وأمّا الاستدلال بالخبر الآخر وهو قوله (صلى الله عليه وآله): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لانبي بعدي»([1]) فإنه يدل على النصّ من وجهين: أحدهما: أنّ هذا القول يقتضي حصول جميع منازل هارون من موسى لأمير المؤمنين من النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلآ ما خصّه الاستثناء المنطوق به في الخبر من النبوة، وما جرى مجرى الاستثناء وهو العرف من اُخوّة النسب، وقد علمنا أن من منازل هارون من موسى (عليهما السلام) هي: الشركة في النبوّة، واُخوّة النسب، والتقدّم عنده في الفضل والمحبّة والاختصاص على جميع قومه، والخلافة له في حال غيبته على اُمّته، وأنّه لو بقي بعده لخلفه فيهم.
وإذا خرج الاستثناء بمنزلة النبوة، وخص العرف منزلة الاُخوّة ـ لأن كل من عرفهما علم أنهما لم يكونا ابني أب واحد ـ وجب القطع على ثبوت ما عدا هاتين المنزلتين من المنازل الاُخر. وإذا كان في جملة تلك المنازل أنه لو بقي لخلفه ودبرّ أمر اُمَته، وقام فيهم مقامه، وعلمنا بقاء أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وجبت له الإمامة بعده بلا شبهة، وإنما قلنا إنّ هارون لو بقي بعد موسى (عليه السلام) لخلفه في اُمته، لأنه قد ثبتت خلافته له في حال حياته، وقد نطق به القران في قوله تعالى: ﴿وَقال مُوسى لأخِيهِ هارونَ آخلُفنِي فِي قومِي﴾([2]) وإذا ثبتت له الخلافة في حال الحياة وجب حصولها له بعد الوفاة لو بقي إليها، لأن خروجها عنه في حال من الأحوال مع بقائه حطّ له عن مرتبة سنية كانت له، وصرف عن ولاية فوضت إليه، وذلك يقتضي التنفير، وقد يجنب الله تعالى أنبياءه من موجبات التنفير ما هو أقل ممّا ذكرناه بلا خلاف فيه بيننا وبين المعتزلة، وهو الدمامة المفرطة، والخلق المشينة، والصغائر المستخفة، وان لا يجبهم فيما يسألونه لاُمتهم من حيث يظهر لهم.
وأما الوجه الآخر من الاستدلال بالخبر على النص فهو: أن تقول: قد ثبت كون هارون (عليه السلام) خليفة لموسى (عليه السلام) على أمَته في حياته ومفترض الطاعة عليهم، وإن هذه المنزلة من جملة منازله منه، ووجدنا النبي (صلى الله عليه وآله) استثنى ما لم يرده من المنازل بعده بقوله: «إلآ أنَه لا نبيَ بعدي» فدل هذا الاستثناء على أن ما لم يستثنه حاصل لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعده، وإذا كان من جملة المنازل الخلافة في الحياة وثبتت بعده فقد تبين صحة النصّ عليه بالإمامة.
وإنما قلنا: إن الاستثناء في الخبر يدل على بقاء ما لم يستثن من المنازل بعده؛ لأنّ الاستثناء كما أن من شأنه إذا كان مطلقاً أن يوجب ثبوت ما لم يستثن مطلقاً، فكذلك إذا قيد بحال أو وقت أن يوجب ثبوت ما لم يستثن في ذلك الوقت، وفي تلك الحال ألا ترى أنّ قول القائل: ضربت أصحابي إلاّ أنّ زيداً في الدار يدلّ على أنّ ضربه أصحابه كان في الدار لتعلّق الاستثناء بذلك، والأسئلة والجوابات في الدليل كثيرة، وفيما ذكرناه هنا كفاية لمن تدبره.
وأمّا ما تختصّ الشيعة بنقله من ألفاظ النصوص الصريحة على أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلى الأئمّة من أبنائه: بما لم يشاركها فيه مخالفوها فممّا لا يُحصى، أوَ يُحصى الحصى؟! ولا يمكن له الحصر والعدّ، أوَ يُحصر رملٌ عالج ويعد؟
أعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي
([1]) تقدم في صفحة: 326.
([2]) الأعراف 7: 142.