الصّوم.. صنع إنسان الله

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الصّوم.. صنع إنسان الله

الصّوم، بكلّ ما يعنيه، فرصة مهمّة لتحول كبير على مستوى روح الإنسان وأخلاقيّاته، في تفاعله وتعاطيه مع كلّ ما يدور حوله، بما ينسجم مع إرادة الله في أن يكون الصّيام له الأثر العميق والطيّب على الفرد والجماعة، وليس مجرد صوم ظاهريّ بلا هذا الأثر.

هذا التحول لا بدّ وأن ينطلق من تحديد الصّائم لغايته من صومه والهدف منه، فكلّما عرف أهمية هذا الهدف، انطلق بهمة ومسؤولية من أجل بلوغه، وهذا الهدف الجليل، هو أن تعيد العبادة صنع إنسان الله، بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى. فمن هو إنسان الله الّذي يستحقّ ضيافة الله ورحمته ويكون أهلاً لأداء فرائضه؟

هو الإنسان الذي يضبط أعصابه وانفعالاته، ويكون منسجماً مع نفسه وأخلاقيّاته، فلا ينفعل، ولا يضايق الآخرين بكلامه وتصرّفاته، بل يكون بغاية اللطف والخلق الحسن مع الناس جميعاً، كبيرهم وصغيرهم، وهو صاحب القلب الذي يعمل على تنقيته دوماً من الغلّ والأحقاد والحسد، ويجعله مركزاً للمحبة والرحمة والحنان والمودّة لأهله وأسرته وجيرانه ورفاقه، بحيث يستحقّ هذا القلب أن تتنزّل عليه ألطاف الله ورحمته وبركاته، إذ يعيش تقوى الله بقلبه، فلا شيء سوى الله فيه. فإنسان الله هو التقيّ صاحب القلب النّظيف والطّاهر الذي يحمل مشاعر الخير والرّحمة للجميع، والّذي يسعى لنشر هذه المشاعر.

إنه الإنسان صاحب الإرادة القوية في التوبة والعودة الطّوعية إلى الله عن قناعة ووعي، فهو قد راجع نفسه وحاسبها وراقبها، وعزم على إصلاحها من خلال التوبة النّصوح إلى الله، مستفيداً من أجواء الصّيام الروحانية والإيمانية، بما تعكسه من أوقات صادقة تحفِّز العبد على التخلّي عن ذنوبه، ومراجعة ضميره، واتخاذ القرار الذي يوافق إنسانيته وهدفه في العودة إلى الحق تعالى والقرب منه.

وعندما يتوب العبد إلى ربه، يجد الله فاتحاً له أبواب كرمه وفضله ورحمته، فينعم بقبول الله له، ويجعل منه إنساناً راقياً وصالحاً، ممارساً للخير، رافضا للظلم والعدوان، مخلصاً لله على أفضل هيئة معنوية، وفي أروع صورة من صور إبراز الفطرة السّليمة المتوجّهة إلى الله تعالى.

لقد كتب الله علينا الصيام فريضةً، كي نعيد صناعة شخصياتنا كمجتمع إيماني ورسالي مسؤول عن الناس والحياة، بكلّ نفوس زكيّة، وعقول واعية، ومشاعر طيبة. وزمن الصوم هو زمن مقدّس، خصه تعالى بمزيد من الكرامة التي جعلها محطةً محورية تلتقي حولها كلّ المعاني الجليلة التي تصنع إنسان الله، في حمله للإمانة في إعمار الحياة بما ينفعها؛ إنه الزمان الذي نزل فيه القرآن وليلة القدر؛ فهل نحن بمستوى أن نكون من أهل القرآن والإيمان والتقوى؟

علينا أن نتنازل عن أنانيّاتنا وعصبيّاتنا وحساباتنا الضيّقة، ونتعرّف إلى ما في هذا الشّهر من أوقات تعيدنا إلى أنفسنا وربّنا، ونتحسَّس فيها مسؤوليّاتنا في إيجاد أنفس سوية خلوقة تقية تليق بعبادة الله وطاعته، هذه الطاعة التي تشعرنا بالغنى والعزّة والكرامة.

الطريق أمامنا مفتوح كي نعود إلى الله ونهتدي بهديه، ونستفيد من الصّوم في تهذيب نفوسنا ومشاعرنا، حتى نكون في موقع استحقاق إنسان الله في كلّ أبعاده وصوره…

قراءة 1428 مرة