يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾1
لم يقتصر الإسلام في دعوته الحنيفة بالتركيز على المضمون بل اهتم أيضاً بالشكل ولياقاته.
ومن هذه اللياقات ما يتعلّق بلقاء المؤمن بالناس، فدعا المؤمنين أن يسعَوا ليكونوا في إلفة ومودّة مع الناس، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) 2وعنه (صلى الله عليه وآله): (أحسِن خُلقك مع أهلك، وجيرانك، ومن تعاشر وتصاحب من الناس) 3.
ودعا الإسلام إلى حسن الأداء الاجتماعي بالفعل واللفظ. فعنه (صلى الله عليه وآله): (ثلاث يصفيّن ودَّ المرء لأخيه المسلم: يلقاه بالبشر إذا لقيه، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه، ويدعوه بأحب الأسماء إليه) 4.
وفي الحديث أيضاً (المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه)5.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام):) وتبسُّم الرجل في وجه أخيه حسنة) 6.
السلام
وجعل من اللياقات الأساسية للقاء المسلم أن يسلِّم عليه، فعن أبي عبد الله (عليه السلام): (للمسلم على أخيه المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه)7.
وأكدَّ الإمام الصادق (عليه السلام) أن يكون أول الكلام في اللقاء هو السلام، فعنه (عليه السلام): (السلام قبل الكلام)8، كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ابدؤوا بالسلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه)9.
والسلام هو دعاء أن يكون الآخر في سلم وسلامة في دينه ودنياه.
كيفية السلام
وكيفيته واردة في أول خلق الإنسان.
ففي الحديث: (أن الله قال لآدم انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فلما رجع إلى ربّه عز وجل قال له ربُّه تبارك وتعالى: هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة) 10.
للرواية السابقة، ولأدلّة أخرى كانت عبارة "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" هي الصيغة الرسمية للسلام، وهذا ما يدخل في إطار اهتمام الإسلام بالشكليات إضافة إلى المضمون الذي هو الأصل. لذا فإنَّ القرآن الكريم أدّب المسلمين بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ).11
وسبب هذا النهي هو أنَّ "راعنا" هو قول يدخل في الشكليات المعتمدة عن اليهود قال تعالى: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) .12
إذاً صيغة السلام في شريعة الله تعالى هي: "السلام عليكم"، وهي صيغة يجب ردّها حتى في الصلاة.
نعم لم يمانع الإسلام من أنواع أخرى لصيغ التحايا فيما لا يحمل ثقافة الآخر، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ المؤمن إذا لقى أخاه الؤمن فقال له مرحبا، يُكتب له مرحبا إلى يوم القيامة) 13.
من فوائد السلام
أ- إضفاء المحبة بين المؤمنين:
عن النبي (صلى الله عليه وآله): أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله): (أفشوا السلام بينكم)14.
ب- إضفاء روحية التواضع:
عن الإمام الصادق (عليه السلام): (من التواضع أن تسلّم على من لقيت)15.
ج- زيادة الحسنات:
عن النبي (صلى الله عليه وآله): (سلّم على من لقيت يزد الله في حسناتك)16.
من آداب السلام
1- عدم الطبقية في كيفية التسليم
عن الإمام الرضا (عليه السلام): (من لقى فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقى الله عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان)17.
2- المبادرة بالتسليم
عن الإمام علي (عليه السلام): (السلام سبعون حسنة، تسعة وستون للمبتدىء وواحد للراد)18، وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن المؤمن ليمرّ بالمؤمنين فيسلِّم عليهم فترد الملائكة: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته)19.
3- المصافحة مع التسليم
عن النبي (صلى الله عليه وآله): (إذا تلاقيتم، فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرّقتم فتفرقوا بالاستغفار)20.
وقد أكدّ أهل البيت (عليهم السلام) أن للمصافحة أثاراً إيجابية، منها إزالة العلائق القلبية السلبية تجاه المؤمنين، ففي الرواية: (تصافحوا؛ فإن المصافحة تذهب السخيمة وتزيل الأحقاد)، وفي رواية أخرى: (تصافحوا يذهب الغلّ عن قلوبكم)21.
سماحة الشيخ أكرم بركات
1- النساء 86.
2- الكليني، الكافي، ج2، ص 102.
3- المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص 67.
4- الكليني، الكافي، ج2، ص 643.
5- نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج4، ص 78.
6- الكليني، الكافي، ج2، ص 188.
7- المصدر السابق، ص 171.
8- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج2، ص 1348.
9- المصدر السابق، ص 644.
10- الحر العاملي، وسائل الشيعة،ج12، ص 67.
11- البقرة، 104.
12- النساء 46.
13- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج12، ص 232.
14- جعفر السبحاني، في ظل أصول الإسلام، ص 19.
15- الكليني، الكافي، ج2، ص 646.
16- المفيد، الأمالي، ص 60.
17- الحر العاملي، وسائل الشيعة،ج12، ص 64.
18- المجلسي، بحار الأنوار، ج73، ص 11.
19- المصدر السابق، ص 6.
20- المصدر السابق، ص 5.
21- السيوطي، جمال الدين، الجامع الصغير، ج1، ص 507.