أما عقيلة الوحي والنبوة: فأبوها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أخو النبي ووليّه، ووزيره ونجيّه، ووارث علمه ووصيّه، وأوّل الناس إيمانا باللّه، وأعلمهم بأحكامه فتى الإسلام شجاعة، وتقى، وعلما، وعملا، وزهدا في الدنيا، ورغبة فيما عند اللّه.
وأمّها فاطمة الزهراء، سيّدة نساء العالمين، وخير نساء أهل الجنة وأفضلهن بحكم النصّ الصريح الصحيح، وإجماع الأمة كافة، آثرها اللّه عز وجل بذريّة نبيّه، فإنّ ذريّة كل نبيّ من صلبه، إلّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فإنّ ذريته إنّما هي من علي وفاطمة.
وجدّها لأمّها: سيّد المرسلين، وخاتم النبيين محمد صلّى اللّه عليه وآله، البشير النذير، السراج المنير، وكفى بذلك فخرا.
وجدّتها لأمها: خديجة بنت خويلد، أم المؤمنين، صدّيقة هذه الأمة، وأولها إيمانا باللّه، وتصديقا بكتابه، ومواساة لرسوله صلّى اللّه عليه وآله.
قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام عن اللّه عز وجل، ويبشّرك ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب«.
فقالت في جوابه: اللّه عز وجل هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، وعلى رسول اللّه وعلى جبرائيل السلام، ورحمة اللّه وبركاته.
انفردت برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خمسا وعشرين سنة، لم تشاركها فيه امرأة ثانية، ولو بقيت ما شاركها فيه أخرى، وكانت شريكته في محنته طيلة أيامها معه، تقوّيه بمالها، وتدافع عنه بكل ما لديها من قول أو فعل، وتعزّيه بما يفاجئه به الكفّار في سبيل الرسالة وأدائها، وكانت هي وعلي عليه السّلام معه في غار حراء، إذ نزل عليه الوحي أوّل مرة.
ولمّا ماتت خديجة وأبو طالب، وكانت وفاتهما في عام واحد، حزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عليهما حزنا شديدا، وسمّاه عام الحزن، وأوحى اللّه سبحانه إليه في ذلك العام، «أن أخرج فقد مات ناصرك»، فكانت الهجرة المباركة.
هاجر وفي قلبه ذكرى لصدّيقته المواسية، فكان يكثر ذكرها وبرها والصدقة عنها، حتى قالت عائشة: ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين قد هلكت فأبدلك اللّه خيرا منها؟ !!
فتغيّر وجه النبي صلّى اللّه عليه وآله ورد عليها غضبان: «واللّه ما أبدلني خيرا منها، آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدّقتني حين كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقني منها ولدا إذ حرمني من غيرها«.
وجدّ زينب لأبيها: شيخ الأباطح، وبيضة البلد، أبو طالب بن عبد المطلب، عمّ النبي القائم في كفالته مقام أبيه، إذ مات أبوه عبد اللّه وهو جنين، ثم مات جدّه عبد المطلب، والنبي في السابعة من عمره الشريف، فكفّله عمه أبو طالب، فكان أفضل أب عطوف، لم يغفل عمّا يجب له لحظة واحدة، ولم يسلّمه إلى طغاة قريش، وقد لجّوا في طغيانهم يعمهون، إذ طلبوه منه، ولا سيّما إذ سمعوه صلّى اللّه عليه وآله يقول: «واللّه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أموت دونه«.
فيحنو عليه حنوّ المرضعات على الفطيم، وهو يقول: (اذهب وشأنك فو اللّه لا أسلّمك لشيء أبدا).
وهو القائل من قصيدة يخاطب بها طغاة قريش:
ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذّب * لدينا ولا نعبا بقول الأباطل
يلوذ به الهلّاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وميزان صدق لا يخيس شعيرة * ووزّان حقّ وزنه غير غائل
وقال من قصيدة أخرى:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خطّ في أول الكتب
أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي ذنب
أليس أبونا هاشم شدّ أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
وقال مخاطبا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من قصيدة أخرى:
أنت النبي محمد * قرم أغرّ مسوّد
لمسوّدين أكارم * طابوا وطاب المولد
ولقد عهدتك صادقا * بالقول لا تتزيّد
ما زلت تنطق بالصواب * وأنت طفل أمرد
أنى تضام ولم أمت * وأنا الشجاع العربد
وكان ممّا نادى معلنا:
يا شاهد اللّه عليّ فاشهد * أني على دين النبي أحمد
من شك في الدين فإنّي مهتدي
إلى كثير من أمثال هذه الدرر والغرر، الدالة على علوّ مكانته في الإيمان، وحسن بلائه في حمايته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
وجدّة زينب لأبيها: فاطمة بنت أسد بن عبد مناف بن هاشم، زوجة أبي طالب عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وأول هاشمية ولدت لهاشمي.
كانت من السابقات إلى الإسلام، فحسن إسلامها، وأوصت إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله إذا حضرتها الوفاة، فقبل وصيتها، وكفّنها بقميصه، وصلّى عليها ونزل في لحدها، فاضطجع معها فيه.
فقال له بعض أصحابه: ما رأيناك صنعت بأحد هذا الصنع.
فقال: «إنّه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها، إنّما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها «.
هذا نسب العقيلة.
الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء (عليها السلام) وعقيلة الوحي زينب (عليها السلام)، السيّد عبد الحسين شرف الدين (رضوان اللّه عليه)