مكتبة الإسكندرية تقود نهاية السلفية من مصر

قيم هذا المقال
(0 صوت)
مكتبة الإسكندرية تقود نهاية السلفية من مصر

تُعتبَر مكتبة الإسكندرية المُعاصِرة امتداداً للمكتبة القديمة التي تم حرقها في عصر يوليوس قيصر عام 48 قبل ميلاد السيّد المسيح، كانت مكتبة العالم بأسره جمعت كل شتّى صنوف المعرفة الإنسانية، وقد أُحرِقت بعد الحريق الأول عدّة مرّات، ولكن ظلّت مدينة الإسكندرية تتوارث التنوّع والثراء والتسامُح، فيها من أصول مختلفة إغريقية وإيطالية وأرمينية وعربية، ولكن مع الغزو السلفي لمصر، بدأ ينحسر التنوّع والثراء المعرفي، قام شيوخ الوهّابية من أمثال ياسر برهامي وسعيد الشحات وإسماعيل المقدم وغيرهم، بتدمير ثقافة الإسكندرية، وأتاحت لهم الثورة قبل سبع سنوات من التمهيد لتحويل المكتبة إلى مسجد، ودار الأوبرا في القاهرة إلى ساحات للصلاة، وقبل ثلاثة أسابيع، وبالتحديد يوم 10 كانون الثاني|يناير 2018، أعلن مدير المكتبة الدكتور مصطفى الفقي أنه ينوي أن تقيم المكتبة فروعاً لها في المدن المصرية، وإقامة متحف لكل الأديان، وأن العام 2018 هو عام دحر الفكر المتطرّف السلفي، وهو الأمر الذي أهاج السلفيين، صحيح أنه هاج ضئيل، ولكنه يتنافى من السياق العام الذي تعيشه الدولة المصرية، والذي يريد كبت التيار السلفي الوهّابي، بدور أزهري مدني، فهل يمكن دحر السلفية في مصر، ومن ثمّ في المنطقة؟

المشهد العام في مصر يشير إلى اقتراب نهاية السلفية، لأسباب متعدّدة سنكتب عنها، ولكن لابدّ من التأكيد على أن الفكر السلفي بينابيعه الوهّابية، لا ينتهي بين يوم وليلة، فالفكرة كالثمرة تثمر وتزدهر إذا وجدت مَن يرعاها، وتذبل إذا أُهمِلت، وهذا ينطبق على الوهّابية كما ينطبق على كل الأفكار الشاذّة، ولذلك عندما نكتب عن أفول السلفية لا يعني نهايتها، فمصر عرفت الفكر الوهّابي منذ زمن طويل، فقد تأسّست جمعية أنصار السنّة المُحمّدية في القاهرة عام 1926 برئاسة الشيخ محمّد حامد الفقي، ولكن لم يكن لها تأثير على المناخ الفكري والديني في مصر، ولكن بدأ تمدّد الفكر السلفي بالفعل منذ عام 1975، عندما ارتفعت أسعار النفط عالياً، ما مهّد الأرض للإنفاق المروّع على الفكر الوهّابي، بحيث قدّر ما أُنفق بحوالى 75 مليار دولار في الفترة من عامي 1976 – 2001، ولا نغفل عن ذهاب الملايين من المسلمين للعمل في الأراضي العربية الخليجية، فعادوا مُحمّلين بالفكر السلفي.

وفي الحال المصرية، انتشر الفكر السلفي بصورة أخلّت بالتنوّع العام الثري الذي تعرفه الأرض المصرية منذ فجر الضمير، فالمصريون عرفوا التوحيد مبكراً منذ دعوة إخناتون، ومع ظهور النبي موسى عليه السلام بدعوته في مصر، وصدّرت المسيحية والرهبانية إلى العالم بأسره منذ جاء الرسول مرقس ونشر المسيحية فيها، وعندما تحوّل المصريون للإسلام، تأثروا بالفكر الصوفي|الشيعي، وظلوا على ولائهم للإسلام السنّي في وقت واحد، قدّسوا أهل البيت، وأحبوا الصحابة، حتى جاء الغزو السلفي الوهّابي، فبدأ المناخ الاجتماعي المصري يتغيّر بالتدرّج، فانتشر النقاب الأسود، وطالت اللحى وحُلِقت الشوارب، وانتشرت أصوات تقرأ القرآن الكريم، منفرة، غير الأصوات المصرية الرائعة في التلاوة والترتيل، وتغيّر الآذان للصلاة، فبعد أن كان الآذان بأصوات ساحِرة بمقام الحجاز المشهور، صار الآذان بصورة أقرب للتنفير، كل هذا حدث في مصر، بلد الأزهر الشريف، الذي كان له دور في عدم خطف السلفيين والإخوان المسلمين للأرض المصرية بصورة نهائية.

وعندما نعود إلى تساؤلنا هل تنتهي السلفية، وهو سؤال مشروع، لأن بعض الأحداث يشير إلى أنه سيتم دفن المشروع الوهّابي في طيّات الكتب، ففي مصر وبعد ثورة كانون الثاني|يناير 2011  ظهر السلفيون من جحورهم، وكان يوم 18 شباط|فبراير 2011 أي بعد تنحّي حسني مبارك عن الحكم بأسبوع واحد فقط، عقد السلفيون مؤتمراً لم تشهده مصر في تاريخها في مدينة المنصورة وفي أشهر وأكبر ميادينها، حضره كل شيوخ الوهّابية والإخوانية في مصر، محمّد حسّان ومحمّد يعقوب وحازم شومان وخيرت الشاطر ومعهم الشيخ السعودي محمّد العريفي، وهو اليوم الذي بكيت أنا فيه بصورة شخصية على حال الوطن إذا وصل الإسلام السياسي للحكم، خاصة عندما كسروا رأس تمثال الدكتور طه حسين في مدينة المنيا، ووضعوا نقاباً على وجه تمثال السيّدة أم كلثوم في المنصورة، استغل السلفيون الفرصة لركوب أمواج الثورة المُتلاطِمة، فتحالفوا مع الإخوان المسلمين، وهم الذين قاموا يوم 15 حزيران|يونيو 2013 بدعوة الرئيس الإخواني محمّد مرسي إلى إرسال جيش لمحاربة الدولة السورية، وقام الشيخ الوهّابي محمّد عبد المقصود بلعن الشيعة، ومعه الشيخ محمّد حسّان وحثّ الرئاسة على التدخّل في الشأن السوري، وهو أمر رفضه الأزهر، وتم تصحيح المسار، وعاد الأزهر لتنفيذ تطبيق إعلان مبادئه، التي أعلنها في العام 2012.

ومنذ العام 2014 بدأ التيار السلفي يتوارى قليلاً قليلاً، ولكنه لم يختف من الوجود، فالفكر الذي ظل أكثر من ثلث قرن ينتشر، لن يختفي بين يوم وليلة، فلا يكون الأزهر وحيداً في المواجهة، في التصدّي له، وأن يشترك المثقفون، وعلى أن تكون مكتبة الإسكندرية نبراساً للتنوير الفكري والديني، ولذلك تحاول الدولة في مصر كبت التيار السلفي، وعدم اللجوء معهم للعنف لأن أي سلفي يُعتبر مشروعاً لإرهابي.

قامت الدولة برئاسة الأزهر بضم كل المساجد السلفية والإخوانية لوزارة الأوقاف للإشراف عليها مادياً وثقافياً،، وتم منع خطباء الوهّابية من الصعود إلى المنابر، كما تم إغلاق القنوات الفضائية السلفية، ومصادرة كتب الشيوخ من المساجد، ومنعهم من المشاركة في معرض الكتاب السنوي.

والأهم من كل ذلك هو وصول وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان لأعلى منصب في الحُكم السعودي، ومع اختلافنا الجذري في كل قراراته السياسية، إلا أن حملته على الفكر الوهّابي، قلّصت كثيراً من الأموال التي كانت تُرسل للشيوخ الوهّابيين في كل العالم ومنها مصر، كما أن كبار شيوخ السلفية في الأراضي السعودية خضعوا لرؤية وليّ العهد، لم يعترض أحد منهم على قيادة المرأة للسيارات أو إقامة الحفلات الموسيقية أوتقليص دور الشرطة الدينية المُتمثل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فصارت بلا سلطة.

هذا كله جعل السلفيين في العالم يبكون حزناً على انحسار السلفية وتدمير دورها، لأن ظهرهم صار مكشوفاً، بلا سند مالي، ولا دعم ديني، ولا مسجد يشرفون ويبثّون فكرهم من خلاله، وجاء إعلان مكتبة الإسكندرية ليوجّه لطمة جديدة للفكر الإقصائي، ونعتبر البداية الحقيقة لانحسار الموجة الوهّابية ربما بدأت بالأزهر وثُنّت بالمكتبة، فربما تنجح الخطة، ليس في القضاء المُبرَم على السلفية، ولكن على الأقل لتجعلها مدوّنة في الكتب التراثية المختلفة، التي جمعت الغثّ والسمين، والموضوع والصحيح، وذلك بعد تنقية تلك الكتب، وهو أمر عسير صعب، ولكنه ليس أبداً بمستحيل...

علي أبو الخير

قراءة 1917 مرة