بعد أن تتبين لنا خصائص وشروط تفسير القرآن الكريم وبيان الدور الأساسيّ للقرآن نفسه وكذلك العقل وسنّة المعصومين (عليهم السلام) في تفسير القرآن، سيتّضح بشكل أكبر مدىٰ الأضرار والخسائر الناتجة من إبعاد المعصومين(عليهم السلام).
فالعترة الطاهرة هم الأفراد الكُمّل وخلفاء الله التامّون ومن لهم الإحاطة الكاملة بالأضلاع الثلاثة لمثلّث الدين وهي: القرآن والسُنّة والعقل البرهانيّ.
ولو كانت المرجعيّة والقيادة العلميّة والعمليّة للاُمّة الإسلاميّة بيد اُولئك الأنوار ولم يُغصب منهم مثل هذا المقام، لكانوا يقدّمون الىٰ المجتمع البشريّ كل تلك المصادر الثلاثة الغنيّة والقويّة وفق منهج كامل وتام، وذلك لأنّ اُولئك الذوات القدسيّة من جهة تفسير القرآن بالقرآن كرسول الله(صلى الله عليه وآله) يرون انّ آيات القرآن المجيد يُصدّق بعضها بعضاً، وناطقة وشاهدة علىٰ بعضها، ولذلك كانوا يستدلّون استدلالاً تامّاً بالأقوال المفسِّرة والشهادة المبيّنة والتأييد والتعيين المصدّق للآيات بعضها في مقابل البعض الآخر، ومن جهة اُخرىٰ فإنَّ سُنّتهم الّتي هي لديهم أعلىٰ درجة وأشدّ وضوحاً من الآخرين: «أهل البيت أدرىٰ بما فيه» تكون محلاً للإستشهاد والإستعانة بها في التفسير، ومن جهة ثالثة فإنَّ اولئك الأنوار هم ورثة الأنبياء(عليهم السلام) حقّاً وصدقاً، ولهم في إثارة دفائن العقول حظّ وافر، ولذلك فهم أساس إثارة وتفتّح العقل البرهاني، كما أشار أمير المؤمنين(عليه السلام) بشكل اجماليّ إلىٰ هذا المعنىٰ بقوله: «فبادروا العلم من قبل تصويح نبته ومن قبل أن تُشغلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله»[1] أي بادروا للتعلّم قبل أن تذبل نبتة العلم وقبل أن تبتلوا بما يبعدكم عن معادن العلم ومحال إثارة الفكر وتفتّحه. وخلاصة القول هي انّ الخسارة الّتي أصابت عالم البشريّة ولاسيّما الاُمّة الإسلاميّة بسبب إبعاد الأفراد الكمّل المعصومين هي غير قابلة للحصر، لأنّ اُولئك الأنوار كانوا جامعين لمصادر الدّين الثلاثة، وأمّا الآخرون فلم يكونوا جامعين في مجال معرفة المصادر، ولو فرض انّهم استطاعوا أن يجمعوا العلم بها فإنّ جمعهم غير سالم بل هو حتماً جمع تكسير أو محتمل الكسر.
* آية الله الشيخ جوادي آملي - بتصرّف
[1] . نهج البلاغة، الخطبة 105، المقطع 12.