الغيبة من أخطر الذنوب

قيم هذا المقال
(0 صوت)
الغيبة من أخطر الذنوب

إن رأس مال الإنسان المهم في حياته ماء وجهه وحيثيته، وأي شئ يهدده فكأنما يهدد حياته بالخطر. وأحيانا يعد اغتيال وقتل الشخصية أهم من اغتيال الشخص نفسه، ومن هنا كان إثمه أكبر من قتل النفس أحيانا. إن واحدة من حكم تحريم الغيبة أن لا يتعرض هذا الاعتبار العظيم للأشخاص ورأس المال آنف الذكر لخطر التمزق والتلوث وأن لا تهتك حرمة الأشخاص ولا تلوث حيثياتهم، وهذا مطلب مهم تلقاه الإسلام باهتمام بالغ!

 

 والأمر الآخر إن الغيبة تولد النظرة السيئة وتضعف العلائق الاجتماعية وتوهنها وتتلف رأس مال الاعتماد وتزلزل قواعد التعاون "الاجتماعي"! ونعرف أن الإسلام أولى أهمية بالغة من أجل الوحدة والانسجام والتضامن بين أفراد المجتمع، فكل أمر يقوي هذه الوحدة فهو محل قبول الإسلام وتقديره، وما يؤدي إلى الإخلال بالأواصر الاجتماعية فهو مرفوض، والاغتياب هو أحد عوامل الوهن والتضعيف... ثم بعد هذا كله فإن الاغتياب ينثر في القلوب بذور الحقد والعداوة وربما أدى أحيانا إلى الاقتتال وسفك الدماء في بعض الأحيان.

 

والخلاصة أننا حين نقف على أن الاغتياب يعد واحدا من كبائر الذنوب فإنما هو لآثاره السيئة فردية كانت أم اجتماعية! وفي الروايات الإسلامية تعابير مثيرة في هذا المجال نورد هنا على سبيل المثال بعضا منها:

 

 قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل وأربى الربى عرض الرجل المسلم"([1]). وما ذلك إلا لأن الزنا وإن كان قبيحا وسيئا، إلا أن فيه جنبة حق الله، ولكن الربا وما هو أشد منه كإراقة ماء وجه الإنسان وما إلى ذلك فيه جنبة حق الناس.

 

 وقد ورد في رواية أخرى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب يوما بصوت عال ونادى: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه! لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته"([2]).

 

 كما ورد في حديث ثالث أن الله أوحى لموسى (عليه السلام) قائلا: "من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات مصرا عليه فهو أول من يدخل النار"([3]).

 

 كما نقرأ حديثا آخر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه"([4]). وهذا التشبيه يدل على أن الاغتياب كمثل الجرب الذي يأكل اللحم، فإنه يذهب بالإيمان بسرعة.

 

ومع الالتفات إلى أن بواعث الغيبة ودوافعها أمور متعددة كالحسد والتكبر والبخل والحقد والأنانية وأمثالها من صفات دميمة وقبيحة يتضح السر في سبب كون الغيبة وتلويث سمعة المسلمين وهتك حرمتهم لها هذا الأثر المدمر لإيمان الشخص.

 

 والروايات الإسلامية في هذا الصدد كثيرة، ونختتم بحثنا هذا بذكر حديث آخر نقل عن الإمام الصادق (عليه السلام) إذ يقول: "من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان"([5]).

 

 إن جميع هذه التأكيدات والعبارات المثيرة إنما هي للأهمية القصوى التي يوليها الإسلام لصون ماء الوجه وحيثية المؤمنين الاجتماعية، وكذلك للأثر المخرب - الذي تتركه الغيبة - في وحدة المجتمع والاعتماد المتبادل في القلوب، وأسوأ من كل ذلك أن الغيبة تسوق إلى إشعال نار العداوة والبغضاء والنفاق وإشاعة الفحشاء في المجتمع. لأنه حين تنكشف عيوب الناس الخفية عن طريق الغيبة لا تبقى لها خطورة في أعين الناس ويكون التلوث بها في غاية البساطة!

 

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، بتصرّف يسير

 

([1]) المحجة البيضاء، ج 5، ص 253.

([2]) المصدر السابق، ص 252.

([3]) المصدر السابق.

([4]) أصول الكافي، ج 2، باب الغيبة، الحديث 1 - الآكلة نوع من الأمراض الجلدية.

([5]) وسائل الشيعة، ج 8، الباب 157، الحديث 2، الصفحة 608.

المصدر:شبکه المعارف الاسلامیه

قراءة 1306 مرة