فی ذکری میلاد الإمام علی بن محمد الهادی علیه السلام

قيم هذا المقال
(0 صوت)
فی ذکری میلاد الإمام علی بن محمد الهادی علیه السلام

هو الإمام العاشر من أئمة اهل البیت ع، ذو المكارم والأیادی ، والفضائل المشهورة بین الخاص والعام والحاضر والبادی ، الامام  العاشر والنور الباهر ، مبدأ الفضل والأیادی الإمام أبی الحسن علی بن محمد بن علی بن موسى بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام .

 

نسبه الشریف

 

الأسم: علی بن محمد علیه السلام

 

الكنى: أبو الحسن الثالث، أبو محمد

 

الالقاب: ابن الرضا، الهادی، النقی

 

یوم الولادة: ظهر أو عصر الثلاثاء

 

شهر الولادة:2 رجب المرجب

 

عام الولادة: 214 من الهجرة

 

نقش خاتمه: الله ربی وهو عصمتی من خلقه

 

شهر الوفاة: 3 رجب الأصم اوذو الحجه الحرام

 

عام الوفاة: 254 من الهجرة

 

علة الوفاة: سمه المعز فی افطاره

 

عدد الأولاد:البنون 4، البنات 1

 

وهو(ع) رابع العلیین الأربعة فی الأئمة الأطهار بعد العلیین الثلاثة ، الإمام أمیرالمؤمنین (ع) والإمام زین العابدین (ع) ، والإمام الرضا (ع) .

فنسبه (ع) من نسب أبیه ، تلك الذریة الطاهرة التی أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهیرا ، واصطفاها على البریة جمیعا ، وزكاها على خلقه ، وجعلهم أئمة یهدون بامره تعالى .

 

وأما أمه ، فكانت جاریة اشتراها الإمام الجواد (ع) بسبعین دینار وكانت تسمى سمانة المغربیة " ویقال " متفرشة" ، ویقال أنها معروفة بالسیدة أم الفضل ، وهی من القانتات الصالحات ، وكان الإمام الهادی (ع) یقول على ما روی : (( أمی عارفة بحقی وهی من أهل الجنة ، ما یقربها شیطان مرید ، ولا ینالها كید جبار عنید ، وهی مكلوءة بعین الله التی لا تنام ، ولا تختلف عن أمهات الصدیقین والصالحین .

 

 

مولده علیه السلام

 

ولد (ع) فی قریة صربا بالقرب من المدینة المنورة ، یوم الثلاثاء فی الثانی من شهر رجب الأصب من سنة اثنتی عشرة ومئتین للهجرة النبویة الشریفة او ذوالحجه الحرام ، وربما یؤید ذلك ما ذكرناه فی ولادة الإمام الجواد (ع) من الدعاء فی أول رجب (( اللهم إنی أسألك بالمولدین فی رجب محمد بن علی الثانی وأبنه علی بن محمد المنتجب )) وهذا یؤید ویرجح ذلك ، بل یعینه ویحدده وإن كانت هناك روایات غیر ذلك .

 

كنیته وألقابه علیه السلام :

 

یكنى (ع) بأبی الحسن ، ویقال له تمییزاً " أبو الحسن الثالث " بعد أبی الحسن الأول أمیر المؤمنین (ع) وأبی الحسن الثانی جده الرضا (ع)

وأما القابه فكثیرة منها : الهادی وهو اشهرها ، والعسكری ، والفقیه ، والمؤتمن ، والنقی ، والعالم ، والمرتضى ، والناصح ، والأمین ، والمتقی والطیب ، والنجیب ، والفتاح ، والمتوكل وغیرها .

 

وقد كان (ع) یخفی اللقب الأخیر - أی المتوكل - و یأمر أصحابه بأن یعرضوا تلقیبه به ، لكونه یومئذٍ لقباً للخلیفة العباسی المعاصر ، وهو جعفر المتوكل المعاصر للإمام الهادی (ع) .

وأما لقب العسكری ، فسببه أ ن جعفر المتوكل أشخصه من المدینة المنورة إلى بغداد إلى سر من رأى ، وكان یعسكر فیها الجیش ، ولذا سمیت عسكراً ، وقد أقام بها عشرین سنة وتسعة أشهر ، فلذلك قیل للإمام وولده (ع) العسكری نسبةً لها ، وإن غلب هذا اللقب على ولده الإمام الحسن العسكری (ع)

 

 

مدح الإمام علی بن محمد الهادی علیه السلام

 

أرتل المجد للعلیاء من مضر       الهادی الطهر فی آیاته الغرر

 

تحنو له الهام إجلالا وتكرمة       كل البریة من باد ومحتضر

 

من جده الهادی المختار ثم له      أب علیّ العلى ذو الصارم البتر

 

له من الفضل ما لم یحوه أحد      أخلاقه كنسیم الفجر فی السحر

 

جم المناقب، شهم لا مثیل له        آیاته كدراری الشهب والدرر

 

فی الخافقین معانیه قد انتشرت      له الكرامات عدّ الحصو والمدر

 

وان تغیر جاه الناس مستفلا        مقامه الشأو مأمون من الغیر

 

السحب منه درت كیف الهطول وكم   له ید فی الورى هطالة المطر

 

فی علمه مثل بحر لا ضفاف له     وراكبوه على أمن من الخطر

 

هو النقی التقی الممتلی حكماً        من المعارف والأحكام والسور

 

من حبّه طاعة لله جلّ، علا         لشانئیه مكان الخلد فی السقر

 

ومن یعادیه فی خسرانه وجل       ومن یوالیه فی أمن من الضرر

 

للشاعر آیة الله السید محمد الشیرازی 

مناقبه وفضائله

 

(أحدها) -العلم-فقد روی عنه فی تنزیه الباری تعالى و توحیده و فی أجوبة المسائل و أنواع العلوم الشی‏ء الكثیر.

فمما جاء عنه فی تنزیه الباری تعالى ما رواه الحسن بن علی بن شعبة فی تحف العقول أنه قال : إن الله لا یوصف إلا بما وصف به نفسه و أنى یوصف الذی تعجز الحواس أن تدركه و الأوهام أن تناله و الخطرات أن تحده و الأبصار عن الإحاطة به نأى فی قربه و قرب فی نأیه كیف الكیف بغیر أن یقال كیف و أین الأین بلا أن یقال أین هو منقطع الكیفیة و الأینیة الواحد الأحد جل جلاله و تقدست أسماؤه.

(ثانیها) الحلم-و یكفی فی ذلك حلمه عن بریحة بعد ما وشى به إلى المتوكل و افترى علیه و تهدده كما یأتی.(ثالثها) الكرم و السخاء- قال ابن شهرآشوب فی المناقب دخل أبو عمرو عثمان بن سعید و أحمد بن إسحاق الأشعری و علی بن جعفر الهمدانی على أبی الحسن العسكری فشكا إلیه أحمد بن إسحاق دینا علیه فقال یا عمرو و كان وكیله ادفع إلیه ثلاثین ألف دینار و إلى علی بن جعفر ثلاثین ألف دینار و خذ أنت ثلاثین ألف دینار )قال( فهذه معجزة لا یقدر علیها إلا الملوك و ما سمعنا بمثل هذا العطاء (اه) .

و فی المناقب : قال إسحاق الجلاب اشتریت لأبی الحسن علیه‏السلام غنما كثیرة یوم الترویة فقسمها فی أقاربه.

)رابعها( الهیبة و العظمة فی قلوب الناس- فی إعلام الورى بسنده عن محمد بن الحسن الأشتر العلوی قال كنت مع أبی على باب المتوكل و أنا صبی فی جمع من الناس ما بین طالبی إلى عباسی و جعفری و نحن وقوف إذ جاء أبو الحسن فترجل الناس كلهم حتى دخل فقال بعضهم لبعض لمن نترجل؟لهذا الغلام و ما هو بأشرفنا و لا بأكبرنا سنا و الله لا ترجلنا له فقال أبو هاشم الجعفری و الله لتترجلن له صغرة إذا رأیتموه فما هو إلا أن أقبل و بصروا به حتى ترجل له الناس كلهم.فقال لهم أبو هاشم أ لیس زعمتم أنكم لا تترجلون له فقالوا له و الله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلن

 

 

النص على إمامته علیه السلام

 

كان الإمام الهادی (ع) مهئیاً للإمامة والخلافة ، فقد كان (ع) أطیب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة ، وكان شكلاً أحسنهم واملحهم ، وكانت أوصافه كلها تجعله المبرَّز والمقدم لإمامة البشر كیف لا وهو من بیت الرسالة والإمامة ، ومقر الوصیة والخلافة ؟! كیف لا وهو شعبه من روح النبوة منتضاه ومرتضاه ، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناه ومجتباه .

ومن تلك الأخبار المرویة عن أبیه الجواد (ع) عن ابائه (ع) :

روى عن اسماعیل بن مهزیار أنه قال : لما خرج أبو جعفر (ع) من المدینة المنورة إلى بغداد فی الدفعة الأولى من خروجه قلت له : جعلت فداك إنی خائف علیك من هذه الوجه فإلى من الأمر بعدك ؟ فكرّ بوجهه (ع) إلی ضاحكاً وقال : لیس الأمر حیث ضننت فی هذه السنة فلما استدعى به المعتصم صرت إلیه فقلت له : جعلت فداك ها أنت خارج فإلى من الأمر من بعدك ، فبكى (ع) حتى اخضلت لحیته بالدموع ، ثم التفت إلی فقال : عند هذه یخاف علی ، فالأمر من بعدی إلى ابنی علی ، فإن أمره امری ، وقوله قولی ، وطاعته طاعتی ، والإمامة بعده فی ابنه الحسن .

سنوات عمره علیه السلام

 

انتقل أمر الإمامة والخلافة إلیه (ع) وهو فی مدینة جده الرسول (ص) عن شهادة أبیه الجواد (ع) فی بغداد . وله (ع) یومئذٍ من العمر ثمان سنوات وأربعة أشهر قریباً من قدر سنی عمر أبیه الجواد (ع) عند انتقال الأمر والخلافة إلیه بعد أبیه الرضا (ع) ، وبقی سلام الله تعالى علیه فی المدینة بعد شهادة أبیه الجواد (ع) بقیة ملك المعتصم ما یقرب من سنتین ، حتى أنتقل الأمر للمتوكل ( لع) حیث أشخص الإمام (ع) من المدینة المنورة إلى " سر من رأى " التی تبعد عن بغداد مسیرة ثلاثة أیام ، وبعد هلاك المتوكل فی الرابع من شهر شوال سنة سبع وأربعین ومأتین ، بویع ابنه محمد بن جعفر الملقب بالمنتصر إلى أن وصل الأمر فی النهایة للمعتز بن المتوكل وأسمه الزبیر وكان ذلك فی السنة الثانیة والثلاثین من إمامة أبی الحسن الهادی (ع) ثم كانت شهادة الإمام (ع) فی السنة الرابعة والثلاثین من إمامته .

 

وقد بقى (ع) فی سامراء عشرین سنة وكانت مدة إمامته (ع) بعد أبیه الجواد (ع) أربعاً وثلاثین سنة ویوماً واحداً ، وقد تقدم انه (ع) أقام مع أبیه ما یقرب من ثمانیة سنوات فیكون مجموع عمره الشریف (ع) نحو اثنین واربعین سنة.

 

 

أولاده علیه السلام

 

خلف الإمام الهادی (ع) خمسة أولاد ، أربعة ذكور وأنثى واحدة مسماة "عالیة" والذكور هم : الإمام الحسن العسكری (ع) الإمام بعده، والذی سنتعرض لسیرته تالیاً ، إن شاء الله تعالى ، ومحمد صاحب الكرامات الباهرة والآیات الواضحة ، وهو المعروف بالسید محمد ، والمدفون قریباً من سامراء على مسیرة ثمان ساعات ، وله قبة عالیة ومزار مقصود فی كل سنة ، وإن هذا السید الجلیل ، لكثرة ورعه ووفور علمه ، كان یظن انتقال الإمامة والخلافة إلیه . ومن أولاد الإمام (ع) كذلك الحسین وأخیراً جعفر ، وهو المعروف بجعفر الكذاب والذی سبقت الإشارة إلیه فی حدیث عن الإمام الصادق (ع) حول الحدیث المروی عن الإمام السجاد (ع) ، وهذا كان عكس أخیه السید محمد فقد ادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام الهادی (ع) كذباً وافتراءً على الله ورسوله (ص) ، وإجتراء على الدین ، وقد سعى فی إذاء أخیه الإمام الحسن العسكری (ع) وبعده فی إذاء إمام العصر الحجة المنتظر (ع) ، وكان یلقب بزق خمر ، لكثرة شربه للخمر ولعبه بآلات اللهو والقمار ، وقد ورد التوقیع بخط مولانا صاحب الزمان (ع) فی حقه أن سبیله سبیل ابن نوح (ع) ، وكان أبوه الهادی (ع) یقول فیه على ماروی " تجنبوا ابنی جعفر فإنه منی بمنزلة كنعان بن نوح النبی (ع) إذ قال (ع) : ربِ إن ابنی من أهلی فرد الله علیه بقوله تعالى : (( یانوح إنه لیس من أهلك إنه عمل غیر صالح ))

 

وكان أبو محمد الحسن العسكری یقول على ماروی : الله الله أن یظهر لكم أخی على سر، فوالله ما مَثلی ومَثلهُ إلا مَثل هابیل وقابیل ابنی ادم (ع) ، حین حسد قابیلُ هابیل على ما اعطاه الله تعالى ، ولو تهیأ لجعفر قتلی لفعل ولكن الله غالبٌ على أمره .

 

وقد أمعن الشیعة بعد أبی محمد (ع) وزادوا فی هجره حتى تركوا السلام علیه ، ولكنه بعد استشهاد أخیه الإمام العسكری (ع) وبعد مماته ورد النهی من مولانا الحجة (ع) عن سب عمه جعفر ، ونهى شیعته عن لعنه ، وذكر (ع) لهم أن حاله حال أولاد یعقوب (ع) بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قد وفقه فی اخر عمره للتوبة والرجوع للحق . والله بصیر بالعباد .

 

 

علمه ومحاججاته علیه السلام

 

عاش الإمام الهادی (ع) فی عصر كانت فیه المناقشات الفقهیة والمجادلات الكلامیة والمذاهب الفلسفیة شاملة وعنیفة ، وكان على شبابه وصغر سنه بالنسبة إلى شیوخ الكلام ، واساطین الفلسفة یرجع إلیه ، ویُسأل عن رأیه ، فكان الذروة فی المعارف الدقیقة والأحكام الصائبة وكان قوله الفصل وحجته المفحمة .

 

وقد تسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأیه المشرّف فی المسائل المعقدة والغامضة من أحكام الشریعة الإسلامیة . إذ لم یكن هناك أحد یضارعه فی ثرواته العلمیة المذهلة التی شملت جمیع أنواع العلوم من الحدیث والفقه والفلسفة وعلم الكلام ، وغیرها من سائر العلوم .

 

ومن الغریب أن المتوكل كان من ألدِّ أعداء الإمام (ع) قدم رأی الإمام الهادی (ع) على أراء علماء عصره فی المسائل التی اختلف فیها .

 

وأثرت عن الإمام (ع) روایات عن النبی (ص) وعن أمیر المؤمنین والباقر والصادق والرضا (ع) ، وكذلك محاججاته المبهرة عن امتناع رؤیة الله عز وجل دنیا وأخره ، واستحالة التجسیم واستحالة وصفه ، وحقیقة التوحید ، وإبطال الجبر والتفویض وأثرت عنه (ع) الأدعیة والمناجات والزیارات أیضاً ومن أشهر زیارات الإمام الهادی (ع) لأبائه الأئمة الطاهرین الزیارة الجامعة .

 

وتعتبر الزیارة الجامعة من أشهر زیارات الأئمة (ع) واعلاها شاناً ، واكثرها ذیوعاً وانتشاراً ، فقد أقبل أتباع أهل البیت (ع) وشیعتهم على حفظها وزیارة الأئمة (ع) بها خصوصاً فی یوم الجمعة .

وسنتحدث عن سند الزیارة الجامعة وبلاغتها وشروحها باختصار وایجاز شدیدین للغایة :

 

أما سندها ، فقد حاز درجة القطع من الصحة ، فقد رواها شیخ الطائفة الطوسی فی التهذیب ، ورئیس المحدثین فی " من لا یحضره الفقیه" ، و"العیون " وغیرهما ، قال المجلسی : إن هذه الزیارة من أصح الزیارات سنداً ، وأعمقها مورداً ، وأفصحها لفظاً ، وأبلغها معنى ، وأعلاها شأناً .

 

وعن بلاغتها فتفیض هذه الزیارة بالأدب الرائع ، فقد رصعت بأرق الألفاظ - كما تحلت بجواهر الفصاحة والبلاغة ، وبداعة الدیباجة ، وجمال التعبیر ، ودقة المعانی . الأمر الذی یدل على صدورها عن الإمام الهادی (ع) .

 

فقد اعتبر أن أیة الخبر الصحیح هو ما إذا كان فی أرقى مراتب البلاغة ، فإن الأئمة الطاهرین هم معدن البلاغة والفصاحة ، وهم الذین أسسوا قواعد الكلم البلیغ ، فكان كلامه فی أعلى مراتب الكلام الفصیح ، فكلامهم (ع) دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوقین .

 

واما عن شروحها فقد اهتم بها العلماء اهتماماً بالغاً ، لما فیها من المطالب العالیة ، والأسرار المنیعة ، والأمور البدیعة ، ومن اهم شروحها :

 

1 - شرح الزیارة الجامعة الكبیرة للشیخ أحمد بن زین الدین الأحسائی

2 - شرح الزیارة الجامعة للشیخ محمد تقی بن مقصود المجلسی .

3 - الشموس الطالعة فی شرح الزیارة الجامعة للسید حسین بن السید محمد تقی الهمدانی .

4 - شرح الزیارة الجامعة للسید عبدالله شبر وأسماه الأنوار اللامعة فی شرح الزیارة الجامعة .

5 - - - - - - - - - - - - - للسید علی نقی الحائری .

6 - - - -- - - - - - - - - للشیخ محمد علی الرشتی النجفی .

7 - - - - - - - - - - -- -- للسید محمد بن محمد بن باقر الحسینی .

8 - - - - - - - - - - -- - - للسید محمد بن عبد الكریم الطباطبائی البروجردی .

9 - الأنوار الساطعة فی شرح الزیارة الجامعة للشیخ جواد بن عباس الكربلائی ویقع هذا الشرح فی خمسة أجزاء .

 

 

ملوك عصره

 

عاصر صلوات الله وسلامه علیه وعلى ابائه وابنائه الطاهرین سبعاً من خلفاء بنی العباس : المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، الذی ملك خمس سنین وسبعة أشهر ، وبعده ملك المتوكل أربع عشرة سنة ، ثم المنتصر الذی كان ملكه ستة أشهر ، ثم أحمد بن محمد المستعین ، الذی كان فی أكثر أیامه مشتغلاً بالحرب والمنازعة مع المعتزلة ، وكانت مدة ملكه أربع سنین وشهراً ، ثم خُلع بعدها ، وبویع المعتز بن المتوكل الذی استشهد الإمام (ع) فی عهده .

 

حیاته بشكل عام وروابطه مع ملوك عصره

 

فی عهد المعتصم سنة 220 هـ عندما استشهد أبوه (ع) فی بغداد بواسطة السم الذی دس إلیه ، كان الإمام العاشر (ع) فی المدینة المنورة كما اسلفنا ، نال منصب الإمامة بامر من الله تعالى ووصیة اجداده ، فقام بنشر التعالیم الإسلامیة حتى زمن المتوكل .

 

لقد كان جمیع الملوك الذین عاصرهم الإمام الهادی (ع) یهابونه ویحذرونه ویخافونه ویكرهونه - كما لأسلافهم مع أبائه - لفرط ما كان له ولهم من محبة وإجلال فی نفوس الناس .

 

وكان أشد هؤلاء الملوك كرهاً لآل البیت ولعلی بن ابی طالب (ع) خاصة ، المتوكل ، بل لعله أشد ملوك بنی العباس قاطبة ، كرهاً للإمام علی وابنائه (ع) ، وكان یعلن عداءه وتنفره لعلی (ع) فضلاً عن الكلام البذی الذی كان یتفوه به أحیاناً ، وكان قد عین شخصاً یقلد أعمال الإمام علی (ع) فی مجالسه ومحافله ، ویستهزئ وینال من تلك الشخصیة العظیمة .

وأمر بتخریب قبة الإمام الحسین (ع) وضریحه والكثیر من الدور المجاورة له ، وأمر بفتح المیاه على حرم الإمام الحسین (ع) وقبره ، وابذل أرضها إلى أرض زراعیة كی یقضی على جمیع معالم هذا المرقد الشریف .

 

وفی زمن المتوكل اصبحت حالة السادة العلویین فی الحجاز متدهورة ویرثى لها ، كانت نساؤهم تفتقر إلى ما یسترها ، والأغلبیة منها كانت تحتفظ بعباءة بالیة ، یتبادلها فی أوقات الصلاة لأجل إقامتها ، وكان الوضع عن هذا فی مصر بالنسبة إلى السادة العلویین .

 

ومن الإهانات التی وجهها المتوكل لأهل البیت (ع) . أنه استجعى الإمام الهادی (ع) فی السنة العاشرة من خلافته واشخصه من المدینة إلى سر من رأى ، وكان سبب ذلك تهمة افتراها علیها بعض اعدائه ، فوجه المتوكل یحیی بن هرثمه ومعه ثلاثمائة رجل للمدینة المنورة ، ومعهم رسالة إلى الإمام (ع) یدعوه فیها إلى موافاته فی سامراء ، واوصى یحیى بتفتیش دار الإمام (ع) لیضبطوا ما فیها من أسلحة وأدوات وعدة حرب ، كما أوصاه بنقل الإمام فی غایة الإجلال والتبجیل والإحترام خوفاً من الشیعة والرأی العام .

 

فلما وصل " یحیى " إلى الإمام (ع) وجده جالساً یقرأ القرآن ، ولم یجند الجند فی بیته (ع) سوى مصاحف وكتب أدعیة ، فأكبره القوم وأحترموه ، ولما سلمه یحیی كتاب المتوكل استجاب الإمام (ع) واستمهل ثلاثة أیام استعداداً للخروج .

 

ولما علم الناس فی المدینة المنورة بغرض یحیى من زیارة الإمام (ع) هاجوا علیه هیاجاً عظیماً ، فجعل یحیى یسكنهم ویسكن روعهم ، وخرج الإمام (ع) معه ، وظهرت منه فی الطریق معاجز كثیرة ، حتى دخل (ع) سامراء سنة ثلاث وثلاثین ومأتین من الهجرة المباركة .

 

فلما دخل الإمام (ع) سامراء احتجب المتوكل عنه ، ولم یعین داراً لنزوله (ع) حتى اضطر الإمام (ع) إلى النزول فی "خان الصعالیك " وهو محل نزول الفقراء من الغرباء ، فدخل علیه صالح بن سعد وقال للإمام (ع) : جعلت فداك : فی كل الأمور ارادوا إطفاء نورك والتقصیر بك ، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع ؟ فأوما الإمام (ع) بیده فإذا بروضات أنقات وأنهار جاریات ، وجنات فیها خیرات عطرات ، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون ، فحار بصر صالح ، وكثر عجبه فقال الإمام (ع) له : هذا لنا یا بن سعد لسنا فی خان الصعالیك .

 

ثم افرد المتوكل بعدئذٍ داراً للإمام (ع) فانتقل إلیها ، وجعل اللعین لیلاً ونهاراً یسعى فی إداء الإمام (ع) والعمل على تحقیره وتصغیره بین الناس ولكن دون جدوى ، حتى جعل یعمل التدابیر والحیل لقتله (ع) إلا أنه لم یتیسر له ذلك ، وهكذا ظل دأبه مدة اربع سنین إلى أن كثرت وقاحته وزاد كفره ، وإظهار نصبه وعداوته علناً ، حتى دعا علیه الإمام الهادی (ع) فقتل فی الیوم الثالث من دعائه (ع) لیلة الأربعاء لأربع خلون من شهر شوال سنة سبع وأربعین ومائتین للهجرة الشریفة علی یدی باغر التركی بمعاونة المنتصر ووصیف التركی ، وقتلا هو وخادمه الفتح بن خاقان اللذین كانا سكرانین ثملین ، وانتقل إلى مقره من جهنم وبئس المصیر ، وكان ذلك فی السنة السابعة والعشرین من إمامته (ع) .

 

وهكذا كان حال الملوك الذین تولوا الملك بعد المتوكل ، وقد نسب إلى كل الخلفاء الثلاثة الذین تولوا الملك بعده أنهم دسوا االسم للإمام (ع) لیتخلصوا منه ، ولیس ذلك ببعید عنهم .

ولكنهم كانوا أخف وطأة على الإمام وشیعته بسبب منازعاتهم الفقهیة والفلسفیة والكلامیة مع المعتزلة وسواهم .

 

 

 

رثاء الإمام علی بن محمد الهادی علیه السلام

 

هو النقیُ لم یزل نقیّا          و كان عند ربهِ مرضیّا

 

قضى شهیداً فی دیارِ الغربة          فی شدةٍ و حنةٍ و كربة

 

بكتهُ عینُ الرشد و الهدایة          حیثُ هوى منها أجّلُ رایة

 

بكتهُ عینُ الفلكِ الدوّاری          حزناً على المُدیرِ و المداری

 

بكاهُ جدهُ النبیُ المجتبى          كأنهُ ضیاءُ عینهِ خبا

 

بكتهُ أعینُ البدورِ النیرة          آباءهُ الغرُ الكرامُ البررة 

 

الشیخ محمد الدماوندی

 

 #####

 

یا هادی الأنامِ نحوا الهدى          أنت صفیُ اللهِ و المقتدى

 

خُزانةُ الأسراری          یا عاشرَ الأطهاری

 

أنت صفیُ اللهِ و المقتدى

 

*********

 

یا علی الهادی افتخر بیك الفخر

 

تاسع سبط من نسل سید البشر

 

عاشر إمام من الأیمة الغرر

 

ثانی عشر معصوم شانك ظهر

 

بُوركتَ من مقارعٍ للجفاء          و قاطعٍ حبائلَ الإفتراء

 

یا وارثَ المختارِ          یا عاشرَ الأطهاری

 

أنت صفیُ اللهِ و المقتدى

 

*********

 

ربِ المعالی امنحك من عزته

 

جلباب قدرة اتفصل بقدرته

 

صدرك خزانة علم من حكمته

 

و اجعلك ما بین البشر حجته

 

طوعُ یدیكَ المجدُ قد أسلما          و علمُكَ الزاخرُ بحرٌ طما

 

أنت المحیطُ الجاری          یا عاشرَ الأطهاری

 

أنت صفیُ اللهِ و المقتدى

 

*********

 

من بدت للوادم شمس هیبتك

 

ظهرت معالم هیمنت قدرتك

 

اتجندت أشرار القمع سیرتك

 

و دولة المتوكل تذل رادتك

 

هیهاتَ هیهاتَ ربیبُ الإبا

 

أن یسكنَ الودیانَ دونَ الرُبا

 

و الذلُ للأشرارِ          یا عاشرَ الأطهاری

 

أنت صفیُ اللهِ و المقتدى

 

*********

 

ما بُرح عن ذاتك شموخ النفس

 

و ارسمت للأجیال أوضح درس

 

عن هدف دربك أبعدت كل رجس

 

مثل ابتعاد اللیل عن الشمس

 

یبنَ الذی فیهِ أتت هل أتى

 

فطمتَ كلَ من طغى أو عتا

 

بالبأسِ و الإیثارِ          یا عاشرَ الأطهاری

 

أنت صفیُ اللهِ و المقتدى

 

*********

 

بوجه الرجس موقفك مضرب مثل

 

من جابك المجلسه و راد الزلل

 

نادیت وین الباتوا اعلى القلل

 

وین أصبحت تیجانهم و الحلل

 

رَفعتَ فی مقولِكَ الصارمِ

 

صرختَ مظومٍ على الظالمِ

 

الموتُ للفُجارِ          یا عاشرَ الأطهاری

 

أنت صفیُ اللهِ و المقتدى

 

*********

 

{انتهت}.      

شهادته علیه السلام

 

استشهد الإمام الهادی (ع) فی مدینة سر من رأى ، التی نقله إلیها المتوكل - كما اسلفنا - والتی ابقاه هو وسلاطین بنی العباس من بعده فیها عشرین سنة لیكون قریباً منهم ، خاضعاً لمراقبتهم ، بعیداً عن كل ما یحتمل أن یتحرك لطلب الخلافة له . ورغم ان الإمام (ع) كان فی الواقع رهینة عندهم ، فإنهم لم یتوانوا عن العمل للتخلص منه نهائیاً ، وینسب المورخون السبب استشاد الإمام الهادی (ع) إلى السم الذی دسه له المعتز الذی استشهد الإمام (ع) فی السنة الثانیة من عهده ( وینسب البعض إلى المستعین الذی كان قبل المعتز ، دس السم للإمام (ع) أیضاً ) بل إن البعض ینسب دس السم إلى المعتمد العباسی الذی تولى الخلافة بعد استشاد الإمام الإمام (ع) . أی أن المعتمد عمد إلى محاولة قتل الإمام (ع) قبل أن یصبح خلیفة ، والمشهور أن المعتز هو الذی قتل الإمام (ع)

وقد كانت شهادته (ع) فی الثالث من شهر رجب المرجب فی السنة الرابعة والخمسین بعد المائتین من الهجرة النبویة المباركة ، ودفن (ع) فی بیته ویقع على بعد 120كم شمال بغداد ، وله مزار عظیم تعلوه قبة ذهبیة كبیرة .

قراءة 992 مرة