تعريف المعاد:
المعاد في اللغة يقال للعود وللزمان الذي يعود فيه([1]).
وإصطلاحاً الوجود الثاني للأجسام وإعادتها بعد موتها وتفرقها([2]).
طبيعة المعاد:
هناك حالتان للمعاد:
الأولى: إعادة الجسم والروح وتكون في موضعين:
الأول: القبر: فقد ورد في الحديث عن الصادق (عليه السلام): ويدخل عليه في قبره ملكا القبر وهما قعيدا القبر منكر ونكير فيلقيان فيه الروح إلى حقويه فيقعدانه ويسألانه فيقولان له: من ربك و... إلخ([3]).
ويقول الإمام علي (عليه السلام): حتى إذا إنصرف المشيع ورجع المتفجع أقعد في حفرته نجياً لنهبة السؤال وعثرة الإمتحان([4]).
الثاني: البعث العام: قال تعالى: (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون). يس / 15
الثانية: إعادة الروح دون الجسم في البرزخ:
عن الصادق (عليه السلام): إن الأرواح في صفة الأجسام في شجر من الجنّة تتعارف وتتساءل الروح فإذا أقدمت الروح على الأرواح تقول: فإنها قد أقبلت من هول عظيم ثم يسألونها ما فعل فلان؟ فإن قالت لهم: تركته حياً إرتجوه، وإن قالت لهم: قد هلك، قالوا: قد هوى هوى([5]).
الإنسان جسم وروح:
يحسن بنا أن نتعرف على طبيعة الإنسان وعلى ما يتركب منه لإرتباط هذا الموضوع ببحثنا، ان الإنسان مخلوق مركب من عنصرين وهما: الجسم والذي يضم الأعضاء المادية الظاهرة والباطنة، والروح التي تمثل الجانب غير المرئي والذي به حياة الإنسان وهو الفارق بين الحي والميت وقد إستدل على إزدواجية الإنسان من الجسم والروح بجملة من الأدلة، نذكر منها:
1 ـ الدليل العقلي: إن جميع الحالات النفسية كالتفكير والإرادة والحب والكره وغيرها لا تملك الخاصة الأصلية للمادة أي الطول والعرض والقابلية على الإنقسام، لذلك لا يمكن إعتبار هذه الأمور غير المادية من أعراض المادة البدن، فلابد أن يكون موضوع هذه الأعراض جوهراً غير مادي وهو الروح([6]).
2 ـ الدليل الشرعي: والنصوص الشرعية تؤكد على أن الروح أو النفس غير البدن وأنها تنفصل عنه عند الوفاة وتعود إليه عند البعث يوم القيامة.
قال تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها). الزمر / 42، وقال: (ونفخ في صور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون). يس / 51
الأدلة على إمكان المعاد:
أ ـ الدليل العقلي([7]): وملخصه أن أجزاء الميت قابلة للجمع وإفاضة الحياة عليها وإلاّ لما إتصف بها من قبلُ والله تعالى عالم بأجزاء الميت لأنه عالم بكل المعلومات وقادر على كل الممكنات فثبت أن إحياء الأجسام ممكن.
2 ـ الدليل النقلي: قال تعالى: (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم). يس / 78 ـ 79
ويقول الإمام علي (عليه السلام): وعجبت لمن أنكر النشأة الأخرى، وهو يرى النشأة الأولى([8]).
ضرورة المعاد([9]):
إن إحياء الناس بعد موتهم من الأمور الضرورية وذلك:
أ ـ لأن الله كلفهم في هذه الحياة الدنيا، وكانوا أمام التكاليف بين مطيع وعاصى ولم ينالوا العوض في هذه الدنيا، فيقتضي بموجب العدل الإلهي وجود حياة ثانية تكون محلاً للعوض والجزاء، وبخلافه تكون التكاليف عبثاً وهو ما يتنزه عن الله عقلاً.
ب ـ إن الله وعد المطيعين بالجنّة كما أوعد العاصين بالنار في حياة ثانية ولابد أن يفي بوعده ووعيده، قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم). لقمان / 8، وقال: (ومن يعصِ الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها). النساء / 14
بين الدنيا والآخرة:
أ ـ مفهوم الدنيا في الإسلام: وتطلق على هذه الحياة وما تحفل به من خيرات وزينة بسمائها وأرضها وأهلها، وقد خلقها الله تعالى من أجل الإمتحان عن طريق التكاليف الشرعية التي عرضها بواسطة أنبيائه وأوصيائهم، وعلى الإنسان أن يستثمر فرص هذه الحياة بما فيه معرفة الله وعبادته حتى يحقق الكمال المنشود، وأن يحذر من عبودية هذه الحياة وجعلها هي الغاية كما عليه أن يحذر من الإهتمام بالدنيا على حساب الآخرة، قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً). الملك / 2، وقال: (وابتغِ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا). القصص / 77، ويقول الإمام علي (عليه السلام)إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن إتعظ بها، مسجد أحباء الله ومهبط وحي الله ومتجر أولياء الله إكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنّة([10]).
ب ـ مفهوم الآخرة في الإسلام: والآخرة هي الحياة الثانية وتمثل مكان الجزاء والإثابة على نتائج الإمتحان الإلهي في الدنيا، والناس فيها فريقان: فريق يحظى بالنعيم الدائم لأنه فاز بالعمل الصالح في الدنيا وذلك بطاعته لله تعالى، وفريق يبوء بالنار وعذابها الشديد لأنه إتبع الشهوات وجعل من الدنيا همّه ومعبوده، وقد آثرها على الآخرة، قال تعالى: (فأمّا من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى). النازعات / 38
ج ـ مقارنة بين عالم الدنيا وعالم الآخرة([11]):
وتتلخص بالنقاط الآتية:
1 ـ الثبات والتغير: في هذا العالم توجد الحركة والتغيير، فالطفل يصبح شاباً ويكمل ثم يصل إلى الشيخوخة ثم يضمه الموت ويصبح الجديد قديماً والقديم يفنى، أمّا العالم الآخر فلا شيخوخة فيه ولا قدم ولا موت، ذلك عالم البقاء وهذا عالم الفناء، ذلك هو منزل الثبات والإستقرار وهذا منزل الزوال والإضطراب، قال تعالى: (بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها). الحديد / 12، وقال: (قيل إدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها). الزمر ./ 72
2 ـ النعيم والعذاب: إن مسرات الدنيا ونعمها مشوبة ومختلطة بالمتاعب والمشاق فلا توجد جماعة تتمتع دائماً بالراحة والإستقرار بينما جماعة تعاني دائماً العذاب والهموم والأحزان أمّا عالم الآخرة فالناس فيه صنفان يتميز أحدهما عن الآخر أهل الجنّة وأهل النار، في أحدهما ليس إلاّ النعيم والراحة والملذات والقسم الآخر ليس فيه إلاّ العذاب والحسرات والآلام، قال تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم). الإنفطار / 13
3 ـ البذر والحصاد: فالدنيا دار للبذر والزراعة، أمّا الآخرة فهي دار للحصاد والإستفادة فلا يوجد في الآخرة عمل ومقدمة بل كل ما هناك هو محصول ونتيجة، تماماً مثل اليوم الذي تعلن فيه نتيجة الإمتحان للطلاب، يقول الإمام علي (عليه السلام): وإن اليوم عمل بلا حساب وغداً حساب بلا عمل([12]).
4 ـ المصير الخاص والمشترك: المصير في الدنيا مشترك إلى حد ما ولكن في الآخرة لكل مصيره المتميز، والمقصود من هذا كون الحياة في الدنيا إجتماعية، وفي الحياة الإجتماعية يكون الإرتباط والوحدة هو المتحكم، والأعمال الصالحة للأخيار تؤثر في سعادة الآخرين، وكذلك الأعمال الفاسدة لها تأثيرها في المجتمع.
وفي الدنيا اليابس والرطب كلاهما يحترقان أو كلاهما يصانان من الإحتراق، قال تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة). الأنفال / 25، أمّا العالم الآخر فليس كذلك لأنه يستحيل أن يكون لشخص سهم في عمل آخر، وليس هناك شخص لم تكن له يد في عمل ثم يستطيع أن يكسب منه فائدة فلا يوجد إنسان يتعذب بسبب ذنوب لم يشارك في إضرام نارها، قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى). الأنعام / 164
تأثير الإيمان بالمعاد على سلوك الإنسان([13]):
لا شك أن الإيمان بالمعاد فرع الإيمان بالله تعالى وعدله وأن هذا الإنسان بعد أن خلقه الله تعالى وكلّفه ثم وعده بمقابلة الطاعة بالنعيم وأوعده بمقابلة المعصية بالعذاب في حياة ثانية هذا الإنسان المعتقد بالمعاد سوف يؤثر على سلوكه من عدّة نواحي:
فعلى مستوى حياة الإنسان الفردية يهتم بالأعمال الفردية الصالحة ويتجنب الأعمال السيئة، ومن ناحية أخرى فإن المتاعب والخسائر التي يواجهها في حياته الدنيوية لا تمنعه من مواصلة جهوده في سبيل بلوغ السعادة الأبدية المتمثلة بنعيم الآخرة.
وعلى مستوى الحياة الإجتماعية يهتم الإنسان في رعاية حقوق الآخرين والإيثار من أجل المحتاجين والمحرومين وإذا سادت مثل هذه الروح في المجتمع أو المجتمعات تقل بشكل واضح الكثير من المشاكل.
مراحل ما بعد الحياة([14]):
والمراحل التي يمر بها الناس بعد هذه الحياة الدنيا هي:
مرحلة الموت:
والحديث هنا في عدّة نقاط:
الأولى: معنى الموت([15]): هو فقد الحياة وآثارها من الشعور والإرادة عما من شأنه أن يتصف بها، والموت بهذا المعنى إنما يتصف به الإنسان المركب من الروح والبدن.
الثانية: مراتب الموت: للموت مرتبتان:
أ ـ الموت في طاعة الله تعالى: سواء أكان الموت حتف الأنف وبشكل إعتيادي أو بسبب قاهر كالقتل دفاعاً عن الإسلام، وأكرم هذا الموت هو القتل في سبيل الله المسمى بالشهادة، يقول الإمام علي (عليه السلام): إن أكرم الموت القتل والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ من ميتة على الفراش في غير طاعة الله([16]).
ب ـ الموت في معصية الله تعالى: وهو أسوء الموت ويسمى بالموت على الجاهلية أو ميتة السوء، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية([17]).
الثالثة: بين الحياة والموت: يقول الإمام علي (عليه السلام): لا تمنوا الموت فإن هون المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد، ويرزقه الله الإنابة([18])، وورد في الدعاء عن الإمام السجاد (عليه السلام): واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والوفاة راحة لي من كل شر([19])، كما ورد في الدعاء: وقتلاً في سبيلك فوفق لنا([20])، وعلى ضوء هذه النصوص وغيرها يمكن القول:
أ ـ طلب المزيد من العمر وعدم تمنى الموت في حالتين:
الأولى: الإستزادة من العمل الصالح.
الثانية: التوبة من المعاصي.
ب ـ طلب الموت وكراهية الحياة في حالتين:
الأولى: لنيل درجة الشهادة.
الثانية: إذا كانت حياته مرتعاً للشيطان بسبب الإنحراف وحكومة الطاغوت ولم يكن له متسع في التخلص من هذه الحياة بالهجرة وغيرها.
الرابعة: من يتوفى الإنسان؟
الله سبحانه وتعالى يتوفى الأنفس بواسطة ملك الموت ومن معه من الملائكة وقد ورد ذلك في القرآن الكريم، قال تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها). الزمر / 42، وقال: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم). التنزيل / 11، وقال: (الذين تتوفاهم الملائكة). النحل / 28
الخامسة: الوصية:
ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): ما ينبغي لإمرىء مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيته تحت رأسه([21])، ولهذا يحسن بالإنسان أن يكتب وصيته لا سيما في الحالات التي يتوقع فيها الموت كما في كبر السن وفي السفر أو حالة الجهاد وكتابة الوصية مستحبة إلاّ في الحالات التالية فإنها واجبة:
أ ـ إذا كانت عليه حقوق لله تعالى مالية كالخمس أو غير مالية كالصلاة.
ب ـ إذا كانت عليه حقوق للناس.
ج ـ إذا ترك ما يحتاج إلى الرعاية كالأطفال.
وينبغي أن ندخل عنصراً آخر في وصايانا وهو النصح والتوجيه للأهل والأقارب والطلب من عامة المسلمين بضرورة العمل والتفاني من أجل الرسالة، كما كان يصنع الأنبياء والأوصياء والصالحين على طول التاريخ.
السادسة: حالة الإنسان عند الموت:
أ ـ موت المؤمن: ولندع النصوص تتحدث لنا عن ذلك، قال تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم إدخلوا الجنّة بما كنتم تعملون). النحل / 32، وعن النبي (صلى الله عليه وآله): أول ما يبشر به المؤمن روح وريحان وجنّة نعيم، وأول ما يبشر به المؤمن أن يقال له: أبشر ولي الله برضاه والجنة: قدمت خير مقدم، قد غفر الله لمن شيعك وإستجاب لمن إستغفر لك وقبل من شهد لك([22]).
ب ـ موت الكافر: ولنستمع إلى النصوص أيضاً، قال تعالى: (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم). محمد / 27، قيل الإمام الصادق (عليه السلام)صف لنا الموت، قال: للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعش بطيبه وينقطع التعب والألم كله عنده، وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب أو أشد([23]).
السابعة: كيفية الإستعداد للموت([24]):
قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): ما الإستعداد للموت؟ قال: أداء الفرائض وإجتناب المحارم والإشتمال على المكارم، ثم لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، والله لا يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت أم وقع الموت عليه.
الثامنة: لماذا الخوف من الموت([25])؟
هناك عدّة صور للخوف من الموت:
1 ـ الخوف من الموت لأن الإنسان يتصور الموت فناء وصيرورة ذاته عدماً، وهذا باطل لعلمنا بأن الموت إنتقال الروح من عالم إلى آخر.
2 ـ الخوف من الموت لتصور الألم الذي يرافقه ساعات الإحتضار، وهذا صحيح ولا يدفع إلاّ بالعمل الصالح.
3 ـ الخوف من الموت لصعوبة قطع علاقة الإنسان من الأولاد والأموال والمناصب والأحباب وهذه الأمور معرضة للفناء حتى لو خلد الإنسان.
4 ـ الخوف من الموت لتصور الإنسان تضييع أولاده وعياله أو مشاريعه المهمة وليس على الإنسان إلاّ أن يبذل ما يستطيع.
5 ـ الخوف من الموت لتصور ما يواجهه الإنسان بعده من الأهوال والحساب وهذا صحيح، ومنشؤه التعلق بالدنيا وإرتكاب الذنوب ولا يمكن دفعه إلاّ بالإستعداد لما بعد الموت، فقد سئل الإمام الحسن (عليه السلام) ما بالنا نكره الموت ولا نحبه؟ فقال: إنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب([26]).
التاسعة: لقاء الله تعالى([27]):
عن الصادق (عليه السلام) عن أحد أصحابه، قال: قلت له: أصلحك الله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه، قال: نعم، قلت: فوالله إنا لنكره الموت، فقال: ليس ذاك حيث تذهب، إنما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحب فليس شيء أحب إليه من أن يتقدم، والله يحب لقاءه وهو يحب لقاء الله حينئذ، وإذا رأى ما يكره فليس شيء أبغض إليه من لقاء الله عزوجل والله عزوجل يبغض لقاءه.
العاشرة: لماذا شرع الله الموت([28])؟
إن لتشريع الموت مجموعة من الأسرار منها:
1 ـ إذا لم تمت الموجودات الحية، فسوف لن تتوفر الأرضية لوجود الموجودات اللاحقة وبذلك يحرم الآخرون من نعمة الوجود والحياة.
2 ـ إذا إفترضنا إستمرارية الحياة للبشر جميعاً فحسب، فسوف لن يمضي زمان طويل إلاّ ونرى الأرض كلها قد إمتلأت بالناس، وتضيق عليهم الأرض برحبها، ليتمنى كل واحد منهم الموت لما يشعر به من عذاب وألم وجوع.
3 ـ إن الهدف الأصلي من خلق الإنسان هو الوصول إلى السعادة الأبدية، وإذا لم ينتفل الناس من هذا العالم بالموت إلى الحياة الأخرى، فسوف لن يمكنهم الوصول لذلك الهدف النهائي.
الحادية عشرة: عقبات الموت:
من هذه العقبات:
أ ـ سكرات الموت وشدة نزع الروح([29]): قال تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت عنه تحيد). ق / 19، حيث تتوالى على المحتضر الشدائد والصعوبات منها زوال القوى من الجسد وإنعقاد اللسان وبكاء الأهل ويتم الأطفال وفراق الأملاك والمتملكات التي صرف عمره العزيز من أجلها، وفوات الأوان عن أداء الحقوق وعدم القدرة على إصلاح ما أفسده، ثم الإحساس بهول الورود إلى النشأة الأخرى وهول المطلع وعينه ترى أموراً لم تكن تراها قبل، قال تعالى: (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد). ق / 22
ب ـ العديلة عند الموت: ومعنى العديلة عند الموت هو العدول عن الباطل عن الحق وهو بأن يحضر الشيطان عند المحتضر ويوسوس له ويجعله يشك في دينه ليخرجه من الإيمان.
مرحلة القبر([30]):
والبحث هنا يشمل:
أ ـ التعريف بالقبر: عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن للقبر كلاماً في كل يوم يقول: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود، أنا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النار([31]).
ب ـ حساب القبر: بعد دفن الإنسان يوسع في قبره وتلتحق روحه بجسده وتنزل الملائكة لمحاسبته، وفي بعض الأخبار أن إسمي الملكين اللذين ينزلان على الكافر منكر ونكير وإسمي الملكين اللذين ينزلان على المؤمن مبشر وبشير، وتكون المساءلة في القبر لمن محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، ومن سوى هذين فيلهى عنه كما جاء في الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): لا يسأل في الفبر إلاّ من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، فقلت: فسائر الناس؟ فقال: يلهى عنهم([32]).
عن الإمام السجاد (عليه السلام): إبن آدم أجلك أسرع شيء إليك قد أقبل نحوك حثيثاً يطلبك ويوشك أن يدركك كأن قد أوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى منزل وحيد، فردَّ إليك روحك وإقتحم عليك فيه ملكان منكر ونكير لمسألتك وشديد إمتحانك ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن إمامك الذي كنت تتولاه، وثم عن عمرك فيم أفنيته ومالك من أين إكتسبته وفيما أنفقته، فإن تك مؤمناً تقياً عارفاً بدينك متبعاً للصادقين موالياً لأولياء الله لقاك الله حجته وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب فبشرت بالجنّة والرضوان من الله والخيرات الحسان وإستقبلت بالروح والريحان، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجتك وعميت عن الجواب وبشرت بالنار وإستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم([33]).
ج ـ عذاب القبر: عن الإمام علي (عليه السلام): يا عباد الله، ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت، القبر، فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته([34]).
د ـ محصلة حساب القبر: ونتائج حساب القبر هي البشارة بالجنّة أو النار، ثم السوق إليه من قبل الملائكة، والجنّة والنار هنا إشارة إلى عالم البرزخ.
هـ ـ ما يرافق الإنسان إلى قبره([35]): عن الإمام علي (عليه السلام): إن إبن آدم إذا كان في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، مَثُل ماله وولده وعمله، فيلتفت إلى ماله فيقول: والله إنّي كنت عليك لحريصاً شحيحاً، فما لي عندك؟ فيقول: خذ مني كفنك، ثم يلتفت إلى ولده وأهله فيقول: والله إنّي كنت لكم محباً، وإنّي كنت عليكم لحامياً، فما لي عندكم؟ فيقولون: نؤديك إلى حفرتك ونواريك فيها، ثم يلتفت إلى عمله فيقول: والله إنّي كنت فيك لزاهداً وإنّك كنت عليَّ ثقيلاً، فماذا لي عندك؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك، ويوم حشرك، حتى أعرض أنا وأنت على ربك، فإن كان لله ولياً أتاه أطيب الناس ريحا وأحسنهم منظراً وأزينهم ريشاً، فيقول: أبشر بروح من الله وريحان وجنّة نعيم، قد قدمت خير مقدم، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، وإذا كان لربه عدواً يأتيه أقبح خلق الله رياشاً وأنتنهم ريحاً، فيقول له: أبشر بنزل من حميم، وتصلية جحيم.
و ـ أشد ساعة على الميت([36]): روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا يأتي على الميت أشد من أول ليلة فإرحموا موتاكم بالصدقة فإن لم تجدوا فليصلّ أحدكم ركعتين له يقرأ فى الأولى بعد الحمد آية الكرسي، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات وبعد السلام يقول: اللهم صل على محمد وآل محمد، وإبعث ثوابها إلى قبر فلان، ويسمي الميت، وهذه الصلاة هي صلاة الهدية للميت صلاة الوحشة.
مرحلة البرزخ:
والحديث فيها يتم من خلال:
أ ـ معنى البرزخ: والبرزخ هو الحاجز بين الشيئين، وسميت هذه المرحلة بالبرزخ لأنها تفصل بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة([37])، قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربِّ إرجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلاّ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون). المؤمنون / 99 ـ 100
ب ـ أصناف الناس في البرزخ: الناس في هذه المرحلة ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: من محض الإيمان وهم يتنعمون في جنّة تمهيدية في وادي السلام، فعن الصادق (عليه السلام): أمّا أنه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها إلاّ حشر الله روحه إلى وادي السلام فقلت له ـ السائل ـ وأين وادي السلام؟ قال: ظهر الكوفة([38]).
الصنف الثاني: من محض الكفر وهم في نار تمهيدية في وادي برهوت، عن النبي (صلى الله عليه وآله): إن شر ما على وجه الأرض برهوت وهو الذي بحضر موت الذي فيه أرواح الكفار([39]).
الصنف الثالث: المرجون لأمر الله تعالى إلى وقت القيامة الكبرى الذين يلهى عنهم كما مرَّ في الحديث.
ج ـ ما يلحق الإنسان بعد موته: جاء في النصوص بأن الإنسان يلحقه بعد موته ما كان إمتداداً له سواء من عمل الخير أو الشر من هذه النصوص، قوله تعالى: (ونكتب ما قدموا وآثارهم). يس / 12، عن النبي (صلى الله عليه وآله): من سنَّ سنة حسنة عمل بها من بعده كان له أجره ومثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سنَّ سنة سيئة فعل بها بعده كان عليه وزره ومثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً([40])، وعن الصادق (عليه السلام): لا يتبع الرجل بعد موته إلاّ ثلاث خصال: صدقة أجراها الله له في حياته فهي تجري له بعد موته، وسنة هدىً يعمل بها، وولد صالح يدعو له([41]).
د ـ أرواح الموتى وعالم الدنيا: عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب ويستر عنه ما يكره، وإن الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره ويستر عنه ما يحب، ومنهم من يزور كل جمعة ومنهم من يزور على قدر عمله([42]).
هـ ـ زيارة القبور: وقد حثت الشريعة الإسلامية على زيارة قبور الموتى لا سيما عشية الخميس وإهداء ثواب الأعمال الصالحة لهم كالدعاء، وقراءة القرآن والصدقة، وفي ذلك الفوائد الكثيرة على الزائر والمزور منها إتعاظ الزائر بهذا المصير ومنها الثواب للزائر والمزور، يقول الإمام علي (عليه السلام): زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمّه بما يدعو لهما([43])، وعن الإمام الرضا (عليه السلام): من أتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر أو يوم الفزع([44]).
مرحلة البعث([45]):
تعريف البعث: والبعث هو عملية إحياء الموتى بإلتحاق الأجساد بالأرواح، قال تعالى: (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث ينسلون). يس / 51
وهذه العملية تشمل كل الناس، قال تعالى: (ونفخ في الصور وجمعناهم جمعاً). الكهف / 99
أشراط الساعة: ويكون البعث مسبوقاً بـ أشرط الساعة أي العلامات الدالة على شروع يوم القيامة، وتشمل:
1 ـ الإماتة الشاملة إلاّ الأرواح، قال تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في في السماوات ومن في الأرض إلاّ من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون). الزمر / 68
2 ـ الفزع والإضطراب الذي سوف يحل بمكونات هذا العالم، قال تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها). الزلزلة / 1 ـ 2
وقال: (إذا السماء انفطرت * وإذا الكواكب انتشرت * وإذا البحار فجرت). الإنفطار / 1 ـ 3
وقال: (وتكون الجبال كالعهن المنفوش). القارعة / 5
وهذا هو الوضع الرهيب الذي هو إيذان وإعلام بقيام القيامة لا يسلم من هوله إلاّ المتقون الذين قال فيهم القرآن: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يؤمئذ آمنون). النحل / 89
الصور: والملاحظ هنا أن الإماتة والاحياء تتمان بواسطة النفخ بالصور، والصور هو آلة يتم من خلالها الإعلام في كلتا الحالتين، وللصور طرفان أحدهما في السماء والآخر في الأرض، والموكل بالصور هو إسرافيل (عليه السلام).
مرحلة الحشر:
تعريف الحشر: والحشر هو عبارة عن الجمع للمخلوقات بقصد الحساب، قال تعالى: (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً). الكهف / 47
وهنا عدّة نقاط:
الأولى: مكان الحشر: حيث صرح قرآننا الكريم بأنه على أرض غير أرضنا وتحت سماء جديدة، قال تعالى: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار). إبراهيم / 48
الثانية: الأصناف التي تحشر: وتشمل:
أ ـ الجن والإنس، قال تعالى: (ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد إستكثرتم من الإنس). الأنعام / 128
ب ـ الحيوانات، قال تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلاّ أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون). الأنعام / 38
ج ـ ما يعبد من دون الله تعالى، قال تعالى: (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله). الفرقان / 17
الثالثة: حالة الحشر:
أ ـ المؤمنون، قال تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً). مريم / 5
وقال: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم). الحديد / 12
ب ـ الكفار، قال تعالى: (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً). الإسراء / 97، (ويوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون * خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون). المعراج / 43
مرحلة الحساب:
والحديث منها يتم من خلال النقاط الآتية:
الأولى: معنى الحساب([46]): هو المقابلة بين الأعمال والجزاء عليها، والمواقفة للعبد على ما فرط منه والتوبيخ له على سيئاته، والحمد على حسناته ومعاملته في ذلك بإستحقاقه.
الثانية: فترة الحساب([47]): عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن في القيامة خمسين موقفاً، كل موقف مثل ألف سنة مما تعدون، ثم تلا قوله تعالى: (في يوم كان مقدراه ألف سنة مما تعدون). السجدة / 5.
الثالثة: أصناف الناس في مرحلة الحساب: والأصناف هي:
الصنف الأول: الذين لا يحاسبون وهم:
* من يدخل الجنة بغير حساب، قال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). الزمر / 10
* من يدخل النار بغير حساب، عن الرسول (صلى الله عليه وآله): ستة يدخلون النار بغير حساب: الأمراء بالجور، والعرب بالعصبية، والدهاقين بالكبر، والتجار بالكذب، والعلماء بالحسد، والأغنياء بالبخل([48]).
الصنف الثاني: الذين يحاسبون حساباً يسيراً، وهم أصحاب اليمين، قال تعالى: (فأمّا من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً). الإنشقاق / 8
الصنف الثالث: الذين يحاسبون حساباً عسيراً، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله)إنَّ أمّتي ثلاثة أثلاث: فثلث يدخلون الجنّة بغير حساب وعذاب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنّة، وثلث يمحصون ويكشفون([49]).
الرابعة: من أساليب الحساب يوم القيامة:
أ ـ دعوة كل أناس بإمامهم، قال تعالى: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم). الإسراء / 71
ب ـ المساءلة:
* مساءلة الرسل عن الناس، قال تعالى: (يوم يجمع الله الرسول فيقول ماذا أجبتم). المائدة / 109
* مساءلة المظلومين عن ظلامتهم، قال تعالى: (وإذا الموؤدة سئلت بأيِّ ذنب قتلت). التكوير / 9
* مساءلة الجميع، قال تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين). الحجر / 92
ج ـ إراءة الناس أعمالهم بعدّة طرق:
* بواسطة الكتاب أو الطائر، قال تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامد كتاباً يلقاه منشوراً * إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً). الإسراء / 13 ـ 14
* بواسطة شهادة الجوارح، قال تعالى: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون). النور / 24
*بواسطة أخبار الأماكن، قال تعالى: (يومئذٌ تحدث أخبارها). الزلزلة / 3
د ـ الموازين وزن الأعمال([50]) والموازين، هي ما يقاس ويوزن بها الأشياء وهي تختلف حسب إختلاف الأشياء الموزونة، فللصلاة مثلاً ميزان توزن به وهي الصلاة التامة التي هي حق الصلاة وللزكاة والإنفاق نظير ذلك، وللكلام والقول حق القول الذي لا يشتمل على باطل وهكذا.
قال تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين). الأنبياء / 47
الخامسة: من مواقف الحساب:
أ ـ فرار الناس بعضهم من بعض([51]): ومن مواطن يوم الحساب هذا الموطن الذي يقول عنه القرآن: (فإذا جاءت الصاخة * يوم يفر المرء من أخيه وأمّه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل إمرىء منهم يومئذ شأن يغنيه).
عبس / 33 ـ 37
وقد فسر هذا الفرار بعدّة تفاسير منها: إن رهبة ووحشة يوم القيامة تنسي الجميع وتقطع العلاقات فلا يهتم المرء إلاّ بنفسه، وفسر بأنه فرار من الحقوق التي لهم عليه وهو عاجز عن أدائها.
ب ـ رد المظالم([52]): ومن المواقف هذا الموقف حيث يقتص للمظلوم من الظالم، فقد سأل رجل الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): يابن رسول الله إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة أي شيء يأخذ من الكافر وهو من أهل النار؟ فقال له: يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ماله على الكافر فيعذب الكافر بها مع عذابه بكفره عذاباً بقدر ما للمسلم قبله من مظلمة، فقال له: فإذا كانت المظلمة لمسلم عند مسلم كيف تؤخذ مظلمته من المسلم؟ قال: يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حق المظلوم فيزاد على حسنات المظلوم، فقال: فإن لم يكن للظالم حسنات؟ قال: إن لم يكن للظالم حسنات فإن للمظلوم سيئات تؤخذ من سيئات المظلوم وتزاد على سيئات الظالم.
ج ـ إستلام الكتب: وذلك بعد المرور بمواقف الحساب المختلفة حيث يكون إستلام الكتب بمثابة إستلام نتائج الإمتحان، والناس هنا على طائفتين:
الأولى: السعداء وهم من يتناول كتابه بيمينه وهو فرحان مسرور، قال تعالى: (فأمّا من أوتيَ كتابه بيمينه فيقول هاؤم إقرؤا كتابيه). الحاقة / 19
الثانية: الأشقياء وهم من يتناول كتابه بشماله ومن وراء ظهره، قال تعالى: (وأمّا من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوتَ كتابية). الحاقة / 25، وقال: (وأمّا من أوتي كتابه من وراء ظهره فسوف يدعو ثبوراً). الإنشقاق / 10
د ـ الصراط([53]): وهو جسر يربط بين النار والجنّة ولابد لكل الناس من المرور عليه، قال تعالى: (وإن منكم إلاّ واردها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً). مريم / 71، والصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف وأحمى من النار.
عن الصادق (عليه السلام): الناس يمرون على الصراط طبقات، والصراط أدق من الشعر ومن حد السيف، فمنهم من يمر مثل البرق ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبواً، ومنهم من يمر مشياً، ومنهم من يمر متعلقاً قد تأخذ النار منه شيئاً وتترك شيئاً([54]).
وعن الرسول (صلى الله عليه وآله): يا علي إذا كان يوم القيامة أقعدنا أنا وأنت وجبرائيل على الصراط فلا يجوز على الصراط إلاّ من كانت معه براءة بولايتك([55]).
وعلى الصراط عقبات كل عقبة عليها إسم فرض فمتى إنتهى الإنسان الى عقبة إسمها فرض أمر ديني، وكان قد قصر في ذلك الفرض حبس عندها وطولب بحق الله فيها فإن خرج منه بعمل صالح قدمه أو برحمة تدركه نجا منها إلى عقبة أخرى، فإن سلم من جميعها انتهى إلى دار البقاء والجنّة، وإن حبس على عقبة فطولب بحق قصر فيه فلم ينجه عمل صالح قدمه ولا أدركته من الله عزوجل رحمة زلت به قدمه فهوى في جهنم، ومن هذه العقبات عقبة الولاية حيث يوقف عندها جميع الخلائق فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)والأئمة (عليهم السلام) من بعده وذلك قول الله تعالى: (وقفوهم إنهم مسؤولون). ومما ينفع على الصراط: التقوى، ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، صلة الرحم وبر الوالدين.
هـ ـ تجسيم الأعمال([56]): وأعمال الناس في يوم القيامة تجسم بما يقابلها فللحسنات ما يقابلها من النعم وللسيئات ما يقابلها من العذاب، قال تعالى: (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم). الزلزلة / 6
وقال تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً). النساء / 10
عن الرسول (صلى الله عليه وآله): من قال لا إله إلاّ الله غرس الله له بها شجرة في الجنة([57]).
و ـ الشفاعة([58]): وهي أن تصل رحمة الله تعالى ومغفرته إلى عباده من طريق أوليائه، وفي مقدمتهم النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومون (عليهم السلام) ثم العلماء والشهداء، فقد ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله): إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي([59])، ومحل وقوع الشفاعة آخر موقف من مواقف يوم القيامة بإستيهاب المغفرة بالمنع من دخول النار، أو إخراج بعض من كان داخلاً فيها بإتساع الرحمة أو ظهور الكرامة([60]).
طريق الخلاص من أهوال يوم القيامة:
ويتلخص بالنقاط الآتية:
1 ـ معرفة الله تعالى والإستقامة التامة على أحكامه، والتي يُعبر عنها بالتقوى أو التمسك بالقرآن أو الولاية لأهل البيت (عليهم السلام)، قال تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم إستقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون). الأحقاف / 46، وقال: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون). النمل / 89، ويقول النبي (صلى الله عليه وآله): مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق([61]).
2 ـ وفي حالة حصول التقصير بتحقق الإستقامة تتم المعالجة كما يأتي:
* التوبة الصادقة، وذلك بالندم على ما فعل وعدم العودة إليه والقيام بأداء ما قصر فيه، قال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً). الزمر / 53
* التوفيق للشهادة في سبيل الله تعالى، فإن الشهادة حسنة لا تضر معها سيئة، قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشروون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوف عليهم ولا هم يحزنون). آل عمران / 170
* المودة للنبي (صلى الله عليه وآله) وآله، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهن عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط([62]).
* الشفاعة، وهي توسط الصالحين من عباد الله تعالى للمذنبين وفي مقدمتهم النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) والمؤمنون فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): ثلاثة يشفعون إلى الله عزوجل فيشفعون: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء([63]).
شواهد للأعمال الصالحة ودورها في إنقاذ الإنسان من أهوال
يوم القيامة:
1 ـ روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبر مطل عليه، قال: فيتنحى الصبر ناحية فإذا دخل عليه الملكان يليان مساءلته، قال: الصبر للصلاة والزكاة دونكما صاحبكم فإنه عجز عما عنه فأنا دونه([64]).
2 ـ عن الرسول (صلى الله عليه وآله): ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق([65]).
3 ـ وعنه (صلى الله عليه وآله): من زارني أو زار أحداً من ذريتي زرته يوم القيامة فأنقذته من أهوالها([66]).
4 ـ عن الإمام الصادق (عليه السلام): لا يتبع الرجل بعد موته إلاّ ثلاث خصال: صدقة أجراها الله له في حياته فهي تجري له بعد موته، وسنة هدىً يعمل بها، وولد صالح يدعو له([67]).
5 ـ ما ورد في خطبة الرسول (صلى الله عليه وآله) عن ثواب بعض الأعمال فى شهر رمضان المبارك: أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أكثر فيه من الصلاة عليَّ ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين([68]).
6 ـ قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فكُّ رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيماً ذا مقربة * أو مسكيناً ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة * أولئك أصحاب الميمنة). البلد / 11 ـ 18
مرحلة الجزاء:
وهي آخر مرحلة من مراحل الحياة الآخرة حيث يفترق الناس إلى فريقين، فريق إلى الجنة، وفريق إلى النار، قال تعالى: (فأمّا من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى * وأمّا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى). النازعات / 4
وفيما يلي نتحدث عن الجنّة والنار كما ورد في النصوص الشرعية:
الجنّة وما يرتبط بها:
والحديث عنها من خلال:
1 ـ التعريف بها: ورد فى الحديث القدسي عن النبي (صلى الله عليه وآله): قال تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر([69]).
2 ـ ثمن الجنّة: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم). الصف / 60
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): من قال لا إله إلاّ الله مخلصاً دخل الجنّة، وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلاّ الله عما حرّم الله عزوجل([70]).
3 ـ أبواب الجنّة ودرجاتها وأسماؤها: وللجنة عدّة أبواب لكل باب إسم خاص، قال تعالى: (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب). ص / 50، ويقول الإمام علي (عليه السلام) فى وصف الجنّة: درجات متفاضلات ومنازل متفاوتات([71]).
وفيها درجات ومراتب تتناسب مع أعمال المؤمنين، قال الله تعالى: (وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً). الإسراء / 21
وعن الإمام علي (عليه السلام): إن للجنة ثمانية أبواب: باب يدخل منه النبيون والصديقون وباب يدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا، وباب يدخل منه سائر المسلمين من شهد ألاّ إله إلاّ الله، ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت([72]).
من هذه الأبواب باب يقال له: الرّيان لا يدخله إلاّ الصائمون، وباب يقال له: المعروف لا يدخله إلاّ أهل المعروف.
أمّا أسماء الجنّة فهي: الفردوس، دار الخلد، دار السلام، دار المقام، العالية، دار النعيم، عدن، المأوى.
4 ـ خلق الجنّة ومدّة الحياة فيها([73]):
والجنة مخلوقة وقد دل على خلقها ما ورد من آيات في القرآن ودخول النبي (صلى الله عليه وآله) لها في معراجه، وما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) من نصوص، فمن الآيات قوله تعالى: (وأزلفت الجنّة للمتقين). الشعراء / 90، ومن الروايات ما عن الهروي قال: قلت للامام الرضا (عليه السلام): يابن رسول الله أخبرني عن الجنّة والنار أهيَ اليوم مخلوقتان؟ فقال: نعم، وإن رسول الله قد دخل الجنّة ورأى النار لما عرج إلى السماء([74]).
وأمّا الحياة فيها فهي البقاء والخلود.
قال تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون). البقرة / 82
وقال: (ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود). ق / 34
5 ـ نعيم الجنّة: ونعيمها على نوعين:
الأول: النعيم الروحي: ومن مصاديقه:
* رضوان الله تعالى، قال تعالى: (ورضوان من الله أكبر). التوبة / 72
وقال: (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك هو الفوز العظيم). المائدة / 199
وعن الإمام علي (عليه السلام): إن أطيب شيء في الجنّة وألذه حب الله والحب لله والحمد لله.
قال عزوجل: (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين). يونس / 10
وذلك أنهم إذا عاينوا ما في الجنّة من النعيم هاجت المحبة في قلوبهم فينادون عند ذلك: أن الحمد لله رب العالمين([75]).
* الصفاء بين المؤمنين وأحاديث السمر، قال تعالى: (ونزعنا ما في قلوبهم من غل إخواناً على سرر متقابلين). الحجر / 47
وقال تعالى: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين). الطور / 26
* إلحاق الذرية، قال تعالى: (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم). الرعد / 23
* المعاملة الطيبة، قال تعالى: (يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون). النحل / 32، وقال: (ونادوا أصحاب الجنّة أن سلام عليكم). الأعراف / 46
وقال: (ويوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً). مريم / 85
* التشفي من الظالمين وذلك بالإطلاع على ما يتعرضون له من العقوبات، قال تعالى: (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون). المطففين / 34
* الخدمة لهم من قبل الولدان، قال تعالى: (ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً). الإنسان / 19، وهؤلاء الولدان هم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها، وقيل هم من خدم الجنّة على صورة الولدان خلقوا لخدمة أهل الجنّة([76]).
الثاني: النعيم المادي: ومن مصاديقه:
* أرض الجنّة، سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن الجنة: ما بناؤها؟ فقال: لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك الأذفر، وترابها الزعفران، وحصاؤها اللؤلؤ والياقوت([77]).
* السكن، وهو على ثلاثة أنواع: القصور، الغرف، الخيام، قال تعالى: (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً). الفرقان / 10
وقال تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبؤنهم من الجنّة غرفاً). العنكبوت / 58
وقال: (حور مقصورات في الخيام). الرحمن / 72
* الملابس، وهي من الحرير والإستبرق والسندس، وعلى رؤوسهم التيجان المحلاة بالحلي، قال تعالى: (عليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلو أساور من فضة). الإنسان / 21
* الفرش، حيث الأسرة والزرابى المبثوثة والنمارق المصفوفة، قال تعالى: (فيها سرور مرفوعة). الغاشية / 13
وقال تعالى: (وزرابي مبثوثة). الغاشية / 16، (ونمارق مصفوفة). الغاشية / 16
وقال: (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان). الرحمن / 76
* الجنس، وهو على نوعين: الحور العين، والخيرات الحسان:
قال تعالى: (وحور عين كأمثال اللؤلوء المكنون). الواقعة / 22
حور: شدة بياض العين، وعين: شدة سواد العين([78]).
قال تعالى: (إنا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً). الواقعة / 35
وقال: (فيهن خيرات حسان). الرحمن / 70
وهن نساء الدنيا خيرات الأخلاق حسان الوجوه أجل من الحور العين.
* الطعام، وهو من الفواكه واللحوم المختلفة، قال تعالى: (وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة). الواقعة / 32
وقال: (ولحم طير مما يشتهون). الواقعة / 21
* الشراب، حيث الأنهار والعيون وعلى ضفافها الأباريق والأكواب والكؤس وبمختلف الأشربة الخالصة العذبة.
قال تعالى: (يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق وكأس من معين). الواقعة / 17
وقال: (ومثل الجنّة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم). الرعد / 35
وقال تعالى: (عيناً فيها تسمى سلسبيلاً). الإنسان / 18
* الأعمار، وأهل الجنّة في سن واحدة وهي سن الشباب، عن الباقر (عليه السلام): إن الرب تبارك وتعالى يقول: إدخلوا الجنّة برحمتي وأنجوا من النار بعفوي وتقسموا الجنّة بأعمالكم، فوعزتي لأنزلنكم دار الخلود ودار الكرامة فإذا دخلوها صاروا على طول آدم (عليه السلام) ستين ذراعاً وعلى ملد عيسى (عليه السلام) أي شبابه ثلاث وثلاثين سنة وعلى لسان محمد (صلى الله عليه وآله) بالعربية وعلى صورة يوسف (عليه السلام)في الحسن ثم يعلو وجوههم النور وعلى قلب أيوب في السلامة من الغل([79]).
* الوقت، وهو كما عبر عنه القرآن الكريم: (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً). الإنسان / 13، لا يرون الشمس حتى يتأذوا بحرها ولا زمهريراً حتى يتأذوا ببرده.
* الراحة النفسية، فلا متاعب ولا هموم ولا لغو، إنما هي حياة السلام والراحة النفسية، قال تعالى: (لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب).
فاطر / 35
وقال: (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً * إلاّ قيلاً سلاماً سلاماً).
الواقعة / 26
وقال: (وجوه يومئذ ناظرة * إلى ربها ناظرة). القيامة / 22
وقال: (وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة). عبس / 38
* من هم أهل الجنة؟ وهم الأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء وكل الصالحين والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان.
قال تعالى: (تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقياً). مريم / 63
6 ـ اللواء والحوض:
أ ـ اللواء: عن السجاد (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: قال لى رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت أول من يدخل الجنّة، فقلت: يا رسول الله أدخلها قبلك؟ قال: نعم، لأنك صاحب لوائي في الآخرة، كما أنك صاحب لوائي في الدنيا وصاحب اللواء هو المتقدم، ثم قال: يا علي كأني بك وقد دخلت الجنّة بيدك لوائي وهو لواء الحمد تحته آدم فمن دونه، وفي رواية مكتوب عليه: المفلحون هم الفائزون بالجنّة([80]).
ب ـ الحوض نهر الكوثر: عن أنس قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: قد أعطيت الكوثر، فقلت: يا رسول الله وما الكوثر؟ قال: نهر في الجنّة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب، لا يشرب أحد منه ويتوضأ أحد منه فيشعث، لا يشربه إنسان أخفر ذمتي وقتل أهل بيتي، يذود علي (عليه السلام) عنه يوم القيامة من ليس من شيعته ومن شرب منه لم يظمأ أبداً([81]).
النار وما يرتبط بها:
الحديث عنها من خلال:
1 ـ التعريف بها: عن الإمام علي (عليه السلام): إنها نار لا يهدأ زفيرها ولا يفك أسيرها ولا يجبر كسيرها، حرها شديد وقعرها بعيد وماؤها صديد([82]).
2 ـ أبواب النار ودركاتها وأسماؤها:
قال تعالى: (وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزءٌ مقسوم). الحجر / 43
وعن الباقر (عليه السلام) في شرح الآية المتقدمة: فبلغني أن الله جعلها سبع دركات: أعلاها: الجحيم، يقوم أهلها على الصفا منها تغلي أدمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها، والثانية لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى، والثالثة: سقر، لا تبقي ولا تذر، لواحة للبشر، عليها تسعة عشر، والرابعة: الحطمة، ومنها يثور شرر كالقصر، كأنها جمالة صفر، والخامسة: الهاوية، فيها ملاً يدعون: يا مالك أغثنا، فإذا أغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيه صديد ماء يسيل من جلودهم كأنه مهل، والسادسة: هي السعير، فيها ثلاثمائة سرادق من نار، والسابعة: جهنم، وفيها الفلق وهو جب في جهنم إذا فتح أسعر النار وهو أشد النار عذاباً([83]).
3 ـ خلق النار ومدّة العذاب: والنار مخلوقة والدليل عليها هو نصوص القرآن ومعراج النبي (صلى الله عليه وآله) وما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام)، أمّا القرآن فمن ذلك قوله تعالى: (وبرزت الجحيم للغاوين). الشعراء / 91، وأمّا من الروايات وقد بينا ذلك في الحديث عن خلق الجنّة، وأهل النار محكومون على الدوام والإستمرار يستثنى منهم طوائف لهم عقوبات محدودة يخرجون بعد إنهائها أو بعد حصول الشفاعة، قال تعالى: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). البقرة / 82
4 ـ من هم أهل النار؟ وأهل النار هم من المستكبرين والطواغيت والشياطين ومن العصاة والمنحرفين والمنافقين الذي تنكروا للحق وعاثوا في الأرض فساداً، قال تعالى: (لا يصلاها إلاّ الأشقى * الذي كذب وتولى). الليل / 25، وقال: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار). البقرة / 81، وقال: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار). النساء / 145
5 ـ عذاب النار: والعذاب فيها على نوعين:
الأول: العذاب النفسي: ومن مصاديقه:
* غضب الله تعالى، قال تعالى: (وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدَّ لهم جهنم). الفتح / 6
* سوء المعاملة، قال تعالى: (عليها ملائكة غلاظ شداد). التحريم / 6
وقال: (قال اخسؤا فيها ولا تكلمون). المؤمنون / 108
وقال: (يوم يدّعون إلى نار جهنم دعّا). الطور / 13
* التخاصم فيما بينهم، قال تعالى: (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار). ص / 64
وقال: (وإذ تبرأ الذين إتبعوا من الذين أتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب). البقرة / 166
* الندم على ضلالهم وتقصيرهم في جنب الله تعالى، قال تعالى: (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب). يونس / 6
* شماتة أهل الجنّة بهم، قال تعالى: (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون). الغاشية / 16
الثاني: العذاب الجسمي: ومن مصاديقه:
* الطعام، هو من الضريع والزقوم والغسلين، قال تعالى: (ليس لهم طعام إلاّ من ضريع لا يُسمن ولا يغني من جوع). الغاشية / 6
وقال: (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم). الدخان / 44
وقال: (فليس له ها هنا حميم ولا طعام إلاّ من غسلين). الحاقة / 36
* الشراب، وهو من الحميم الماء الحار والغساق والصديد:
قال تعالى: (والذين كفروا لهم شراب من حميم). يونس / 4
وقال: (لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً * إلاّ حميماً وغساقاً). النبأ / 25
وقال: (ويسقى من ماء صديد). إبراهيم / 16
* الثياب، وثيابهم من ماء القطران والنار:
قال تعالى: (سرابيلهم من قطران). إبراهيم / 50
وقال: (فالذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار). الحج / 19
* السلاسل والأغلال والعمد ومقامع الحديد:
قال تعالى: (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاس يسحبون). غافر / 71
وقال: (في عمد ممددة). الهمزة / 9،
وقال: (ولهم مقامع من حديد). الحج / 21
* نضج الجلود وشوي الوجوه وصهر ما في البطون، وحرق القلوب:
قال تعالى: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا عذاب الحريق). النساء / 5، وقال: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه). الكهف / 29، وقال: (يغلي في البطون). الدخان / 47
وقال: (نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة). الهمزة / 7
* الأخذ بالنواصي والأقدام وسائر الأطراف:
قال تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام). الرحمن / 41، وقال: (كلا إنها لظى * نزاعة للشوى). المعارج / 16
* الرعب والفزع:
قال تعالى: (وجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة). القيامة / 24
وقال: (وجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة). عبس / 40
* مسخ الخلقة:
قال تعالى: (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين). البقرة / 65
وقال: (من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت). النساء / 47
بين الجنّة والنار:
أ ـ الأعراف([84]): وهو حجاب مرتفع بين الجنّة والنار يشرف عليهما وعليه رجال يعرفون أهل الحنّة وأهل النار معرفة تامة، قال تعالى: (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم). الأعراف / 46
وقال: (ونادى أصحاب الأعراف رجلاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون). الأعراف / 48، وقد تظافرت الأخبار على أن المراد بالرجال هنا هم النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، يعرفون أهل الجنّة وأهل النار، ولهم أن يتكلموا بالحق يوم القيامة ولهم أن يشهدوا أو يشفعوا أو يأمروا كل ذلك بإذن الله تعالى.
ب ـ نداء أهل النار لأهل الجنة: قال تعالى: (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمها على الكافرين * والذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون). الأعراف / 49
ج ـ نداء أهل الجنّة لأهل النار: قال تعالى: (ونادى أصحاب الجنّة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً * قالوا نعم فأذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة كافرون). الأعراف / 44
د ـ ما قاله الشيطان إبليس بعد الإنتهاء من الحساب: قال تعالى: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلاّ أن دعوتكم فإستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم ولا أنتم بمصرخي إنّي كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم). إبراهيم / 22
ذبح الموت:
عن الصادق (عليه السلام) وقد سئل عن قوله تعالى: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة لا يؤمنون). مريم / 39
قال: ينادي منادي من عند الله وذلك بعد ما صار أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار: يا أهل الجنّة ويا أهل النار هل تعرفون الموت في صورة من الصور؟ فيقولون: لا، فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيقف بين الجنّة والنار ثم ينادون جميعاً: أشرفوا وأنظروا إلى الموت، فيشرفون ثم يأمر الله به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنّة خلود فلا موت أبداً، ويا أهل النار خلود فلا موت أبداً([85]).
-------------------------------------------------------------------------
([1]) الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن: 364.
([2]) شرح الباب الحادي عشر: 86.
([3]) شبر، حق اليقين في معرفة أصول الدين: 2 / 77.
([4]) نهج البلاغة، الخطبة: 83.
([5]) الطباطبائي، الميزان: 15 / 75.
([6]) اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية: 3 / 27.
([7]) شرح الباب الحادي عشر: 87.
([8]) د. صبحي الصالح، نهج البلاغة: 1.
([9]) شرح الباب الحادي عشر: 88.
([10]) نهج البلاغة، الحكمة: 131.
([11]) مطهري، العدل الإلهي: 245 ـ 251.
اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية: 3 / 88.
([12]) نهج البلاغة، الخطبة: 42.
([13]) اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية: 3 / 10، بتصرف.
([14]) الفضلي، التربية الدينية: 117 ـ 118.
([15]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: ج 2.
([16]) ابن أبي الحديد، شرح النهج: 7 / 300.
([17]) المجلسي، البحار: 23 / 76.
([18]) الري شهري، ميزان الحكمة: 4 / 2970.
([19])، (4) القمي، عباس، مفاتيح لجنان: 25، 182 ـ 183.
([21])، (2) الري شهري، ميزان الحكمة: 4 / 3551، 2961.
([23]) شبر، عبدالله، حق اليقين: 2 / 56.
([24]) الري شهري، ميزان الحكمة: 4 / 2969.
([25]) النراقي، جامع السعادات: 1 / 214 ـ 217.
([26]) الري شهري، ميزان الحكمة: 4 / 2973.
([27]) الكليني، الكافي: 3 / 134.
([28]) اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية: 3 / 195.
([29]) القمي، منازل الآخرة: 17 / 29.
([30]) القمي، منازل الآخرة: 31 ـ 33.
([31]) الكليني، الكافي: 3 / 242.
([32]) البحار: 6 / 235.
([33]) البحار: 78 / 143.
([34]) ميزان الحكمة: 3 / 2481.
([35]) الكافي، الكليني: 3 / 221.
([36]) الخوئي، المسائل المنتخبة: 50.
([37]) الطباطبائي، الميزان: 15 / 68.
([38]) المجلسي، البحار: 6 / 268.
([39]) شبر، حق اليقين: 2 / 86.
([40]) الري شهري، ميزان الحكمة: 2 / 1371.
([41]) الحراني، تحف العقول: 363.
([42]) الكليني، الكافي: 3 / 194.
([43]) ميزان الحكمة: 2 / 1200.
([44]) الكليني، الكافي: 3 / 220.
([45]) الطباطبائي، الميزان: 17 / 98، 15 / 68، 17 / 293 ـ 294.
([46]) المفيد، تصحيح الإعتقاد: 93.
([47]) الشيرازي، الأمثل: 13 / 91.
([48]) الري شهري، ميزان الحكمة: 1 / 625.
([49]) ميزان الحكمة: 1 / 622 ـ 623.
([50]) الميزان: 8 / 10 ـ 12.
([51]) الشيرازي، الأمثل: 19 / 385.
([52]) شبر، تسلية الفؤاد: 173.
([53]) القمي، عباس، منازل الآخرة: 149 ـ 151.
([54]) الري شهري، ميزان الحكمة: 2 / 1610.
([55]) القمي، عباس، سفينة البحار: 5 / 97.
([56]) مطهري، العدل الإلهي: 262 ـ 263.
([57]) الري شهري، ميزان لاحكمة: 1 / 434.
([58]) محاضرات في الإلهيات: 646.
([59]) الفقيه: 3 / 376.
([60]) الميزان: 1 / 174.
([61]) كنز العمال: 6 / 216.
([62]) ميزان الحكمة: 1 / 518.
([63]) ميزان الحكمة: 2 / 1474.
([64]) الكافي: 6 / 235.
([65]) ميزان الحكمة: 1 / 800.
([66]) الوسائل: 1 / 259.
([67]) تحف العقول: 363.
([68]) مفاتيح الجنان: 175.
([69])، (2)، (3) الري شهري، ميزان الحكمة: 1 / 425، 431.
([72]) الري شهري، ميزان الحكمة: 1 / 432.
([73]) سبحاني، الإلهيات: 2 / 918 ـ 919.
([74]) السيد شبر، حق اليقين: 2 / 204.
([75]) المجلسي، البحار: 69 / 25.
([76]) مجمع البيان: 9 / 327.
([77]) شبر، عبدالله، حق اليقين: 2 / 166.
([78])، (2) مجمع البيان: 9 / 319.
([79]) شبر، عبدالله، حق اليقين: 21 / 166.
([80]) شبر، عبدالله، حق اليقين: 2 / 128 ـ 129.
([81]) شبر، عبدالله، تسلية الفؤاد: 191.
([82]) الري شهري، ميزان الحكمة: 1 / 468 ـ 471.
([83]) الري شهري، ميزان الحكمة: 1 / 468 ـ 471.
([84]) سبحاني، الإلهيات: 2 / 770 ـ 771.
([85]) شبر، عبدالله، تسلية الفؤاد: 257.