يعتبر الجار من ضمن الدائرة المكانية القريبة المشمولة بالرعاية الاجتماعية، فالاهتمام بالجار بمثابة الحجر في بناء قاعدة صلبة للتكافل الاجتماعي، من هنا يدرج القرآن الجار ضمن قائمة الفئات القريبة المطلوب أن يُحسن إليها، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)[1]. ويلاحظ هنا أن القرآن قد أشار إلى صنفين من أصناف الجار، وهما: الجار ذو القربى والجار الجُنُب، ومعناهما: الجار القريب في النسب، والجار الأجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة[2].
وهنا تجد أن القرآن يأمر بالإحسان للوالدين ثم للأقارب والأرحام، ثم اليتامى والمساكين، ولو أنهم أبعد مكاناً من الجار، لأن اليتيم فقد الناصر والمعين، ولأن المسكين وهو ـ هنا ـ الضعيف العاجز عن الكسب لا ينتظم حال المجتمع إلاّ بالعناية به. ثم تصل النوبة إلى الجار سواءً القريب منه (الجار ذو القُربى) أو البعيد (الجار الجُنُب) ولكن تنطبق عليه صفة / الجار من الناحية المكانية. ولا ينحصر الإحسان بإعطاء المال، بل يشمل الرّفق به والتواضع معه، والسعي في قضاء حوائجه، وتقديم النصح والمشورة له، وكتمان سره، وغض الطرف عن عثراته وعوراته، وعدم إشاعة السيئات عنه، وإعارته أدوات المنزل وما إلى ذلك، وعلى أية حال، فإن الأمر بالإحسان إلى هؤلاء ندب لافرض.
وتتبدى أهمية الجوار في دعوات الرسول (صلى الله عليه وآله) الملحّة والمتكررة الداعية إلى التعاطف والتكافل مع الجيران وإسداء العون والمساعدة لهم واعتباره ذلك من ضمن لوازم الإيمان، قال صلى(صلى الله عليه وآله): «ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره المسلم جائع، وقال: وما من أهل قرية يبيت فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة»[3] وورد الخبر من طريق آخر عن أمير المؤمنين (ع)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتفصيل أكثر، وفيه: «ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره جائع، فقلنا: هلكنا يا رسول الله، فقال (صلى الله عليه وآله): من فضل طعامكم، ومن فضل تمركم وورقكم وخلقكم وخرقكم، تطفئون بها غضب الربّ»[4].
وروى عن علي بن الحسين (ع)، قال: «من بات شبعان وبحضرته مؤمن طاوٍ، قال الله عز وجل: ملائكتي، أشهدكم على هذا العبد، أنني أمرته فعصاني، وأطاع غيري، وكلته إلى عامله، وعزتي وجلالي لا غفرت له أبدا»[5].
فهذه الروايات بطرقها المتعددة وألفاظها المختلفة تصرح بصورة واضحة بضرورة التكافل مع الجيران وخاصة الشق المادي منه، أما التكافل المعنوي معهم فقد أشار الرسول (صلى الله عليه وآله) إليه في معرض كلامه عن الحقوق المترتّبة للجار، قال (صلى الله عليه وآله): «إن استغاثك أغثته، وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت إليه، وإن أصابته مصيبة عزّيته، وإن أصابه خير هنّأته، وإن مرض عدته، وإن مات اتبعت جنازته... ولا تؤذه بريح قدرك إلاّ أن تغرف له منها»[6].
ضمن هذا السياق حذّر الرسول (صلى الله عليه وآله) أشدّ التحذير من التقصير في حق الجار، وكشف عن العواقب السلبية لمن أساء لجيرانه أو قصّر في التكافل معهم، قال (صلى الله عليه وآله): «من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيامة، ووكله إلى نفسه، ومن وكله إلى نفسه فما أسوأ حاله»[7].
وكان أهل البيت: يسيرون على نهج الرسول (صلى الله عليه وآله)ويقتدون به، فكانوا يحثون أتباعهم على البّر بالجار، ويعملون على إشاعة روح التعاون مع الجيران، قال أمير المؤمنين (ع): «من حُسن الجوار تفقُّد الجار»[8].
تمعّن في هذا الدّعاء من أدعية الصحيفة السجادية، الذي يقدم لنا رؤية تكافلية كاملة (أدبية ومادية): «اللّهُمَّ تولّني في جيراني بإقامة سُنتَّك، والأخذ بمحاسن أدبك في إرفاق ضعيفهم، وسدَّ خَلتَّهم، وتعهد قادمهم، وعيادة مريضهم، وهداية مسترشدهم، وكتمان أسرارهم، وستر عوراتهم، ونصرة مظلومهم، وحُسن مواساتهم بالماعون، والعود عليهم بالجدَة والإفضال، وإعطاء ما يجبُ لهم قبل السؤال والجود بالنوال يا أرحم الراحمين»[9].
التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
[1] سورة النساء: 4 / 36.
[2] مجمع البيان في تفسير القرآن 2: 98، منشورات دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
[3] اُصول الكافي 2: 668 / 14 باب حقّ الجوار من كتاب العشرة.
[4] وسائل الشيعة 17: 209 / 1 باب (49) ما ينبغي للوالي العمل به في نفسه، تحقيق مؤسسة آل البيت: ، ط 2.
[5] عوالي اللآلي / الأحسائي 1: 344 / 121.
[6] مسكن الفؤاد / الشهيد الثاني: 105، مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، ط 1.
[7] أمالي الصدوق: 515، المجلس (66).
[8] تحف العقول: 85.
[9] الصحيفة السجادية الكاملة : 132 دعاء 26 ، نشر وتحقيق مؤسسة الإمام المهدي عليهالسلام ، ط 1.