قال تعالى: ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ﴾[1].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العفاف يصون النفوس، وينزّهها عن الدنايا"[2].
العفّة هي التوسّط في جلب كلّ كمال أو منفعة، وطرفاه الشره والخمود[3]. وهي من أهمّ الفضائل الإنسانيّة والأخلاقيّة على السواء.
وفي لسان العرب: العِفّة: الكَفُّ عمّا لا يَحِلّ ويَجْمُلُ. عَفَّ عن المَحارِم والأطْماع الدَّنِية[4].
وقال علماء الأخلاق: إنّ العفّة هي حصول حالة للنفس، تمتنع بها من غلبة الشهوة، وإنّها انقياد الشهوة للعقل.
وفي الآثار الشريفة، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "الصبر عن الشهوة، عفّة"[5].
قيمة العفّة في الإسلام
لقد تحدّثت الروايات الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عن قيمة العفّة العظيمة، وكونها صفة إنسانيّة وخلقيّة رفيعة ينبغي أن يهتمّ بها الإنسان في تربيته لنفسه، وسلوكه مع الآخرين، وذلك لما يترتّب على سجيّة العفّة من الآثار الطيّبة والحميدة، حتّى وضعت العفيف بمنزلة الملائكة، ووُصف العفاف بأنّه أفضل العبادة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "أفضل العبادة العفاف"[6].
وعنه عليه السلام: "عليك بالعفاف، فإنّه أفضل شِيَمِ الأشراف"[7].
وعنه عليه السلام في وصيّته لمحمّد بن أبي بكر، لمّا ولّاه مصر: "يا محمّد بن أبي بكر، اعلم أنّ أفضل العفّة، الورع في دين الله والعمل بطاعته..."[8].
وعنه عليه السلام أنّه قال: "ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملَكاً من الملائكة"[9].
مـَنشأ العفّة ومواردها
تحدّثت الروايات عن منشأين أساسيّين للعفّة، هما:
أ- العقل: فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "من عقل عفَّ"[10].
ب- الرضا: وعنه عليه السلام أيضاً: "الرضا بالكفاف يؤدّي إلى العفاف"[11].
أمّا موارد العفّة فكثيرة، نشير إلى بعضٍ منها:
- العفّة عن السؤال (إظهار الفقر والحاجة)
يقول تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ﴾[12].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العفاف زينة الفقر"[13].
2- التعفّف بالستر
يقول تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[14].
3- العفّة عن الشهوة المحرّمة
يقول تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾[15].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "زكاة الجمال العفاف"[16].
4- عفة البطن والفرج
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أحبّ العفاف إلى الله تعالى عفاف البطن والفرج"[17].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إذا أراد الله بعبد خيراً، عفّ بطنه وفرجه"[18].
وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "ما عُبد الله بشيء أفضل من عفّة بطنٍ وفرج"[19].
آثار العفاف
أ- حُسن الأوصاف
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "مَن عفّت أطرافه، حسُنت أوصافه"[20].
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "أمّا لباس التقوى فالعفاف، إنّ العفيف لا تبدو له عورة، وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة، وإن كان كاسياً من الثياب، يقول الله: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾[21]"[22].
ب- القناعة
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "على قدر العفّة تكون القناعة"[23].
وعنه عليه السلام: "ثمرة العفّة، القناعة"[24].
ج- الغيرة
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "دليل غيرة الرجل، عفّته"[25].
د- الصبر على الشهوات
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العفّة تضعف الشهوة"[26].
هـ- زكاة الأعمال
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "بالعفاف تزكو الأعمال"[27].
و- محبّة الله
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ الله يحبّ عبده الفقير المتعفّف ذا العيال"[28].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ الحييّ المتعفِّف التقيّ الراضي"[29].
ح- دخول الجنّة
عن الإمام الرضا عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أوّل من يدخل الجنّة: شهيدٌ، وعبدٌ مملوك أحسن عبادة ربّه ونصح لسيّده، ورجلٌ عفيفٌ متعفّف ذو عبادة"[30].
صفة الشيعة
عن المفضّل، قال: قال الإمام الصادق عليه السلام: "إيّاك والسفلة! فإنّما شيعة عليّ من عفّ بطنه وفرجه، واشتدّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر"[31].
وهو من صفات المتّقين، فعن أمير المؤمنين عليه السلام في صفة المتّقين: "حاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة"[32].
الإنسان والمجتمع، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة النور، الآية 60.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص21.
[3] مستفاد من السيّد الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص379.
[4] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج9، ص352.
[5] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص58.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص79.
[7] البروجرديّ، السيّد حسين الطباطبائيّ، جامع أحاديث الشيعة، لا.ن، إيران - قم، 1399ه، لا.ط، ج14، ص277.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج77، ص390.
[9] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ، إيران - قم، 1404ه، ودار إحياء الكتب العربيّة - عيسى البابيّ الحلبيّ وشركاه، 1378ه - 1959م، ط1، ج20، ص233.
[10] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص428.
[11] المصدر نفسه، ص27.
[12] سورة البقرة، الآية 273.
[13] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص479.
[14] سورة النور، الآية 60.
[15] سورة النور، الآية 33.
[16] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص275.
[17] الحلواني، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام، إيران - قم، 1408، ط1، ص30.
[18] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص131.
[19] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص79.
[20] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص464.
[21] سورة الأعراف، الآية 26.
[22] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص272.
[23] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص327.
[24] المصدر نفسه، ص208.
[25] المصدر نفسه، ص249.
[26] الليثي، الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص67.
[27] المصدر نفسه، ص187.
[28] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج20، ص39.
[29] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق ص142.
[30] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الأمالي، تحقيق حسين الأستاد ولي، علي أكبر الغفاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414 - 1993م، ط2، ص99.
[31] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص233.
[32] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص303.