سیرة الإمام الرضا(علیه السلام)ووصایاه فی التعامل مع الأبناء

قيم هذا المقال
(0 صوت)
سیرة الإمام الرضا(علیه السلام)ووصایاه فی التعامل مع الأبناء

من أهم المواضیع التی تحظى دائماً باهتمام الوالدین موضوع تربیة الأطفال وکیفیة التعامل معهم. ونظراً لارتفاع مستوى الوعی لدى الأسر فقد ازداد الإهتمام بمسألة التربیة بجمیع أبعادها وجزئیاتها. ومن هنا نرىأن معظم القائمین على العمل التربوی والمهتمین بهذه الموضوع یسعون للإهتمام بهذا الأمر بطرق عدیدة مثل إقامة حلقات و صفوف تعلیمیة، ونشر کتب و مقالات، و کذلک صناعة الأفلام محاولین بذلک التقلیل من المعضلات و المشاکل الموجودة من خلال تحسین الوضع التربوی للأطفال.

 

والأمر اللافت للإنتباه هو کثرة الکتب الغربیة فی هذا المجال، حیث أن ترجمة هذه الکتب وتدریسها فی الجامعات یتسبب بنشر الطرق الغربیة لتربیة الأطفال فی المجتمع. غیر أننا لو تعمقنا فی دراسة واستیعاب ما جاء فی القرآن و السنة وسیرة الأئمة الأطهار(علیهم السلام) حول طرق تربیة الأطفال لکان بالإمکان الوصول إلى أفضل الطرق التربویة.

 

ولا نقصد مما سبق أن نضع جانباً کافة الأسالیب والدراسات العلمیة التی أجریت و تم تقدیمها حول تربیة الطفل، بل إنّ مانصبوا إلیه هو أن یکون لدینا إلمام کاملبالمنهجالإسلامی فی التربیة، وبأهم الطرق التی حضّ علیها الإسلام باعتبارها النموذج السماوی والقانون الأمثل، بحیث نجعلها معیاراً للحکم على النظریات التربویة الأخرى، ولنقوم بناء علیها بتربیة أطفالنا التربیة الجیدة التی تجعل منهم أشخاصا صالحین وتصونهم من أی شکل من الأمراض والعقد النفسیة والإجتماعیة.

 

البدایة مع فترة الحمل

 من الأمور التی لها تأثیر کبیر على تکوین الصفات الظاهریة والنفسیة فی الطفل هی العنایة اللازمة خلال فترة الحمل و تغذیة الأم فی تلک المرحلة. وقد وردت العدید من الروایات فی هذا الشأن،فی بعضها کان هناک توصیة بتناول بعض الأطعمة و الأشربة فی هذه المرحلة. و«اللبان» هو واحد من الأطعمة التی یوصى بها فی فترة الحمل، یقول الإمام الرضا(علیه السلام): «أطعموا نساءکم الحوامل اللبان، فإن یکن فی بطنهن غلام خرج ذکی القلب عالماً شجاعاً، و إن یکن جاریة، حسن خَلقها و خُلقها و عظمت عجیزتها وحظیت عند زوجها.»(1)

 

إختیار الاسم الحسن

إن أول ما یشغل بال الأب و الأم بعد أن یرزقهم الله تعالى بطفل هو  مسألة تسمیة هذا الطفل، فالإسم له تأثیر مباشر على شخصیة الفرد وعلى حضوره فی المجتمع. وقد أثبتت إحدى الدراسات العلمیة أن لکل إسم نغمة و ترددا خاصاوسیکون له تأثیر على شخصیة الإنسان، و حتى على کیفیة حکم الآخرین علیه. لقد تم التأکید على هذا الموضوع کثیراً فی تعالیم الإسلام و فی الروایات الشریفة، یقول الإمام الرضا(علیه السلام): «أول ما یبرّ الرجل ولده أن یسمیه باسم حسن، فلیحسن أحدکم اسم ولده.»(2)

وفی روایة أخرى عَنْ دُرُسْتَ عَنْ الإمام الرضا (علیه السلام) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِیِّ (علیه وآله الصلاة والسلام)فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ- مَا حَقُّ ابْنِی هَذَا؟ قَالَ: تُحَسِّنُ اسْمَهُ وَ أَدَبَهُ وَ ضَعْهُ مَوْضِعاً حَسَناً.(3)

 

صحیح أن الإمام الرضا(علیه السلام) قد أوصى بشکل عام باختیار الاسم الحسن، لکنه حضّ على اختیار الاسم المبارک «محمد» للصبیان، و«فاطمة» للبنات، حیث نقل عنه أنه قال: «البَیتُ الّذی فیه اسمُ محمّدٍ یَصبَحُ أهلُه بخیرٍ و یَمسُون بِخیرٍ.»(4)

ونقل أیضا أنه قال: «لا یَدخُلُ الفَقرُ بَیتاً فیه اسمُ فاطمةَ مِن النِّساءِ.»(5)

 

احترام الأولاد

بالطبع فإن اختیار الاسم الحسن للمولود لیس نهایة المطاف فی عملیة التربیة، بل هناک مبادئ أخری تجدر مراعاتها فی تربیة الأبناء والتعامل معهم، ومنها ضرورة مخاطبة الطفل بلهجة جمیلة متمیزة بالحنان والعطف.وإن نوع الخطاب هذا قد تجلى بشکل واضح فی سیرة الإمام الرضا(علیه السلام) فی تعامله مع ولده الجواد(علیه السلام)حیث کان یخاطبه مذ أن کان صغیرا باحترام وعطف،ومن أمثلة ذلک أنه کان ینادیه بکنیته،وکان یقول، قلت لأبی جعفر کذا، و کتبت لأبی جعفر کذا.

 

وعن أمیة بن علی قال: «کنت مع أبی الحسن الرضا(علیه السلام) فی السنة التی حج فیها ثم صار إلی خراسان و معه ابنه أبو جعفر الجواد(علیه السلام) و أبو الحسن(علیه السلام) یودع البیت. فلما صار أبو جعفر إلی الحجر جلس فیه فأطال، فأتى موفق غلام الإمام الرضا(علیه السلام) إلیه و أخبره بالأمر. فقام أبو الحسن فأتى أبا جعفر(علیه السلام)  فقال له: قم یاحبیبی،فقال: ما أرید أن أبرح من مکانی هذا، قال: بلی یا حبیبی، ثم قال الجواد: کیف أقوم و قد ودعت البیت وداعاً لا ترجع إلیه؟! فقال: قم یاحبیبی! فقام معه.»(6)

 

فعلى الرغم من أن الإمام الجواد(علیه السلام)کان طفلاً له ست أو سبع سنوات، فقد کان موجوداً مع أبیه فی مراسم الحج، و کان أبوه یخاطبه بکلمة حبیبی، کذلک کان غلمانه یتأسون به فیخاطبونه باحترام و ینادونه بکنیته.

إنّ معاملة الأولاد باحترام له فوائد و برکات کثیرة جداً، إحدى هذه الفوائد هی أن هذا الإحترام یساهم فی بناء شخصیتهم و یؤثر إیجاباعلیهم، کما أنه یصنع منهم أشخاصاً مؤدبین و جدیرینبالإحترام، إن الطفل الذی یرى الإحترام من والدیه سیتعلم من ذلک أن یعامل أمه و أباه و الآخرین باحترام، و أن یلتزم دوما فی کلامه بالأدب والأخلاق الحمیدة.

 

محبة الأولاد

إنّ محبة الأبناء هی أمر طبیعی وفطری مغروس فی قلب کل أب وأم، وفی روایة تحدث الإمام الرضا(علیه السلام) عن أنّ ثواب محبة الأبناء یوازی ویعادل ثواب الإحسان للوالدین، فقد روی أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ:  أَلَکَ وَالِدَانِ؟ فَقَالَ لَا، فَقَالَ: أَلَکَ وَلَدٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ: بِرَّ وَلَدَکَ یُحْسَبْ لَکَ بِرُّ وَالِدَیْکَ. وَ رُوِیَ أَنَّهُ قَالَ: بَرُّوا أَوْلَادَکُمْ وَ أَحْسِنُوا إِلَیْهِمْ فَإِنَّهُمْ یَظُنُّونَ أَنَّکُمْ تَرْزُقُونَهُم.»(7)

 

التمییز بین الفتاة والولد فی مستوى الإهتمام

على الرغم من أنه لا یوجد تمییز فی الإسلام بین الأولاد، فالمساواة والعدالة فیما بینهم تعتبر من تعالیم الدین، لکن فی بعض الجوانب نرى أن تفضیل الفتیات على الفتیان یعتبر أصلا تربویا هاما، لأن العاطفة عند الإناث وتأثیر الإحاسیس فی حیاتهن أشد منها عند الذکور، فإذا تم تجاهل هذه المشاعر فإنهن سیشعرن بالخیبة و الضیق، والروایة التالیة ناظرة لهذا الجانب التربوی الهام، فقد نقل الإمام الرضا(علیه السلام) عن جده رسول الله(صلّی الله علیه و آله) أنه قال: «إنّ اللهَ تَبارَک وتَعالى علَى الإناثِ أرَقُّ مِنه على الذُّکُورِ، و ما مِن رَجُلٍ یُدخِلُ فَرحَةً على امرَأةٍ بَینَه وبَینَها حُرمةٌ إلّا فَرَّحَه اللهُ یَومَ القِیامَةِ.»(8)

 

الوفاء بالعهد

إن تربیة الطفل لیست أمراً یبدأ منذ وقت ولادته، بل إن الطفل یرث قسماً کبیراً من حالته النفسیة و شخصیته من الأب و الأم، کما أنه یقلدهما فی الکثیر من تصرفاته، وبناء علیه یصیر لزاما علی الوالدین التقیدبالمسائل الأخلاقیة مثل الوفاء بالعهد. فالطفل الذی یعتبر أباه و أمه قدوة لسلوکه و تصرفاته و یقوم باستکشاف وتحلیل کافة تصرفاتهم، بإمکانه تعلم الوفاء بالعهد منذ نعومة أظفاره کما بقیة المبادئ والقیم الأخلاقیة الکریمة. قال الإمام الرضا(علیه السلام) لأصحابه: «إذا وعدتم الصبیان ففوا لهم، فإنهم یرون أنکم الذین ترزقونهم، إن الله عز و جل لیس یغضب لشیء کغضبه للنساء و الصبیان.»(9)

 

لا شک أنه فی هکذا ظروف إذا تکرر خلف الوالدین بوعودهم لأطفالهم فإنه بالإضافة لشعور الأطفال بالخیبة فهم بلاشک سیفقدونالثقة بوالدیهم، و ربما یمکن القول أن أسوأ عواقب عدم الثقة هذه سیظهر فی مرحلة البلوغ حیث یحتاج الولد لمساعدة و إرشادات أبیه و أمه أکثر من أی وقت آخر،ولکن الولد الذی ترعرع و لدیه عدم ثقة بوالدیة لن یستطیع أن یثق بأی شخص آخر، من الطبیعی أن هکذا أبناء یکونون معرضین لمخاطر جدیة فی حیاتهم الإجتماعیة، والإمام الرضا(علیه السلام)أوصانا بمراعاة هذا الأمر، بل وقد نقل عنه مامعناه أنّ التقصیر فی هذا الأمر یکون سببا فی غضب الله عز وجل.

 

 ومنه ندرک ما لموضوع تربیة الأبناءمن أهمیة فائقة، بحیث لایجوز التهاون فیها أبدا، وأنّ القصور هنا من قبل الوالدین یجعلهما مستحقین لغضب الباری تعالى.

 

بناء الثقة بالنفس و احترام الذات لدى الأبناء

إن الثقة بالنفس و احترام الذات لدى الإنسانهی من أهم الأمور التی تؤثر  فی شخصیته، کما أنها تؤدی دوراً بارزافی سلوکه الإجتماعی وتصرفاته المختلفة. إن النقطة المهمة التی یجب الإنتباه لها هنا هی ضرورة زرع هذه الصفة و تقویتها لدى الأشخاص منذ الطفولة. جاء فی الروایة  أن أحد أصحاب الإمام الرضا(علیه السلام) شکا إلیه ولده الذی أفسد ماله. فقال الإمام(علیه السلام): «اسْتَصْلِحْهُ فَمَا مِائَةُ أَلْفٍ فِیمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَیْک‏.»(10)

 

کما نلاحظ فقد اعتبر الإمام(علیه السلام) أن تربیة الطفل و زرع الثقة و احترام الذات لدیه و إعطاءه فرصة أخرى أهم بکثیر من مقدار الخسارة المالیة التی لحقت بذلک الرجل. ولایفوتنا التذکیر هنا أن کلام الإمام هذا لیس معناه أن یترک الأبناء علی هواهم من دون مراقبة أو محاسبة، بل معناه منحهم فرصة ثانیة من أجل خلق المهارة و الثقة بالنفس لدیهم.

 

النتیجة

کما رأینا یوجد فی تعالیم و سیرة الإمام الرضا(علیه السلام)، العدید من الوصایا المتعلقة بتربیة الأطفال منذ بدایة الحمل حتى مرحلة البلوغ،ولاشکّ أن مراعاة هذه الوصایا والإقتداء بهذه السیرة المبارکة سوف یکون المرشد والمعین الأمثل للوالدین فی تربیة أبنائهم.

إن تغذیة الأم، واختیار الإسم الحسن للأولاد، وطریقة التعامل مع الأطفال والإنتباه لمواهبهم وتقویتها منذ الطفولة کلها جزء من التعالیم القیمة التی تم التأکید علیها فی سیرة وأقوال الإمام الرضا(علیه السلام) ، حیث یجب مراعاتها جمیعا أثناء فی عملیة التربیة، ونتیجة ذلک ستکون أطفالا سالمین متحلین بالفضائل الأخلاقیة وبالسلوک القویم المبتنی على المبادئ والأسس الإسلامیة.‌

 

* تألیف: زهره فتح الله نوری

تعریب: کامل اسماعیل

لصالِح العتبة الرضویة المُقدسة

 

(1).فیض الکاشانی، محمد بن شاه مرتضى (1415ق). الوافی (ج23، ص1313).أصفهان:مکتبة أمیرالمؤمنین.

(2).الحرالعاملی، محمد بن حسن(1412ق). وسائل الشیعة (ج21، ص388). طهران: نشر مهر.

(3).الکلینی، محمد بن یعقوب(1407ق)، الکافی،  طهران ،دار الکتب الإسلامیة، ج‏6 ، ص48.

(4).المجلسی، محمد‌باقر(1395ق). بحار الأنوار (ج101، ص131). طهران: دارالکتب الإسلامیة.

(5).الحر العاملی، محمد بن حسن(1412ق). وسائل‏الشیعة (ج15، ص129). طهران: نشر مهر.

(6).المجلسی، محمدباقر(1395ق). بحار الأنوار (ج49، ص120). طهران: دارالکتب الإسلامیة.

(7).نوری، حسین(1407ق). مستدرک الوسائل (ج15، ص170). بیروت: آل البیت.

(8).الحر العاملی، محمد بن حسن(1412ق). وسائل الشیعة (ج15، ص104). طهران: نشر مهر.

(9).المجلسی، محمدتقی(1367ق). مرآة العقول (ج21، ص.87). طهران: دارالکتب الإسلامیة.

(10).نفس المصدر، ص84.

قراءة 944 مرة