تعدّ البقاع و الآثار الدينيّة تجسيداً للتاريخ الإسلامي، و معلماً من معالم تطوّر الحضارة الإسلاميّة. و تعكس هذه الأماكن و الآثار مسيرة تطوّر فنون العمارة و الخطّ و الزخرفة و غيرها من الفنون الإسلاميّة على مدى التاريخ، ممّا يؤهّلها لتلعب دورها باعتبارها أفضل مراكز الجذب السياحي الثقافي، إضافةً إلى ما تلعبه من دورٍ في انتقال الثقافة الإسلاميّة الغنيّة إلى الأجيال القادمة من المسلمين، و ما تساهم به من تقديم العبر و الدروس العميقة المستقاة من حياة الرسول الأكرم& و مسلمي صدر الإسلام. من هنا يمكن القول إنّ المحافظة على هذه الأماكن أينما كانت في أرجاء العالم إنّما هي محافظة على الأصالة و الهويّة الإسلاميّة و الحضارة الدينيّة.
المؤلف : قادر سعادتي* ترجمة: محمّد حسين حكمت
مقدّمة:
لمّا كان عصرنا الحاضر يشهد حضور بعض الفِرَق الساعية إلى هدم الآثار و المواقع الإسلاميّة، منطلقةً من تبريرات واهية لا تصمد أمام ما تمثّله هذه الأماكن و الآثار من تجسيدٍ لحضارة و أصالة و تاريخ كامل الأُمّة الإسلاميّة، و تجلٍّ لجانبٍ مهمّ من ثقافة و علوم المسلمين و فنونهم المختلفة في هذه الأماكن و الآثار، ممّا يفرض على الجميع المساهمة في توضيح الحقائق و لفت الأنظار إلى مختلف جوانب هذه المسألة.
و هذه المقالة تشير إلى بعض تأثيرات هذه الآثار في الحضارة الإسلاميّة.
مسائل عامّة و إيضاح بعض المفاهيم
البقاع و الآثار الدينيّة:
إنّ المقصود من البقاع و الآثار الدينيّة في هذه المقالة هو كلّ مكانٍ له علاقة بدين المسلمين و تعاليمهم و تاريخهم، مثل المساجد و المزارات و بيوت الأنبياء و الأئمّة7 و الصحابة، و الأماكن التي يُذكر فيها اسم اللّه، إضافةً إلى الآثار التي خلّفها أعاظم الدين، كالعصيّ و السيوف و الكتب الباقية منذ عصر صدر الإسلام.
معنى الحضارة:
الحضارة في اللغة تعني المدنيّة أي استيطان المدن و الأُنس بها[2]. أمّا في اصطلاح علم الاجتماع فهناك العديد من التعاريف لها.
و قد عرّف ويل ديورانت الحضارة بقوله: «إنّ الحضارة بشكلها العامّ عبارة عن نظام اجتماعي من ثماره تمهيد السبيل أمام الإبداع الثقافي و حصوله. و تقوم الحضارة على أربعة أركان و عناصر أساسيّة، هي: التنبّؤات و الاحتياط في الأُمور الاقتصاديّة، التنظيم السياسي، و الأعراف الأخلاقيّة، و السعي لنيل المعرفة و نشر الفنون»[3].
أمّا المفكّر الإسلاميّ الكبير ابن خلدون فقد اعتبر الاجتماع و التعاون و وجود الدولة و القانون و النظام من أركان الحضارة المهمّة[4].
و قال بعض آخر: «إنّ الحضارة هي ثمرة الازدهار الثقافي و مقبوليّة النظام الاجتماعي، أي الخروج من مرحلة البداوة و الدخول في مسيرة تأطير العلاقات الاجتماعيّة»[5].
علاقة الدين بالحضارة:
تكرّرت مفردة (مدينة) في القرآن أربعة عشر مرّة، مقترنةً بـ أل التعريف أي بصيغة (المدينة). أمّا (قرية) فقد تكرّرت ستّين مرّة، بأشكالٍ مختلفة من تعريفٍ و تنكير و إفرادٍ و تثنيةٍ و جمع. و جميع المستوطنات على وجه البسيطة ـ كبيرها و صغيرها ـ هي (قرية) بالاصطلاح القرآني، عدا تلك التي تضمّ بين جنباتها أفراداً صالحين و مؤمنين.
و لا تعني المدنيّة ـ بمقتضى الفطرة التوحيديّة ـ الحياة في المدن في قبال الحياة في القرى؛ لأنّ الإنسان المادّي حتّى لو سكن المدن يظلّ محروماً من الحضارة و المدنيّة الحقيقيّة، مثلما أنّ الإنسان الإلهي حتّى لو سكن في القرية فهو في الحقيقة يرتوي من مدنيّة الفطرة الأصيلة[6].
و يرى العلماء و المفكّرون الغربيّون أيضاً أنّ تأثير أنبياء اللّه و الأديان السماويّة في حصول التمّدن البشري هو من الأُمور القطعيّة غير القابلة للإنكار.
و يشترك ويل ديورانت، توينبي، سمز كلير، گوستاف لوبون، كريشنان و العديد من علماء الاجتماع الغربيّين الكبار في اعتقادهم أنّ أنبياء اللّه كان لهم الدور الأوّل بين بني البشر في ريادة التمدّن البشري[7]، كما أنّ الدين هو العامل الأوّل في تأسيس الأنظمة الحضاريّة[8].
أمّا كريشنان فيعتبر الدين أساس الحضارة و جوهرها، و هو بمثابة الروح بالنسبة لجسم المؤسّسة الاجتماعيّة؛ فكما أنّ الروح هي الباعثة لحياة الجسم و بقائه، فكذلك الدين هو أساس الحياة و مرتكز مدنيّتها[9].
و يعتبر ويل ديورانت أنّ أرقى المنظّمات نظماً و أكفأ التشكيلات و المؤسّسات مدينةٌ في وجودها و رقيّها إلى الدين[10].
إذن، فالدين و ما يستتبعه من علومٍ و تعاليم و طقوس دينيّة، و أماكن و مواقع دينيّة لها دورها المؤثّر و الفريد في تطوّر الحضارة البشريّة.
وجوب صيانة الآثار و المواقع التاريخيّة من منظار القرآن:
يظهر من التأمّل في القرآن الكريم أنّ الأُمم السالفة كانت تهتمّ بحفظ و صيانة آثار أنبيائها و التبرّك بها. و مثال ذلك التابوت الذي كان يحتوي على مواريث عائلة موسى و هارون، و كان بنو إسرائيل يحملونه معهم في حروبهم تبرّكاً و طلباً للنصر على أعدائهم، كما قال اللّه تعالى في محكم كتابه:
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أنْ يَأتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾[11].
قال المفسّرون: إنّ الذي كان في التابوت هو عصا موسى و ألواحه و عمامة هارون و قباءه[12].
و يظهر من ذكر اللّه تعالى هذه المسألة تأييده لحفظ و صيانة آثار موسى و هارون6؛ و من المعلوم أنّ المحافظة على آثار رسول الإسلام& أجلّ شأناً و أسمى من ذلك.
و قد أشار اللّه تعالى أيضاً في آية
﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾[13]
إلى بيوتٍ ذكر أ نّها تختلف عن البيوت الأُخرى، و صرّح بسموّ مقام هذه البيوت. و ذكر المفسّرون في ذيل هذه الآية أنّ رسول اللّه& لمّا تلا هذه الآية في المسجد قام إليه أحد الرجال فقال: «أيّ بيوتٍ هذه يا رسول اللّه؟»، فقال الرسول الأكرم& «بيوت الأنبياء»، فقام أبو بكر و أشار إلى بيت عليّ و الزهراء6 قائلاً: «هذا البيت منها ؟» أي من هذه البيوت التي أذن اللّه بسموّها و إعطائها تلك المنزلة الرفيعة، فأجابه&: «نعم، بل من أفاضلها»[14].
و كذلك الحال مع آية
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾[15]
و غيرها من الآيات الأُخرى التي تشير إلى أهمّيّة المحافظة على آثار الماضين و النظر إليها، و أنّ مشاهدة تلك الآثار تساهم في انكشاف الحقائق أمام الإنسان.
و هذه الآيات تشير إلى أنّ آثار و مساكن الأنبياء و الصالحين لها منزلة و مكانة خاصّة، و من الواضح أنّ هذه المنزلة ليست من جهة الجانب المادّي و الأحجار و الأثاث و المظاهر، بل إنّ هذه القيمة ناتجة من سكن الأفراد العظماء فيها.
سيرة المسلمين في المحافظة على الآثار الدينيّة:
اعتاد الناس منذ عصر حياة الرسول& على المحافظة على آثاره و التبرّك بها. و من ذلك طلب (عتبان بن مالك) من رسول اللّه& أن يصلّي في بيته كي يجعل من مكان صلاة الرسول مصلّىً له؛ فلبّى الرسول& طلبه ذاك[16].
و تشير هذه الواقعة إلى أنّه حتى مكان صلاة الرسول& لا يخلو من الأهمّيّة و الفضيلة، بحيث إنّ الصلاة فيه تعدّ أفضل من الصلاة في ما عداه من الأماكن، و أنّ هذه الفضيلة باقية ما بقي ذلك المكان.
و بعد رحلته& أيضاً كان الصحابة يبذلون جهدهم في الحفاظ على آثاره، من لباسٍ[17]، و خواتيم[18]، و أدوات حربيّة[19]، بل حتّى الواحدة من شَعره[20].
كما لم يغفل الصحابة عن الأمكنة التي كان الرسول& يتواجد فيها، بل أولوها اهتماماً متميّزاً. و قد اشتهر بين الصحابة (ابن عمر) بتتبّع تلك الآثار و الاهتمام بها و صيانتها.
و يقول ابن تيمية أنّ الإمام أحمد قد سئل عن حكم الشخص الذي يذهب إلى تلك المواقع؟ و أ نّه أجاب أنّ (ابن عمر) كان يتتبّع الأمكنة التي يمرّ بها الرسول&، و كان يسير في نفس الطرق التي سار فيها رسول اللّه&، حتّى و إن كان الرسول قد سلك هذا الطريق عابراً و اتفاقاً.
و ينقل البخاري في صحيحه عن موسى بن عقبة أنّه قال:
رأيت سالم بن عبد اللّه و هو يبحث عن أماكن معيّنة في الطرق التي يسير فيها، ثمّ يصلّي فيها و يقول: إنّ أبي كان يصلّي في هذه الأماكن، و قد رأى رسول اللّه& يصلّي في تلك الأمكنة. ثمّ يقول موسى إنّ (ابن عمر) كان يصلّي في تلك الأماكن أيضاً[21].
إنّ السياحة و التجوال في البلدان التي تحتضن قبور الأنبياء و الأولياء تشير إلى الاهتمام الكبير لأتباع الأنبياء بحفظ قبورهم و تشييد الأبنية الضخمة عليها.
كما يلاحظ عدم قيام الجيش الإسلامي بتخريب تلك القبور عند فتح الشام، بل أقرّ مَن كانوا يتولّون خدمتها في وظائفهم السابقة. و هكذا بقيت هذه الأبنية شاخصة حتّى هذا اليوم، تجذب إليها قلوب المسلمين، بل قلوب جميع موحّدي العالم.
و لو كان في البناء على قبور الأنبياء و الأولياء ما يدلّ على معنىً من معاني الشرك؛ لكان على الفاتحين القيام بتخريب و هدم تلك الأبنية، خصوصاً أ نّهم كانوا يستمدّون سلطاتهم من الخلفاء.
و تحفل الكتب التاريخيّة و الرحلات بما يدلّ على وجود المئات من المراقد و الأبنية الفخمة في بلاد الوحي و في بقيّة البلدان الإسلاميّة الأُخرى.
و بيّن الرحّالة المعروف ابن جبير الأندلسي (أواخر القرن 6) في رحلاته مراقد الأنبياء و الصالحين و أئمّة أهل البيت7 في مصر و مكّة و المدينة و العراق و الشام بالتفصيل[22].
و كلّ ذلك يؤكّد اهتمام المسلمين ـ شيعةً و سنّة ـ بصيانة الأماكن و الآثار الباقية منذ عصر صدر الإسلام.
مقوّمات الحضارة:
يمكن القول ـ استناداً إلى التعاريف التي ذكرها العلماء للحضارة و معاييرها و عناصرها ـ إنّ الحضارة هي حصيلة مجموعة التجارب البشريّة المكتسبة على مدى التاريخ، و التي تتألّف من عناصر مختلفة، و تساهم عوامل عديدة في ترسيخها و ازدهارها. و هناك عدّة أركان و مميّزات مهمّة لأيّ حضارة، هي: وجود النظام الاجتماعي في المجتمعات البشريّة، و وجود المنظّمات السياسيّة و الاقتصاديّة الكفيلة بتأمين الأمن و الازدهار للمجتمع، و التطوّر العلمي، و تديّن المجتمع و إيمانه باللّه، و وجود القِيَم الأخلاقيّة و العدالة الاجتماعيّة، و الفنّ، و التعاون، و الحرّيّة.
إنّ كلّ واحدٍ من الأماكن الدينيّة يعكس جانباً من جوانب الحضارة الإسلاميّة، فبعضها يعكس وجود المؤسّسات السياسيّة و الاقتصاديّة في صدر الإسلام، و بعضها يعكس غنى الإسلام و عدالته و حاكميّة الأخلاق في المجتمع الإسلامي، و بعضها يوجّه الأذهان نحو عقائد المجتمعات الإسلاميّة و عقلانيّتها، و بعضها يدلّ على تطوّر الفنون البشريّة و تداخلها مع القيم المعنويّة و الإيمانيّة باللّه.
و في ما يلي من أقسام المقالة سنتحدّث بالتفصيل عن هذه النقاط.
علاقة الآثار و الأماكن بالحضارة الإسلاميّة
إنّ من الأُمور التي تشير إلى أصالة و تمدّن أيّ مجتمعٍ من المجتمعات هي المواقع و الآثار الباقية من حضارة ذلك المجتمع.
و هذه الآثار يمكن لها أن تكون مرآةً تعكس عمق و أصالة الحضارة التي تمثّلها من عدّة جهات.
و هنا نشير إلى بعض تلك الجهات:
1 ـ الأماكن الدينيّة و التعبير عن التاريخ الإسلامي:
تمثّل الآثار التي خلّفتها العصور القديمة و المنتشرة في أصقاع الأرض المختلفة شواهد حيّة تنطق بتاريخ هذه المناطق، و طالما استفاد الإنسان منها في معرفة ذلك التاريخ أكثر من استفادته من التاريخ المدوّن. إنّ تلك الآثار الباقية من العصور الماضية تنقل لنا أشكالاً و صوراً و رسوماً تعبّر عن روح و أعماق و تفكير شعوبها مثلما تعبّر عن قوّتها و عظمتها و ضعفها، في حين لا يعكس التاريخ المكتوب إلاّ الحوادث الواقعة و لا ينقل إلاّ صوراً جامدةً لا حياة فيها.
إنّ كلّ واحدٍ من خرائب قصور الظلمة و الأبنية العملاقة لأهرام مصر و برج بابل و قصور كسرى و آثار حضارة سبأ و المئات غيرها من أمثالها المتناثرة في أرجاء المعمورة رغم السكون المخيّم عليها إلاّ أ نّها تنطق بألف لسان و تخاطب مشاهديها بأفصح العبارات[23]، و تعبّر عن الوقائع التاريخيّة التي أوجدتها.
و من هنا كان تأكيد القرآن على دعوته للناس أن يسيروا في المناطق التي كانت تسكنها الأقوام السابقة التي خضعت للامتحانات الإلهيّة، و أن يتفكّروا في خرائبهم و آثارهم التي خلّفوها، نظراً لما في ذلك من الأهمّيّة الفائقة التي يمثّلها انعكاس واقع تلك الأقوام في تلك الآثار.
إنّ الاهتمام بتاريخ الماضين و صيانة تراث الأجداد الثقافي يعدّ واحداً من علامات التمدّن و التحضّر لدى أيّ مجتمعٍ من المجتمعات، حتّى صارت المجتمعات لا تسمح بضياع أيّ أثرٍ من آثار حضارتها مهما كان صغيراً.
و الحضارة الإسلاميّة هي الحضارة الوحيدة التي سبقت عصرها، و التي بناها المسلمون في ظلال تعاليمهم السماويّة. و قد وصل تطوّر هذه الحضارة أوج ازدهاره في القرنين الرابع و الخامس الهجريّين، حتّى أقرّ الباحثون الغربيّون بتأثير هذه الحضارة على أوربا و نفوذها إليها عن طريق الأندلس و الحروب الصليبيّة، و صارت من أهمّ أسباب ازدهار و نهضة الغرب في القرون الأخيرة.
إنّ الآثار و الأبنية ذات الصلة بشخص الرسول& و أصحابه الأوفياء تمثّل جزءاً من الإرث المشترك لهذه الحضارة العظيمة، و القيام بتخريب و هدم هذه الآثار يدلّ على مدى الانحطاط الفكري و الاستهانة بصنّاع التاريخ و بناة الحضارة، بل ـ و هو الأهمّ ـ سبباً في اضمحلال الحوافز الفكريّة و العقائديّة و قتلاً لروح الإبداع في أفراد المجتمع البشري[24].
و لو زالت آثار التاريخ الإسلامي و الأماكن المعبّرة عن تاريخ الإسلام و حضارته فلربما أدّى ذلك إلى نسيان بعض الوقائع و الأحداث الحاصلة في التاريخ الإسلامي، فتكون النتيجة إنكار البعض لوقوعها أصلاً.
و قد حصل مثل هذا في قوم سبأ إذ أنكر الناس ما حصل لهم حتّى كشف العلماء أخيراً عن آثارهم التي خلّفوها فنطقت بما جرى[25].
و في فترة من الفترات شكّك البعض بوجود السيّد المسيح4 لعدم وجود ما يدلّ عليه من الآثار. و قد ذكر المؤرّخ الأمريكي ويل ديورانت في كتابه «تاريخ الحضارة» تفاصيل ذلك التشكيك بالسيّد المسيح4 الذي استمرّ حوالي المائتي عام.
هذا في الوقت الذي نفتخر فيه نحن المسلمون و نتباهى على غيرنا طوال التاريخ بوجود العظماء في أُمّتنا من الذين لا زالت قبورهم معلومةً شاخصةً لنا رغم مضيّ القرون المتمادية[26]، و وجود بعض آثارهم بين ظهرانينا.
و بعبارةٍ أُخرى؛ يمكن القول إنّ الأماكن و الآثار الإسلاميّة ما هي إلاّ (التاريخ المجسّم للإسلام)، فكلّ واحدٍ من تلك الأماكن يعيد إلى الأذهان إحدى الحقائق التاريخيّة للمسلمين، من أمثال: مسجد قبا، و مسجد ذو القبلتين، و مسجد المباهلة، و أعمدة المسجد النبوي، و أماكن غزوات الرسول&، و مقابر شهداء الإسلام، و بيوت النبيّ&، و القبور الموجودة في مقبرة البقيع، و موقع شهداء معركة فخ، و بستان فدك، و سقيفة بني ساعدة، و غير ذلك من المساجد المعروفة في المدن الإسلاميّة، و المراقد المقدّسة في كربلاء و مدينة مشهد4 و ...؛ إذ تنطق كلّ واحدةٍ منها بواقعةٍ من وقائع التاريخ الإسلامي.
2 ـ تأثير الأماكن الدينيّة في الثقافة و العقيدة الإسلاميّة:
أشار المحقّقون إلى عدّة فروق بين الثقافة و الحضارة، منها:
1 ـ إنّ الحضارة تعبير عن الجوانب العلميّة و الملموسة و الفنّيّة و المعلوماتيّة، بينما الثقافة تعبّر عن الجوانب الذهنيّة و المعنويّة. و هكذا تندرج الموضوعات من قبيل الفلسفة و الحكمة و الآداب و المعتقدات الدينيّة و غير الدينيّة في إطار الثقافة.
2 ـ تغلب على الحضارة الصبغة الاجتماعيّة، بينما تغلب على الثقافة الصبغة الفرديّة»[27].
و كما تعبّر أماكن الماضين و آثارهم عن حضارة المجتمع الإسلامي، فإنّ هذه الأماكن نفسها ـ و خصوصاً البقاع الدينيّة المقدّسة ـ تلعب دوراً موثّراً أيضاً في تسويق و انتقال الثقافة و العقائد الإسلاميّة إلى الجيل المعاصر.
و في ما يلي بعض توظيفات الآثار و الأماكن الدينيّة في الثقافة الإسلاميّة:
أ ـ توظيف الأماكن الإسلاميّة للتعريف بالثقافة الإسلاميّة:
إنّ الأماكن و الآثار الإسلاميّة يمكن أن تلعب دوراً مهمّاً في التعريف بثقافة القرون السابقة، و هكذا تكتسب آثار العصر النبويّ أهمّيّةً خاصّة من هذه الزاوية حيث تساعد في تبيين الثقافة الإسلاميّة في ذلك العصر.
و على سبيل المثال، يعكس التراث المكتوب الواصل إلينا من قرون الإسلام الأُولى حبّ المسلمين و عشقهم للعلم. في حين تبيّن الآثار الفنّيّة تطوّر الفنون و المهارات بين المسلمين. بينما تدلّ بعض الأماكن التي تعيد إلى الأذهان ذكرى بعض الوقائع الخاصّة الحاصلة في التاريخ الإسلامي على الثقافة الاجتماعيّة بين المسلمين، كساحات معارك أُحد و الخندق و خيبر، و كلّها ناطقة بانتشار قِيَم الشهامة و الشهادة و الدفاع عن الدين بين المسلمين. أمّا كثرة المساجد و المعابد فتنطق بانتشار ثقافة العبادة بينهم. و هكذا مع بقيّة الآثار و الأماكن التي يشير كلّ واحدٍ منها إلى جانبٍ من جوانب الثقافة الإسلاميّة الأصيلة القائمة على أساس التوحيد.
و كما تلعب هذه الأماكن دورها في التعريف بالواقع الثقافي لزمانها، لكنّها يمكن أن تلعب دوراً آخر لا يقلّ أهمّيّة عن ذلك، ألا و هو المساهمة في الخلق و الإبداع الثقافي، و ذلك من خلال نقلها لثقافة الأجيال الإسلاميّة السابقة إلى الأجيال اللاحقة، ممّا يجعلها في عِداد عوامل بقاء الثقافة الإسلاميّة و استمرارها.
ب ـ دور الآثار الإسلاميّة في التذكير بأخلاق و سيرة الرسول& و المسلمين:
يكمن خلف كلّ واحدٍ من الآثار و الأماكن التاريخيّة الدينيّة حدثٌ تاريخيّ يمكن أن يكون درساً و عبرةً للآخرين.
و في هذا السياق تلعب آثار رسول الإسلام و أهل بيته7 ـ و هم المعصومون من كلّ ذنب ـ دوراً في هداية و توجيه الأجيال اللاحقة.
و هنا نشير إلى بعض الأماكن و الآثار التي يمكن أن تقدّم لنا الدروس و العِبَر المختلفة:
1 ـ البيوت البسيطة و الأماكن المتواضعة التي عاش فيها رسول اللّه&، و التي اندرست آثارها مع الأسف، إذ كان يمكن لها أن تكون دافعاً قويّاً للترغيب بثقافة بساطة العيش و الزهد و الابتعاد عن البذخ و الترف.
تقول المصادر التاريخيّة: لمّا أمر الوليد بن عبد الملك عامله على المدينة عمر بن عبد العزيز أن يقوم بتخريب بيوت زوجات النبيّ& لتوسيع المسجد، قام الناس بالبكاء بكاءً شديداً حزناً على تخريب بيوت النبي&.
يقول عمران بن أبي أنس: كنت في مسجد رسول اللّه& فرأيت جمعاً من الصحابة ـ منهم: أبو سلمة بن عبد الرحمن، و أبو أُمامة بن سهل، و خارجة بن زيد ـ يبكون بكاءً شديداً حتّى ابتلّت محاسنهم من الدمع.
و سمعت أبو أُمامة يقول:
«ليتها تُركتْ حتّى يقصّر الناس من البنيان و يروا ما رضيَ اللّه عزّ و جلّ لنبيّه& و مفاتيح الدنيا بيده»[28].
و يقول سعيد بن المسيّب:
«واللّه لوددتُ أ نّهم لو تركوها على حالها، ينشأ ناس من أهل المدينة و يقدم القادم من الأُفق فيرى ما اكتفى به رسول اللّه& في حياته، فيكون ذلك ممّا يزهّد الناس في التكاثر و الفخر»[29].
و كما نقلنا على لسان هذا الصحابيّ و التابعيّ فإنّ وجود آثار و بيوت النبيّ& و الأماكن ذات الصلة بتاريخهم كان سيوجب تذكير الناس بسيرة و سلوك الرسول& ممّا يوجب أيضاً ترغيب مسلمي العصور التالية بالمضي على سيرته.
إذن، فهذه الأماكن واحدةٌ من طرق انتقال ثقافة و أخلاق العصر النبويّ& إلى الأجيال اللاحقة.
2 ـ أماكن عبادة الرسول& و أهل البيت7، حيث يذكّر كلّ واحدٍ منها بلزوم الارتباط بالخالق الواحد. فالإنسان إذا ما رأى مثل هذه الأماكن ـ كاسطوانة التهجّد في مسجد النبيّ&، و مكان عبادة الإمام عليّ4 في مسجد الكوفة، و مواضع و مقامات العبادة المنسوبة إلى غيرهم ـ يفهم من ذلك أنّ ثقافة الارتباط باللّه يجب أن تكون حاضرةً في حياة الإنسان.
3 ـ مواقع غزوات و حروب الحقّ على الباطل، و قبور الشهداء في سبيل الإسلام، كمنطقة أُحد و قبور شهداء أُحد، و منطقة شهداء معركة فخ، و كربلاء المقدّسة، حيث تؤثّر مشاهدة هذه الأماكن تذكيراً للنفوس بوجوب الدفاع عن الحقّ و مجابهة الباطل، كما تعيد إلى الأذهان سلوك بعض الصحابة حين ضحّوا بأنفسهم دفاعاً عن رسول اللّه& في غزواته و نصرتهم لأهل بيته7 في كربلاء، مثلما تعيد إلى الأذهان منظر فرار بعضٍ آخر و انحرافهم عن طريق الحقّ.
و كلّ هذه الدروس يمكن أن تنتقل إلى الأجيال القادمة عند مشاهدتها لهذه الآثار.
ج ـ دور الأماكن الدينيّة في ترسيخ العقائد الإسلاميّة:
من الوظائف المهمّة للأماكن و الآثار الدينيّة تذكير مَن يشاهدها بالعقائد الإسلاميّة.
و هذه المسألة يشعر بها الإنسان شعوراً واضحاً عند حضوره مواضع مناسك الحجّ، حيث يغرق الحاجّ بمشاعر التوحيد و النبوّة و المعاد.
فرمي الجمرات و التضحية في منى يذكّران بذبح النفس، و الطواف حول بيت اللّه علامة التوحيد و نفي الشرك، و مقام إبراهيم و حِجر إسماعيل و ماء زمزم و المسعى كلّها تذكّر بنبوّة أنبياء اللّه، و الحضور في عرفات و المشعر يذكّران بعقيدة يوم المحشر.
و مضافاً إلى أماكن مناسك الحجّ يمكن لآثار عصر الرسول الأكرم& أن تذكّر الإنسان أيضاً بالعقائد الحقّة. و من بين هذه الآثار يمكن الإشارة إلى الموارد التالية:
1 ـ القبر النبويّ& الشريف؛ حيث ينقل كلّ مَن يشاهده إلى أجواء رسالته و نبوّته و عظمة مقامه و منزلته عند اللّه تعالى، و خُلقه العظيم و الوحي المنزل عليه و تعاليم الدين الإسلاميّ.
2 ـ قبور أئمّة أهل البيت7 في البقيع؛ المذكّرة بلزوم مودّة أهل البيت7 طبقاً للآية القرآنيّة: ﴿قُلْ لا أسْأ لُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾[30]. كما تذكّر مُشاهدها بتأكيد الرسول& بلزوم محبّته و اتّباعه اللذان يدعو إليهما حديث الثقلين القائل: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب اللّه و أهل بيتي، و أ نّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض»[31].
3 ـ مسجد ضرار؛ حيث يذكّر بلزوم معرفة العدوّ و مؤامراته و الحذر من الوقوع في مصائد نفاقه.
4 ـ غار حرّاء؛ المذكِّر بنزول مَلَك الوحي و حقّانيّة النبوّة و نزول الوحي.
5 ـ مسجد ذو القبلتين؛ الذي يرمز إلى تغيير قبلة المسلمين.
6 ـ مسجد ردّ الشمس؛ حيث يعيد إلى الأذهان معجزة رسول اللّه& الباهرة.
و هكذا ـ مضافاً إلى ما ذكرناه ـ تؤثّر بقيّة الآثار و الأماكن أيضاً في تذكير الزائر و المشاهد لها بالعقائد الإسلاميّة، و يكون تأثيرها أمضى مفعولاً من الحديث و الاستماع و القراءة.
د ـ مشاهدة الأماكن و الآثار التاريخيّة وسيلة من وسائل فهم القرآن و الروايات:
إنّ وجود الآثار الإسلاميّة من القرون الماضية ـ و خصوصاً عصر الرسالة ـ لها أبلغ الأثر في فهم الآيات القرآنيّة و شأن نزولها، و في فهم الأحاديث النبويّة& كذلك.
فالأحاديث النبويّة و السيرة الشريفة ربما امتزجت في بعض الأحيان بأسماء الأمكنة و المواقع الجغرافيّة و غيرها ممّا يرتبط بالتاريخ و الحضارة الإسلاميّة. و ربما كان هذا الارتباط في بعض الأحيان ارتباطاً وثيقاً و شديداً بالماضي الثقافي لهذا الدين الإلهي الطاهر و أتباعه حتّى صارت الإشارة إلى أيّ مكانٍ و موقع مدعاةً لتذكّر بعض الوقائع المصيريّة.
من هنا، صار التعرّف على هذه الأمكنة من جهة ما كان لها من تاريخ و موقع جغرافيّ عاملاً مساعداً في التعرّف على ماضي المسلمين و تاريخهم و حضارتهم، مثلما يسهّل عمليّة إدراك و فهم إحدى الآيات أو الأحاديث أو الأحكام أو التعاليم الإسلاميّة[32].
مثال ذلك ما أورده القرآن الکريم في بعض آياته من قصّة (قوم سبأ)، و قد ظلّ مؤرّخو العالم ردحاً من الزمن يعلنون عدم معرفتهم بوجود مثل هذا الشعب و مثل هذه الحضارة. و كان هؤلاء المؤرّخون قبل حصول الاكتشافات الجديدة لا يذكرون شيئاً عن سلسلة ملوك سبأ و حضارتهم العظيمة، معتبرين (سبأ) مجرّد شخصية وهمية و هو الأب لمؤسّس دولة (حِمْيَر)؛ هذا في الوقت الذي توجد في القرآن سورة كاملة باسم هذا الشعب، و تشير آياتها إلى واحدٍ من مظاهر حضارتهم المتمثّل في بناء سدّ مأرب التاريخي.
أمّا بعد اكتشاف الآثار التاريخيّة لهؤلاء القوم في اليمن فقد تغيّرت عقيدة العلماء؛ إذ تحرّك عددٌ قليل من علماء التاريخ القديم ـ مدفوعين برغبتهم الشديدة في كشف أسرار آثار سبأ ـ و تمكّنوا من الوصول إلى قلب مدينة (مأرب) و أطرافها، و أخذوا نماذج من الآثار و الخطوط و الكتابات العديدة المحفورة على الصخور لدراستها.
و منذ ذلك الحين توالت المجاميع البحثيّة في القرن التاسع عشر الميلادي في الذهاب إلى هناك حاملةً معها عند عودتها إلى أوربا آثاراً ثمينة من تلك المواضع، حتّى توصّلوا إلى حلّ ألغاز هذه المجموعة من الرسوم و الخطوط و الآثار الأُخرى التي بلغ عددها الألف نموذج، و تعرّفوا على تفاصيل حضارة هؤلاء القوم و تاريخ بناء سدّ مأرب و غير ذلك من المعلومات الأُخرى.
و هكذا ثبت للغرب أنّ ما ذكره القرآن في هذا الخصوص لم يكن خرافةً و لا أُسطورة، بل إحدى الحقائق التاريخيّة التي لم يكونوا يعلمون شيئاً عنها، و صاروا اليوم يمتلكون خرائط تفصيليّة عن هذا السدّ العظيم و محلّ عبور الماء و سواقي البساتين من كلتا الجهتين اليمنى و اليسرى و كلّ التفاصيل الأُخرى[33].
إنّ ضياع آثار التاريخ الإسلامي، و زوال الأماكن التي تشير إلى التاريخ و الحضارة الإسلاميّة، يمكن أن يدفع ببعض وقائع التاريخ الإسلامي إلى مصيرٍ لا يختلف كثيراً عن ما كان عليه الحال في مسألة قوم سبأ، حتّى يظهر آنئذٍ مَن ينكر تلك الوقائع أيضاً.
إذن، يمكن القول إنّ المحافظة على هذه الأماكن و حمايتها، هو بمثابة حفظ و صيانة للتاريخ و الحضارة الإسلاميّة.
3 ـ دلالة الأماكن الدينيّة على رقيّ النظام الإداري الإسلامي:
إنّ وجود القوانين المتطوّرة و النظام الإداري و التنظيم السياسي المعيّن لإدارة المجتمع يعدّ واحداً من علائم الرقيّ الحضاري.
و قد قدّم الإسلام من الناحية القانونيّة أرقى القوانين الهادفة إلى إدارة المجتمع؛ لأنّ قوانينه موضوعة من قبل خالق الإنسان، و هي تسوقه إلى الكمال الذي يليق به من الناحيتين الفرديّة و الاجتماعيّة.
و في عصر الرسول& كانت المجتمعات المختلفة تدار بأنظمة إداريّة ناقصة، و خصوصاً في جزيرة العرب التي لم تعرف نظاماً إداريّاً عقلانيّاً للمجتمع سوى ما كان فيها من القبليّة و استبداد الرؤساء. فلمّا هاجر رسول اللّه& إلى المدينة و أقام حكومته الإسلاميّة أدار المجتمع الجديد ـ الذي كان أفراده قبل ذلك أعداءً في ما بينهم ـ بشكلٍ أدّى إلى تأسيس مجتمعٍ يطفح بالصدق و العزم و النشاط، حتّى أنّ أفراد ذلك المجتمع كانوا يشعرون بالسعادة و التفاؤل رغم وجود المصاعب الجمّة المحيطة بهم.
و يمكن تلمّس بعض أركان النظام الإداري لمجتمع تلك الفترة من الآثار الباقية منذ صدر الإسلام، حيث نشير هنا إلى بعضها في مسجدَي رسول اللّه& و الكوفة على سبيل المثال، و هما اللذان كانا في ذلك الزمان مركزاً للحكومة و عملها في إدارة المجتمع الإسلامي.
و من أمثلة الآثار الباقية حتّى الآن من النظام الإداري في المسجد النبويّ& هي اسطواناته العديدة التي تشير كلّ واحدةٍ منها إلى جانبٍ من جوانب الأعمال الحكوميّة في ذلك الحين، و هي:
اسطوانة الحَرَس (المحرّس)[34]؛ حيث كان الإمام عليّ4 يجلس إلى جانب هذا العمود كي يحرس الرسول&.
و يشير هذا العمود إلى وجود قوّة لتوفير الأمن في حكومة الرسول&، و هي القوّة التي يعادلها بالمصطلحات المعاصرة وزارة الدفاع.
اسطوانة الوفود؛ إذ كان من أعمال رسول اللّه& المستمرّة هو استقباله زعماء القبائل لتعريفهم بالإسلام، أو لعقد المفاوضات السياسيّة. و قد خصّص& مكاناً في المسجد لهذا الأمر، و كان يستقبل فيه الوفود دائماً. و يقع هذا المكان الذي تتمّ فيه اللقاءات إلى جانب أحد أعمدة المسجد صار يعرف بعد ذلك باسم (اسطوانة الوفود)، و هو اليوم لا يزال يعرف بهذا الاسم. و يعادل ذلك بالمصطلحات المعاصرة وزارة الخارجيّة.
اسطوانة الحنّانة؛ في بداية دعوة رسول اللّه& حينما لم يكن المنبر قد صُنع بعد، كان إذا أراد تلاوة الآيات النازلة عليه على الناس اتّكأ على نخلةٍ و قرأ تلك الآيات و علّمهم دينهم.
و يذكر المؤرّخون أ نّه لمّا صنعوا منبراً لرسول اللّه& و صعد عليه ليخاطب الناس، سمعوا لهذه النخلة حنّةً كأ نّها حنّة الناقة.
و هذا العمود يذكّر مشاهده أنّ الرسول& قد خصّص مكاناً معيّناً في حكومته لتعليم الأفراد، و هو ما يعادل بالمصطلحات المعاصرة وزارة التربية و التعليم.
الاسطوانة المخلَّقة؛ الخَلوق هو العطر، فيكون معنى المُخلَّقة هو المعطّرة. و الاسطوانة المخلّقة هي العمود الذي يضعون العود عليه حتّى يعطّروا جوّ المسجد.
و ما تثيره رؤية هذه الاسطوانة في الذهن هو مدى اهتمام حكومة رسول اللّه& بالصحّة، و خصوصاً صحّة الأماكن العامّة. و هذا يعادل ما اصطلح عليه في هذا العصر بوزارة الصحّة.
اسطوانة السرير؛ و من اسطوانات المسجد الأُخرى واحدةٌ كانت محلاًّ لجلوس رسول اللّه& أيّام اعتكافه، و كان الصحابة يصنعون من سعف النخيل ما يفرشوه في هذا المكان لجلوس الرسول& عليه. و هذا المكان يقع إلى جانب اسطوانة السرير هذه و صار يعرف باعتباره سريراً لنوم رسول اللّه&.
و هذه الاسطوانة تحكي أهمّيّة العبادة، و خصوصاً العبادات الجماعيّة، باعتبارها عاملاً حيويّاً في تربية الأفراد. و ما يعادلها في هذا العصر هو وزارة الإعلام.
مئذنة بلال: و هي التي كان بلال يرفع الأذان فيها، بالإضافة إلى كونها مكاناً لانتشار ما يلزم من الأخبار بين الناس. فعندما كان الرسول& يريد جمع الناس في المسجد لاطلاعهم على أحد الأُمور المهمّة أرسل إلى هذه المئذنة مَن يدعوهم بأعلى صوته للتجمّع. و هذا ما يقابل في أيّامنا هذه وزارة المواصلات و مؤسّسات الإذاعة و التلفزيون.
الصفّة: و هي تحيي في الأذهان ذكرى تضحية تلك المجموعة من المسلمين المفتقرين إلى كلّ لوازم الحياة، حيث كانوا يجلسون على تلك الدكّة أمام المسجد فيجلب لهم بقيّة المسلمين ما استطاعوا من الغذاء. و هذا يقابل المؤسّسات الخيريّة في زماننا هذا.
و قد استمرّ وجود هذا النظام الإداري أيضاً في زمن حكومة الخلفاء و الإمام أمير المؤمنين علي4. و لمّا اتّسعت حدود المجتمع الإسلامي توسّع هذا النظام أيضاً، فمثلاً لمّا انتقل مركز حكومة أمير المؤمنين علي4 إلى الكوفة صار مسجدها مقرّاً لإدارة أمور الناس آنذاك، و هو ما تفصح عنه الآثار و الأماكن الباقية حتّى الآن من ذلك العصر في هذا المسجد و التي تعكس بعضاً من ملامح ذلك النظام.
و من تلك الأماكن (رحبة أمير المؤمنين) المشهورة، حيث كان الإمام4 يجلس فيها قبل الصلاة و يتولّى الإجابة عن أسئلة الناس. و (دكّة القضاء) المعروفة أيضاً حيث كانت تعقد فيها محاكمه، و تعيد إلى أذهان الناظر إليها قصص قضائه العجيبة الممتعة. و هي تعادل اليوم السلطة القضائيّة بما فيها المحاكم المختلفة.
إنّ كلّ زاوية من زوايا الأماكن و الآثار الباقية من عهود الحكومات الإسلاميّة تحكي جانباً من جوانب التطوّر الحضاري لتلك المجتمعات، و تعكس للمشاهد ما كان عليه النظام الإداري الإسلامي من قوّة، و تقدّم للأجيال الإسلاميّة القادمة نموذجاً تحتذي به.
4 ـ انعكاس الفنون الإسلاميّة في الأماكن الدينيّة:
الفنّ ظاهرة شغلت الفكر الإنساني منذ القدم، و طوى مسيرة تكامله عبر الجوانب المختلفة لحياة الإنسان. و هذه الظاهرة كغيرها من الظواهر الأُخرى المرتبطة بالحياة الإنسانيّة تحتاج إلى التكامل من أجل ثباتها و استمرارها.
«إنّ تكامل أيّ فنّ يحصل استناداً إلى محرّكات دنيويّة و دينيّة»، و الإسلام برسومه و أُصوله و قوانينه يعدّ واحداً من أقوى المحرّكات الدينيّة، كما أنّ الأبنية و الأماكن الدينيّة كالمساجد و المزارات تعتبر من مراكز الإبداع الفنّي المهمّة.
و ما تحتويه المزارات و المساجد من الإبداعات الفنّيّة تساهم في نقل المفاهيم الإسلاميّة إلى الآخرين بلغة الفنّ المتمثّلة بالصورة و اللون. و هكذا تنطق الأعمال الفنّيّة المنفّذة بالكاشي أو الآجر أو الجبس و لوحات التزجيج و الرسم و النقش و النحت و غير ذلك بلسانٍ فنّيٍّ يفصح عن مدى تطوّر الثقافة و الحضارة الإسلاميّة[35].
إنّ الفنّ الإسلامي هو ذلك الفنّ المقدّس الذي ينقل الرسالة الإلهيّة إلى البشريّة. و ممّا يتكفّل به هذا الفنّ الذي نشاهده في الأماكن المقدّسة من الرسائل و التأثيرات المعنويّة هو المحافظة على حيويّة القيم العليا، و الحياة الهادفة، و تقوية العلاقة البشريّة مع اللّه في عصر موت القِيَم، و عقلنة الحياة في مقابل العبثيّة و الإلحاد و الابتعاد عن اللّه.
و يمكن للفنّ الإسلاميّ في العالم المعاصر القيام بوظائف مهمّة و عجيبة تتمثّل في تأشير القبائح و الانحرافات، و إيقاظ المجتمع، و موعظة الناس لتصحيح مسير حركتهم و أُسلوب حياتهم، و هداية الفرد و المجتمع نحو الإحسان و السعادة و الكمال، و تعليم المجتمع و المساهمة في الارتقاء بمستوى ثقافة و بصيرة و وعي الأفراد و المجتمعات، و تقديم دروس الفتوّة و الكرامة و عزّة النفس و الإيثار و العفو و المساواة و الكفاح من أجل العدالة، حتّى يمكن للمرء مشاهدة الآثار المباشرة و غير المباشرة لها في مختلف أوساط المجتمع[36].
و لا يمكن لهذا الفنّ المحمّل بكلّ هذه الوظائف أن يظهر إلاّ في الأماكن المقدّسة كالمساجد و المراقد المقدّسة.
و من بين الفنون التي برزت في الأماكن و الآثار الإسلاميّة ما سنذكره في السطور التالية:
أ ـ العمارة الإسلاميّة في الأماكن الدينيّة:
نشأ الفنّ المعماري الإسلامي منسجماً مع لغة القرآن، و هو يعكس عمق و غنى الحضارة الإسلاميّة من خلال توظيفه للقِيَم الروحيّة، بحيث تتجلّى في العمارة الإسلاميّة عقيدة التوحيد و الإيمان بالتعاليم الإسلاميّة باعتبارهما مفهوم علم الجمال في الدين الإسلامي.
يميّز الفنّانون بين العمارة و فنّ العمارة، معتبرين إيّاهما مفهومين منفصلين عن بعضهما انفصالاً تامّاً.
ففي العمارة يكون المقصود هو البناء لأداء الواجبات الاجتماعيّة و توفير الخدمات، كبناء الأماكن السكنيّة أو العباديّة أو المدرسيّة. أمّا في الفنّ المعماري فيكون التأكيد على الاستفادة من الأساليب الفنّيّة و الوسائل التجميليّة على الحيطان و السقوف و الأعمدة و الشبابيك و الأبواب، بل حتّى الحدائق و الأحواض أيضاً تدخل بصورةٍ من الصور ضمن الفنّ المعماري، لتساهم في تقوية تأثير مشاهدة البناء على المشاهد.
و هكذا امتاز فنّ العمارة الإسلاميّة على مدى القرون المختلفة بكثرة استفادته من الآيات القرآنيّة باعتبارها أبرز إبداعات الفنّ الإسلامي، حتّى انتشر توظيف كتابة الآيات القرآنيّة بخطوطٍ و أشكال معيّنة على السقوف و الجدران و الأعمدة لغاياتٍ جماليّة.
و من أبرز و أقدم الخطوط الجميلة المستخدمة في الفنّ المعماري الإسلامي ما نشاهده في تزيين الجانب الداخلي من قبّة الصخرة حيث كتبت فيها الآيات القرآنيّة بالخطّ الكوفيّ المزيّن بالموزاييك.
لقد مثّلت المساجد و الأبنية الدينيّة دوماً قمّة التطوّر الفنّي للعمارة الإسلاميّة، حيث يلاحظ المشاهد ذلك التطوّر في ملامح البناء و الإبداع في فضاءات المساجد و المراقد المقدّسة، و وضع الأقواس و السقوف و القباب و المقرنسات باعتبارها من أنواع الزخارف المجسّمة و ثلاثيّة الأبعاد[37].
يستند فنّ العمارة الإسلاميّة مضافاً إلى مكانته الفنّيّة، إلى خلفيّة علميّة عالية حيث يستفيد استفادة واسعة من المقاييس الرياضيّة و الهندسيّة الدقيقة. و من هنا كانت الأمكنة التي زيّنها الفنّانون المسلمون طوال القرون المتمادية بهذا الفنّ الراقي شاهدة على أمرين في آن واحد، أوّلهما بلوغ الفنّ الإسلامي قمّة التطوّر، و ثانيهما ازدهار العلوم المختلفة لديهم كالرياضيّات و الهندسة، و هذا بدوره أضاف إلى أهمّيّة الأماكن المقدّسة بعداً آخر هو بعد تمثيلها لتطوّر الحضارة الإسلاميّة.
1 ـ نموذج من تجلّيّات فنّ العمارة الإسلاميّة:
يعتبر (المسجد الجامع في دمشق) واحداً من أقدم الأبنية الإسلاميّة التي ظهر فيها فنّ العمارة بأجلى صوره، و قد بني في السنوات (87 ـ 96 هجريّة) في عهد الوليد بن عبد الملك على أنقاض معبد جوبيتر (إله الإلهة الرومان). و كان الوليد قد استقدم لبناء هذا المسجد اثني عشر ألفاً من أساتذة الفنّ من روما إلى دمشق. و قام هؤلاء الفنّانون بتزيين جدران المسجد بالكاشي الملوّن و الزهور و البصليّات و التلوينات البديعة. و لا يزال هذا المسجد عامراً يحتلّ مكانته الرفيعة بين أرقى الأبنية الإسلاميّة[38].
و هناك العديد من الأبنية المهمّة التي تمتاز بالفنّ المعماري الفاخر و التي تمّ تشييدها في القرن الهجريّ الأوّل، منها: المسجد الأُموي بدمشق، مسجد عمرو بن العاص في القاهرة، مسجد القيروان في تونس، و قبّة الصخرة في مدينة القدس. و تندرج ضمن هذه القائمة أيضاً بناية أكبر مساجد العالم، و هو مسجد قرطبة في أسبانيا الذي ابتدئ في بنائه أوائل استقرار الأُمويّين في الأندلس في السنين الأخيرة من حياة عبد الرحمن (172هـ )، ثمّ توسّع تدريجيّاً و أضيفت إليه أبنية جديدة[39].
كما شهدت مصر في فترة الخلفاء الفاطميّين أيضاً ازدهار الأعمال المعماريّة، حتّى اشتهر بناء القباب على الطريقة الفارسية في القرن الخامس الهجري. و قد رافق عمليّة بناء المساجد ازدهار الفنون التجميليّة، خصوصاً صناعة الكاشي و المقرنسات.
و في غضون ذلك ازدهرت العمارة الإسلاميّة في الأندلس حتّى أثمرت قصر الحمراء العظيم في غرناطة (أواسط القرن السابع الهجري) بخصوصيّاته المتمثّلة بساحاته الواسعة و صالاته الفخمة و ما استخدم في تزيينه من الأعمال الجبسيّة و الكاشي و المقرنسات الفريدة حتّى صار أنموذجاً من نماذج الأبنية الإسلاميّة في الأندلس.
و رغم انحسار حكومة المسلمين في الأندلس (897هـ ) إلاّ أنّ تأثير الفنّ الإسلامي لا يزال باقياً يلقي بظلاله على العمارة و الفنّ في تلك البلاد[40].
لقد تطوّر هذا الفنّ طوال التاريخ الإسلامي، و كانت كلّ فترةٍ من فتراته تخلق لنفسها شكلاً جديداً، و يمكن للمشاهد أن يلاحظ هذه الأشكال جميعها حاضرةً في الأبنية المعماريّة الحديثة.
2 ـ الأماكن المقدّسة و دورها في التجسير بين فنون الأجيال الإسلاميّة:
إنّ مسيرة نشوء و تطوّر الفنّ و العمارة الإسلاميّة خلال الأدوار المختلفة و التطوّر الزماني انعكست و تجسّدت في المساجد و الأماكن الدينيّة و مقابر عظماء الدين. فالكثير من المساجد التاريخيّة في العالم الإسلامي كانت في بداية بنائها و تأسيسها بسيطة جدّاً، إلاّ أ نّها بعد مرور السنين الطويلة عليها استخدمت فيها الكثير من الفنون الحديثة التي جادت بها أذواق الفنّانين المسلمين و قرائحهم الذاتيّة، ثمّ تكاملت شيئاً فشيئاً.
و لا نعدو الواقع إذا قلنا إنّ هذه المساجد هي التي يعود لها الفضل في التوحيد بين آثار و فنون الماضين عبر الأجيال العديدة المتوالية، حتّى لا يرى الناظر أيّ فجوةٍ في هذا المجال.
إنّ جميع الأساليب و الأشكال الفنّيّة المختلفة إنّما تطوّرت و نمت في المساجد، تلك الأشكال المنسجمة مع أسس الإسلام و القيم الإلهيّة و القدسيّة.
لقد استلهم المعماريّون المسلمون ذوقهم و إبداعهم الغنيّ عند بنائهم هذه الأماكن بأساليب و أشكالٍ فنّيّة جديدة، فأبدعوا في هذا المجال إبداعاتٍ فريدة تحوّلت معها تلك المساجد التاريخيّة إلى أجمل مواقع الجذب الثقافي العالمي في الوقت الحاضر. و هكذا يمكن القول بإمكانيّة استعراض مسيرة تطوّر الفنّ المعماري طوال القرون المتمادية عند مشاهدة الأماكن المقدّسة و بقايا آثارها، و هذه تشكّل واحدةً من الوظائف الفنّيّة و التاريخيّة لهذه الأماكن.
ب ـ الخطّ:
من الأُمور التي نقلها التاريخ لنا أنّ الرسول الأكرم& قد أدرک منذ اليوم الأوّل لنزول القرآن أهمية تدوينه، حتّى أ نّه كلّف عدداً من أصحابه للقيام بهذا العمل، و هم الذين عيّنوا بعنوان (كتّاب الوحي).
کان رسول اللّه& يستدعي واحداً من هؤلاء الكتّاب كلّما نزلت عليه آية أو سورة و يملي عليه الآيات.
و قد أدّى هذا التأكيد من رسول اللّه& على كتابة الوحي، و وجود الآيات القرآنيّة الصريحة في التأكيد على أهمّيّة الكتابة ـ مثل ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالقَـلَمِ﴾[41]، و آية ﴿ن وَالقَـلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾[42] ـ إلى اهتمام المسلمين بالكتابة عموماً، و كتابة القرآن خصوصاً.
و كان سكّان شبه الجزيرة العربيّة أيّام كتابة القرآن يستخدمون نوعين من الخطّ، هما:
1 ـ الخطّ الكوفي: و كان أبرز مَن برعَ فيه الإمام عليّ4.
و كانت الكتابة بهذا الخطّ هي السائدة في ذلك العصر، و استمرّ الحال كذلك حتّى أوائل القرن الخامس.
2 ـ خطّ النسخ: و هذا النوع من الخطّ و إن كان مستخدماً في زمان رسول اللّه&، و كان هو الخطّ المستخدم من قِبَله لدى كتابة رسائله غالباً، إلاّ أنّ أوائل القرن الخامس شهد التوسّع الحقيقيّ في الاستفادة منه، حتّى لم يعد الخطّ الكوفي قادراً على منافسته.
و خلاصة الكلام أنّ القرآن كان يُكتب في زمان حياة النبيّ& بالخطّ الكوفي غالباً، في حين كانت الصفة الغالبة في باقي المتون هي كتابتها بخطّ النسخ[43]، كما أنّ أئمّة أهل البيت7 كان كلّ واحدٍ منهم قد بذل جهده في كتابة القرآن، و توجد في المتاحف و المكتبات المعتبرة في أنحاء العالم العديد من النسخ المكتوبة بخطوط أيديهم المباركة[44]. و يعدّ كلّ واحدٍ من هذه الآثار ـ مضافاً إلى ما فيه من القيمة المعنويّة ـ دليلٌ من أدلّة تطوّر فنّ الخطّ لدى المسلمين.
و في القرون التالية امتزج هذا الفنّ مع فنّ العمارة، و ظهرت بصماته في الأماكن المقدّسة، حتّى صارت كتابة الآيات القرآنيّة بالخطوط الجميلة غالباً ما تنتشر هناك على صفحات الجدران و السقوف. و تنتشر في مناطق أهل السنّة كتابة أسماء النبيّ& و الخلفاء و الأئمّة، في حين تنتشر في الأماكن المقدّسة الشيعيّة أسماء الخمسة آل الکساء و الأئمّة الاثنى عشر، حيث يتمّ حفرها على الجدران و المواضع المناسبة الأُخرى في الأماكن المقدّسة كالمساجد و المراقد بأُسلوب فنّي معماريّ جميل و خطٍّ بديع.
و هكذا يمكن العثور على نماذج من هذه الخطوط التي خلّفتها لنا أجيال القرون الإسلاميّة المختلفة في المساجد القديمة الموجودة في المدن المختلفة في أرجاء العالم، حتّى صارت هذه الأمكنة بمثابة المعارض الدائمة للحضارة الإسلاميّة في مجال الفنّ المعماري و الخطّ.
ج ـ الرسم:
نهت الشريعة الإسلاميّة المقدّسة عن رسم صور الأحياء و نحت تماثيلها. و من هنا صار نحت و رسم الأحياء من المهن المحرّمة أو المكروهة، كما هو مذكور في الكتب الفقهيّة لدى الشيعة[45] و أهل السنّة[46]، و كما ذكرته الروايات الصادرة عن الرسول& و أهل بيته7 في هذا المعنى و التي وردت في الكتب الروائيّة[47].
و الرسم ـ كما هو الحال مع الخطّ أيضاً ـ إذا امتزج بالفنّ المعماري ترك آثاراً بديعةً في الأماكن المقدّسة تنبع من روح الإيمان و الاعتقاد بالمبدأ و المعاد.
و من نتائج تأكيدات رسول اللّه& و الأئمّة7 على الامتناع عن رسم الأحياء و نحت تماثيلها أنّ اتّسمت العمارة الإسلاميّة ـ سواء في المساجد أو في الأبنية الأُخرى ـ بميزة الامتناع عن رسم أو نحت البشر أو الحيوانات، و الاستعاضة عنها غالباً برسوم الورود و الأغصان و الشجيرات و الأشياء الجامدة في تزيين جدران المساجد و المدارس و الخانات، بل حتّى في الألبسة و السجّادات. و في هذا إشارةٌ إلى الهويّة الإسلاميّة للرسّام و المعمار.
و يكمن الفرق الأساس بين فنّ الرسم الإسلامي و الفنّ الغربي في أنّ الماهيّة الظاهريّة الشكليّة للفنّ المسيحي قد جعلت لفنّ الرسم في الغرب دوراً أساسيّاً و محوريّاً واحداً، و الطريف أنّ مسيرة حركة هذا الفنّ المؤثّر في الغرب كانت تتمحور حول الإنسان نفسه لا حول التوحيد.
«إنّ هذا الفنّ قد تحوّل إلى مرآةٍ تعكس قبل أيّ شيءٍ آخر عُمق و دقائق نفسيّة الإنسان الغربيّ، كما تعكس الميول الجديدة التي كانت في عصر الظهور في المجتمع الغربي. إنّ الفنّ الغربي يدور حول محورٍ اسمه الإنسان، و لم يحدث إطلاقاً أن فتح عينيه و نظر إلى أُفقٍ أعلى من ذلك»[48].
أمّا فنّ الرسم الإسلامي فالعقائد الإسلاميّة متضمَّنة فيه، و هو ينطلق في سيره من التوحيد، و يسوق الإنسان نحو اللّه.
و يمكن مشاهدة فنّ الرسم الإسلامي ممتزجاً بفنّ العمارة و الخطّ في الأبنية الفخمة التي بناها المسلمون في القرون المختلفة، حيث لا تزال تلك الأبنية التوحيديّة ـ التي تذكّر كلّ زاوية من زواياها باللّه ـ قائمةً تنطق بتقدّم المسلمين الفنّي.
و هكذا يمكن اعتبار الأماكن المقدّسة مرآةً لما كانت عليه الفنون الإسلاميّة في القرون الماضية.
5 ـ الأماكن الدينيّة و دورها في السياحة الثقافيّة:
تعدّ السياحة أيضاً واحدةً من المميّزات المهمّة للحضارة، و التي لها تأثيرها في تعلّم العلوم و تبادل الأفكار، مثلما تؤثّر في النموّ الاقتصادي و الأمن الاجتماعي أيضاً.
و الهجرة تكون عاملاً فاعلاً في النموّ الحضاريّ عندما تكون مقترنةً بأهداف نبيلة و تسعى نحو غاياتٍ سامية. كما تتيح الهجرة و السياحة الهادفتان إمكانيّة فهم آثار الماضين و درك ما تحمله من معانٍ و الاستفادة منها.
و أفضل مكانٍ لنشر الثقافة الإسلاميّة و تعريف المسلمين و غيرهم بالتاريخ الإسلامي هي الأماكن الدينيّة، و قد أكّد القرآن أيضاً على أهميّة السياحة إلى مثل هذه الأماكن.
أ ـ حثّ القرآن على السياحة:
إنّ رؤية خرائب قصور الظالمين و الأبنية العجيبة لأهرام مصر و برج بابل و قصور كسرى و آثار حضارة قوم سبأ و المئات من أمثال ذلك المنتشرة في شتّى أرجاء المعمورة لها أعمق الأثر في نفوس الناس، حيث تدفعهم إلى أخذ العِبَرة من العاقبة التي آل إليها الظالمون و تلك التي آل إليها الصالحون. و من هنا نلاحظ تأثّر الشعراء الحكماء حين يشاهدون خرائب هذه القصور، و شعورهم بالصدمة الشديدة في نفوسهم، و تنطلق قرائحهم بالقصائد المؤثّرة[49].
و هذا هو السبب في دعوة القرآن المجيد للمسلمين بأن يسيروا في الأرض و يسيحوا فيها كي يروا آثار الماضين الباقية منهم على وجه البسيطة بأُمّ أعينهم فيعتبروا بما يرون.
و أهمّيّة السياحة في الإسلام كبيرة، إلاّ أ نّها ليست كسياحة سوّاح هذه الأيّام المتسكّعين و اللاهثين وراء غرائزهم، بل للتحقيق و دراسة آثار الماضين و مصيرهم و مشاهدة آثار عظمة اللّه سبحانه في نقاط العالم المختلفة. و هذا هو الذي عبّر عنه القرآن بعبارة (السير في الأرض)، و الذي أمر به في آيات عديدةٍ من القرآن، منها:
1 ـ ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾[50].
2 ـ ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ﴾[51].
3 ـ ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ...﴾[52].
و هذه الآية تفيد أنّ مثل هذا النوع من السياحة المعنويّة و السير على وجه الأرض يجعل قلب الإنسان واعياً، و عينه بصيرةً، و أُذنه سامعة، و ينتشله من مهاوى الخمود و الجمود[53].
و التدبّر في هذه الآيات يبيّن مدى أهمّيّة السياحة المعنويّة و الثقافيّة في القرآن.
ب ـ هدف السياحة في القرآن هو رؤية آثار الماضين:
من أهمّ أهداف السير في الأرض وفقاً لدعوة القرآن هو مشاهدة آثار الماضين، كما ورد في الآيات الماضية.
و من هنا تنشأ أهمّيّة المحافظة على أماكن الماضين و آثارهم.
و تعدّ آثار الأنبياء7 و مقاماتهم أفضل المواضع لاستذكار سيرتهم التوحيديّة، و خصوصاً رؤية الآثار و الأماكن التي تشرّفت بحضور رسول اللّه& فيها، حيث تحتلّ أسمى المواقع ضمن أهداف المسلمين في إطار عملهم بمضامين الآيات القرآنيّة؛ لأ نّهم بمشاهدتهم ما تركه من آثار تتوفّر لهم فرصة أخذ الدروس و العِبَر من حياته الزاهدة البسيطة و الإلهيّة، و بالتالي تقوية إيمانهم بالدين الإسلامي الحنيف.
و المشهور وجود قولان بين علماء المسلمين حول زيارة مقامات الأنبياء و الصالحين، أي الأمكنة التي كانوا يسكنون أو يعبدون اللّه فيها إلاّ أ نّهم لم ينتخبوها بعنوان المسجد، و هذان القولان هما:
1 ـ نهى البعض عن هذا الأمر و قالوا: لا يجوز قصد زيارة هذه المناطق بنيّة العبادة، إلاّ إذا كان الرسول& قد نوى مثل هذا القصد، كما فعله في مقام إيراهيم حيث نوى الصلاة هناك.
أمّا إذا كان القصد من العمل هو استذكار سيرة الرسول& و الاعتبار بها فلا إشكال في ذلك قطعاً.
2 ـ اتّفق أكثر علماء المسلمين في قولهم بجواز مثل هذا العمل. كما نُقل عن (ابن عمر) حثّه على زيارة الأماكن التي كان رسول اللّه& قد مرّ بها، حتّى لو كان مروره فيها مروراً عابراً غير مقصود[54].
و يقول (السندي الخواتيمي): سألنا أبا عبد اللّه عن حكم مَن يذهب إلى هذه الأماكن؟ قال: لا إشكال في ذهاب الإنسان إلى تلك المشاهد، لسببين: أولّهما لحديث (عتبان بن مالك) الذي طلب من رسول اللّه& أن يصلّي في منزله كي يجعل من ذلك المكان مصلّىً له[55]. و ثانيهما: لما روي عمّا كان يفعله ابن عمر من تتبّع مواقف و آثار الرسول&.
و الإشكال الوحيد هو أن يبالغ الناس في ذلك الأمر حتّى يفرطوا فيه[56].
لكنّ إفراط الناس و مبالغاتهم تتمّ معالجتها و القضاء عليها بتوعيتهم، لا بتخريب آثار الأنبياء و آثارهم7.
ج ـ دور الأماكن الدينيّة في تسويق السياحة الثقافيّة:
من بين العوامل التي تساعد في جذب السيّاح في عالم اليوم هو وجود الأماكن الدينيّة و الآثار التاريخيّة. و هكذا يمكن لهذه الأماكن و الآثار التاريخيّة الدينيّة التي تزخر بها مختلف الدول الإسلاميّة أن تكون عامل جذب للسيّاح، سواء المسلمين منهم أم غير المسلمين، و من ثمّ يمكن الاستفادة من هذه الفرصة للتبليغ الديني و نشر الثقافة الإسلاميّة الراقية.
و من مزايا وجود الأماكن و الآثار الدينيّة و ما تؤدّي إليه في جذب السيّاح لمشاهدتها، يمكن الإشارة إلى الموارد التالية:
أوّلاً: ازدهار الشعوب الإسلاميّة اقتصاديّاً، الذي يعدّ ركناً من أركان التطوّر الحضاري.
ثانياً: التوظيف الثقافي، حيث يمكن للمسلمين الاستفادة من هذه الأماكن للتعريف بالثقافة الإسلاميّة في أوساط غير المسلمين، و توعيتهم بتاريخ المسلمين و آدابهم و عاداتهم.
ثالثاً: التبليغ الديني، حيث يمكن في هذه الأماكن تنبيه الآخرين إلى حقّانيّة الدين الإسلامي و تعاليمه.
إنّ وجود الأماكن الدينيّة في مدينةٍ ما يفتح أمامها آفاقاً رحبةً لجذب السيّاح و عقد الملتقيات الاقتصاديّة و الثقافيّة، بل و حتّى السياسيّة، و لا يخفى ما لكلّ واحدةٍ من هذه النشاطات من دورٍ هامّ في التقدّم الثقافي و الحضاري للشعوب.
6 ـ ازدهار الحضارة الإسلاميّة و انتكاسها:
ذكر المحقّقون عواملاً مختلفة لازدهار الحضارات، منها: البنية الاجتماعيّة المناسبة، المؤسّسات الاقتصاديّة الناشطة، تطوّر الرفاه الاجتماعي، و انتشار العدالة و ...، كما يندرج ضمن هذه العوامل أيضاً شيوع العقلانيّة في السلوك الاجتماعي[57].
و في مقابل ذلك ذكروا ـ بين أسباب انحطاط الحضارات ـ إصابة مجتمعاتها بالجمود الفكري و ضعف العقلانيّة فيها، و خصوصاً بين رجال الدولة.
إذن، يمكن القول إنّ ازدهار و انحطاط الحضارات ـ و من بينها الحضارة الإسلاميّة ـ في العصور المختلفة هو المحصّلة لعدّة عوامل فكريّة.
و ينسب بعض المفكّرين أسباب و جذور أُفول الثقافة و الفكر الإسلامي إلى فترة خلافة المتوكّل العبّاسي، فهذا الخليفة ـ و خلافاً لمَن سبقه من الخلفاء الذين كانوا يميلون إلى الاتّجاه المعتزلي ذو النزعة العقليّة ـ كان معادياً للعقل في تفكيره[58]، لهذا كان ارتكابه أفعالاً حمقاء و اتّخاذه قرارات غير منطقيّة سبباً في تمهيد السبيل أمام انحطاط حضارة المجتمع الإسلامي.
و من مصاديق اللاعقلانيّة التي ابتليت بها الوهّابيّة في هذا العصر، ما عزمت عليه من تخريبٍ لآثار الماضين و الأماكن التاريخيّة للعالم الإسلامي، ممّا يعدّ مقدّمةً لانحطاط و أُفول الحضارة، بل سبباً للقضاء عليها تماماً.
و تصميم الوهابيّة هذا يأتي مخالفاً تماماً لما تسالم عليه عقلاء العالم في كافّة أرجاء المعمورة من سعيهم في المحافظة على آثارهم التاريخيّة و أصالتهم و هويّتهم.
فإذا قيل: إنّ بعض الناس يتّخذون من هذه الأماكن محلاًّ موسميّاً للعبادة، فيكونون بذلك قد اتّخذوا في عبادة اللّه شريكاً يطوفون حوله، أو يعقدون الخيوط به، و يقدّمون ذبائحهم له، و يرمون برسائلهم التي كتبوها في تلك الأماكن.
فيجب الردّ عليهم بأنّ هذه الأعمال إنّما تمارس من باب الجهل؛ لأنّ هؤلاء الأفراد الممارسين لها من المؤمنين باللّه، و يقرّون بالتوحيد، و يشهدون بوحدانيّة اللّه؛ لكنّهم يخطئون في عملهم، لجهلهم معرفة الطريق الصحيح.
فاللازم في هذه الحالة توعيتهم و إرشادهم، و أن لا تدفعنا مثل هذه الأُمور إلى عدم الاهتمام بهذه الآثار التاريخيّة أو إزالتها و تخريبها.
و مثل هذه التبريرات حججٌ واهية غير مقبولة لدى العلماء و العقلاء؛ لإمكانيّة التغلّب على الممارسات الطارئة الخاطئة عن طريق منعها و تشديد المراقبة عليها و من خلال الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و عِبرَ الدعوة إلى اللّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الأخلاق الحميدة.
و إلى جانب النصح و الإرشاد يجب المحافظة على هذه الآثار، و الاهتمام الجادّ بحفظ أصالة الأُمّة و تاريخها و أداء الأمانة التي تمثّل جزءاً من التاريخ العظيم للأُمّة الإسلاميّة و تاريخ رسول اللّه محمّد&.
الخلاصة
إنّ الآثار و الأماكن المقدّسة الموجودة في أرجاء العالم مرآة تعكس تاريخ الأُمّة الإسلاميّة، و ليست ممتلكات تابعة لبلدٍ معيّن أو طائفة خاصّة. فهذه الآثار بمثابة الدليل على تطوّر الحضارة الإسلاميّة، و المكان الذي يتجلّى فيه التاريخ الإسلامي، و الموضع الذي تتألّق فيه الفنون الإسلاميّة طوال القرون المتمادية، و تعدّ واحدةً من أدوات التعريف و انتقال الثقافة الدينيّة الأصيلة.
إذن، فعلى جميع المسلمين أينما كانوا في أطراف العالم واجب السعي في المحافظة على هذه الآثار، و مجابهة الفرق الضالّة التي تضمر في نفوسها العزم على هدم الحضارة الإسلاميّة العظيمة من خلال التعكّز على حججٍ واهية.
المصادر
1 ـ ابن تيميّة، أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق ناصر عبد الكريم العقل، دار عالم الكتب، بيروت، الطبعة السابعة، 1419هـ .
2 ـ ابن جبير، محمّد بن أحمد، رحلة ابن جبير، دار و مكتبة الهلال، بيروت، دون تاريخ.
3 ـ ابن خلدون، مقدّمة في التاريخ، دار و مكتبة الهلال، بيروت، 1996م.
4 ـ ابن النجّار، محمّد بن محمود بن الحسن، الدرّة الثمينة في أخبار المدينة، تحقيق حسين محمّد علي شكري، شركة دار الأرقم، بلا تاريخ.
5 ـ إسلامي فرد، زهرا، تاريخ فرهنگ و تمدن اسلام، مكتب نشر المعارف، قم، الطبعة الأُولى، 1389 ش.
6 ـ الأنصاري، مرتضى، كتاب المكاسب، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، المؤتمر العالمي للشيخ الأنصاري، قم، الطبعة الأُولى، 1415هـ .
7 ـ البخاري، محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تحقيق محمّد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الأُولى، 1422هـ .
8 ـ توينبي، أرنولد، تمدنى در بوته آزمايش، ترجمة الصابري، أمير كبير، طهران، الطبعة الأُولى، 1974م.
9 ـ جان أحمدي، فاطمة، تاريخ فرهنگ و تمدن اسلامى، مكتب نشر المعارف، قم، الطبعة الأُولى، 2007م.
10 ـ جرجي زيدان، تاريخ التمدّن الإسلامي، دار مكتبة الحياة، بيروت، بلا تاريخ.
11 ـ الجزيري، عبد الرحمن بن محمّد عوض، الفقه على المذاهب الأربعة، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الثانية، 1424هـ .
12 ـ الجوادي الآملي، سرچشمه انديشه، نشر الإسراء، قم، بلا تاريخ.
13 ـ الحاكم النيسابوري، محمّد بن عبد اللّه، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأُولى، 1411هـ .
14 ـ الحجازي، فخر الدين، نقش پيامبران در تمدن انسان، بعثت، طهران، الطبعة الثانية، 1970م.
15 ـ الحجّتي، السيّد محمّد باقر، پژوهشى در تاريخ قرآن كريم، مكتب نشر الثقافة الإسلاميّة، الطبعة التاسعة، طهران، 1996م.
16 ـ الحلبي، علي أصغر، تاريخ تمدن اسلام (عددٌ من البحوث في الثقافة و العلوم العقليّة الإسلاميّة)، طهران، أساطير، الطبعة الثانية، 1993م.
17 ـ الرضواني، علي أصغر، سلسلة دراسات الوهابيّة ـ رفتار وهابيان با مسلمانان، نشر المشعر، طهران، الطبعة الأُولى، ربيع 2011م.
18 ـ السبحاني، جعفر، آيين وهابيت، نشر المشعر، طهران، الطبعة الأُولى، 1985م.
19 ـ السمهودي، عليّ بن عبد اللّه بن أحمد الحسني الشافعي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأُولى، 1419هـ .
20 ـ السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين، الدرّ المنثور، دار الفكر، بيروت، بلا تاريخ.
21 ـ شراب، محمّد محمّد حسن، فرهنگ اعلام جغرافيايى ـ تاريخى در حديث و سيره نبوى، تحقيق محمّد باقر البهبودي، نشر المشعر، طهران، الطبعة الأُولى، 2004م.
22 ـ الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب، المغانم المطابة في معالم طابة، تحقيق حمد الجاسر، دار اليمامة، الرياض، الطبعة الأُولى، 1389هـ .
23 ـ الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1986م.
24 ـ مجلّة پگاه حوزه، العدد 57، شباط/ فبراير 2008م.
25 ـ مجلّة فرهنگ كوثر، العدد 63، خريف 2005م.
26 ـ مجلّة مسجد، العدد 117، أيلول/ سبتمبر 2007م.
27 ـ مركز تحقيقات الحجّ، مجموعه مقالات همانديشى زيارت، نشر المشعر، طهران، الطبعة الأُولى، 2008م.
28 ـ مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الأُولى، 1995م.
29 ـ مهيار، رضا، فرهنگ ابجدى عربى فارسى، نشر الإسلامي، طهران، الطبعة الثانية، 1996م.
30 ـ موظّف رستمي، محمّد علي، آئين مسجد، انتشارات گويه، طهران، 2002م.
31 ـ النيشابوري، مسلم بن الحجّاج بن مسلم، الجامع الصحيح المسمّى صحيح مسلم، دار الجيل، بيروت، بلا تاريخ.
32 ـ ولايتي، علي أكبر، فرهنگ و تمدن اسلامى، مكتب نشر المعارف، طهران، بلا تاريخ.
33 ـ ويل ديورانت، تاريخ تمدن، ترجمة أحمد آرام، انتشارات الثورة الإسلاميّة، الطبعة الرابعة، 1993م.
* باحث في موسسة دار الإعلام لمدرسة اهل البیت7
[2] مهيار، رضا، فرهنگ ابجدى عربى فارسى، ص258.
[3] ويل ديورانت، تاريخ تمدّن، ج1، ص3.
[4] ابن خلدون، مقدمه تاريخ، ص217 ـ 218.
[5] ولايتي، علي أكبر، فرهنگ و تمدن اسلامى، ص19.
[6] الجوادي الآملي، عبد اللّه، سرچشمه انديشه، ج5، ص241.
[7] أرنولد توينبي، تمدنى در بوته آزمايش، ترجمة ي. صابري، ص22 و 207.
[8] حجازي، فخر الدين، نقش پيامبران در تمدن انسان، ص25.
[9] المصدر نفسه، ص57.
[10] المصدر نفسه، ص58.
[11] سورة البقرة 2، الآية 248.
[12] السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الدرّ المنثور، ج1، ص758.
[13] سورة النور 24، الآية 36.
[14] المصدر السابق، ج6، ص203.
[15] سورة الأنعام 6، الآية 11.
[16] البخاري، محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاري، ج1، ص92، ح 425، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت.
[17] النيشابوري، مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم، ج6، ص139، ح 5530، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب.
[18] الفيروزآبادي، محمّد بن يعقوب، المغانم المطابة في معالم طابة، ص26.
[19] صحيح البخاري، ج5، ص81، ح 3998، كتاب المغازي، بعد باب شهود الملائكة بدراً.
[20] صحيح مسلم، ج7، ص79، كتاب الفضائل، باب قرب النبيّ من الناس.
[21] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم، ج2، ص271 ـ 272.
[22] ابن جبير، محمّد بن أحمد، رحلة ابن جبير، ص155.
[23] مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، ج3، ص103.
[24] الرضواني، علي أصغر، رفتار وهابيان با مسلمانان، ص112.
[25] مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، ج18، ص69.
[26] السبحاني، جعفر، آيين وهابيت، ص51.
[27] جان أحمدي، فاطمة، تاريخ فرهنگ و تمدن اسلامى، ص43.
[28] ابن النجّار، محمّد بن محمود بن الحسن، الدرّة الثمينة في أخبار المدينة، ص91.
[29] المصدر نفسه.
[30] سورة الشورى 42، الآية 23.
[31] الحاكم النيشابوري، محمّد بن عبد اللّه، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص160، ح 4711.
[32] شراب، محمّد محمّد حسن، فرهنگ اعلام جغرافيايى ـ تاريخى در حديث و سيره نبوى، ص9.
[33] مكارم الشيرازي، تفسير نمونه، ج18، ص69.
[34] وردت أسباب تسمية الاسطوانات بهذه الأسماء في كتاب وفاء الوفا، ج2، ص39 ـ 46.
[35] مركز تحقيقات الحجّ، مجموعه مقالات همانديشى زيارت، ج2، ص963.
[36] مجلّة المسجد، العدد 117، ص64؛ مقالة: هنر اسلامى، در حاشيه يا در متن.
[37] الموظّف الرستمي، محمّد علي، آئين مسجد، ج3، ص82.
[38] جرجي زيدان، تاريخ التمدّن الإسلامي، ج5، ص623.
[39] إسلامي فرد، زهرا، تاريخ فرهنگ و تمدن اسلام، ص151.
[40] الحلبي، علي أصغر، تاريخ تمدن اسلام، ص355.
[41] سورة العلق 96، الآية 4.
[42] سورة القلم 68، الآية 1.
[43] الحجّتي، السيّد محمّد باقر، پژوهشى در تاريخ قرآن كريم، ص212.
[44] للاطّلاع على المكتبات والمتاحف الحاوية لنسخ القرآن المكتوبة بخطّ الأئمّة7 راجع: مجلة فرهنگ كوثر، خريف 1384 ش، العدد 63، مقالة: نقش اهل بيت7 در نگارش قرآن، بقلم: السيّد علي نقي المير حسيني.
[45] الأنصاري، الشيخ مرتضى، كتاب المكاسب، ج1، ص183.
[46] الجزيري، عبد الرحمن بن محمّد عوض، الفقه على المذاهب الأربعة، ج2، ص39.
[47] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص526، باب تزويق البيوت.
[48] مجلّة پگاه حوزه، العدد 57، بهمن 1387 ش، ص60، مقالة نقش معنا در نقاشى و معمارى اسلامى، بقلم: مصطفى النوروزي.
[49] كما كان حال الخاقاني في قصيدته المعروفة حين ذرف الدموع أمام إيوان المدائن، حيث قال:
تعجّبَ من عيني لِمَ تبكي هنا مستهزءا بينما المضحكُ كيف العين لا تبكي هنا ؟
[50] سورة النمل 27، الآية 69.
[51] سورة العنكبوت 29، الآية 20.
[52] سورة الحجّ 22، الآية 46.
[53] مكارم الشيرازي، تفسير نمونه، ج3، ص104.
[54] ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم، ج2، ص271.
[55] البخاري، محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاري، ج1، ص92، ح 425، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت.
[56] ابن تيميّة، أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم، ج2، ص271 ـ 272.
[57] جان أحمدي، فاطمة، تاريخ فرهنگ و تمدن اسلامى، ص31.
[58] الولايتي، علي أكبر، فرهنگ و تمدن اسلامى، ص157.