حازت السيدة الزهراء عليها السلام لقب سيدة نساء العالمين لمناقب وفضائل اختصت بها دون غيرها من النساء ، فضلاً عن جهادها لإصلاح الواقع الاجتماعي والذي يفضي بالنتيجة لإصلاح الواقع السياسي الاقتصادي فأصبحت بهذه الجهود قدوة لنساء العالم اجمع .
ولغرض الاقتداء بها لابد من معرفة تلك المناقب ولاسيما، التي وردت في القرآن الكريم لأنه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كقوله تعالى :
أولاً :- قوله تعالى: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا([1])
اختصت هذه الآية بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها حيث روى ابو سعيد الخدري عن رسول الله (ص) قال : نزلت هذه الآية في خمسة فيَ وفي علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام([2]) .
ويفسر الطبري ذلك بان هؤلاء هم اهل البيت الذين اختصهم الله برحمة منه وطهرهم تطهيرا([3]).
وعن جابر قال :نزلت هذه الآية على النبي (ص) وليس في البيت الا فاطمة والحسن والحسين وعلي ، فقال النبي (ص) ان هؤلاء اهل بيتي ([4]).
وما يشير الى اختصاص الآية بهذه العائلة الكريمة ما وراه انس ان النبي (ص) كان يمر ببيت فاطمة ستة اشهر فيقول ([5]): (وانما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً)
وعن كلثوم المحاربي عن ابي عمار قال : اني لجالس عند واثلة بن الاسقع اذ ذكروا عليا فشتموه فلما قاموا ، قال : اجلس حتى اخبرك عن هذا الذي شتموه : اني عند رسول الله (ص) اذ جاءه علي وفاطمة وحسن وحسين فألقى عليهم كساء له ثم قال : اللهم هؤلاء اهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً([6])
وعن ام سلمة جاءت فاطمة الى الرسول (ص) ببرمة لها قد صنعت منها عصيدة تحملها على طبق فوضعته بين يديه فقال اين ابن عمك وابناك فقالت في البيت فقال ادعيهم فجاءت الى علي فقالت اجب النبي (ص) انت وابناك ، قالت ام سلمة فلما رآهم مقبلين مدَ يده الى كساء فبسطه واجلسهم عليه ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة فضمه فوق رؤوسهم فقال اللهم هؤلاء اهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا([7])
ومما يدل على الشرف الرفيع لآل بيت الرسول (ص) في هذه الآية ما رواه الراغب الاصفهاني في معنى كلمة (رفع) يقول : الرفع يقال تارة في الاجسام الموضوعة اذا اعليتها عن مقرها على نحو قوله تعالى (ورفعنا فوقكم الطور) ([8])وتارة في البناء اذا طولته نحو قوله ( واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت) ([9]) وتارة في الذكر نحو ( ورفعنا لك ذكرك)([10])وتارة في المنزلة اذا شرفتها نحو قوله تعالى (في بيوت اذن الله ان ترفع )([11]) ونحو قوله ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)([12]).
ثانياً : قوله تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )([13])
يعد الحوار العقائدي من اصعب الحوارات واعقدها بسبب ارتباطها بالعقيدة وتمسك كل طرف بمسلماته التي نشأ عليها ، وقد اطلق القرآن الكريم على هذا الحوار الحجاج لكونه يتطلب الحجة والدليل فيما بين المتحاورين .
وقد حصل هذا الحجاج حين قدم الى مدينة الرسول (ص) سبعون عالماً من كبار الديانة المسيحية قدموا من مدينة نجران اليمنية ([14]) والتقوا بالرسول (ص) وبدأ الحجاج حول طبيعة السيد المسيح (ع) وكان رسول الله (ص) يجيبهم بأدلة دامغة الا انهم اصروا على عنادهم فقال لهم النبي (ص)مستشهداً بقوله تعالى ( ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) ([15]) .
ومع ذلك لم يقتنع المسيحيون فقال لهم باهلوني فان كنت صادقاً نزلت اللعنة عليكم وان كنت كاذباً نزلت اللعنة عليَ فواعدوه الى الغد ([16]).
وفي اليوم الثاني بعث النبي (ص) الى اهل المدينة ليشاهدوا حادثة المباهلة ، ثم امر بكساء اسود فنشر بين شجرتين واقبل الناس ، ثم غدا الرسول (ص) آخذاً بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة وبين يديه الامام علي بن ابي طالب عليه السلام ، ثم تقدم رسول الله (ص) فجثا على ركبتيه ليدعو الله فقال كبير النصارى ( لقد جثا كما يجثو الانبياء)([17]).
وروى الخوارزمي ان النبي (ص) خرج وعلي بين يديه والحسن على يمينه والحسين على شماله وفاطمة خلفه ثم قال : هلموا فهؤلاء ابناؤنا الحسن والحسين وهؤلاء انفسنا علي بن ابي طالب وهذه نساؤنا فاطمة، فجعلوا يستتر بعضهم ببعض تخوفاً ان يبدأهم بالملاعنة ثم اقبلوا حتى بركوا بين يديه ([18]) .
ان دلالات المباهلة تشير الى امور مهمة ابرزها :
– ان تعيين شخصيات المباهلة هو اختيار الهي حسب قول الرسول (ص) : لو يعلم الله في الارض عباداً اكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني ان اباهل بهم ([19])
– ان ظاهرة الاقتران الدائم بين الرسول (ص) واهل بيته تعبر عن مضمون رسالي يحمل دلالات فكرية وروحية وسياسية .
– ان يوم المباهلة اشتمل على كرامات عدة مثل انه اول يوم فتح الله فيه باب المباهلة الفاصلة ، وهو اول يوم الزم فيه أهل الكتاب من النصارى بدفع الجزية ، ومن آياته أظهر الله عظمة السيدة الزهراء عليها السلام ، وهذا اليوم هو بيان برهان الصادقين .
ثالثاً : قوله تعالى ( ويطمعون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً واسيرا)([20])
عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في علي وفاطمة أصبحا وعندهم ثلاثة ارغفة فاطعموا مسكيناً ويتيماً واسيرا فباتوا جياعاً فنزلت فيهم هذه الآية ([21]) .
ويروي القرطبي ان الحسن والحسين (ع) حينما مرضا نذر الامام علي (ع) وسيدتنا الزهراء (ع) لأن عافاهما الله ان يصوم ثلاثة ايام ، وحين افطارهم طرق الباب مسكين وقال السلام عليكم يا اهل بيت محمد …. فأطعموه، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً الا الماء القراح، وهكذا تكرر مع اليتيم والاسير ، فلما ان كان في اليوم الرابع وقد قضى الله النذر اخذ بيد الحسن والحسين واقبل نحو رسول الله يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما ابصرهم رسول الله (ص) قال يا ابا الحسن ما اشد ما يسوئني ما ارى بكم انطلق بنا الى ابنتي فاطمة فانطلقوا اليها وهي في محرابها فلما رآها رسول الله بكى ، وقال واغوثاه يا الله ، فهبط جبريل عليه السلام وقال السلام عليكم ربك يقرئك السلام يا محمد ، خذ هنيئاً في اهل بيتك قال : وما آخذ ؟ فاقرأه هل اتى على الانسان ….. الى قوله ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً واسيرا )([22]) .
ويروي ابن الجوزي عن ابن عباس ان الامام علي (ع) سقى نخلا بشيء من شعير ليلة حتى اصبح وقبض الشعير وطحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه فلما تم انضاجه اتى مسكين فاخرجوا اليه الطعام ، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم انضاجه اتى يتيم فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم انضاجه اتى اسير فأطعموه، وطووا يومهم ذلك فأنزلت هذه الآية ([23]) .
ومهما اختلفت طرق واسباب الاطعام فأن جميع الروايات تؤكد نزولها في السيدة الزهراء وابنيها وزوجها عليهم السلام .
رابعاً: قوله تعالى (انا اعطيناك الكوثر)([24])
يقول الشيخ الطبرسي ان الكوثر هو الشيء الذي شأنه الكثرة ، والكوثر هو الخير الكثير وهو على صيغة (فوعل) من الكثرة قال عطاء: هو حوض النبي (ص) الذي يكثر عليه الناس يوم القيامة ([25]) ويروى هو النبوة والكتاب ([26]) .
وقيل هو كثرة النسل والذرية وقد ظهرت الكثرة من نسل النبي (ص)في ولد فاطمة (ع) حتى لا يحصى عددهم ([27]) . يروى ان الكوثر نهر في الجنة ([28])، وفسر الكوثر ايضاً بالعلم والعمل والنبوة والكتاب وشرف الدارين وبالذرية الطيبة وبالشفاعة ([29]) .
ويجمع السيد الخوئي جميع الآراء بقوله ان الكوثر هو الخير الكثير من جميع الجهات اما في الدنيا فشرف الرسالة وهداية الخلق وزعامة المسلمين والنصر على الاعداء وكثرة الذرية من بضعته الصديقة الطاهرة التي توجب بقاء اسمه ما دامت الدنيا باقية ، وأما في الآخرة فالشفاعة الكبرى والجنان العالية والحوض الذي لا يشرب منه الا هو وأولياؤه ([30]) .
الا ان الباحث يميل الى رأي السيد الطباطبائي حيث يعرض كل الاقوال والآراء ثم يقول ( وكيفما كان فقول الباري عز وجل في آخر السورة : ان شانئك هو الابتر . وظاهرة الابتر هو المنقطع نسله .. أن كثرة ذرية النبي (ص) هي المرادة وحدها بالكوثر ، ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله : إن شانئك هو الابتر خالياً من الفائدة) ([31]) . ويمكن ترجيح هذا الرأي استناداً الى معنى الابتر وهو الاقل والاذل المنقطع دابره ([32]) ومن ثم فان المراد بالكوثر هم نسل السيدة الزهراء عليها السلام وانتشارهم في الارض وكثرتهم عكس نسل اعدائها الذين انقطع دابرهم .
[1] سورة الاحزاب ، آية 33-
[2] الطبري : جامع البيان ،ج22،ص9-
[3] -المصدر نفسه
[4] -الحسكاني : شواهد التنزيل ،ج2،ص29-
[5] – ابن كثير : تفسيره ،ج2،ص492-
[6] – الطبري : جامع البيان ، ج22، ص10-
[7] – النحاس : معاني القرآنج5،ص348، الجصاص : احكام القرآن ،ج3، ص471. النيسابوري : اسباب نزول الايات ، ص329
[8] -سورة البقرة ، آية 63
[9] -سورة البقرة ، آية 127
[10] سورة الشرح آية 4-
[11] سورة النور ، آية 36.-
[12] سورة الاحزاب ، آية 33؛الراغب الاصفهاني . مفردات غريب القرآن –ص210
[13] سورة آل عمران ، آية 61-
[14] ابن هشام : السيرة ، ج2،ص412 ، ابن حجر : الاصابة ،ج5، ص347-
[15] سورة آل عمران ، آية 59-
[16] سورة آل عمران آية 61: القمي : تفسيره ،ج4، ص10-
[17] الشيخ الطبرسي : اعلام الورى ، ج1،ص256-
[18] المناقب ،ص160-
[19] عبد الله الحسيني، المباهلة ،ص66-
[20] سورة الانسان ،آية 8-
[21] الحسكاني : شواهد التنزيل ،ج1،ص402-
[22] القرطبي : تفسيره ،ج19، ص134-
[23] زاد السير ، ج2،ص145-
[24] سورة الكوثر ، آية 1-
[25] تفسير مجمع البيان ،ج10، ص418-
[26] المصدر نفسه ،ج10،ص459-
[27] : تفسير غريب القرآن ،ص275-
[28] مجاهد : تفسيره ، ج2،ص79؛ الطبري : جامع البيان ،ج30،ص414-
[29] الكاشاني : التفسير الاصمعي ،ج2،ص1483 –
[30] البيان في تفسي القرآن ، ص98-
[31] تفسير الميزان ،ج20،ص369-
[32] – الطبري : جامع البيان ،ج30،ص326؛ الراغب الاصفهاني: مفردات غريب القرآن ، ص36