الحرص

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الحرص

"إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ"1.

خلق الله تعالى الإنسان على فطرة الانجذاب إليه وتوحيده، إلا أنَّ عوامل قد تتدخل لحرفه عن مساره الفطري ليقع في شراك الكفر.

ويمكن تصنيف هذه العوامل إلى ثلاثة:

1-عامل التربية في مراحل الطفولة
وهذا ما أشار إليه الحديث: " كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهوِّدانه وينصِّرانه"2.

2- شبهات فكرية عقائدية
فقد تطرأ شبهات في العقيدة لا يقنع الإنسان بأجوبة الإيمان عنها، امّا الضعف في المجيب، واما لخصوصية الحالة الذهنية عند صاحب الشبهة...الخ.

3- صفات نفسية
وهذا ما أشار إليه الحديث عن....: أصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد.
وهذا ما يدعو إلى الوقوف عند كل واحدة من هذه الصفات والبداية مع الحرص.

معنى الحرص
الحرص هو التعلَّق الشديد بالشيء والذي يصل إلى حدّ الافراط وتولِّد الجشع.

يُقال في اللغة: حرصت الماشية المرعى أي لم تترك منه شيئاً.
فالحريص على المال هو المتعلّق به تعلقّاً شديداً يخرجه عن حدِّ التوازن، فيتحول ماله إلى مالك لا مملوك له.
والحريص على المنصب هو المتعلِّق به تعلّقاً لا يتصوَّر أنّه سيتخلّى عنه أو يُعزل منه. فيكون مرؤوساً له بدل أن يكون الرئيس عليه.
وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى حالة الحريص الذي ينقله الحرص إلى موقع المملوك والمرؤوس لما يحرص عليه، بقوله (عليه السلام):" الحريص عبد المطامع"3.

سبب الحرص
إن الإنسان مفطور على حبِّ الكمال والسعي نحوه، لذا تراه حينما يعتقد شيئاً أنه كماله فإنّه ينجذب إليه، وقد يشتد انجذابه إلى درجة التشبث بذلك الشيء، فُيفرط في جشعه به.
لكن الإنسان قد يُخطىء مصداق الكمال، فينجذب إلى مصاديق النقص ويتفاعل معها كمحقِّقات لكماله. وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: "إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا" أي شديد الحرص، قليل الصبر.
ويمكن أن يُختصر عنوان مصاديق النقص بـ :"الدنيا" الغاية، مقابل الكمال الحقيقي الذي يتحقّق من خلال التوجّه إلى الله تعالى.
وبين التوجّه إلى الدنيا الغاية والتوجّه إلى الله تعالى معاكسة ظاهرة.
فالتوجّه إلى الله تعالى يولّد اطمئنان القلب، وبالتالي سعادة الإنسان (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). وفي هذا التوجُّه يحلو الحرص، فعن الإمام الباقر(عليه السلام) : "لا حرص كالمنافسة في الدرجات"4.
أمّا التوجّه إلى الدنيا فهو الذي ينتج الحرص السلبي، فعن الإمام علي(عليه السلام):" إن الدنيا مشغلة عن غيرها، ولم يصب صاحبها منها شيئاً إلا فتحت له حرصاً عليها، ولهجاً بها، ولن يستغني صاحبها بما نال فيها عمَّا لم يبلغه منها"5
وعن الإمام الباقر (عليه السلام):" مثل الحريص على الدنيا كمثل دود القز كلّما ازدادت من القز على نفسها لفّاً كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غمّاً"6.

لماذا الحرص من أصول الكفر؟
الجواب:
لأنَّ الحرص على الدنيا الذي يواكب الابتعاد عن ما يريد الله تعالى، وعن ما قسمه بين الناس يحمل في طيّاته الشكّ بالله، وقلّة الثقة به، من هنا كان الحرص من أصول الكفر الثلاثة.
وقد أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى هذا السبب بقوله الوارد عنه: "على الشكّ وقلّة الثقة بالله مبنى الحرص والشحّ"7.

آثار الحرص على الإنسان
على قاعدة حكمة الله وغناه، فإنّ الشريعة فقهاً وآداباً عبارة عن برنامج سعادة الإنسان، فالطاعات مولِّدات سعادة، والمنهيات عنها تُولِّد شقاء.

وقد أرشدت أحاديث أهل البيت (عليه السلام) إلى آثار الحرص السلبية على الإنسان التي تنتج شقاء منها:
1- فقدان الحياء، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام):" لا حياء لحريص"8.
2-المهانة والذلّ، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "الحرص ذلّ وعناء"9.
وعنه (عليه السلام): "الحريص أسير مهانة لا يُفكّ أسره"10.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام):" ما أقبح بالمؤمن ان تكون له رغبة تذلّه"11
سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام): أيّ ذلّ أذلّ؟ قال (عليه السلام):" الحرص على الدنيا"12
3-التعب وعدم الراحة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام):" الحريص متعوب فيما يضرّه"13.
وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث عن الحريص: "حُرِمَ القناعة فافتقد الراحة"14.
4-الفقر، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام):" الحريص فقير ولو ملك الدنيا بحذافيرها"15.
وبالتالي سُئل الإمام علي: "(عليه السلام) ما الفقر؟، فقال (عليه السلام): الحرص والشره"16
5-الشقاء، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام):" أشقاكم أحرصكم"17، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "من كثر حرصه كثر شقاؤه"18.

علاج الحرص
أ‌- التفكُّر: المسلك الأول في علاج الحرص ينطلق من تصحيح العقيدة بالله تعالى وحكمته، والإيمان بالآخرة وأنّها الدار التي تستأهل حقّاً –دون- الدنيا، اسم الحيوان، فإنّ ذلك ينفع في دفع الحرص السلبي عن الإنسان. من هنا أكدَّ القرآن الكريم على أن الدنيا ليست كما يظنّها الحريص، فقال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامً﴾19.
كما أكدَّ أن الآخرة هي الحياة الحقيقية بقوله: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾20.
وألفت أن الموجود في الآخرة خير وأبقى من المقصود في الدنيا بقوله تعالى: ﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾21

ب‌- الذكر: المسلك الثاني في علاج الحرص يكمن في تذكّر الموت وما يعقبها، وما يواكبه من الانقطاع عن هذه الدنيا فقد ورد في وصية الإمام الصادق لدفع الحرص: ﴿أما تحزن، أما تهتم، أما تألم؟ قلت: بلى والله . قال : فإذا كان ذلك منها فاذكر الموت، ووحدتك في قبرك، وسيلان عينيك على خديك، وتقطع أوصالك، وأكل الدود من لحمك، وبلاك، وانقطاعك عن الدنيا، فإن ذلك يحثك على العمل، ويردعك عن كثير من الحرص على الدني﴾22.

ج- التمثّل بالمستثنيين في الآية : ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ﴾23.

المُراد من الحقّ المعلوم
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "هو الشيء يعمله الرجل في ماله في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قلّ أو كَثُرَ غير أنّه يدوم عليه"24

وبداية يُفسِّر بها الإمام السجّاد الحقّ المعلوم بالتبرُّع (الصدقة غير الواجبة) يسأله أحدهم: فماذا يصنع به؟ قال : يصل به رحما ويقري به ضيفا ويحمل به كلا أو يصل به أخا له في الله أو لنائبة تنوبه"25.

سماحة الشيخ أكرم بركات

1- المعارج، الآيات 19-27.
2- الطوسي، الخلاف، ج3، ص 591.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص 61.
4- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1، ص 589.
5- نهج البلاغة، خطب الإمام علي(عليه السلام)، ج3، ص 78.
6- الكليني، الكافي، ج2، ص 134.
7- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1، ص 588.
8- اامرجع السابق، ج1، ص 586.
9- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص 61.
10- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1،ص 586.
11- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص 68.
12- المصدر السابق، ج12، ص 59.
13- المصدر السابق، ص 61.
14- البرجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج14، ص 30.
15- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1،ص 587.
16- الصدوق، معاني الأخبار،ص 244.
17- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص 62.
18- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1،ص 587
19- الحديد، 20.
20- العنكبوت 64.
21- القصص 60.
22- الصدوق، الأمالي، ص 426.
23- المعارج، الآيات 22-27.
24- الكليني، الكافي، ج3، ص 499.
25- الكليني، الكافي، ج3، ص 500.

قراءة 2695 مرة