إستجابة الدعاء في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)

قيم هذا المقال
(0 صوت)
إستجابة الدعاء في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)

الابتهال إلى اللّه وطلب الخير منه أو طلب دفع الشرِّ ومغفرة الذنوب أمر مرغوب، يقوم به الاِنسان تارة بنفسه، وأُخرى يتوصل إليه بدعاء الغير.

 

واستجابة الدعاء رهن خرق الحجب والوصول إليه سبحانه، حتى يكون الدعاء مصداقاً لقوله سبحانه: (أُدْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ)([1]) وليس كل دعاء مستجاباً وصاعداً إليه سبحانه، فإنّ لاستجابة الدعاء شروطاً مختلفة قلّما تجتمع في دعاء الاِنسان العادي.

نعم هناك أُناس مطهرون من الذنوب يكون دعائهم صاعداً إلى اللّه سبحانه ومستجاباً قطعاً ولذلك حثَّ سبحانه المسلمين على التشرّف بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلب الاستغفار منه، قال سبحانه: (وَلَو انّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أنفسهُمْ جاءُوكَ فاستغْفروا اللّه وَاسْتَغْفر لَهُمُ الرَّسُول لَوَجدوا اللّه تَوّاباً رَحيماً)([2]).

 

وقال سبحانه: (وَإِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوا يَسْتَغْفِر لَكُمْ رَسُول اللّه لَوّوا رُوَوسهُمْ وَرأيتهم يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)([3]).

 

ولذلك طلب أبناء يعقوب أباهم أن يستغفر في حقّهم (قالُوا يا أَبانا استَغْفِر لَنا ذُنُوبنا إنّاكُنّا خاطِئين)([4]).

 

ويظهر ممّا جرى بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفد نجران من المحاجَّة والمباهلة ان ّأهل البيت إذ أمَّنوا لدعاء النبي (صلى الله عليه وآله) يُستجاب دعاءه، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة، فحاجَّهم الرسول ص ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة: (إِنَّ مَثل عيسى عِنْدَاللّه كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍثُمَّ قال لَهُ كُنْ فَيَكُون)([5]).

 

فقد قارعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية، حيث كان نصارى نجران يحتجون ببنوة المسيح بولادته بلا أب فوافاهم الجواب: «بأنّ مثل المسيح كمثل آدم، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن إبناً للّه سبحانه» وأولى منه أن لا يكون المسيح إبناً له.

 

ولمّا أُفحموا في المحاجة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة، وهي وإن كانت دائرة بين الرسول (صلى الله عليه وآله) ورجال النصارى، لكن عمَّت الدعوة للأبناء والنساء، ليكون أولى على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ وذلك لما أودع اللّه سبحانه في قلب الاِنسان من محبة الاَولاد والشفقة عليهم، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الاَهوال والاِخطار دونهم، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الاَبناء على النساء، وقال: (فَمَنْ حاجّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءُكُمْ وَنساءَنا ونساءكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنُفسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَل لَعْنَة اللّه عَلى الكاذِبين).

 

وحيث إنّه سبحانه أتى بلفظ الاَبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) وحده بل أبناءه ونساءه، ولذلك عدَّدتهم الآية نفس النبي ونساء النبي وأبناءه من بين رجال الاَمة ونسائهم وأبنائهم .

 

ثمّ إنّ المفسرين قد ساقوا قصة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشاف، قال: لما دعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتى نرجع وننظر، فلّما تخالوا .

 

قالوا للعاقب، وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: واللّه لقد عرفتم يا معشر النصارى ان ّمحمّداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، واللّه ما باهل قوم نبياً قط، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكنّ، فإن أبيتم إلا اِلف دينكم والاِقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

 

فأتوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه، وعليّ خلفها، وهو يقول: «إذا أنا دعوت فأمَّنوا«.

 

فقال أُسقف نجران: يا معشر النصارى! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء اللّه أن يُزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها فلا تباهلوا فتُهلكوا، ولا يبقى على وجه الاَرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرّك على دينك، ونثبت على ديننا. قال: «فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم«

 

فأبوا، قال: «فانّي أُناجزكم»، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردُّنا عن ديننا، على أن نوَدي إليك كلّ عام ألفي حلّة، ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك.

وقال: «والذي نفسي بيده انّ الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على روَوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا«.

 

وعن عائشة: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة ،ثمّ علي، ثمّ قال: (إنّما يريداللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)([6]).

 

الشاهد على استجابة دعائهم أمران:

أ: قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أنا دعوت فأمّنوا، فكان دعاء النبي يصعد بتأمينهم، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صاعداً بفضل دعائهم.

 

ب: قول أُسقف نجران: «انّي لاَرى وجوهاً لوشاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لاَزاله بها» والضمير يرجع إلى الوجوه، أي لازاله بدعائهم أو لاَزاله بالقسم على اللّه بهم، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في «العمدة» حيث قال: المباهلة بهم تصدق دعوى النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على اللّه بهم([7]).

 

وقد تركت مباهلة النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين، يشهد بها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسبَّ أبا تراب؟

فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فلن أسبَّه، لاَن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.

 

سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول اللّه، خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي؟

 

وسمعته يوم خيبر، يقول: لأعطينّ الراية رجلاً يحب اللّه ورسوله، ويحبّه اللّه ورسوله .

 

قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد العين، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح اللّه على يديه.

 

ولما نزلت هذه الآية: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) دعا رسول اللّه عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: اللّهم هوَلاء أهل بيتي([8]).

 

أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم، تأليف : سماحة العلامة المحقّق الشيخ جعفر السبحاني

 

([1]) غافر: 60

([2]) آل عمران: 65.

([3]) المنافقون: 5.

([4]) يوسف: 97.

([5]) آل عمران: 59.

([6]) الزمخشري: الكشاف: 1|326ـ 327، ط عام 1367هـ.

([7]) العمدة: 243.

([8]) صحيح مسلم: 7|120، باب فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

قراءة 1484 مرة