رسالتنا و واقع الأمة الإسلامية

قيم هذا المقال
(0 صوت)

للأمة المسلمة ملامح تفردت بها من بين سائر الأمم التي صنعت تاريخ كوكبنا هذا. فهي أمة لا تقوم على وحدة العنصر والدم لأنها تحتضن كل العناصر والسلالات. ولا تقوم على وحدة الموقع الجغرافي لأفرادها فقد كان أفرادها ولا يزالون من جميع الأوطان. ولا تقوم على وحدة اللغة فقد ضمت صنوفاً من الناس ذوي لغات شتى.

إنها لا تستمد مقومات وجودها من أكثر ما تواضع الناس على إدخاله في معنى الأمة، واعتباره مقوماً لها، وركنا أصيلاً فيها، وإنما تقوم على أصل واحد كبير هو وحدة العقيدة ووحدة الإيمان، وحدة العقيدة الشاملة الجامعة لما عظم وهان من شؤون الإنسان في الدنيا والآخرة جميعاً، ووحدة الإيمان بهذه العقيدة، الإيمان الذي يقرب بين البعيد والبعيد حتى لكأنهما أخوان، لأن وحدة الوسائل والغايات، ووحدة المطامح والآمال، ووحدة السلوك هي التي آخت بين القلب والقلب، وواشجت بين الروح والروح.

وهذا ما جعلها أمة فريدة في التاريخ. فهي أمة "أخرجت للناس" بعد أن لم تكن. أخرجت إخراجاً وصنعت صنعاً. صنعت على عين الله بما رسم من حدود وما شرع من أحكام، وصيغت ملامحها وفق حدود الله وأحكامه التي أكسبتها معنى الأمة يوم لاحمت بين أفرادها، وواءمت بين عناصرها ووحدت بين وسائلها وأهدافها.

وهي أمة (أخرجت للناس) فلم تكن (في الناس) ككثير من الأمم همها أن تصون ذاتها من الأخطار وأن تكسب لنفسها الرخاء والدعة والأمن وإن حاق بالعالم الدمار.

ولم تكن أمة أخرجت (على الناس) بلاءً وسوط عذاب تهلك الحرث والنسل ولا تؤمن إلّا بشريعة الغاب وإنّما هي أمة (أخرجت للناس) رحمة وبشير خلاص وعامل ازدهار للبشرية جمعاء. ومن هنا كانت خير أمة أخرجت للناس وستكون خير أمة أخرجت للناس ما أخذت نفسها بالسير وفق الإسلام، العقيدة التي صاغت وجودها بعد أن لم يكن لها وجود.

وإذن فكونها خير أمة نابع من رسالتها إلى سائر الأمم، رسالتها التي هي مصدر عظمتها وشقائها.

مصدر عظمتها حين تضطلع بمهمتها الكبرى فتعمل – وفق أحكام الله – لأداء هذه الرسالة. ومصدر شقائها حين تنحرف وتزيغ وتمزقها الأهواء فتقعد عن القيام بدورها وبذلك تفقد مبرر وجودها الوحيد.

وفي عالمنا اليوم أمم كثيرة تدَّعي أن لها رسالة ولكن شتان بين رسالة ورسالة.

كان الإنسان الأوروبي في عصر الاستعمار يدَّعي أنه إنسان ذو رسالة هي (عبء الرجل الأبيض) وقد مارس الإنسان الأوروبي رسالته فاسترق وجوَّع وسدَّ منافذ العلم والحضارة عمن تسلط عليهم من الناس، وخلَّف عالماً يئن من الجور والطغيان والعذاب، عالماً تمزقه البغضاء والحروب وأخطار الحروب.

أما رسالة الأمة المسلمة فهي نموذج آخر من الرسالات، نموذج فذ لم يقدر لأمة من أمم الأرض أن تضطلع بمثله، ذلك لأن رسالة الأمة المسلمة إلى العالم هي رسالة وهي في كلمات: "رسالة الحرية والعلم والحضارة والرخاء إلى كل إنسان".

وقد حمل المسلمون الأولون رسالة الإسلام هذه إلى عالم الأمس الذي انحلت فيه القيم واستبدت فيه الغرائز بالناس وعملت عملها الخطير في تقويض الاجتماع الإنساني فأحالته إلى معترك تناحري فظيع، فحققوا – في حدود ما استطاعوا – رسالة الإسلام وقدموا نموذجاً للإنسان جديداً متكامل الشخصية، مفعماً بالأمل النير والخير، ماضياً في السبيل الذي حقق له السمو والنبل! وقدموا نموذجاً للمجتمع رائعاً (مَثَلُ المُؤمِنِينَ في تَوَادّهِم وَتَرَاحمِهِم وَتَعَاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ إِذا اشتَكَى مِنهُ عَضو تَدَاعِى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى) (الحديث).

والإسلام مدعو لأن يؤدي رسالته العظمى في عالم اليوم، فالإسلام وحده هو الكفيل بإخراج الإنسان المعاصر من أزمته التي تؤدي به إلى الدمار، وهو الكفيل بصياغته من جديد، وإحلال التوازن في كيانه الذي مزقته الدعوات والفلسفات بتحريره من جميع عبودياته: الفكرية والاجتماعية والمادية.

ولكن المسلمين لا يستطيعون أن يؤدوا رسالة الإسلام إلى عالم اليوم كما أدوها إلى عالم الأمس فصنعوا المعجزات.

لأن القائم بأداء رسالة يجب أن يحياها، وقد حمل المسلمون الأولون رسالة الإسلام وأدوها ما أسعفتهم قواهم وكانوا جديرين بحملها وأدائها لأنّهم كانوا يحيون الإسلام أفراداً وجماعات، وكان كل فرد منهم إسلاماً حياً يسعى.

أما مسلمو اليوم فإن الدعوات الضالة المضلة قد استبعدت عقولهم وأرواحهم وصرفتهم عن الإسلام الى نهج في الحياة لا يلتقي مع الإسلام على صعيد، وتحول الإسلام في أنفسهم إلى شعور فردي مقطوع الصلة بالحياة، لا يبنيها، ولا يقوّم ما اعوج منها، وهم وهذا حالهم غير جديرين بحمل الإسلام إلى الإنسانية الضالة المعذبة، وأن عليهم لكي يكونوا خير أمة أخرجت للناس حقاً، أن يحققوا رسالة الإسلام في أنفسهم، في واقع حياتهم وسلوكهم، وحينئذ يقوون على حمل الرسالة وأدائها، وحينئذ يكونون شهداء على الناس كما وعدهم الله، وحينئذ يكونون خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله ويحققون رسالة الإسلام.

ورسالتنا:

هي أن ندعو المسلمين إلى الله مولاهم الحق، ونفتح أعينهم على واقعهم السيء وأسباب ترديه، ونرسم لهم سبيل النهوض من كبوتهم بشرح مبادئ الإسلام لهم، ورائدنا في كل ذلك قوله تعالى:

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104).

* الشهيد السيد محمد باقر الصدر

المصدر: كتاب رسالتنا

 

قراءة 3114 مرة