إنَّ واجبنا ووظيفتنا كمسلمين، في جميع العصور والأزمنة اتجاه القرآن حسب ما يستفاد من أحاديث النبي (ص) وأهل بيته (عليهم السلام) هو:
أوَّلاً: تعلّم وتعليم القرآن: قراءة، ترتيلاً، وحفظاً.
ثانياً: تلاوة القرآن الكريم والتدبر في آياته.
ثالثاً: التفقه في القرآن والعمل بأحكامه.
وإليك بيان وتوضيح هذه الموارد الثلاثة باختصار:
أولاً: تعلّم القرآن وتعليمه: القراءة، الترتيل، الحفظ:
إنَّ لطلب العلم وبالأخص العلوم الإلهية ومنها علوم القرآن خاصَّة في الإسلام، ولطلاب تلك العلوم درجة رفيعة تساوي درجة الشهداء، بل هي أفضل كما ورد في الحديث الشريف: «إذا كان يوم القيامة وزن مداد العلماء بدماء الشهداء فيرجَّح مداد العلماء على دماء الشهداء»[1].
ثم إنَّ من أهمِّ تلك العلوم التي ينبغي على كل مسلم أن يتعلَّمها ويعلمها غيره هي العلوم القرآنية من القراءة والترتيل والتفسير، لأنَّها أشرف العلوم وأفضلها وأكملها وأنفعها للمسلمين، ولذا جاءت الروايات لتؤكّد هذا المعنى وتحثّ المسلمين على ضرورة تعلم القرآن وتعليمه للآخرين قراءة وترتيلاً وحفظاً، فعن رسول الله (ص): «خياركم من تعلّم القرآن وعلّمه»[2]، وعنه (ص): «من علَّم ولده القرآن فكأنَّما حجَّ بيت الله عشرة آلاف حجة واعتمر عشرة آلاف عمرة وأعتق عشرة آلاف رقبة من ولد إسماعيل»[3]، وعن الإمام علي (عليه السلام): «ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلم القرآن أو يكون في تعلُّمه»[4].
ثانياً: تلاوة القرآن والتَّدبُّر في آياته:
هناك آيات عديدة وأخبار كثيرة في فضل قراءة القرآن وتلاوته وآثارها المعنوية والروحية وفوائدها الدنيوية والأخروية، فعن رسول الله (ص): « أفضل العبادة قراءة القرآن»[5] وعنه (ص): «إنَّ القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: فما جلاؤها قال (ص): ذكر الموت وتلاوة القرآن»[6]، ويقول (ص) لسلمان (رضي الله عنه): «يا سلمان عليك بقراءة القرآن، فإنَّ قراءته كفّارة للذنوب، وستر من النار، وأمان من العذاب ...، يا سلمان إنَّ المؤمن إذا قرأ القرآن فتح الله عليه أبواب الرحمة، وخلق الله بكل حرف يخرج من فمه ملكا يسبّح له إلى يوم القيامة، وإنَّه ليس شيء بعد تعلّم العلم أحب إلى الله من قراءة القرآن، وإنَّ أكرم العباد على الله بعد الأنبياء العلماء، ثم حملة القرآن، يخرجون من الدنيا كما يخرج الأنبياء، ويحشرون في قبورهم مع الأنبياء، ويمرّون على الصراط مع الأنبياء، ويأخذون ثواب الأنبياء، فطوبى لطالب العلم وحامل القرآن ممَّا لهم عند الله من الكرامة والشرف»[7].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصاياه لابنه محمد بن الحنفية قال: «وعليك بتلاوة القرآن والعمل به ولزوم فرائضه وشرائعه وحلاله وحرامه وأمره ونهيه والتَّهجد به وتلاوته في ليلك ونهارك، فإنَّه عهد من الله تعالى إلى خلقه، وواجب على كل مسلم أن ينظر كل يوم في عهده ولو خمسين آية، ودرجات الجنة على قدر آيات القرآن فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، فلا يكون في الجنة بعد النبيين والصديقين أرفع درجة منه»[8]، وعنه (عليه السلام): «البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض»[9].
وفي شهر رمضان أجر التلاوة فيه يتضاعف كما جاء في خطبة الرسول الأعظم (ص) في استقبال شهر رمضان المبارك: «ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور ...».
الآداب الظاهرية لتلاوة القرآن:
إنَّ رعاية الطهارة والوضوء من قبل قاریء القرآن من الآداب المهمَّة للتلاوة، بل تجب إذا كانت تستلزم مسّ كتابة القرآن الكريم حيث يقول تعالی: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾[10]. وإنَّ استقبال القِبلة والطمأنينة والسِّواك والطيب وارتداء الملابس النظيفة والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم قبل القراءة، وتلاوة القرآن في المصحف بصوت حَسَن، وترتيله[11] من المستحبات المؤكدَّة التي تدلّ علی احترام القرآن وتعظيم شأنه من قبل القاریء الكريم.
الآداب الباطنية لتلاوة القرآن:
أ- الخضوع والخشوع والحزن عند القراءة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من قرأ القرآن ولم يخضع له ولم يرق قلبه ولم يكتسِ حزناً ووجلاً في سرّه فقد استهان بعظيم شأن الله تعالى»[12].
ب- التدَّبر في معاني القرآن والتَّأثُّر به: قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ﴾[13] وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)قال: «لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبُّر فيها»[14]، وإذا لم يتمكن القارئ من التَّدبر إلاَّ بالترديد فليردِّد قراءة الآيات، وإن كان هذا لا يفتى بجوازه بعض الفقهاء في صلوات الفريضة، ففي إحياء علوم الدين[15] عن أبي ذر (رض) قال: « قام بنا رسول الله (ص) فقام ليلة بآية يرددها: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[16].
ومن الآداب الباطنية لتلاوة القرآن أن يتأثَّر القارئ للقرآن بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فعند وصف النار والوعيد بها وتقييد المغفرة بالشروط يحزن ويخاف كأنَّه يكاد يموت وعند وصف الجنة والوعد بها يستبشر كأنَّه يطير من الفرح، كما جاء في خطبة همام لأمير المؤمنين (عليه السلام) التي يصف بها المتقين بقوله: « وأمَّا الليل فصافُّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن، يُرتِّلونها ترتيلاً، يحزّنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرُّوا بآية فيها تشويق ركَنوا إليها طمعاً وتطلَّعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنُّوا أنَّها نصب أعينهم، وإذا مرُّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنّوا أنّ زفير جهنم وشهيقها في أصول أذانهم ... »[17].
إذن لا بدَّ لقارئ القرآن أن يستجلب هذه الأحوال إلى القلب، بتلاوة القرآن حق تلاوته بأن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظّ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل وحظّ العقل التدَّبر فيه وحظ القلب الاتعاظ والتأثر.
قال الراغب في كتاب «المفردات» في مادة: تلاوة: قوله: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾[18]، اتِّباع القرآن بالعلم والعمل، وهذا يعني أنّ للتلاوة مفهوماً أعلى من مفهوم القراءة، فهي مقرونة بنوع من التَّدبُّر والتَّفكر والعمل.
ثالثاً: التَّفقه في القرآن والعمل بأحكامه:
ينبغي التَّفقه في آيات القرآن والتَّعرف على أحكامه من خلال مراجعة كتب التفاسير، لأنَّ القرآن أصل إيمان المسلم ومنبع دينه وأساس فكره وعقيدته وأخلاقه وأحكام شريعته وعلاقاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإنَّه مقياس ومعيار لكل شيء، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «تعلّموا القرآن فإنَّه أحسن الحديث، وتفقّهوا فيه فإنه ربيع القلوب واستعينوا بنوره فإنَّه شفاء الصدور»[19].
ثم بعد التفقّه في القرآن يجب العمل به، لأنَّ القرآن إنَّما نزل لكي يتدبّر في آياته ويعمل بأحكامه، وقد أكَّد الإمام علي (عليه السلام) عليه في وصيته بقوله: «... الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم ...»[20]، ولم يقل الإمام لا يسبقكم بتلاوته أو حفظه غيركم، بل أكَّد على العمل، فإنَّ الهدف الحقيقي من نزول القرآن ليس التلاوة والقراءة والحفظ فحسب، بل العمل بمنهجه، والسير على نوره، ومن هنا نجد سيرة أهل البيت (عليهم السلام) هي الترجمة الحقيقية، والتفسير العملي والسليم للقرآن الكريم.
* ثلاثون ليلة على مائدة القرآن
[1] بحار الأنوار: 2: 16، ح 35.
[2] بحار الأنوار: 92: 186، ح 2.
[3] بحار الأنوار: 92، 188، ح12.
[4] أصول الكافي: 2، 607.
[5] أصول الكافي، 2، 598، كتاب فضل القرآن.
[6] كنز العمال: 1، 545.
[7] بحار الأنوار: 92، 18.
[8] من لا يحضره الفقيه: 2، 383.
[9] أصول الكافي:2، 610.
[10] سورة الواقعة: 79.
[11] الترتيل هو حفظ الوقوف وبيان الحروف.
[12] بحار الأنوار:85، 43، ح30.
[13] سورة محمد: 24.
[14] تحف العقول: 144.
[15] إحياء علوم الدين: 1، 349.
[16] سورة المائدة: 18.
[17] نهج البلاغة: من خطبة المتقين.
[18] سورة البقرة: 121.
[19] نهج البلاغة خطبة: 110.
[20] بحار الأنوار: 92، 185.