفظ محبَّب إلى معظم الناس كونها مظنة ربح والغنى والسعادة والفَوز عند الناس.

ولا شكّ في أن لكل تجارة رأس مال وفيها ربح، وتجارة الأرض ربحها قليل، وأمدها قصير، والنتائج مُحْزِنَة أحيانًا، وقد تعمل سنوات ويكون ربحك قليلًا أو لا يوازي حاجتك، ولكن الله يعطيك بلا حساب.

ما ربحُ أو ثمنُ التجارة؟
لا شكّ في أن ثمن التجارة مع الله منها ما هو مؤجَّل ومنها ما هو معجَّل:
الثمن المؤجل:
النجاة والفوز يوم القيامة:

أفضل ربح وأول دفعة وأعظم فوز في حساب الأرباح للمؤمن الذي تاجر مع الله هو النجاة (تنجيكم)، من ماذا؟ من (عذابٍ أليم)، وهذا وصف لشدة العذاب الحسي الشديد في يوم القيامة. وقد جاء وصف (العذاب)5 في القرآن بـأنه (أليم) في ثلاثين موضعًا تقريبًا، وهو ما يدلّل على الاهتمام بكيفية الخلاص منه.

ومن المعلوم أن البحث عن النجاة من أيّ خطر أمرٌ فطري، وكلما كان الذي يدلك على المخارج الآمنة أصدق حديثًا، وأكثر صدقًا، زادت طمأنينتك به، فكيف إذا كان المخبِر عن هذه المخارج هو الله تعالى، ومَن أصدقُ من الله حديثًا!

وإنّ حقًّا على العاقل أن يبحث عما ينجيه، فإن السلامة ذلك اليوم تعني السلامة الأبدية، والعكس صحيح.

مغفرة الذنوب:
قال تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾، وهو ما يدلّ على أن المغفرة لجميع الذنوب.

جنات عدن:
قال تعالى: ﴿وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾. الجنة هي دار الخلود، ونعيمها دائم.

الثمن المعجل:
النصر والفتح:

قال تعالى: ﴿نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾.

ما أسس المعاملة في هذه التجارة؟
أشارت الآية الشريفة إلى ثلاثة أسس تقوم عليها هذه التجارة المربحة، وهي:
الإيمان بالله:
قال تعالى: ﴿َتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾، فكيف يكون الإنسان مؤمنا حقيقيًا بالله - عزّ وجلّ -؟ وهذه المرتبة القرآنية التي منحها الله عبادَه الصالحين، والتي تنفعهم بعد الموت وتنجيهم، ألا تحتاج إلى وقت وتأمل وتفكر؟!

فالإيمان يحتاج إلى عقل وقلب، وكلاهما يحتاجان إلى وقت وجهد، فلغة العقل هي البرهان والاستدلال، ولغة الإيمان هي الحبّ6 والاطمينان، ومحلُّه القلب، وإذا دخل فيه فلا يمكن أن يُأخَذ بسهولة، وكما في الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "إنّ المؤمن أشدّ من زبر الحديد. إنّ الحديد إذا أُدخل النارَ تغيّر، وإنّ المؤمن لو قُتل ثمّ نُشر ثمّ قتل لم يتغيّر قلبه"7.

الإيمان برسوله صلى الله عليه وآله وسلم:
وقال تعالى ? وَرَسُولِهِ? ?. كيف تؤمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل فقط بمعرفة أمره ونهيه؟! وهل ينفصل الإيمان به صلى الله عليه وآله وسلم عن الاقتداء والتأسي والمحبة الحقيقية عبر إطاعته قولًا وفعلًا وخلقًا؟

وفي بيان معنى الاستنان والتأسي يروى عن الإمام الرضا عليه السلام: "لا يكون المؤمن مؤمنًا حتّى تكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وسنّة من وليّه. فأمّا السنّة من ربّه: فكتمان سرّه8، قال الله - عزّ وجلّ -: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ9، وأمّا السنّة من نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم: فمداراة الناس10، فإنّ الله - عزّ وجلّ - أمر نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم بمدارة الناس، فقال: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ11، وأما السنّة من وليّه عليه السلام فالصبر في البأساء والضرّاء12"13.

المجاهدة بالمال والنفس:
قال تعالى: ﴿وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ14، وفيه إشارة إلى أن الجهاد بالمال عبادة من العبادات، ولعلّه قدّم المال على النفس لأنّ المجاهدة بالأموال أكثر وقوعًا، وأتمّ دفعًا للحاجة؛ حيث لا تتصَوَّر المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالمال. وقيل: ترتيب هذه المتعاطفات في الآية على حسب الوقوع؛ فالجهاد بالمال لنحو التأهّب للحرب، ثم الجهاد بالنفس15.

وكانت تلك من آخر وصايا أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "اللهَ اللهَ في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله"16.

أيهما أحبّ إليك؟
لو أدركت حقيقة هذا الأمر لذبت شوقًا إليه، وخجلًا منه، ورغبة فيه. وترجمة ذلك أنك تجد في نفسك حبًّا فطريًّا، وميلًا غريزيًّا للمال، ثم يطلب الله منك أن تنفقه في سبيله، هنا لا بدّ من أن تعقد مقارنة سريعة حتمية في داخلك: أيهما تحبّ أكثر: المال أم الله؟!، وهذه هي الحقيقة بكاملها: المال، أم الله؟! كل إنسان سيقول بلسانه: أختار الله على ما سواه، لكن لا بدّ من أن يصدِّق العمل قول اللسان، وإلا فما معنى الاختبار!

وترجمة هذا أيضًا أنك تجد في نفسك حبًّا فطريًا للآباء والأبناء والأزواج والعشيرة، ثم يأتي موقف إما أن تُرضي فيه الأحباب وإما أن ترضي فيه الله، وعليك أن تعقد مقارنة سريعة: الأحباب أم الله؟!، وتذكَّر أن الإجابة ستكون بالفعل لا بالقول.

الأمر جدُّ خطير، والقضية مصيرية في حياة الإنسان ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ17. انظر إلى هذه المقارنة، الجهاد جزء من حبّ الله ورسوله، لكن لماذا يُذكَر في هذا المقام؟ حتى يلفت النظر إلى قضية (الفعل لا القول). فلا يكفي أن تقول: أحبُّ الله أكثر، ولكن لا بدّ من الجهاد في سبيله، وبذل هذه الأشياء الثمانية المذكورة في الآية.

غزوة تبوك18، وفضحُ المنافقين
أن يمرّ على المجاهدين ظرف عسير، فهذه سنّة الله في الحياة، وقد مرّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلُ ذلك في غزوة تبوك، التي سميت بغزوة العسرة، وفيها دروس وعبر كثيرة، نقتصر فيها على محلّ الشاهد في القصة. بعد إعلان النبي صلى الله عليه وآله وسلم الموقف في إعداد العدة، وقف فيهم خطيبًا يحثّهم على الصدقات لتجهيز الجيش، لم يكن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقيادته ما يجهزون به الجيش، فكان يطلب من المسلمين أنفسهم أن يجهزوه، وأن يساهم كلّ مسلم بما يستطيع لتجهيزه وإنفاق كرائم الأموال لذلك.

ماذا فعل المسلمون؟
قام المسلمون الصادقون وأهل الإيمان بالتسابق في تجهيز الجيش، وأنفق كلّ مؤمن صادق ما عنده، وتتابع الناس في صدقاتهم قليلها وكثيرها، وبعثت النساء المؤمنات صدقاتهن، وأخرجن أعضادهن وأقراطهن وخواتيمهن صدقة لله وفي سبيل الله.

أما أهل النفاق19 ومن كان في قلوبهم مرض، فلم يأتوا بشيء، وأخذوا يسخرون من هؤلاء ويستهزئون ممن شارك وتصدق، فمن جاء بمال كثير قالوا ما جاء به إلا رياء وسمعة، ومن جاء بمال قليل همزوه ولمزوه، وقالوا له إن الله ورسوله غني عمّا جئت به، فأنزل الله سبحانه وتعالى ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ20,21.

سارعوا إلى أبواب الجنان
وهب أن المجاهد وقع في عسر أو شدّة، أوَليس الواجب يقتضي علينا المسارعة إلى تقديم القليل والكثير في سبيل الحفاظ على طريق الجهاد! أوليس ذلك من أبواب الجنان التي لا بدّ من أن نتسارع إليها! ولا يخفى، فالمال هو عصب الحرب، وهو مدد الجيش، فبه يُشتَرَى السلاح، وبه يُجهَّز المجاهد؛ وبه تُحفظ الحرمات، والمجاهد هو الحامل للواجب عن الأمّة بأسرها، وله حقٌّ واجبٌ علينا حتّى يتمكّن من مواصلة جهاده وتضحياته. وليس الأمر بالكثرة والقلّة، بل بالشعور بهم، والمشاركة معهم، والإخلاص في دفع المال لهم، فهم أصحاب المنّة علينا، ومَن لا يمتلك مالًا فلْيمتثل قولَ المتنبي:

لا خَيْل عِندك تُهْدِيها ولا مالُ                   فلْيُسْعِد الـنُّطْق إن لم تُسْعِد الْحال

فضل إنفاق المال في تجهيز المجاهد بالسلاح
يكون في ظلّ الله:
في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أَعَانَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَازِيًا فِي عُسْرَتِهِ، أَوْ مُكَاتِبًا فِي رَقَبَتِهِ، أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ"22.

وفي رواية أيضًا عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا كان له كمِثْلُ أَجْرِهِ"23.

كمن غزا معه:
ولا يخفى ما للجهاد من فضل، فهو باب من أبواب الجنّة، ومَن جهز غازيًا فكأنما شارك معه، كما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من جهّز غازيًا في سبيل الله كان له أو كُتب له مثل أجر الغازي في أنه لا ينقص من أجر الغازي شيئا"24.

أفضل الصدقات:
في الراوية: قال الراوي: "قلت: يا رسول اللّه: أيّ الصدقات أفضل؟ قال: "خدمة الرجل يخدم أصحابه في سبيل اللّه". قلت: يا نبي اللّه، فأيّ الصدقة بعد ذلك أفضل؟ قال: بناء يفيء به الرجل على أصحابه في سبيل اللّه". قلت: يا رسول الله، فأيّ الصدقة أفضل بعد ذلك؟ قال: عَسْبُ فرس يحمله صاحبه في سبيل اللّه"25.

إنفاق المال في عوائلهم وأهلهم:
إياك وخيانة المجاهدين:

إن اطمئنان المجاهد أنّ هناك مجاهدين بأموالهم لا يبخلون بمالهم على أسرتهم، نوع من أنواع إعداد العدة للكفار الذين يحاربونه، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حُرمَةُ نِساءِ المُجاهِدينَ على القاعِدينَ كحُرمَةِ أُمَّهاتِهم. وما مِن رجُلٍ منَ القاعِدينَ يَخلُفُ رجُلًا منَ المُجاهِدينَ في أهلِه فيَخونُه فيهِم إلَّا وقَف له يومَ القيامَةِ، فيَأخُذُ من عمَلِه ما شاء".

فما ظَنُّكم؟. وفي روايةٍ: فقال: "فخُذْ من حسَناتِه ما شِئتَ. فالتفَت إلينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: فما ظَنُّكم؟"26، وأعلم ان خيانتهم ليست كخيانة غيرهم.

الشهداء والجرحى:
إن أبناء الشهداء ينتظرون حقوقَهم، ويجب ألّا يعتبروا ذلك مِنَّة أو هِبَةً منا؛ ولكنه حق معلوم قرره الله لهم، في قوله تبارك وتعالى ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ27، فهلمّوا إلى التجارة المربحة مع الله.

وقفة تأملية

اقتران جهاد المال بجهاد النفس في كتاب الله

اقترن جهاد المال بجهاد النفس في القرآن في عَشَرة مواضع، تقدَّم فيها جهاد المال على الجهاد بالنفس في تسعة مواضع، وتقدَّم جهاد النفس على جهاد المال في موضع واحد:
الآيات التي تقدَّم فيها المال على النفس:
• - قال تعالى: ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ28.

• - قال تعالى: ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ29.

• - قال تعالى: ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا30.

• - قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ31.

• - قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ32.

• - قال تعالى: ﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ33.

• - قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ34.

• - قال تعالى: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ35.

* تذكرة لمن يخشى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- سورة الصف، الآيات 10 - 13.
2- الكاشاني، الوافي، ج 1، ص 116.
3- الاستفهام: لغة مصدر استفهم، وهو طلب الفهم. فهِم الشيء بالكسر فَهْمًا وفَهَامةً؛ أي علمه. وفلان فَهِمٌ واسْتَفْهَمَهُ الشيء فَأفْهَمَهُ وفَهَّمَهُ تفهِيمًا، وتَفَهَّمَ الكلام فهمه شيئًا بعد شيء. وأسلوب الاستفهام هو أسلوب لغوي من أساليب السؤال، يهدف إلى طلب الإفهام تصورًا أو تصديقًا، وقد ضمّنه النحويون في الإنشاء الطلبي.
وقسمه النحويون إلى نوعين: 1.الاستفهام الحقيقي: يقصد به صاحبه معرفة ما يجهله، 2.الاستفهام المجازي: يعلم فيه صاحبه جوابه، ولكنه يقصد معنى آخر يُفهَم من السياق بعد التأمل في النّص. وأطلق عليه بعض النحويين الاستخبار.
4- التشويق من الأغراض التي يأتي لها الاستفهام حينما يقصد المتكلم ترغيب المخاطب واستمالته، نحو ما سيلقيه إليه بعد الاستفهام، وتحريك مشاعره إلى أمر محبوب يرغب فيه السائل.
5- أولًا: العذاب الأليم ﴿سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. العذاب الأليم عذاب حِسي شديد.
ثانيًا: العذاب المُهين ﴿وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾. هؤلاء الذين أضلّوا الناس وتبعهم الناس على إضلالهم، هؤلاء لهم يوم القيامة عذابٌ مُهين يُعذَّبون أمام أتباعهم الذين أضلّوهم. والعذاب المهين أشدُّ من العذاب الأليم. ويوجد عذاب أليم له ألم حسِّي شديد. العذاب المهين معنوي، والعذاب الأليم حِسي.
ثالثًا: العذاب العظيم ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أما العذاب العظيم فمنسوب إلى قدرة الله. أنت إن أردت أن تعذِّب إنساناً يوجد حدود ينتهي عندها العذاب، لكن الله عزّ وجلّ- قادر على أن يُعَذِّب الإنسان إلى أبد الآبدين.
6- الشيخ الصدوق في الأمالي، ص 578: حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، قال: حدثني من سمع أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: ما أَحَبَّ اللهُ - عزّ وجلّ - من عصاه، ثم تمثّل فقال:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا محال في الفعال بديعُ
لو كان حبك صادقًا لأطعته إن المحبّ لمن يحبّ مطيعُ
7- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج64، ص 304.
8- إنّ الإنسان، بعد أن يكون الغالب عليه حبّ الكتم وكراهة الإفشاء، وحبّ الحديث والتفكّه بنشر الأسرار، فليتأمل بسنّة ربّه المطلع على أسرارنا وأعمالنا، وليتمثل بهذا الأدب، بحيث لم يفضحنا، ولم ينشر ذلك علينا، فلا أقلّ من أن يعامل الناس كما يعامله الله - عزّ وجلّ -.
9- سورة الجن، الآيتان 26 - 27.
10- لا بدّ من التفريق بين المداهنة والمداراة، فالأولى هي الموافقة على تحسين القبيح، أو ترك إنكاره رغبةً وطمعًا فيما عندهم، ليتوسّل إلى منافعهم الدنيوية، أو يجلب قلوبهم إليه من دون ملاحظة دفع مفسدة. وأمّا المداراة فهي ترك الإنكار دفعًا للمفسدة، أو لأجل تخفيفها، أو تحرّزًا عن تهييجها، وأين هذا من ذلك! والمداراة قد تكون لدفع الشرّ ممن تداريه، وقد تكون لاستجلابه إلى الخيـر، وكلّها في مقامٍ لا محلّ للإنكار، وإما للخوف، أو لعدم التأثير، فحينئذٍ الرفق والبشاشة وتحمّل الأذى، والدفع بالتي هي أحسن هي المدارة، قال الله فيها ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾. فصلت، الآيتان (34-35).
11- سورة الأعراف، الآية 199.
12- ولا ريب في أنّ الدنيا سجن المؤمن، فأي سجنٍ جاء منه خير! ولقد قال الإمام الصادق عليه السلام لرجل اشتكى عنده الحاجة، قال له: اصبر، سيجعل الله لك فرجًا، ثم سكت ساعةً، ثم التفت إليه فقال: أخبرني عن سجن الكوفة، كيف هو؟ .. فقال: ضيّقٌ منتنٌ، وأهله بأسوء حال. قال: فإنما أنت في السجن، فتريد أن تكون فيه في سعة، أما علمت أنّ الدنيا سجن المؤمن. الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص250.
13- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 241.
14- سورة الجمعة، الآية 11.
15- الألوسي، محمود شهاب الدين، روح المعاني، ج 4، ص 114.
16- المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 17.
17- سورة التوبة، الآية 24.
18- غزوة تبوك هي الغزوة التي خرج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لها في رجب من عام 9 ھـ بعد العودة من حصار الطائف بنحو ستة أشهر. تُعدُّ غزوة تبوك آخر الغزوات التي خاضها الرسول، بدأت تداعيات تلك الغزوة عندما قرّر الرومان إنهاء القوة الإسلامية التي أخذت تهدد الكيان الروماني المسيطر على المنطقة؛ فخرجت جيوش الروم العرمرمية بقوى رومانية وعربية تقدَّر بأربعين ألف مقاتل، قابلها ثلاثون ألفًا من الجيش الإسلامي. انتهت المعركة بلا صدام أو قتال؛ لأن الجيش الروماني تشتّت وتبدّد في البلاد خوفًا من المواجهة، مما رسم تغيرات عسكرية في المنطقة، جعلت حلفاء الروم يتخلون عنها ويحالفون العرب كقوة أولى في المنطقة. لذلك، حققت هذه الغزوة الغرض المرجوّ منها على الرغم من عدم الاشتباك الحربي مع الروم الذين آثروا الفرار شمالًا، فحققوا انتصارًا للمسلمين دون قتال، حيث أخلوا مواقعهم للدولة الإسلامية، وترتب على ذلك خضوع النصرانية التي كانت تمّت بصلة الولاء لدولة الروم، مثل إمارة دومة الجندل، وإمارة إيلة مدينة العقبة حاليًا، على خليج العقبة الآسيوي-، وكتب الرسول محمد بينه وبينهم كتابًا يحدّد ما لهم وما عليهم. وقد عاتب القرآن الكريم مَن تخلّف عن تلك الغزوة عتابًا شديدًا، وتميزت غزوة تبوك عن سائر الغزوات بأن الله حثّ على الخروج فيها، وعاتب وعاقب مَن تخلف عنها، والآيات الكريمة جاءت بذلك، قال تعالى ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
19- النفاق في المصطلح الإسلامي يُطلقُ على إظهار الإسلام قولًا وعملًا، وإضمار الكفر. ومَنْ يكون هذا حاله يُقالُ له "منافق"، ورأسماله الكذب والخديعة، فيتظاهر بالإيمان والعمل الصالح، ليتستَّر بالإسلام على كفره، ليأمن من بطش المسلمين، وليدفع الخطر عن نفسه. ويكون المنافق في الغالب مرتبكاً وخائفاً من الفضيحة.
20- ومع بخل المنافقين لا يَسْلَم المتصدّقون من أذاهم. فإذا تصدّق الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء، وإذا تصدّق الفقراء بما في طاقتهم استهزؤوا بهم، وقالوا سخريةً منهم: ماذا تجدي صدقتهم هذه؟ سَخِرَ الله من هؤلاء المنافقين، ولهم عذاب مؤلم موجع.
21- سورة التوبة، الآية79.
22- ابن شيبة، أبو بكر، مصنف ابن أبي شيبة، ج4، ص599.
23- العلّامة الحلّي، تذكرة الفقهاء، 98، ص38..
24- صحيح مسلم، ج5، ص192.
25- البيهقي، أحمد بن الحسين الخراساني، السنن الكبرى، ج5، ص69.
26- صحيح مسلم ، ج6، ص43.
27- سورة المعارج، الآيتان 24 - 25.
28- سورة التوبة، الآية 41.
29- سورة الصف، الآية 11.
30- سورة النساء، الآية 95.
31- سورة الأنفال، الآية 72.
32- سورة التوبة، الآية 20.
33- سورة التوبة، الآية 44.
34- سورة الحجرات، الآية 15.
35- سورة التوبة، الآية 81.

قراءة 2489 مرة