عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَلاَ وإنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ، وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ، وإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتي: مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي، وَلاَ لُبِّسَ عَلَيَّ».
تتجلّى في شخصيّةِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) صفاتٌ ربّانيّةٌ، فهو الوليُّ الذي حظيَ بالرعايةِ الخاصّةِ من رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) فكان تجسيداً حقيقيّاً للولايةِ من بعدِه، ومن صفاتِه البارزةِ امتلاكُ البصيرةِ التي تجعلُه يرى الحقَّ تماماً، بل أصبحَ الحقُّ متّحداً معه فهو يدورُ معه كيفما دارَ، فقد وردَ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «عليٌّ مع الحقِّ، والحقُّ يدورُ معه حيث دارَ، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوضَ».
إنّ من يملكُ هذه الصفةَ لا يُمكنُ أنْ تُهيمنُ نفسُه عليه فتُخرجُه عن الحقِّ ولا أنْ يُهيمنُ عليه غيرُه، ومن الآثارِ المترتّبةِ على هذا أنْ يكونَ صاحبَ الحجّةِ القويةِ، ومن له الغلبةُ على خصومِه بلغةِ المنطقِ والحجّةِ قبلَ الحربِ والقتالِ، فقد وردَ عنه (عليه السلام): «أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ، وَخَصِيمُ الْمُرْتَابِينَ، عَلَى كِتَابِ اللهِ تُعْرَضُ الأمْثالُ، وَبِمَا فِي الصُّدُورِ تُجَازَى الْعِبَادُ».
ومنْ امتلكَ الحقَّ وكان بصيراً به تماماً كان صاحبَ الموقفِ الصلبِ الذي يواجه الفتنَ ويتغلّبُ عليها، فقد وردَ عنه (عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي».
بل إنّه القدوةُ الذي يسيرُ الناسُ خلفَه؛ لأنّه المحقُّ وقد وردَ في روايةٍ أخرى عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «عليٌّ مع القرآنِ والقرآنُ معه، لا يفترقانِ حتى يردا عليَّ الحوضَ».
وهذا ما تحدَّثَ به الإمامُ عندما تحدَّثَ عن ملازمتِهِ لكتابِ اللهِ تعالى حيث يقولُ: «وَوَاللهِ إِنْ جِئْتُهَا إِنِّي لَلْمُحِقُّ الَّذِي يُتَّبَعُ، وَإِنَّ الْكِتَابَ لَمَعِي، مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُهُ».
إنّ من تجلياتِ هذه الصفةِ في أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) أنّه كان يحملُ همّاً أساسيّاً وهو أنْ يأخذَ بالناسِ إلى الجنّةِ ويُجنّبَهم النارَ، ولذا يقولُ (عليه السلام) مخاطباً أهلَ البصرةِ: «فَإِنْ أَطَعْتُمُوني - فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ - وَإِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَمَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ»، ويقولُ الإمام الخامنئيُّ متحدّثاً عن هذه الخصوصيّةِ في شخصيّةِ الإمامِ (عليه السلام): «الهدفُ الذي كان لأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) تجاه الناسِ خلالَ فترةِ حكمِه... يقولُ إذا سمعتُم ما أقولُه لكم وعملتُم به، فإنّني سوف آخذكم إلى الجنّةِ إنْ شاءَ اللهُ. هذا هو هدفُ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام). إيصالُ الناسِ إلى الجنّةِ، سواء على الصعيدِ الفكريِّ [للناس]، أو على الصعيدِ الروحيِّ والقلبيِّ لهم، أو على صعيدِ حياتِهم الاجتماعيّةِ. إنّني أشدّدُ على هذه النقطةِ لأنّه يسمعُ أحياناً، هنا وهناك، عندما يجري الحديثُ عنِ الهدايةِ والإرشادِ وبيانِ حقائقِ الدينِ وما إلى ذلك، من يقولُ: يا سيّدي، وهل من واجبِنا أن نأخذَ الناسَ إلى الجنّةِ؟ نعم، نعم، هو كذلك. هذا هو الفرقُ بين الحاكمِ الإسلاميِّ وسائرِ الحكّامِ. يريدُ الحاكمُ الإسلاميُّ أنْ يعملَ لكي يوصلَ الناسَ إلى الجنّةِ ويتمتّعوا بالسعادةِ الحقيقيّةِ والأخرويّةِ... هذا هو واجبُنا، وهذا هو العملُ الذي حملَ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ (عليه السلام) أعباءَه على عاتقِه».
وختاماً، نبارك لوليِّ أمرِ المسلمينَ وللمجاهدينَ الأيّامَ الرجبيّةَ وذكرى ولادةِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
عليٌّ عليه السلام ميـزان الحَقّ
نشرت في
آراء و مقالات دينية