عَنْ الإمامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادقِ عليه السلام قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ الْفَقِيرَ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ ارْزُقْنِي حَتَّى أَفْعَلَ كَذَا وكَذَا مِنَ الْبِرِّ ووُجُوهِ الْخَيْرِ. فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ ذَلِكَ مِنْه بِصِدْقِ نِيَّةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَا يَكْتُبُ لَه لَوْ عَمِلَه إِنَّ اللَّه وَاسِعٌ كَرِيمٌ».
من مظاهرِ سعةِ الرحمةِ الإلهيّةِ ما كتبَه اللهُ عزَّ وجلَّ من ثوابٍ على نيّةِ الخيرِ لصاحبِها، فالعملُ وإنْ كان مطلوباً ومهماً ولكن لو امتلك الإنسانُ النيّةَ الصادقةَ وعجزَ عن العملِ لسببٍ من الأسبابِ فإنَّ اللهَ سوف يكتبُ له الأجرَ يومَ القيامةِ على هذه النيّةِ، ووردَ في حديثٍ آخرَ عن الإمامِ الصادقِعليه السلام: «إنّ العبدَ لينوي من نهارِه أنْ يُصلّيَ بالليلِ فتغلبُه عينُه فينام، فيُثبتُ اللهُ له صلاتَه، ويكتبُ نَفَسَه تسبيحاً، ويجعلُ نومَه عليه صدقةً».
وهذه النيّةُ الصادقةُ للقيامِ بعملِ الخيرِ إنْ واظبَ عليها الإنسانُ أورثتهُ الجنّةَ، فعن أميرِ المؤمنين عليه السلام - في حديثٍ - قال: «إنّ اللهَ بكرمهِ وفضلهِ يُدخِلُ العبدَ بصدقِ النيّةِ والسريرةِ الصالحةِ الجنّةَ».
ومن الأمنياتِ التي يسعى إليها الإنسانُ المؤمنُ ولا سيّما من يكونُ مع أهلِ الجهادِ والقتالِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنْ يُكتَبَ له التوفيقُ للشهادةِ في سبيلِ اللهِ، فمنْ تكونُ نيّتُه صادقةٌ في طلبِها، ولكنّه لم ينلْها كُتِبتْ له، فقد وردَ في الرواياتْ أنّ صاحبَ النيّةِ الصادقةِ في ذلك يُكتَبُ له درجتُها عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ففي الروايةِ عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «منْ سألَ اللهَ الشهادةَ بصدقٍ بلَّغَه اللهُ منازلَ الشهداءِ وإنْ ماتَ على فراشِه».
وفي روايةٍ أخرى عن الإمامِ الصادقِ عليه السلام تفصيلُ ذلك لدى الإنسانِ المؤمنِ، يقولعليه السلام : «إنَّ المؤمنَ ليهمُّ بالحسنةِ ولا يعملُ بها فتُكتبُ له حسنةً، وإنْ هو عمِلَها كُتبتْ له عشرَ حسناتٍ، وإنّ المؤمنَ ليهمُّ بالسيّئةِ أنْ يعملَها فلا يعملُها فلا تُكتبُ عليه».
نعم لا بدَّ من التفرقةِ بين القولِ وبين النيّةِ، فمِنَ الناسِ من يصدرُ منه هذا الكلامُ ولكنّه لا يمتلكُ النيّةَ الصادقةَ في ذلك ولذا لا يُقبلُ منه قولُه ما لم يُلحِقْه بالعملِ بهذا القولِ، ولذا وردَ عن رسولِ الله صلّى الله عليه وآله: «لا قولَ إلا بعملٍ».
كما إنّ من مظاهرِ الرحمةِ الإلهيّةِ أنْ لا يُكتبَ للإنسانِ نيّةُ الشرِّ إذا لم تقترنْ بالعملِ، بل إنّ نيّةَ الشرِّ إذا رجِعَ عنها الإنسانُ وتركَها كتبَ اللهُ عزَّ وجلَّ له حسنةً بذلك، فقد روي عن أبي عبدِ اللهِ الصادقِ عليه السلام قالَ: «من همَّ بحسنةٍ فلم يعملْها كُتِبتْ له حسنةً، فإنْ عمِلَها كُتِبتْ له عشراً، ويُضاعفُ اللهُ لمن يشاءُ إلى سبعمائةٍ، ومن همَّ بسيّئةٍ فلم يعملْها لم تُكتبْ عليه حتى يعملَها، فإنْ لم يعملْها كُتبتْ له حسنةً، وإنْ عمِلَها أُجِّلَ تسعَ ساعاتٍ، فإنْ تابَ وندِمَ عليها لم يُكتبْ عليه، وإن لم يتبْ ولم يندمْ عليها كُتبتْ عليه سيّئةً».
النيّة الصّادقة
نشرت في
آراء و مقالات دينية